نبض أرقام
04:09 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/24
2024/11/23

ما حك جلدك مثل ظفرك .. لماذا يجب أن ينتبه المستثمر بسوق الأسهم لكل حرف في القوائم المالية؟

2020/06/19 أرقام - خاص

"في إدارات الشركات هناك ذلك النوع الذي يتصرف بنفس المنطق الذي يدفع مريضًا مصابًا بمرض خطير إلى أن يخبر طبيبه: "لا أستطيع تحمل كلفة العملية الجراحية، فهلا قبلت مبلغًا صغيرًا لتعديل الأشعة السينية لتظهر وكأنه لا شيء هناك".
 


 

على لسان المستثمر الأمريكي الشهير "وارن بافيت" جاءت العبارة السابقة ضمن خطابه السنوي لمساهمي شركته "بيركشاير هاثاواي" في عام 1991، والذي حرص فيه كعادته على تثقيف الحضور من المهتمين بفن الاستثمار، وقال الرجل هذه الكلمات في معرض حديثه حول الإدارات عديمة الضمير التي تستخدم الخدع المالية لإخفاء الحقائق غير السارة عن المستثمرين.
 

الإنكار لا يفيد
 

يشبه "بافيت" حال هذه الشركات بحال المريض الذي يعاني من مرض خطير كشفت عنه صور الأشعة السينية، ولكن بدلاً من قبوله لتشخيص الطبيب لحالته الصحية المتدهورة ومحاولة التعامل معه، يفضّل المريض تجاهل هذه الحقيقة تمامًا وإبعادها عن ناظريه ليطلب من طبيبه أن يقوم ببساطة بتعديل صور الأشعة السينية، ظنًا أنه بذلك أنهى المشكلة.
 

ولكن بغض النظر عن إنكاره وأوهامه المتصورة، لن يختفي مرضه بهذا الشكل، بل سيظل مستقرًا في جسده يزداد تمكنًا منه حتى يقضي عليه في يومه وساعته، وهذا بالضبط ما تفشل كثير من الشركات المدرجة بالبورصة في إدراكه حين تقع في مشاكل، فبدلاً من انتهاج الشفافية والتحلي بالشجاعة وتحمل التبعات، تفضل الهرب للأمام والمشي في الطريق الذي مهما طال ستكون نهايته مأساوية على الأغلب.
 

وأمام انعدام ضمير البعض من المفترض أن هناك خطوط دفاع تحول دون انحراف هؤلاء وتلاعبهم ببيانات الشركة المالية وتضييعهم لمصلحة المساهمين، وربما أهم هذه الخطوط هي الجهات التنظيمية المنتبهة والبيئة القانونية الرادعة والحوكمة الداخلية المنضبطة وشركات المراجعة الصارمة.
 


 

ولكن للأسف في عدد غير قليل من الحالات عادة ما يجد المستثمر نفسه في العراء دون حماية وحيدًا في مواجهة عواقب تلاعب الإدارة التي اخترقت بسهولة تلك الخطوط وكأنها غير موجودة بالأساس، والأمثلة كثيرة وربما بعضها حاضرٌ بقوة في أذهانكم الآن.
 

ولذلك، من الضروري أن يفهم المستثمر أنه هو نفسه خط الدفاع الأول وربما الوحيد ويتصرف على هذا الأساس. باختصار، من مصلحتك كمستثمر أن تجتهد في دراسة وفحص والبيانات المالية للشركة التي تحمل سهمها ضمن محفظتك، وأن تنظر دائمًا إلى كل بند من بنودها بحثًا عما قد يثير الشك.
 

وتأكد أن الشركة المتلاعبة مهما بلغت حرفيتها في إخفاء مصائبها ستترك دائمًا ثغرة لا يكتشفها إلا من يدقق ويحاول البحث عن إجابات منطقية لكل ما هو مريب، كما في المثال الذين سنستعرضه معًا في هذا التقرير.
 

ورطة لها حل خبيث!
 

ماذا تفعل لو كنت مديرًا لشركة مدرجة في البورصة بدأت أعمالها تتدهور فجأة وترغب في إخفاء ذلك عن المستثمرين؟ أغلبكم ربما ليس لديه فكرة، ولكن في عام 2010 وجدت شركة الإلكترونيات اليابانية "أولفاك" حلاً ذكيًا لهذه المعضلة، ولكنه انطوى على خدعة محاسبية شيطانية.
 

انظر إلى الجدول التالي والذي يوضح النتائج المدققة للشركة في الأعوام المالية المنتهية في يونيو 2008 و2009 و2010.
 

النتائج المالية المبلغ عنها من قبل "أولفاك" في أعوام 2008 و2009 و2010

(بالمليون ين ياباني)

العام المالي 2008

العام المالي 2009

نسبة التغير

العام المالي 2009

العام المالي 2010

نسبة التغير

المبيعات

241212

223825

(-7 %)

223825

221804

(-1 %)

الربح التشغيلي

9081

3483

(-62 %)

3483

4809

38 %

 

حين تدقق في الجدول السابق ستلاحظ أنه بعد مرور "أولفاك" بفترة صعبة خلال عام 2009 الذي شهد انخفاض المبيعات بنسبة 7% وانهيار الربح التشغيلي بأكثر من 60%، جاء عام 2010 حاملًا بشرى سعيدة للشركة ومساهميها، ففي تحول مثير جدًا للإعجاب نجحت الشركة في الحفاظ على مبيعاتها عند نفس المستوى تقريبًا، ورفع أرباحها التشغيلية بنسبة 38%.

 

للوهلة الأولى، يبدو للجميع أن هذه الريمونتادا المثيرة للإعجاب يقف وراءها على الأغلب إدارة محترفة كانت قادرة على خفض التكاليف، وهذا هو التفسير الأكثر منطقية في ضوء ثبات المبيعات نسبيًا وارتفاع الربح التشغيلي بهذا الشكل. ولكن للأسف لم يكن هذا هو الحال، بل إن كل ما في الأمر هو أن الشركة تلاعبت بسياساتها المحاسبية لكي تبدو بياناتها المالية في حال أفضل مما هي عليه في الواقع.
 

كيف فعلتها؟ هذا هو السؤال
 

ما قامت به "أولفاك" ببساطة هو تغير طريقة اعترافها بإيراداتها في بياناتها المالية من طريقة "العقد المنجز" (Completed-contract) إلى طريقة "نسبة الإتمام أو الإنجاز" (Percentage of Completion) والتي تسمح للشركة بإثبات الإيرادات المترتبة على العقود طويلة الأجل على أساس نسبة تكاليف ما تم إنجازه خلال تلك الفترة إلى إجمالي التكاليف التقديرية اللازمة لإنجاز تلك العقود، وذلك على عكس الطريقة الأولى التي لا تسمح بتسجيل الإيرادات إلا بعد إكمال العقد.
 

وهكذا تمكنت "أولفاك" من الاعتراف بإيراداتها في موعد أبكر من المعتاد، وبالنسبة التي تريدها.
 

يوضح الجدول التالي كيف كانت ستبدو نتائج "أولفاك" لو التزمت بنفس طريقة الاعتراف بالإيرادات التي تتبعها دائمًا قبل أن تتحول فجأة إلى طريقة نسبة الإنجاز.
 

نتائج أولفاك في عامي 2009 و2010 في حال عدم تغيير السياسة المحاسبية

بالمليون ين ياباني

بيانات الشركة لعام 2009

بيانات الشركة لعام 2010

الفارق بين طريقتي الاعتراف بالإيرادات

النتائج المعدلة للشركة لعام 2010

نسبة التغير المعدلة

المبيعات

223825

221804

(44037)

177767

(-21 %)

الربح التشغيلي

3483

4809

(12033)

(7224)

(-307 %)

 

من الجدول السابق يستطيع المستثمر أن يستنتج أن المبيعات لم تكن مستقرة نسبيًا في عام 2010 كما توحي البيانات المالية الصادرة عن الشركة، بل إنها في حقيقة الأمر تدهورت بأكثر من 20%. ونفس الأمر بالنسبة للربح التشغيلي، والذي انهار بأكثر من 300% ولم يتحسن كما تحاول الشركة أن توهم المستثمرين.
 


 

ولكن لعدم رغبتها في رؤية الصدمة على وجوه المستثمرين حين يعرفون حقيقة الأداء المالي للشركة، وجدت إدارة "أولفاك" حلاً متمثلًا في تغيير سياسة الاعتراف بالإيرادات لديها وتحويلها إلى طريقة "نسبة الإنجاز". ومشكلة هذه الطريقة هي أن الشركة إلى حد كبير هي من تقدر نسبة ما تم إنجازه في العقد، وعلى هذا الأساس تسجل الإيرادات في بياناتها المالية.
 

لو نظر المستثمر تحت قدميه
 

المثير للاهتمام هو أن شركة المراجعة المسؤولة عن تدقيق بيانات "أولفاك" لم تقف كثيرًا عند التغيير المفاجئ الذي شهدته السياسة المحاسبية للشركة، وقبلت التفسيرات غير المقنعة من قبل الشركة اليابانية لسبب إقدامها على هذا الإجراء، ووافقت على صدور البيانات المالية للشركة بهذا الشكل.
 

أما الجزء الأكثر إثارة للدهشة والسخرية في هذه القصة فهو أن "أولفاك" اليابانية أشارت في ركن الإيضاحات أسفل بياناتها المالية لعام 2010 إلى أنه وفق سياسة الاعتراف بالإيرادات التي كانت تتبعها دائمًا فإن المبيعات تراجعت بنسبة 21% في عام 2010 وسجلت خسارة صافية!
 


 

ولكن لم ينتبه أحد لهذه المعلومة والتي جاءت في سطر واحد تقريبًا وسط عشرات السطور الموجودة في جزء الإيضاحات الممل عادة والذي نادرًا ما ينتبه إليه المستثمر، وظل العنوان الرئيسي الذي يتداول ويستثمر على أساسه السوق: "أولفاك" حققت في عام 2010 أداءً استثنائيًا مسجلة ريمونتادا قوية من عام 2009 الصعب.
 

قد يشتكي المستثمر من أن العنوان السابق مضلل وغير حقيقي، وهو كذلك فعلًا، ولكن في هذه الحالة تحديدًا كانت هذه هي مسؤولية المستثمرين وليست مسؤولية الشركة التي أعفت نفسها بخبث حين ذكرت الحقيقة في الإيضاحات، وهذا هو سبب عدم مواجهتها لأي تبعات أو مشاكل قانونية. ولكن في النهاية يبقى السؤال: هل يحمي السوق المغفلين؟
 

المصادر: أرقام – معهد "سي إف إيه" – بيركشاير هاثاواي

كتاب: Financial Shenanigans

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.