"كلما زادت المخاطرة، زاد العائد المتوقع".. مقولة يحفظها عن ظهر قلب الأغلبية العظمى من المستثمرين.
ومع ذلك يبدو في كثير من الأوقات أن الجزء الثاني منها هو ما يعلق في الذهن فقط، بينما يميل البعض لتجاهل الخطر وحذفه من حساباتهم تماماً.
لكن مع الاعتراف بأهمية تحقيق الربح، فإن التركيز على حماية ما تملك يظل الأمر الأكثر أهمية في عالم الاستثمار.
الخروج أولاً
يهتم الكثير من المستثمرين بتحديد السعر الذي يعتبر مناسباً من وجهة نظرهم لشراء سهم ما، بالنظر إلى توقعاتهم للصعود المحتمل وبالتبعية الربح الذي قد يحصلون عليه.
لكن أول وأهم درس في إدارة المخاطر يتمثل في ضرورة تحديد نقطة الخروج قبل بدء الاستثمار الفعلي.
"برونس كوفنر" المستثمر الشهير ومؤسس صندوق "سي إيه إم كابيتال" يعتبر أن الخسائر التي تعرض لها في بداية تعاملاته في السوق - أحدها تسببت في فقدانه نصف إجمالي مكاسبه في يوم واحد - منحته درساً مهماً في إدارة المخاطر.
"لا أدخل أي استثمار بدون معرفة متى سأخرج منه، هذه هي الطريقة الوحيدة التي تجعل النوم أمراً ممكناً".
يحدد "كوفنر" نقطة مسبقة للخروج من الاستثمار بناءً على تقييم بسيط يتمثل في "إلى أين لا يجب أن يذهب السوق إذا كنت محقاً بشأن فكرة التداول".
لماذا يحدد وقت الخروج منذ البداية؟، لأن ذلك هو آخر وقت يمكن أن يمتلك فيه المستثمر حس الموضوعية.
فحينما يدخل الشخص بأمواله في أي سهم يفقد حاسة الموضوعية ليتحول إلى المماطلة والخوف والطمع، لقد أصبح الأمر شخصياً جداً لدرجة أن الحكم المحايد لم يعد ممكناً.
وبالتالي فإن تحديد نقطة الخروج بشكل مبكر يضمن استراتيجية استثمارية منضبطة للتحكم في المخاطر، ويزيل الانفعالات من عملية إدارة الأموال.
الأمر الأهم هنا هو ضرورة الالتزام بما تم تحديده مسبقاً، وعدم اللجوء إلى تحريك نقطة الخروج لاحقاً سواء على أمل استعادة الخسائر أو طمعاً في مزيد من الأرباح، الانضباط يجب أن يكون كاملاً.
فضيلة الاعتراف بالخطأ
ما يميز المستثمر الذكي هو قدرته على الاعتراف بالحقيقة وعدم خداع النفس بحجج واهية لتفادي الإقرار بالخطأ.
إذا توقع مستثمر أن شركة ما سوف تشهد أداءً مالياً قوياً في نتائج أعمالها المتوقع صدورها قريباً، فمن المنطقي أن يتجه إلى شراء السهم أملاً في ارتفاعه بعد إعلان الأرباح الكبيرة المنتظرة.
لكن إذا خرجت القوائم المالية للشركة بأداء باهت يقل كثيراً عن توقعات السوق، فإن السهم سيبدأ في الهبوط مع خيبة الأمل التي انتابت المستثمرين.
هنا قد يصبح من الصعب بالنسبة للبعض الاعتراف بخطأ التوقع والاتجاه للخروج من السهم، مع الرغبة المتأصلة في السعي لتفادي الخسارة.
بينما المستثمر الذكي سيعترف سريعاً بخطأ توقعه ويخرج من هذا الاستثمار بحثاً عن آخر يعوض به خسائره السابقة.
ويحكي "ستيف كوهن" الملياردير ومدير صندوق التحوط "بوينت 72" إنه قام باقتراض سهم ما بغرض البيع "شورت سيلنج" عند سعر 169 دولاراً متوقعاً هبوطه في الأيام التالية، لكن القوائم المالية للشركة ظهرت سريعاً وحققت قفزة حادة.
ارتفع السهم بقوة بعد هذا الإعلان، ليقرر "كوهن" الخروج في نفس اليوم وتغطية مركزه عند سعر 187 دولاراً.
اعترف المستثمر الشهير بالخطأ سريعاً وتقبل الخسارة، وهو القرار الذي ثبت صحته لأن في اليوم التالي افتتح السهم جلسة التداول عند 197 دولاراً.
تفادى "كوهن" خسارة أكبر باعترافه السريع بخطأ توقعه وقراره بالخروج بعد انتفاء سبب الاستثمار.
لا يمكن لأي مستثمر أن يربح دائماً، لكن سيصيب توقعه في بعض الأوقات ويخطئ في أوقات كثيرة أخرى، وبالتالي إذا كان الخطأ سيحدث لا محالة، فمن الأفضل أن نقلص حجم الخسائر الناتجة عنه قدر المستطاع.
في الشك.. ابتعد
في كثير من الأحيان، لا يكون الخطأ والصواب بهذا الوضوح ولكن ربما الفارق بينهما يقتصر على خيط رفيع يكاد لا يُرى.
ففي بعض الحالات، قد تدرس كل شيء عن الشركة والسهم قبل أن تقرر الدخول في الاستثمار وأنت واثق من رؤيتك.
ولكن وبينما تنتظر الصعود والربح يفاجئك السوق بعكس ما كنت تتوقعه ويتجه السهم للهبوط لأسباب غير معروفة.
الفارق هنا هو أنه لم يحدث جديد يثبت عدم صحة وجهة نظرك بشأن سلامة هذا الاستثمار، أنت هنا لم تتأكد من خطأك وما زلت تعتقد بصحة الأسباب التي دفعتك للدخول في السهم، لكن السوق يتحرك ضدك وخسائرك - الورقية بالطبع - تتزايد.
يواجه هنا معظم المستثمرين معضلة تتكرر كثيراً: أنا لا أريد أن أشاهد خسائري وهي تزداد حدة، لكن ماذا إذا تخارجت الآن وارتفع السهم بعد ذلك؟.
هذا التضارب الداخلي قد يؤدي لجمود البعض وعدم القيام بأي رد فعل، في الوقت الذي يتواصل فيه تراكم الخسائر.
هنا يرى البعض أنه إذا كان السوق ضدك بدون أن تعرف سبباً في ذلك، فإن أفضل خيار ممكن هو أن تقلص مركزك الاستثماري تدريجياً ولا تقف في موضع المتفرج.
في النهاية، تعتبر الخسارة الجزئية أفضل كثيراً من تصفية الاستثمار بالكامل وتقبل كل الخسائر، كما أن تقليص حيازتك من هذا السهم يخرجك من فخ المماطلة الذي قد يستمر طويلاً.
لكن قد يرفض الكثيرون نهج التسييل الجزئي للاستثمار، لأنه يضمن أنك ستكون على خطأ مهما كانت النتائج التالية.
فإذا تحول السوق وبدأ السهم في الصعود ستشعر حينها بالندم على بيع جزء من حيازتك، بينما في حال استمرار الهبوط بوتيرة أكبر سينتابك حينها الشعور بأنك كان يجب أن تتخلص من كامل هذا الاستثمار.
لكن الفكرة هنا أن الحاجة كي نكون على صواب بنسبة 100% قد تجعلنا نتجه بشكل لا إرادي إلى الخطأ التام.
بينما ينصح "مايكل ماركوس" مستثمر السلع الأمريكي بالخروج من الاستثمار والتفكير برؤية أوضح في حال سيطر الشك على المستثمر.
ويقول "ماركوس": "عندما يكون هناك شك، اخرج من هذا الاستثمار واحصل على ليلة نوم هادئة، في اليوم التالي سيكون كل شيء أكثر وضوحاً، عندما تكون في خضم الاستثمار لا يمكنك التفكير، لكن عندما تخرج منه يمكنك التفكير بوضوح مجدداً".
والواقع يقول إن المخاطر ستظل دائماً جزءاً لا يتجزأ من اللعبة، لكن وضعها في الاعتبار منذ البداية ومدى قدرتك على الاعتراف بالخطأ والتصرف في أوقات الشك ستجعل الأمر أقل وطأة بالتأكيد.
المصادر: أرقام – فوربس – إنفستور كرينيكول
كتاب: The Little Book of Market Wizards
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}