تشكو العديد من شركات القطاع الخاص، التي لديها عقود حكومية قائمة، من تأخر الجهات المتعاقد معها في سداد المستحق عليها من دفعات وفقاً لمواعيد استحقاقها، ما يزيد طين أزمة «كورونا» بلة على الشركات المتعاقدة، ويعمّق مشاكل السيولة المعقدة لديها، إلى الدرجة التي يجعل بعضها غير قادر حتى على الوفاء بالتزاماته الشهرية، وفي مقدمتها دفع رواتب العاملين على قوة تلك العقود.
وفي هذا الخصوص، قالت مصادر مسؤولة في إحدى الشركات إنه إذا كان تأخير الدفعات من قبل جهات حكومية أمراً ليس وليد أزمة «كورونا»، إلا أنه بات في عهدها أكثر وضوحاً، خصوصاً بالنسبة لعقود المقاولات والإنشاء، والعقود الخدمية، وفي مقدمتها النظافة.
وكشفت أن هناك شركات عديدة لم تتسلم أي مبالغ من الوزارات منذ بداية السنة، في حين تطالب المؤسسات الحكومية تلك الشركات بالانتظام بسداد رواتب الموظفين على تلك العقود، ما يشكل عليها ضغوطاً مالية قد تؤدي إلى إفلاسها، بسبب نقص السيولة لديها.
ولفتت إلى أن تأثير تأخر تدفقات الدفعات الحكومية على الشركات المتعاقدة أصبح ملحوظاً بشكل أكبر خلال أزمة كورونا التي كان من تداعياتها إغلاق اقتصادي ولدّ أزمة سيولة لدى غالبية الشركات، مشيرة إلى أن ما زاد من الآثار السامة لهذه الأوضاع ضعف البيئة التشغيلية التي أصبحت غير مواتية في مختلف القطاعات الاقتصادية، نتيجة تداعيات انتشار الفيروس.
وأكدت المصادر أن من شأن تعطيل دفعات المقاولين وشركات الإنشاء أن يؤخر إنجاز المشاريع الحكومية محل التعاقد، باعتبار أن ذلك يؤدي إلى نضوب السيولة لدى هذه الشركات ومن ثم تعطلها في دفع رواتب موظفيها، الذين قد يضطرون إلى التوقف عن العمل، أو ترك هذه الشركات والبحث عن أخرى.
وذكرت أن هذا التأخير يدفع بقوة إلى إدخال الشركات المتعاقدة مع جهات حكومية عموماً في مشاكل مالية، قد تتطور إلى قانونية، في ظل عدم قدرة الكثير منها على دفع مستحقات العاملين لديها على قوة تلك العقود، في ظل نقص السيولة لديها.
وأشارت إلى أنه لا يحق للوزارة محاسبة الشركات المتعطلة دفعاتها لتأخيرها في سداد الرواتب، طالما أن الوزارة لم تدفع لها مستحقاتها، مبينة أن العرف الدارج في التعامل بين الوزارات والشركات أن الأولى تدفع الفاتورة الشهرية للشركة، والأخيرة تقوم بسداد الرواتب شهرياً، ومن ثم تطالب بفاتورة أخرى.
وتعدد مصادر في شركات متضررة أسباباً أدت إلى استفحال ظاهرة تأخر تحصيل الدفعات المستحقة من الجهات الحكومية منذ بدء انتشار فيروس كورونا، رغم التزام الشركات بشروط والتزامات التعاقد، تشمل التالي:
1 - التوجه نحو التقشف
في ظل تنامي العجز المالي بالميزانية العامة، وتراجع مستويات السيولة في صندوق الاحتياطي العام التي تستخدم لتغطية المصروفات العامة، زاد التشدد مع الجهات الحكومية في الصرف، في مسعى لدفعها إلى مزيد من التقشف المالي وشد الحزام.
وبالطبع، ومع الأزمة المالية المزدوجة المحققة بسبب تصاعد تداعيات أزمة «كورونا» الاقتصادية حكومياً وعلى القطاع الخاص، وتراجع أسعار النفط خلال الفترة الماضية، أصبح هناك نقص بالسيولة لدى الجميع، ومن ضمنها الجهات المديونة بالدفعات، ما ترتب عليه تأخر دفعات العديد من الشركات المستحقة على جهات حكومية، رغم أن هذا الأمر لا يجب أن يكون، مراعاة للتأثيرات الاقتصادية التي ضربت الموارد المالية للشركات وأصابت بعضها بالنضوب.
وتلقي الشركات المتضررة باللوم في تأخير دفعاتها على وزارة المالية، التي باتت - حسب قولهم - أكثر تشدداً في اعتماد أي مصروفات غير متعلقة بـ«كورونا».
وتقول المصادر «التقشف الحكومي أضر بسيولة الشركات من خلال تأخر دفعاتها، رغم أن هذه الشركات تعمل وفق عقود قائمة وملتزمة بما نصت عليه تلك العقود»، مضيفة «لا بد أن تعي الجهات الحكومية المختلفة أن شركات القطاع الخاص تعاني من شح سيولة، وأن تأخير دفعاتها يفاقم تلك المشكلة ويهدد بتحولها إلى أزمة ملاءة تهدد وجود الكثير من الشركات».
2 - الإغلاق الحكومي
تسبب الإغلاق الحكومي الممتد وتعطيل أعمال الوزارات والمؤسسات الحكومية منذ 12 مارس الماضي حتى الآن في وقف إجراءات اعتماد وصرف الدفعات المستحقة للكثير من الشركات، ما تسبب في أزمة سيولة لدى الشركات.
هذا التأخير بالنسبة للعديد من الشركات لا يشمل الدفعات المستحقة عن أشهر الإغلاق الثلاثة، بل يمتد لأشهر سابقة، لم تنتهِ إجراءات سداد مستحقاتها، ما يزيد معاناة تلك الشركات المتضررة أصلاً بالأوضاع الاقتصادية القائمة، ويفاقم من أزمة السيولة لديها.
وتشير المصادر إلى معضلة أخرى، فإضافة إلى تأخير دفعات عقود قائمة، تسبب الإغلاق الحكومي في تعطيل اعتماد عقود جديدة لشركات مع جهات حكومية، بعد أن وصلت تلك العقود إلى المراحل النهائية لتوقيعها، وقامت تلك الشركات بالاستعداد لتنفيذ تلك العقود عبر توفير العمالة والمعدات المطلوبة في العقد.
3 - الروتين لا يزال طاغياً
رغم قرار مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في 31 مارس الماضي، الذي أوصى بتسريع الدورة المستندية لسداد التزامات الوزارات لصالح الشركات، إلا أن ذلك عملياً لم يتحقق.
ونص قرار المجلس على «توجيه الجهات الحكومية بتسريع الدورة المستندية لسداد الالتزامات المستحقة للقطاع الخاص بالسرعة الممكنة»، بغية معالجة مشكلة السيولة التي تعاني منها الشركات المورّدة نتيجة الإغلاق الاقتصادي وفقاً لإجراءات احتواء تفشي فيروس كورونا، إلا أن مصادر تؤكد أن الروتين يحتاج إجراءات عديدة لتفكيك العقليات المتشبعة بالبيروقراطية، حتى تنجح الجهات الحكومية في تفهم أهمية سداد الدفعات المستحقة عليها لشركات القطاع الخاص.
وتشير المصادر في هذا الجانب إلى أن الدورة المستندية الطويلة لا تزال قائمة، والتي تشمل موافقات عديدة ومتشعبة في أكثر من جهة، منها الجهة الحكومية المتعاقدة وجهاز المراقبين الماليين ووزارة المالية.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}