في ظل التوجه العالمي والقرارات الحكومية الخاصة بالتحول بعيدا عن أنواع الوقود المتسببة في الانبعاثات الملوثة والاحتباس الحراري، أصبح سيناريو "نهاية عصر الوقود الأحفوري" بين الأكثر تداولا عبر منصات التحليل وبين المختصين.
في وقت سابق من هذا الشهر، قالت دراسة نشرتها مجلة "إنفيرومنتال ريسيرش" إن آثار الوقود الأحفوري تتسبب في أكثر من 8.7 مليون حالة وفاة مبكرة، بسبب الجسيمات الدقيقة الناجمة عن حرق هذا الوقود.
مخاوف كتلك إلى جانب الأزمة الأصلية المتمثلة في "الاحتباس الحراري"، شكلت ضغطا على متخذي القرار، فعلى سبيل المثال قررت ألمانيا إعداد خطة لتبني اقتصاد يعتمد على الهيدروجين بدلا من الوقود الأحفوري، ويخطط الاقتصاد الأكبر في أوروبا إلى استيراد عشرات ملايين الأطنان من هذا الوقود بحلول منتصف هذا القرن.
الضغوط لم تقتصر على الحكومات، فحتى كبار مديري الأصول حول العالم والبنوك وبعض أشهر المستثمرين يتحولون بعيدا عن الأعمال المرتبطة بالوقود الأحفوري، ويدعمون بشكل متزايد الأنماط الصديقة للبيئة.
ودعا أحفاد "جون روكفلر" مؤسس شركة النفط الأسطورية "ستاندرد أويل"، البنوك الكبرى لإنهاء عمليات تمويل الوقود الأحفوري. فيما سحبت، 3 صناديق تقاعدية في نيويورك، الشهر الماضي، استثمارات في الوقود الأحفوري بقيمة 4 مليارات دولار.
معوقات اقتصادية
- إلى جانب مجموعة من القرارات التي تقوض أعمال التنقيب وإنتاج النفط في الأراضي الفيدرالية، ألغى الرئيس الأمريكي "جو بايدن" تصاريح العمل الخاصة بخط الأنابيب "كيستون إكس إل" المثير للجدل في أول يوم له في منصبه.
- كان من المتوقع أن ينقل خط الأنابيب النفط لمسافة 1900 كيلومتر من مقاطعة ألبرتا الكندية إلى نبراسكا، لضخها إلى خط أنابيب قائم، وحارب دعاة حماية البيئة وجماعات الأمريكيين الأصليين المشروع لأكثر من عقد.
- التوجهات المماثلة لبايدن وغيره من السياسيين أثارت تساؤلات حول ما يجب فعله مع الأشخاص الذين سيُتركون عندما يصبح النفط من الماضي، وبدأ بالفعل إلغاء المشروع يكلف أمريكا الوظائف، وقد يكون هناك المزيد من الخسائر في الطريق.
- يعمل في مجال استخراج النفط والغاز بحد ذاته ما يقدر بنحو 145 ألف أمريكي، وبحسب دراسة أجرتها "برايس ووتر هاوس كوبرز" عام 2015، فإن صناعة النفط والغاز الأمريكية تدعم أكثر من 10 ملايين وظيفة، لذا فإن الخسائر الفعلية للأمريكيين ستكون جسيمة حال التخلص من هذا المورد.
- البعض يتحدث عن نقل الوظائف إلى قطاعات أخرى ناشئة مثل أعمال الطاقة المتجددة، لكن بطبيعة الحال هذا لن يكون سهلا، فسوق العمل أشبه بآلة معقدة للغاية بها ملايين الأجزاء المتحركة والمتداخلة.
الوقود الأحفوري لن يختفي
- في الحقيقة، من الصعب أن يكون هناك اختفاء تام أو سريع للوقود الأحفوري حتى تضمن البلدان استقرارها الاقتصادي (نرى حتى الآن أعمال الفحم مستمرة رغم تراجعها بشكل حاد في كثير من البلدان)، ويوصي المحللون بالاستثمار في التقنيات الجديدة التي تشكل المستقبل.
- في غضون ذلك، لن تتوقف صناعة الوقود الأحفوري، لكن من المرجح أن تكون هناك قواعد أكثر صرامة وتشجيعا للتوجه نحو أنماط حياة (منازل- شركات- سيارات..) صديقة للبيئة، تعتمد على الطاقة المتجددة.
- مع ذلك، ورغم كل هذه الجهود، قال "لورنزو سيمونيلي"، الرئيس التنفيذي لشركة "بيكرهيوز"، خلال كلمته الرئيسية في الاجتماع السنوي للشركة هذا العام: "لا يوجد سيناريو تختفي فيه الهيدروكربونات".
- مثل غيره من المديرين التنفيذيين في الصناعة، أقر "سيمونيلي" ورحب بتحول الطاقة، لكنه أشار إلى أن سيناريو الطاقة المتجددة بنسبة 100 في المائة ليس ممكنًا ببساطة.هناك الكثير من الأدلة على أن هذا هو الحال بالفعل، رغم آمال وطموحات العديد من المدافعين عن البيئة.
- هذه الآمال والطموحات تتخيل عالمًا يتم فيه تشغيل النشاط البشري من الكهرباء فقط، ويتم توليد هذه الكهرباء بدورها باستخدام مصادر الطاقة المتجددة فقط مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية، لكن مثل هذا العالم غير واقعي.
البدائل: ليست الخيار الأمثل
- أنتجت ألمانيا، وهي أحد أعضاء الاتحاد الأوروبي التي تتمتع بأكبر إمدادات من الطاقة المتجددة، القليل جدًا من الطاقة الشمسية منذ بداية هذا العام،بسبب الشتاء، ورغم أنها تنتج كميات هائلة من طاقة الرياح فهي أيضًا تولد الطاقة من الوقود الأحفوري الأكثر تلويثا على الإطلاق "الفحم".
- سجلت ألمانيا في أوائل فبراير مستوى كثافة كربون يبلغ 264 جراما من مكافئ ثاني أكسيد الكربون لكل كيلوواط/ ساعة، وكان ذلك مشابها لكثافة الكربون في الدنمارك، التي تحصل حاليا على معظم طاقتها من الرياح. لذلك لا يبدو أن الطاقة المتجددة هي الحل السحري لمشكلة الانبعاثات.
- في الواقع، إذا تم بناء القدرات المتجددة بسرعة كبيرة دون إضافة سعة تخزين واسعة، فقد يأتي بنتائج عكسية، وقد تجلى هذا مؤخرًا من خلال انقطاع التيار الكهربائي الكبير في أوروبا بسبب مشكلة بسيطة في محطة فرعية كرواتية انتشرت عبر القارة.
- سلطت هذه الواقعة الضوء على أهمية الحفاظ على تردد ثابت للشبكة وهو أمر لا يمكن لمصادر الطاقة المتجددة فعله بسبب تذبذب عملية التوليد. حتى الدنمارك لديها محطات طاقة حرارية لتأمين الحمل الأساسي الذي تحتاجه أي شبكة لتعمل بشكل صحيح والقضاء على مخاطر انقطاع التيار الكهربائي.
- تقول "آي إتش إس ماركيت" إن الاقتصادات الناشئة ستواصل الاعتماد بشكل كبير على الوقود الأحفوري، وحتى لو أصبحت الألواح الشمسية مجانية، فهناك مكونات أخرى تدخل في إقامة مزارع شمسية.
- كل ذلك يضمن مستقبلا طويل الأجل للنفط وخاصة الغاز كجزء لا غنى عنه من مزيج الطاقة في العالم، لكن يمكن فقط التركيز على جعل الصناعة أكثر نظافة عبر تقنيات مثل احتجاز الكربون إلى جانب تعزيز الكفاءة.
المصادر: أرقام- أويل برايس- بلومبيرغ- بي بي سي
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}