في أبريل من العام الجاري كشف رئيس الوزراء الأسترالي "سكوت موريسون" عن عزم بلاده فتح تحقيق مستقل حول أصول فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) والذي ظهر لأول مرة في الصين في أواخر العام الماضي. ثم عاد "موريسون" وكرر ذات التصريح مرة أخرى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة التي انعقدت في سبتمبر.
كانت تلك التصريحات كفيلة بأن تثير غضب الصين تجاه أستراليا، ما دفع الأولى لمحاولة معاقبة وتأديب الأخيرة. على مدار الأسابيع الماضية اتخذت الصين عددًا من الإجراءات الاقتصادية العقابية التي من شأنها دفع الاقتصاد الأسترالي الذي يعاني أصلا تداعيات فيروس كورونا نحو الهاوية.
حظر غير معلن
في بداية نوفمبر حظرت وكالة الجمارك الصينية استيراد الأخشاب من ولاية كوينزلاند الأسترالية بعد أن زعمت أنها عثرت على خنفساء في إحدى الشحنات. وفي نفس الأسبوع قالت المجموعة الاستشارية لتجارة المأكولات البحرية بأستراليا إن صادرات البلاد من الكركند الحي إلى الصين والتي بلغت قيمتها حوالي 530 مليون دولار العام الماضي قد تم توقيفها في الموانئ والمطارات الصينية من قبل ضباط الجمارك هناك، الذين تركوا ما يقرب من 21 طنًا من الكركند الحي يموت في مطار شنغهاي.
من جانبها ذكرت صحيفة "ساوث تشاينا بوست" أن بكين تخطط لحظر واردات القمح الأسترالي أيضًا، ما يهدد ما قيمته نحو 394 مليون دولار من القمح الأسترالي المصدر إلى الصين. ووفقًا للصحيفة، تم إبلاغ المستوردين بالفعل بالحظر الوشيك لكي يبحثوا عن بدائل مشيرة إلى أن ذلك الحظر لن يتم الإعلان عنه بشكل رسمي.
في الوقت نفسه تدعي بكين أن تراجع وارداتها من السوق الأسترالي هو مجرد انعكاس لانخفاض حجم الطلب، نافية تعمدها حظر المنتجات الأسترالية من الدخول إلى البلاد. وفي الثالث من نوفمبر قالت وزارة الخارجية الصينية إن الشركات التي تخفض وارداتها من أستراليا تفعل ذلك بمبادرة منها ولا دخل للحكومة في ذلك.
هذا الحظر غير المعلن من قبل بكين على البضائع الأسترالية لم يكن الأول. ففي أكتوبر الماضي أعطى مسؤولو الحكومة الصينية تعليمات شفهية لمصانع الصلب ومحطات الطاقة في الصين بوقف استيراد الفحم الأسترالي. وبعد فترة وجيزة من تلك التعليمات، قالت شركة التعدين الأسترالية العملاقة "بي إتش بي" إن العديد من عملائها الصينيين قاموا بتأجيل طلبياتهم.
الصين تعرف كيف تضغط على أستراليا
في أغسطس، فتحت الحكومة الصينية تحقيقات حول إمكانية تورط موردي النبيذ الأسترالي في إغراق السوق الصيني. وتستورد الصين ما قيمته 850 مليون دولار من النبيذ الأسترالي سنويًا. وذلك بعد شهرين فقط فرضت الصين رسوما جمركية بنسبة 80% على وارداتها من الشعير الأسترالي، بينما منعت الشركات الصينية من استيراد لحوم البقر من أربعة مصانع أسترالية.
التصريحات الأسترالية الخاصة بضرورة فتح تحقيق في أصل فيروس كورونا، لم تكن هي السبب الوحيد وراء انقلاب بكين على كانبرا. ففي أغسطس 2018 أصبحت أستراليا أول دولة في العالم تحظر عملاق الاتصالات الصيني "هواوي" من المشاركة في بناء شبكة الجيل الخامس في البلاد.
ومن أجل إيلام أستراليا حرصت الصين على استغلال حجم التجارة الثنائية الضخم بين البلدين والذي بلغ نحو 240 مليار دولار في الفترة ما بين يوليو 2019 ويونيو 2020. وبالتوازي، انخفضت الاستثمارات الصينية المباشرة في السوق الأسترالي من 15.8 مليار دولار أسترالي في عام 2016 إلى نحو 2.5 مليار دولار أسترالي فقط في عام 2019.
في الوقت نفسه تحتل الصين المرتبة الأولى بين شركاء أستراليا التجاريين، حيث إنها الوجهة الأولى لما يقرب من ثلث الصادرات الأسترالية إلى الخارج، كما أنها مصدر ما يقرب من ربع المنتجات الواردة إلى أستراليا. وكان السياح الصينيون أيضًا يشكلون مصدرًا هامًا للدخل بالنسبة لقطاع السياحة الأسترالي.
التوترات قد تخرج عن نطاق السيطرة
ما يعمق من جراح أستراليا هو أن الحرب الاقتصادية غير المعلنة التي تشنها الصين ضدها تأتي في أسوأ وقت ممكن، حيث لا زال الاقتصاد الأسترالي يحاول الخروج من أول ركود يقع فيه منذ 29 عامًا، وذلك بعد أن انكمش بنسبة 0.3% خلال الربع الثاني من العام الجاري على أثر التأثير المزدوج لحرائق الغابات وفيروس كورونا.
لا يستبعد الخبراء احتمال تطور النزاع بين البلدين إلى نزاع عسكري، وإن كان احتمال حدوث ذلك ضئيلًا ولكنه لا يزال احتمالاً قائماً. وفي يوليو الماضي كشف رئيس الوزراء الأسترالي عزم بلاده إنفاق 186 مليار دولار على الجيش الأسترالي على مدار العقد الماضي، من أجل تعزيز قدراته الدفاعية وسط التوترات المتزايدة في منطقتي المحيط الهندي والهادئ.
وعلى الرغم من أن "موريسون" تجنب ربط هذا الإنفاق الدفاعي الضخم بشكل مباشر بالتهديد المتزايد من الصين إلا أنه قام بتسمية عدد من المناطق التي تتورط فيها الصين ضمن نزاعات إقليمية، مثل نزاعها الحدودي مع الهند، إلى منطقتي بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي.
المصادر: رويترز – فايناشيال تايمز – بلومبرج – ساوث تشاينا بوست – نيويورك تايمز
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}