على الرغم من محاولات الحكومة مواجهة عجز الموازنة العامة، وتمكنها من رفد الاحتياطي العام بـ2.2 مليار دينار قبل أسبوعين من خلال مبادلة أصول مع احتياطي الأجيال، فإن الخيارات المتاحة لديها لمواصلة هذا النهج تضيق يوماً بعد يوم، إذ لن يكفي هذا المبلغ مصروفات الدولة أكثر من 80 يوماً تقريباً.
وفقاً للإجراءات التقشفية التي اتخذتها الحكومة بتخفيض ميزانية وزارات الدولة بحد أدني %20، فإن حجم ميزانية 2020/2021 سيدور حول 18 مليار دولار، ما يعني أن الحكومة ستحتاج في المتوسط إلى 1.5 مليار دينار شهرياً لتغطية احتياجاتها، منها نحو 750 مليون دينار لرواتب الموظفين ونحو 330 مليوناً للدعوم، وهو ما يعني أنه بمضي أسابيع قليلة سيعود الاحتياطي العام إلى المربع الأول مرة أخرى.
فالميزانية العامة حتى بعد الإجراءات المتخذة لتخفيض بند المصروفات فيها بنحو %20 إضافة الى الغاء تحويل نسبة الـ%10 من الايرادات لمصلحة صندوق الاحتياطي العام، ستكون بحاجة الى برميل نفط بقيمة 65 دولاراً لتحقيق التعادل ما بين المصروفات والإيرادات، وهو الأمر الذي لا يمكن تحقيقه في الوقت الحالي مع متوسط اسعار حوالي 43 دولاراً للبرميل مما يشير الى استمرار عجز الموازنة خلال الفترة المقبلة بحوالي 9 مليارات دينار.
من الجدير بالذكر، أن الحكومة تعاني ضغطاً آخر يسير بالتوازي مع ضغوط العجز، وهو عدم إقرار ميزانية السنة المنتهية لكي تبدأ في ميزانية السنة الجديدة، علماً أن هذا السبب هو ما عطَّل صرف دعم العمالة للمقيدين على الباب الخامس والثالث، ولم يتم إنجازه إلا باستثناء.
ووفقا لوقائع معروفة فإن الحكومة تؤجل دفعات الموردين والمقاولين لحين إقرار الموازنة الجديدة، ما يتسبب في مشاكل عدة، كان آخرها مطالبة المستشفيات الأميركية بنحو 700 مليون دولار ديون متأخرة، وما حدث مع عقد «عافية» الذي كان على وشك التوقف، وصندوق المشروعات الصغيرة التي لا تستطيع تمويل مشروعات جديدة بسبب عدم تزويدها بجزء من رأسمالها وغيرها وغيرها.
في وسط تلك الظروف، فإن الحكومة ما بين خيارات محدودة، أما تسييل أصول، وهذا مستبعد في الوقت الحالي على الأقل أوالتقشف الفوري، الذي بدأته بتخفيض ميزانية الوزارات، لكنه قد يتبع بإجراءات صعبة من قبيل زيادة رسوم الخدمات وترشيد الدعم وفرض ضرائب وتلك الاجراءات دونها عقبات كثيرة.
الخيار الثالث، هو الاسراع بإقرار قانون الدين العام، والبدء فوراً بإجراءات إصدار السندات محلياً وعالمياً لجمع ما بين 4 إلى 5 مليارات دينار، وان كان الأفضل جمع تلك المبالغ من الأسواق الخارجية، للحصول على سعر أفضل، وتوفير قدر أكبر من العملة الصعبة، فضلاً عن الحصول على أسعار فائدة أفضل من السوق المحلي.
فقد بات إقرار قانون الدين العام ضرورة حتمية تفرضها الظروف، وعلى الحكومة ومجلس الأمة التوافق عليه بأسرع ما يمكن، لضمان استمرارية الصرف على الموازنة، لا سيما أن جميع البدائل المطروحة غير ذات جدوى، ولا يمكنها تلبية احتياجات صندوق الاحتياطي العام بالسيولة للازمة على المدى القصير، كما أن الحديث عن الاستدانة من صندوق الأجيال القادمة عبر قانون، هو أمر غير مجد بالمرة لأسباب عدة، منها الفارق الكبير بين الفائدة المقررة على الاقتراض من الأسواق في الوقت الحالي التي لن تتجاوز %1.5، وبين العوائد التي يحققها الصندوق على الاستثمارات به التي تصل إلى حوالي %7.
الاستدانة من الخارج
ووفقا لمصادر حكومية، فإن الاستدانة من الخارج تضمن إيجاد جو رقابي خارجي على المصروفات يضمن توجيهها في القنوات المستحقة بعكس الاستدانة من صندوق الأجيال القادمة والذي سيعطي أريحية كبيرة للحكومة في الصرف دون مبالاة، مع اختفاء أية ضمانات لرد إقساط القرض في مواعيدها، بل قد يتطور الأمر إلى طلب قروض إضافية وهكذا، لحين التأثير بشكل فعلي على صندوق الأجيال المخصص بالأساس لفترة ما بعد النفط.
وأشارت المصادر إلى أن السيولة، التي ستدخل الخزينة عبر الاستدانة من خلال قانون الدين العام، من شأنها أن تعطي الحكومة المهلة اللازمة لإنجاز الإصلاحات المالية والاقتصادية المطلوبة، ملمحة إلى أن تمرير قانون الدين العام وحده لن يكون ذا جدوى، ما لم يتبعه إجراء إصلاحات تساهم في ترشيق الموازنة وتخفيف مصروفاتها بصورة ملائمة.
5 إجراءات لإصلاح الموازنة
1 - تخليص الموازنة من تحكّم الإيرادات النفطية، الذي تسبّب في تحميل الميزانية ضغوطاً كبيرة وجعلها مرهونة بتطورات أسعار النفط العالمية، الأمر الذي يدفع نحو زيادة الإيرادات غير النفطية عبر فرض الرسوم والضرائب بطريقة ملائمة.
2 - ترشيد الدعم الحكومي في الموازنة، والذي وصل إلى حوالي 4 مليارات دينار في مشروع الميزانية الجديدة، بزيادة سنوية وصلت إلى %6.4.
3 - ترشيق الجهاز الإداري في الحكومة عبر إلغاء أو دمج الوزارات والإدارات المتشابهة.
4 - إيقاف عمليات الصرف خارج بنود الموازنة والالتزام فقط بالمصروفات الواردة في الموازنة.
5 - العمل على تنفيذ برنامج لتحفيز الاقتصاد، لتمكين القطاع الخاص من التوسّع وجذب الكوادر الوطنية والمشاركة بقوة في الاقتصاد الوطني، الأمر الذي لن يتم إلا بزيادة الإنفاق الاستثماري بالموازنة من جهة، وتحرير بعض القطاعات الاقتصادية من سيطرة الحكومة، إضافة الى تخلّي الحكومة عن دورها كمشغّل لجميع أو أغلب الخدمات والقطاعات، لتكون مديرا يراقب ويشرف على الجهات التي تقوم بتلك الأدوار.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}