يرى الكثير من الاقتصاديين والعاملين في مؤسسات الدولة المختلفة الأهمية من مشروع دمج صناديق التقاعد الـ11 لما لهذا الدمج من جدوى اقتصادية واجتماعية واستثمارية، خصوصا في ضوء ما يبذل من جهود لإعادة هيكلة الكثير من الأجهزة الإدارية في السلطنة وتنظيمها ودراسة أوضاعها بما يعود بالفائدة على الجميع أفرادا ومؤسسات.
ويعد موضوع دمج صناديق التقاعد أحد المشاريع الاستراتيجية التي مضى الحديث عليها سنوات، لكنها لم ترَ النور، وهو ما يفتح المجال اليوم لإعادة “الوطن الاقتصادي” فتح هذا الملف المهم الذي بالتأكيد ـ وحسب آراء الخبراء والاقتصاديين ـ سيمثل نقلة نوعية على مستوى إدارة هذه الصناديق وتوظيف رؤوس أموالها واستثمارها بشكل يحقق عوائد مالية واقتصادية على الدولة والمنضوين تحت إدارة هذه الصنايق.
“الوطن الاقتصادي” التقى بعدد من الخبراء والمختصين الذين يرون أهمية دمج الصناديق في هذه المرحلة الانتقالية المهمة في مسيرة النهضة المباركة التي يقودها مولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ ومع استعداد السلطنة أيضا لبدء تنفيذ رؤية “عمان 2040”، والإعلان عن الخطة الخمسية العاشرة التي ستفتح مسيرة عمل جديدة في هذا العهد المتجدد لنهضتنا العمانية المباركة.. حيث يبدو دمج صناديق التقاعد واحدًا من أبرز الملفات المطروحة للتعديل خلال الفترة القادمة.
الدكتور يوسف بن حمد البلوشي، خبير اقتصادي سابق في البنك المركزي العماني، والمجلس الأعلى للتخطيط، وعضو في فريق رؤية “عمان 2040”، قال: إن دمج صناديق التقاعد في كيان واحد ضرورة حتمية خلال المرحلة القادمة، إذ تأتي في إطار التحولات الهيكلية التي تعمل عليها السلطنة خلال هذه المرحلة للاستعداد للانطلاق إلى مرحلة جديدة من النمو قائمة على نموذج اقتصادي أكثر استدامة.
وأضاف قائلًا: دمج صناديق التقاعد يعد ضمن أولويات وتوجهات استراتيجية رؤية “عمان 2040” والتي تركز على وجود كيانات كبيرة قادرة على تحقيق التأثير المطلوب، سواء بتحقيق عوائد استثمارية لأموال هذه الصناديق، وكذلك الحد من التباين في المزايا التقاعدية والاستقطاعات، وتوجد منظومة مستدامة لفرص العمل في السلطنة، ومن جانب آخر فإن أزمة جائحة فيروس كورونا وتداعياتها على انحسار الطلب العالمي، وتدهور أسعار النفط ألقت بظلالها على السلطنة، كما هو بالنسبة للعديد من دول العالم، وبالتالي فالأمر يتوجب إعادة النظر في العديد من الملفات وبينها صناديق التقاعد؛ لأن المرحلة المقبلة ـ كما ذكرنا ـ هي مرحلة الكيانات الكبيرة القادرة على تحقيق التأثير والكفاءة بدلا من وجود 11 صندوق تقاعد بـ11 إدارة للاستثمار والتباين والتنافس غير المحمود بين هذه الصناديق في الفرص الاستثمارية، وعدم تركيزها فيما يخدم أهداف التنمية في الأجلين المتوسط والطويل، لذا يجب أن يكون هناك انسجام وتناغم في أداء كل هذه الصناديق بحيث تكون تحت مظلة واحدة وبإدارة واحدة.
فوائد عديدة
وأشار يوسف البلوشي إلى أن دمج صناديق التقاعد في صندوق واحد من شأنه أن يحقق العديد من الفوائد، ويتربع على رأسها ما يعرف بالعقد الاجتماعي أو إدارة العلاقة بين الحكومة وأفراد المجتمع ومؤسسات الأعمال، والتي تتطلب وجود عدالة اجتماعية وعدم وجود تباين في الدخول التقاعدية أو غيرها، وكذلك يخدم هدف الانتقال إلى القطاع الخاص؛ لأن من خلال وجود صندوق تقاعدي واحد من المؤكد أن المزايا التقاعدية سوف تأخذ في الاعتبار الكوادر الوطنية في القطاع الخاص، الأمر الذي سيشجع السلطنة للانتقال إلى نسق وطور جديد من التنمية قائم على الإنتاج في القطاع الخاص والاستثمار، بالإضافة إلى التصدير، وهذا ما تسعى إليه رؤية “عمان 2040” وما تستلزمه الظروف الحالية.
تباين كبير في صندوق التقاعد
وأضاف البلوشي: من المأخوذ علينا في السلطنة من قبل صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي أن هناك تباينا كبيرا في صناديق التقاعد في السلطنة، وهذه المنظومة غير سوية لتحقيق تنمية مستدامة. وعليه، يجب التعامل مع هذا الملف وعدم تركه من غير حزم، وكما ذكرت أن هذا الموضوع يأتي في إطار التحولات التي تستهدفها السلطنة في هذه المرحلة، ويتماشى مع التغيرات التي نشاهدها كل يوم، إذ إن هذا الملف من الملفات الكبيرة التي يجب العمل عليه بسرعة وبحزم، ومن المؤكد أن انتقالنا إلى صندوق تقاعد واحد سيكون هناك تضحيات من البعض، ولكن هذا الأمر لا بد منه لتحقيق الفائدة في الأجلين المتوسط والطويل.
وقال: أيًّا ما كان الأمر فيما يتعلق بدمج صناديق التقاعد، هناك ضرورة حتمية إلى أن ترافق هذا الملف حملة توعوية مجتمعية تبث الأهداف من الإقدام على مثل هذه الخطوة، وإطلاع المجتمع والمتعاملين مع هذه الصناديق على أهمية الدمج والمكاسب المتأتية منه، والأضرار في بقاء وضع الصناديق على ما هي عليه الآن؛ لأن العالم مقبل على مرحلة حاسمة ومعركة حامية الوطيس فيما يتعلق باستدامة النموذج القائم حاليا، ويجب الاستعداد والعمل من خلال كيانات قوية، كيانات صندوق تقاعدي كبير قادر على المساهمة في الاستثمار بقطاعات التنويع الاقتصادي والقطاعات الاستراتيجية، والدخول في شراكات مع شركات الاستثمار الأجنبي وغيرها، وهذا ما تحتاجه السلطنة في المرحلة القادمة.
تحقيق العدالة
وقال الدكتور محمد بن حميد الوردي، أكاديمي ومحلل اقتصادي: يناشد الكثير من المواطنين بتوحيد منافع صناديق التقاعد في السلطنة مع وجود 11 صندوقا تقاعديا، وتتفاوت بحدة في مميزاتها ومنافعها من حيث المرتب التقاعدي ومنحة التقاعد، وقد صدرت الأوامر السامية في عام 2013 من المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور ـ طيب الله ثراه ـ بإجراء دراسة لتوحيد الصناديق التقاعدية وفقا لنظام التقاعد بديوان البلاط السلطاني، ولكن إلى الآن لم يتم دمج أو توحيد هذه المنافع.
وأشار إلى أن دمج صناديق التقاعد مهم من عدة نواحٍ، بينها تحقق العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص بين المواطنين بما يضمن تعزيز الولاء والتلاحم الوطني، كما أن دمج الصناديق سيؤدي إلى توحيد الجهود الاستثمارية للصناديق من خلال تأسيس كيان أكبر وبملاءة مالية كبيرة قادرة على منافسة ومواكبة المستجدات، وخصوصا رؤية “عمان 2040” القائمة على استثمارات القطاع الخاص والصناديق التقاعدية لدعم الاقتصاد الوطني، كما أن الدمج سيؤدي إلى تقليل التكاليف وتعظيم العوائد المرجوة من هذه الصناديق، بالإضافة إلى توحيد الرقابة المركزية على العمل وأداء هذه الصناديق بدلا من تشتتها الحالي.
توحيد الاستراتيجيات وتنظيمها
وحول أهم الخطوات التي يجب العمل عليها خلال الفترة القادمة بما يضمن تحقيق العوائد المرجوة من الدمج، أشار الدكتور محمد الوردي إلى أن أبرز تلك الخطوات وجود الإرادة السياسية لهذا الدمج، والتي بواسطتها ستتذلل كافة الصعاب المتوقعة، أما الخطوة الثانية فتتمثل في توحيد منافع التقاعد، خصوصا المتعلقة بالمرتب التقاعدي والمنحة بما يضمن العدالة الاجتماعية بين المواطنين، وتكمن الخطوة الثالثة في توحيد صناديق التقاعد في صندوق حكومي واحد مما يؤدي إلى توحيد الاستراتيجيات الاستثمارية وتنظيمها، بالإضافة إلى تعزيز الرقابة المركزية على هذه الصناديق لتقليل التكاليف وتعظيم الفوائد المرجوة، والتي ستؤدي إلى تقليل العجوزات الاكتوارية التي تعاني منها كافة الصناديق الحكومية في الوقت الحالي من عجز اكتواري حاد.
مشاريع عملاقة
وأضاف الوردي: تم مؤخرا دمج الصناديق والشركات الحكومية في جهاز الاستثمار العماني، فكذلك يمكن دمج صناديق التقاعد، وأية اختلافات أو إشكاليات يمكنها حلها كإشكاليات المساهمات ومنافع التقاعد بالتعامل الحسابي حسب مساهمة كل صندوق.. مؤكدا أن الجدوى الاقتصادية لدمج صناديق التقاعد ستسهم في تشكيل كيان بملاءة مالية أكبر قادر على القيام بمشاريع عملاقة ترفد النهضة التنموية في السلطنة، وتدعم الاقتصاد الوطني، وتواكب رؤية “عمان 2040”، أما الجدوى الاجتماعية للدمج فإنها تكمن في ضمان تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص بين المواطنين بما يضمن تعزيز الولاء والتلاحم الوطني، وضمان القدرة المستقبلية للصناديق على الإيفاء بالتزاماتها المالية تجاه المواطنين بما يضمن سبل العيش الكريم للمواطن، وباندماج صناديق التقاعد نأمل أن يتراجع العجز الاكتواري الحاد لهذه الصناديق، ومواصلة دعمها للمسيرة التنموية الاقتصادية للسلطنة من خلال توفير فرص عمل للأجيال الشابة.
كيان مالي قوي
وقال محمد بن حسن العنسي رئيس لجنة تنظيم سوق العمل بغرفة تجارة وصناعة عمان: في ظل الظروف الاقتصادية الحالية من انخفاض أسعار النفط والتباطؤ الاقتصادي الحالي، يتوجب دمج جميع صناديق التقاعد من أجل تصحيح الوضع المالي والاقتصادي لهذه الصناديق، وخفض المصاريف المالية، وتقليل المخاطر وتوحيد الجهود.
وأضاف قائلا: هذه الصناديق تعد متشابهة في الاستثمارات والأهداف، ويستوجب حاليا دمج جميع صناديق التقاعد، على أن يكون هناك كيان قوي يساعد على نمو هذه الصناديق ويعطي ثقلا اقتصاديا، ويعزز الكفاءات من خلال توحيد الجهود في جهاز استثماري واحد قادر على النمو والتطور، وعدم التأثر بالأوضاع الاقتصادية، وأيضا يتماشى مع تطلعات السلطنة المتوافقة مع رؤية “عمان 2040”.
وأوضح: إن اندماج صناديق التقاعد سوف يوجد كيانا ماليا قويا قادرا على المنافسة والاستمرارية في ظل الظروف والأزمات الاقتصادية، وإيجاد استثمارات متنوعة تسهم في دعم الاقتصاد المحلي، وتعزز الشراكة مع القطاع الخاص وتنمية ريادة الأعمال وإيجاد فرص العمل للشباب.
صندوقان للتقاعد
إبراهيم السالمي نائب الرئيس التنفيذي لمجموعة أي بي كيو التعليمية قال: مما لا شك فيه أن أثرا اجتماعيا واقتصاديا يترتب جراء هذا التقسيم والفصل بين صناديق التقاعد، ورغم قناعتي الشخصية بالتمايز والتفاوت بين مختلف القطاعات من حيث العمل والجهد والعطاء، إلا أنها تبقى مكفولة بما يتميز به الموظف أثناء عمله وهو في الوظيفة، ولا ينبغي أن يكون التمايز والفروقات لمرحلة التقاعد، ولكي أتحدث بتوازن واستدراك أيضا لبعض القطاعات التي ينبغي أن ترى أن تميزها في هذا الجانب هو دافع لجذب الأشخاص إلى مؤسساتها، ولكي تصنع لهم الحافز فإني أقترح أن يكون هناك صندوقان للتقاعد فقط، صندوق للقطاع المدني ويشمل القطاع الخاص وصندوق آخر للقطاع العسكري والأمني، حيث إن هذا القطاع يستحق أن يميز من باب الحمل الذي ينوء به من أجل الجميع، وأما القطاع المدني فيشمل القطاع العام والقطاع الخاص بميزة تقاعدية واحدة موحدة للجميع وبنسب محددة بناء على سنوات العمل وراتبه قبل التقاعد، وقد يكون من الممكن دراسة نسبة محددة لمن شاء أن يدفعها زيادة من نفسه في سنوات عمله من أجل الادخار لمرحلة التقاعد.
وفيما يتعلق بالأهمية الاقتصادية والاجتماعية لمشروع دمج صناديق التقاعد وأهمية ذلك أيضا بالنسبة للفرد والمؤسسة، قال السالمي: النظرة الاقتصادية في الدمج لا شك هي نظرة إيجابية، حيث إن قوة المال هي العصب الحقيقي للاستثمار، وهذا الدمج سوف يتيح ملاءة مالية أكبر للاستثمار ولتنويعه أيضا، وكذلك لتنويع الخدمات والتسهيلات التي يمكن أن تقدم للمتقاعدين.
ميزات تقاعدية مبتكرة
وأضاف السالمي: التغير الذي حدث في الأنظمة والقوانين طوال سنوات النهضة مرده دائما الأوضاع التي عليها الناس، ولكن اليوم نحتاج لتغيير النظم والتشريعات والقوانين بسبب أوضاع الناس والوضع المالي والاقتصادي للبلاد في آن واحد.
وأوضح قائلا: تحديث نظم التقاعد لا ينبغي أن يكون فقط حول توحيد الصناديق ودمجها أو التقليل منها عددا، هناك فئة مهمة وشريحة كبيرة من المجتمع لا بد من الاهتمام بها على مستويات أكبر من مسألة راتب شهري، حيث يمكن أن تحدد لهم ميزات خاصة في استخدام المرافق والخدمات الحكومية، ويمكن أن تكون لهم الأولوية في بعض المواطن التي تبنى عليها منافسة الحضور، ويمكن أن يكون للمتقاعدين ناديهم الخاص في كل محافظة، ويمكن للمتقاعدين أن يكون لهم بطاقة خدمية خاصة بالاستفادة من الأماكن السياحية وأماكن الترفيه، وغيرها من الخدمات والميزات المبتكرة التي يمكن أن يتم الاشتغال عليها.
وأسأل الله التوفيق والسداد لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ ويوفقه في إكمال المسيرة المباركة والنهضة المتجددة لعماننا الحبيبة.
مشاريع استثمارية
محمد بن سالم بن محمد الكلباني قال: أتفق مع دمج صناديق التقاعد وبشدة، فأهمية هذه الخطوة تكمن في المقام الأول في إيجاد رأسمال كبير من شأنه أن يعزز من مكانة الصندوق.
وأضاف: إن الأهمية الاقتصادية والاجتماعية في إنشاء صندوق موحد تتمثل في إيجاد رأس مال ضخم لهذه الصناديق يمكن استثماره في مشاريع كبيرة بمقدورها أن تمثل رافدا لتغذية رأس مال هذه الصناديق وزيادة الأصول.
أما من الناحية الاجتماعية فلا شك أن الدمج سيؤدي إلى المساواة في توحيد حقوق المتقاعدين ومكافأة نهاية الخدمة لجميع القطاعات الحكومية.. ولا شك أن رأس المال الضخم سيمثل مظلة أمن اجتماعي للجميع.
وقال الكلباني: من الضرورة بمكان البدء في إيجاد مشاريع متنوعة وتشغيل رأس مال الصندوق الموحد في ظل وجود إدارة عمانية بنسبة 100 بالمائة، على أن يتم تأهيل الشباب العماني في كافة التخصصات التي تحتاجها تلك المشاريع، مع وجود إشراف حقيقي ومسؤول من قبل جهة حكومية معينة.. ومن هذه المشاريع يمكن أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر.. إنشاء جمعيات تعاونية يشارك فيها الصندوق بالحصة الأكبر وتطرح باقي الأسهم للاكتتاب من قبل الجمهور، ما سيعزز الشراكة المجتمعية ويزيد من دخل أفراد المجتمع، ويقلل من هيمنة القوى العاملة الوافدة والمسيطرة على هذا القطاع المهم بشكل غير عادي. علما أن عوائد تلك المشاريع كبيرة جدا، ناهيك عن فرص العمل التي يمكن توفيرها. وهناك مشاريع كثيرة جدا جدا لا يمكن حصرها في هذه المساحة البسيطة، والجميع على دراية بها كالاستثمار في محاجر الرخام، وفي قطاع الذهب، وصيد وتسويق الأسماك محليا وعالميا.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}