تراجع الدولار الأمريكي لأدنى مستوى في حوالي عامين ونصف العام، في إعادة تأكيد على أن العملة الخضراء دخلت اتجاهًا هبوطياً طويل الأجل.
وساهم عدد من العوامل في الضغوط القوية التي تتعرض لها الورقة الخضراء مؤخرًا، وسط تزايد شهية المخاطرة لدى المستثمرين على خلفية احتمالات تمرير صفقة تحفيز إضافية لدعم الاقتصاد الأمريكي، بالإضافة لتوقعات التعافي العالمي القوي.
ومع ذلك، فإن المستقبل قد يكون أكثر قتامة على الأرجح بالنسبة للعملة التي تعتبر ملاذاً آمناً للبعض، خاصةً مع الأنباء الإيجابية بشأن اللقاح المرتقب، الأمر الذي يعزز ثقة المستثمرين ويدعم آفاق الاقتصاد العالمي.
وبصورة أكثر عمقًا، تأثر الدولار سلبًا من أنباء مشروع قانون مقترح بشأن التحفيز مع استئناف المحادثات بين وزير الخزانة الأمريكي"ستيفن منوشين" ورئيسة مجلس النواب "نانسي بيلوسي" بعد توقف المفاوضات منذ شهر تقريبًا، وتحديدًا قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية.
وكانت حزمة التحفيز الاقتصادية المقترحة تبلغ قيمتها 908 مليارات دولار، على أن تمول الإجراءات حتى يوم الحادي والثلاثين من مارس القادم، بما في ذلك 228 مليار دولار كتمويل إضافي لحماية الرواتب للفنادق والمطاعم والشركات الصغيرة الأخرى.
وتعرضت العملة الأمريكية لضغوط كذلك مع التفاؤل بشأن آفاق الاقتصاد العالمي، حيث تتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عودة الناتج المحلي الإجمالي لمستويات ما قبل الأزمة بحلول نهاية عام 2021.
وفشل القلق بشأن تسارع إصابات الوباء في الولايات المتحدة في توفير الدعم للملاذ الآمن، وسط تزايد التكهنات بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سيعمل على دعم الاقتصاد خلال فصل الشتاء قبل أن تصبح اللقاحات متاحة.
ومن المقرر أن يجتمع صناع السياسة في المركزي الأمريكي يومي الخامس عشر والسادس عشر من ديسمبر، وسط تكهنات بتعهد حول تقديم الدعم المطلوب إذا دعت الضرورة لذلك.
ماذا يحدث للدولار؟
- تراجع مؤشر الدولار، والذي يرصد أداء العملة الخضراء مقابل سلة من ست عملات كبرى، في تعاملات أولى جلسات ديسمبر أدنى 92 نقطة، مسجلاً أقل مستوى منذ أبريل عام 2018.
- انعكس ضعف الدولار بشكل قوي على العملة الأوروبية الموحدة، ليقفز اليورو- والذي يُشكل 60% من حجم المؤشر- بنحو 1% ويتداول أعلى 1.20 دولار في أعلى مستوياته منذ أبريل عام 2018.
- خلال شهر نوفمبر الماضي، فقد مؤشر الدولار نحو 2.3% من قيمته، في أكبر وتيرة خسائر منذ شهر يوليو عندما تراجع بنحو 4.4%.
- يوليو الماضي كان شاهدًا على أسوأ موجة بيعية سجلها الدولار خلال شهر منذ سبتمبر عام 2010.
- منذ بداية العام الجاري وحتى نهاية نوفمبر، بلغت خسائر العملة الأمريكية 4.7%، في اتجاه يخالف المكاسب المحققة في عام 2019.
- خسائر العملة تؤكد ابتعاد المستثمرين عن حيازة الأصول الآمنة وتزايد شهية الإقبال على الأصول الخطرة، ولا سيما مع احتمالات توافر لقاحات ضد الوباء.
- شهد 2020 تقلبات قوية، حيث وصل المؤشر لأعلى مستوى في ثلاثة أعوام مع تجاوزه حاجز 100 نقطة في الأشهر الأولى من العام؛ بفعل تفشي وباء "كوفيد-19" وتداعيات الأزمة التي أدت لإغلاق معظم قطاعات الاقتصاد العالمي في مارس الماضي.
- منذ ذاك الوقت وحتى الآن، كان الدولار في مسار هبوطي تخلله بعض الارتفاعات بشكل دوري.
- في حقيقة الأمر، يُنظر عمومًا لضعف الدولار واتجاهه الهبوطي المستمر، على أنهما أمران إيجابيان للأسهم الأمريكية والعالمية.
ماذا يقول المحللون؟
- "الأمر لا يزال مألوفًا، تعرض الدولار للضعف على نطاق واسع وسط تحسن شهية المخاطرة"، هكذا يفسر المحللون في بنك "إيه إن زد" الاتجاه الهبوطي في قيمة العملة الأمريكية.
- ويرى "جون دويل" المحلل في شركة "تيمبوس" أن كلمة السر في خسائر الدولار هو عودة الإقبال على المخاطرة بشكل عام كما كان الحال في نوفمبر، وهو أمر كذلك آخذ في الزيادة خلال ديسمبر، قائلاً: "المتداولون يبحثون عن أي سبب لتحسين شهية المخاطرة، وهذا يأتي على حساب الدولار".
- عندما تتلقى أنباء تفيد بأنه يمكن إتمام صفقة تحفيز مالية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، فهذا سبب آخر للمراهنة على المخاطرة وبيع الدولار، كما يقول "دويل".
- يتجه الدولار لأدنى مستوياته في العام، حيث يعيد المستثمرون تخصيص محافظهم الاستثمارية لصالح آفاق التعافي في بقية أنحاء العالم، كما ذكر الخبيران الاستراتيجيان في بنك "آي إن جي" الاستثماري "كريس تورنر" و"فرانشيسكو بيسول".
- يشير "لي هاردمان" محلل العملات في بنك "إم يو إف جيه" إلى أن تحسن التوقعات للنمو العالمي جنبًا إلى جنب مع الإشارات القوية بأن الفيدرالي سيحافظ على سياسته النقدية التيسيرية خلال فترة التعافي الاقتصادي قد شجع على ضعف الدولار الأمريكي.
كيف نرى المستقبل؟
- من المرجح أن يستمر الاتجاه الهبوطي في قيمة الدولار طوال ديسمبر مع استمرار شهية المخاطرة لدى المستثمرين بالإضافة لاجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي، حيث من المتوقع أن يتخذ بعض الإجراءات بالنظر لمخاطر الفيروس على المدى القريب، بحسب بنك "إيه إن زد".
- يجب أن تمتلك الدولة التي لديها أعلى وتيرة لانكماش أسعار المستهلكين عملة أقوى، ومع استمرار معدل التضخم الأمريكي عند 1.5% ينبغي أن يواصل الدولار اتجاهه الهبوطي، وفق ما ذكره "ستيفن ريكيتو" كبير الاقتصاديين في "ميزوهو سيكيوريتيز يو إس إيه".
- توقع خبراء في "سيتي جروب" أنه من المرجح أن يتراجع الدولار الأمريكي بنحو 20% في عام 2021، إذا تم توزيع لقاحات الوباء على نطاق واسع.
- من المرجح أن تتراجع قيمة الدولار بنحو 15% بحلول نهاية عام 2023 حيث إن العملة مبالغ في قيمتها بنسبة تتراوح بين 10 إلى 15%، كما توقع "جولدمان ساكس" قبل عقد انتخابات الرئاسة التي فاز بها "جو بايدن".
المصادر: أرقام - ماركت ووتش - فايننشال تايمز - بلومبرج - رويترز - بيزنس إنسايدر
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}