بعد مكاسب قياسية كانت تبدو غير قابلة للتوقف رغم أزمة الوباء، كتب شهر سبتمبر نهاية موجة صعود سوق الأسهم الأمريكي والتي استمرت لمدة خمسة أشهر متتالية.
لكن خسائر وتقلبات "وول ستريت" في الشهر الماضي قد تمثل بداية محتملة لمرحلة تشكك ومخاوف في السوق خلال الفترة المقبلة.
ماذا حدث في سبتمبر؟
- دخل سوق الأسهم الأمريكي شهر سبتمبر مسجلاً مستويات قياسية متتالية بدعم مكاسب تاريخية لقطاع التكنولوجيا بصفة خاصة وسط آمال عريضة تتعلق بتعافي الاقتصاد ودعم بنك الاحتياطي الفيدرالي وحزمة التحفيز الإضافية المحتملة.
- شهد مؤشر "داو جونز" الصناعي الأمريكي صعوداً بنسبة 7.8% في أغسطس الماضي في أكبر مكاسب لهذا الشهر منذ عام 1984، كما ارتفع ""S&P 500 بأكبر وتيرة منذ عام 1986، وقفز "ناسداك" 9.6%.
- بالفعل، استمر الأداء القياسي في "وول ستريت" في أول يومين من شهر سبتمبر، ليتجاوز المؤشر الصناعي 29 ألف نقطة لأول مرة منذ فبراير، كما صعد "ناسداك" أعلى 12 ألف نقطة للمرة الأولى في تاريخه وتخطى ""S&P 500 مستوى 3600 نقطة.
- لكن بعد البداية التاريخية للأسهم الأمريكية في الشهر الماضي، تحول الأداء إلى الهبوط الحاد بفعل عوامل اقتصادية وسياسية وفنية مختلفة.
- وأنهت الأسهم الأمريكية شهر سبتمبر بتسجيل أول تراجع شهري منذ مارس الماضي، حيث فقد "داو جونز" 2.3% من قيمته، وانخفض "S&P 500" بنحو 3.9%، بينما بلغت نسبة هبوط "ناسداك" حوالي 5.2%.
- تمثل خسائر سبتمبر لسوق الأسهم الأمريكي أكبر وتيرة هبوط لهذا الشهر منذ عام 2011 حينما شهدت أوروبا أزمة الديون السيادية وبالتزامن مع خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة من قبل وكالة "ستاندرد آند بورز".
- لا ينفي الهبوط القوي المسجل في شهر سبتمبر حقيقة أن سوق الأسهم الأمريكي سجل مكاسب في إجمالي الربع الثالث من العام الحالي، ليشهد "S&P 500" ثاني صعود فصلي على التوالي والأكبر لأي فصلين متتاليين منذ عام 2009.
- رغم التقلبات والخسائر التي كتبها سبتمبر في السوق الأمريكي، لا يزال مؤشرا "داو جونز" و"S&P 500" أعلى بنسبة 26% من المستوى المسجل في نهاية شهر مارس، بينما ارتفع "ناسداك"بنحو 45% في الستة أشهر الماضية في أكبر صعود منذ عام 2000.
تغير كل شيء
- اصطدمت "وول ستريت" في شهر سبتمبر الماضي بالكثير من العقبات التي تحطمت على صخرتها آمال استمرار التعافي القياسي من القاع المسجل في مارس الماضي.
- شكلت الحركة التصحيحية لأسهم التكنولوجيا الأمريكية العامل الأبرز في الهبوط المسجل في "وول ستريت" على مدار شهر سبتمبر، بعد صعود قياسي متتال لشركات القطاع أثار مخاوف متزايدة بشأن احتمالات وجود فقاعة.
- تراجع سهم "آبل" بأكثر من 13% من القمة المسجلة في الأول من سبتمبر، لتتنازل الشركة عن قيمتها السوقية التاريخية أعلى 2.1 تريليون دولار، كما انخفض "مايكروسوفت" و"أمازون" بنحو 6.7% و 8.7% على الترتيب في الشهر الماضي.
- بعيداً عن الموجة البيعية التي ضربت أسهم التكنولوجيا، تعرضت "وول ستريت" لمخاوف متعلقة بتسارع حالات الإصابة بالوباء لأعلى مستوى منذ يونيو في بعض الدول الأوروبية مثل المملكة المتحدة وإسبانيا وفرنسا وغيرها، ما دفع بعض الدول لإعادة فرض قيود على أماكن الترفيه والتجمعات في بعض المدن والمناطق.
- كما لم تتمكن الشركات التي أعلنت وصول لقاحاتها المحتملة للمرحلة الثالثة من التجارب السريرية من تطوير ناجح ونهائي لمحاولاتها حتى الآن، وسط توقف مؤقت لتجارب "أسترازينيكا" بعد حدوث مضاعفات صحية لأحد المشاركين.
- عامل آخر ساهم في وضع ضغوط هبوطية على سوق الأسهم الأمريكي وهو فشل الكونجرس والبيت الأبيض في الاتفاق على صفقة تحفيز جديدة لدعم الأسر والشركات بعد انتهاء أثر الحزمة الأولى بنهاية يوليو الماضي.
- لا يزال الديمقراطيون يرغبون في حزمة دعم لا تقل عن 2.5 تريليون دولار لدعم الاقتصاد الأمريكي المتضرر من الوباء، في حين يرى الجمهوريون أن أي صفقة تتجاوز 1.5 تريليون دولار لن تكون مقبولة بالنسبة لهم.
- لم تتوقف الآثار السلبية للسياسة على مسألة الخلاف بين الحزبين بشأن حزمة التحفيز الإضافية المحتملة، لكن اقتراب الانتخابات الرئاسية والقلق بشأن نتائجها يبدو بمثابة كابوس للمستثمرين.
- يخشى المشاركون في "وول ستريت" من تأجيل محتمل لإعلان اسم الفائز في الانتخابات الرئاسية، بالإضافة إلى رفض الرئيس "دونالد ترامب" التعليق عما إذا كان سيقر بنتائج الانتخابات في حال خسارته، وهو ما قد يشير إلى معركة قضائية محتملة تضر بمعنويات الأسواق.
- ترى "أكسفورد إيكونوميكس" أن سيناريو تأجيل إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية يظهر في تسعير الأسواق المالية الأمريكية حالياً، محذرة من حدوث فوضى سياسية متعلقة بنتائج السباق نحو البيت الأبيض قد تدفع الأسهم نحو الهاوية.
الغموض يهيمن
- يبدو جلياً للمتابعين أن أسواق الأسهم العالمية بصفة عامة والسوق الأمريكي خاصة على موعد مع فترة من عدم اليقين بالنظر إلى الكثير من التطورات المنتظرة فيما يخص الوضع الصحي والاقتصادي والسياسي.
- ينتظر المستثمرون انعقاد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر المقبل، وسط مخاوف عدم ظهور النتائج بشكل سريع أو حتى رفض أحد المرشحين سواء "دونالد ترامب" أو "جو بايدن" قبول النتيجة النهائية أو الدخول في معركة قضائية، ما قد يدفع "S&P 500" لحركة تصحيحية تصل لنحو 50%.
- كما يمثل الخلاف المستمر بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي بشأن حجم حزمة التحفيز الإضافية المحتملة مصدرا آخر لعدم اليقين لدى المستثمرين، مع احتياج الاقتصاد لدعم إضافي لتجاوز تداعيات الوباء المستمرة حتى الآن.
- وبالطبع لا يزال يشكل "كوفيد-19" وإشارات الموجة الثانية التي تضرب أوروبا والولايات المتحدة المصدر الأبرز لحالة القلق في الأسواق، خاصة مع عدم تطوير لقاح ضد الوباء حتى الآن رغم تجاوز الوفيات حاجز المليون شخص عالمياً.
- لكن إذا كان التاريخ يصلح للحصول على أي إشارات حول المستقبل، فإن مؤشرات الأسهم الأمريكية تميل في 70% من الحالات إلى الصعود في الشهر التالي لحدوث هبوط مماثل لما شهده سبتمبر، ما قد يعني احتمالية أن نشهد ارتفاعاً في أكتوبر.
- بينما على الجانب الآخر، يبرز شهر أكتوبر بصفة خاصة كأسوأ شهور العام بالنسبة لسوق الأسهم الأمريكي تاريخياً، خاصة في عام الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.
- بصفة عامة، لا يبدو التاريخ قادراً على التنبؤ بأداء الأسهم الأمريكية في الأشهر القليلة المقبلة، لكن الأمر يظل رهناً لتطور ملفات الانتخابات ونتائجها والدعم الحكومي بالإضافة إلى مدى إمكانية السيطرة على الوباء الذي غير كل شيء حول العالم منذ بداية 2020.
المصادر: أرقام – أكسفورد إيكونوميكس -وول ستريت جورنال –ماركت ووتش – واشنطن بوست –فوربس
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}