في مايو من عام 2006، احتشد نحو 20 ألف مستثمر في الاجتماع السنوي لشركة "بيركشاير هاثاواي"، وذلك من أجل الاستماع إلى رئيس الشركة والمستثمر الأمريكي الأشهر على الإطلاق "وارن بافيت".
وفي نهاية كلمته التي نصح فيها الحضور بتجنب الاستثمار في الصحف، وحذرهم خلالها أيضًا من فقاعة عقارية تلوح في الأفق، شن "بافيت" هجومًا على صناديق التحوط؛ بسبب الرسوم الكبيرة التي تفرضها على المستثمرين مقابل وعد بالتغلب على السوق وتحقيق نتائج أفضل من جمهور المستثمرين.
قال بافيت: "إذا كانت زوجتك على وشك الولادة فمن الأفضل أن تتصل بأخصائي التوليد بدلًا من فعلها بنفسك. وإذا كان هناك تسرب بأنابيب الصرف لديك، فربما يجب عليك استدعاء سباك.. معظم أصحاب المهن يمتلكون قيمة مضافة لا يملكها الشخص العادي إلا مهنة إدارة الاستثمار، وذلك على الرغم من أن العاملين بها يحصلون سنويًا على 140 مليار دولار نظير إدارة أموال المستثمرين".
وأشار "بافيت" إلى أن كل مدير من مديري صناديق التحوط يعتقد أنه الاستثناء وأنه بإمكانه التفوق على السوق حتى بعد حساب الرسوم الباهظة التي يحصلون عليها من المستثمرين، وذلك قبل أن يستدرك قائلًا إن بعضهم بالتأكيد يتمكن من فعلها، ولكن على المدى الطويل نادرًا ما يهزم أحد السوق.
مَن يراهن بافيت؟
في تحدٍ واضح للحضور، قال "بافيت" إنه على استعداد للدخول مع أي شخص في رهان بقيمة 500 ألف دولار على أن الصندوق المطابق لمؤشر "ستاندرد آند بورز 500" سيتفوق من حيث العائد على أي مجموعة من صناديق التحوط التي يديرها الخبراء بعد مرور 10 سنوات.
الصندوق المطابق لمؤشر "ستاندرد آند بورز" الذي أشار إليه "بافيت" هو عبارة عن صندوق يضم نفس الأسهم المكونة لمؤشر "ستاندرد آند بورز" بنفس الوزن، وهو ما يعني أن أداءه يعكس بالضبط أداء المؤشر. وبما أنه صندوق غير مدار ويتبع تموجات السوق صعودًا وهبوطًا فإن الرسوم المفروضة على المستثمرين فيه ضئيلة جدًا بالمقارنة مع الرسوم التي تفرضها صناديق التحوط والمدارة بالطريقة النشطة.
في ذلك الاجتماع لم يتجرأ أحد ليتقدم ويتحدى "بافيت" ويدخل معه في الرهان، ثم مرت أيام وأسابيع وشهور إلى أن جاء "تيد سيديس" مدير الاستثمار بشركة الاستشارات وإدارة الأصول "بوتيجيه بارتنرز" في يوليو 2007، وأعلن قبوله للدخول في الرهان مع "بافيت"، مؤكدًا أن صناديق التحوط بإمكانها فعلًا التفوق على السوق على المدى الطويل.
وتوقع " سيديس" أن فرصة شركته في الفوز بالرهان تقترب من 85%، وكان يرى أنه حتى لو خسر فإن الدخول في رهان مع شخص بأهمية "وارن بافيت" سيحقق الكثير من الدعاية لشركته.
بداية كارثية لـ"بافيت"
بسبب عدم قانونية الاستفادة المالية من المراهنات في الولايات المتحدة، اتفق كل من "بافيت" و"سايدز" على أن يختار كل منهما جمعية خيرية يتبرع الفائز لأحدهما بالأموال التي سيحصل عليها من الطرف الآخر، وعلى أي حال، بالنسبة لكليهما لم يكن هذا الرهان يتعلق بالمال بقدر ما يتعلق بفكرة: أيهما على حق؟
بدأ الرهان في 2007، واختار "بافيت" الاستثمار في صندوق "فانجارد" المطابق لمؤشر "ستاندرد آند بورز 500"، في المقابل اختار "سيديس" الاستثمار بمجموعة تضم 5 صناديق تحوط لم يتم الكشف أبدًا عن أسمائها للعامة، غير أن "بافيت" كان على علم بها ويطالع بشكل دوري نتائجها السنوية.
رهان "بافيت" و"سيديس" الذي بدأ باستثمار قدره 320 ألف دولار لكل منهما كان من المتوقع أن تصل قيمته إلى مليون دولار في نهاية مدة العشر سنوات، هذا المبلغ إما سيؤول إلى منظمة خيرية في لندن اختارها "سايدز" أو إلى أخرى اختارها "بافيت" في مسقط رأسه.
في السنوات الأولى للرهان كان أداء مؤشر "ستاندرد آند بورز" كارثيًا، فتحت تأثير الأزمة المالية العالمية انخفضت قيمة المؤشر بنسبة 45% مقارنةً مع أعلى مستوى له في عام 2007، وفي نهاية السنة الأولى تغلبت صناديق "سيديس" على الصندوق الذي اختاره "بافيت".
في ذلك الوقت تراجعت قيمة استثمار "بافيت" بنسبة 37% في حين انخفضت قيمة استثمار "سيديس" بنسبة 23.9% فقط، وعلى الرغم من أن الوضع لم يكن في صالحه إلا أن "بافيت" حافظ حس الدعابة لديه، وقال حينها: "آمل فقط أن يكون إيسوب (كاتب إغريقي) على حق عندما تصور أن السلحفاة ستتفوق على الأرنب".
السلحفاة أم الأرنب؟
في السنوات التالية تحسّن أداء مؤشر "ستاندرد آند بورز" وارتفعت معه قيمة استثمار "بافيت" التي تجاوزت قيمة استثمار "سيديس" لأول مرة في السنة الخامسة من الرهان.
ومنذ ذلك الحين لم يستعد "سيديس" أبدًا الصدارة مرة أخرى، وظل "بافيت" في المقدمة بفضل أداء صندوقه الذي حقق عائدًا تجاوز نظيره لدى صناديق التحوط التي اختارها "سيديس"، واستمر الوضع على هذه الحال إلى أن انتهت العشر سنوات في عام 2017 بفوز "بافيت" بالرهان.
على مدار فترة الرهان التي استمرت لعقد من الزمان حقق الصندوق الذي اختاره "بافيت" عائدًا سنويًا مركبًا قدره 7.1%، في حين لم يتجاوز العائد على استثمار "سيديس" الـ2.2% وذلك بعد احتساب الرسوم التي حصلت عليها صناديق التحوط.
حصلت المؤسسة الخيرية التي اختارها "بافيت" على الأموال ولم يكن أمام "سيديس" سوى الاعتراف بخسارته، غير أنه أشار إلى أن "بافيت" كان محظوظًا إلى حد كبير وأن أداء مؤشر "ستاندرد آند بورز" خلال تلك الفترة فاق توقعاته.
وهكذا تفوق السوق بتقلباته على خبراء صناديق التحوط الذين حصلوا على رسوم باهظة نظير أداء شديد الضعف، وربما يذكرنا هذا بعبارة كتبها الاقتصادي الأمريكي "بيرتون مالكييل" في كتابه الصادر في عام 1973 تحت عنوان "المشي العشوائي في وول ستريت" منتقدًا فيها الاستثمار النشط:
"إن باستطاعة قرد معصوب العينين تكوين محفظة استثمارية تحقق أداءً شبيهاً لتلك التي يكونها الخبراء".
المصادر: أرقام – ميديام
كتاب: Simply Invest: Naked Truths to Grow Your Money
كتاب: A Random Walk Down Wall Street
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}