في أواخر نوفمبر من عام 2017، كشفت تقديرات مستقلة عن بلوغ استهلاك شبكة بيتكوين من الطاقة 30.14 تيراواط/ ساعة سنويا من الكهرباء، ما يفوق استهلاك دولة آيرلندا، وكان ذلك قبل أسابيع قليلة من بلوغ العملة الرقمية قمتها التاريخية السابقة قرب 20 ألف دولار.
خلال الشهور التالية، وبعد ارتفاع سعر العملة إلى مستوى ظل الأعلى حتى العام الماضي، ومع تزايد الإقبال على التعامل بها، كشفت تقديرات أخرى في يوليو من عام 2019، عن ارتفاع استهلاك هذه الشبكة من الكهرباء إلى 64 تيراواط/ ساعة سنويا، أي ما يفوق استهلاك سويسرا.
في هذه الأثناء، حذرت بلدان مثل آيسلندا من أن الارتفاع الهائل في عمليات تعدين العملة الرقمية، قد يتسبب في أزمة طاقة، ناهيك عن التداعيات البيئية، وهو التحذير الذي تردد صداه من آن لآخر في بلدان مختلفة شرقًا وغربًا.
لم تتوقف المخاوف عند هذا الحد من الإشارات والتحذيرات، وكشفت دراسة حديثة عن أن الارتفاع القياسي الأخير لبيتكوين قرب 60 ألف دولار زاد من قدر الطاقة المستخدمة لتعدين العملة، ليتخطى الأثر الكربوني لدولة بحجم الأرجنتين، وفقًا لجامعة "كامبريدج".
وقالت الجامعة إنه رغم عدم وضوح مقدار الطاقة التي تستخدمها بيتكوين فعليًا، إلا أن الدراسة قدرت استهلاكها بنحو 129.09 تيراواط/ الساعة (تيراواط ساعة) سنويًا، أي ضعف التقديرات المسجلة في 2019، وأكثر من 4 أضعاف تلك المسجلة في 2017.
تغذية الفقاعة
- لم يكن سعر بتكوين هو الشيء الوحيد فيها الذي لامس مستوى قياسيًا جديدًا مؤخرًا، فمع ارتفاع استهلاك الطاقة الواضح، وصلت البصمة الكربونية للشبكة إلى مستوى غير مسبوق أيضًا، وأصبح حجم الأثر البيئي للعملة أكثر وضوحًا.
- شكل ذلك ضغوطًا على الملياردير "إيلون ماسك" الذي بات أكبر داعم للعملة الرقمية مؤخرًا وأحد أبرز أسباب ارتفاعها، كما تسبب هذا الأثر البيئي المتزايد في ظهور سلسلة من النقاد البارزين للعملة الرقمية، بما في ذلك وزيرة الخزانة الأمريكية "جانيت يلين".
- وصف كبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأمريكي "جو بايدن" بتكوين بأنها "طريقة غير فعالة للغاية لإجراء المعاملات"، قائلاً: "إن كمية الطاقة المستهلكة في معالجة هذه المعاملات مذهلة".
- في حين يشير التقدير المركزي لمركز جامعة كامبريدج للتمويل البديل إلى أن استهلاك بيتكوين للطاقة يصل إلى قرابة 130 تيراواط/ ساعة، فإنه يقول إن هذا المعدل قد يتراوح في أي مكان بين 40 و445 تيراواط/ ساعة سنويًا، نظرًا لصعوبة تقدير الاستهلاك بالضبط. (تستهلك المملكة المتحدة نحو 300 تيراواط).
- تعدين العملة الرقمية، أو العملية التي يتم خلالها إنتاج بيتكوين وتدقيق المعاملات تنطوي على حل معادلات حسابية معقدة، تستدعي وجود طاقة حاسوبية كبيرة، لذا فإن هذه الشبكة تعتمد على سلسلة من أجهزة الكمبيوتر اللامركزية، وتلتهم المزيد والمزيد من الطاقة بمرور الوقت. (تعرف بالضبط على تفاصيل عملية التعدين من هنا)
- كلما تم تعدين بيتكوين، تصبح العملية أكثر تعقيدًا وتحتاج المزيد من الوقت والإجراءات، وبالتالي المزيد من القدرة الحاسوبية والطاقة الكهربائية. (كلما زادت أجهزة الكمبيوتر في معمل التعدين، ارتفعت احتمالية حل المعادلات والحصول على بيتكوين جديدة).
الانفجار آت
- تتم مكافأة العاملين في تعدين العملة ببعض منها، وبالتالي يدفع ارتفاع سعر بيتكوين إلى المزيد من الإقبال على عمليات التعدين، حتى أن بعض المهووسين يخترقون الحواسيب والجوالات لجعلها تعمل سرًا في هذه العملية دون دراية مستخدميها الحقيقيين.
- كلما زاد عدد أجهزة الحاسوب التي تتنافس للحفاظ على شبكة "بلوكتشين" الخاصة بالعملة، أصبحت أكثر أمانًا، لأن أي شخص قد يرغب في محاولة تقويض بيتكوين يجب عليه أن يتحكم ويعمل على الأقل بنفس القدر من قوة الحوسبة مثل بقية عمال المناجم مجتمعين.
- تشير التقديرات إلى أن معامل التعدين تلك تجري 160 مليون عملية حسابية كل ثانية، وهو ما يقول عنه "أليكس دي فري" مؤسس موقع "ديجيكونوميست" إنه جهد حسابي هائل لكنه بمثابة "كعب أخيل" للعملات الرقمية (نقطة ضعف لها).
- يضيف "دي فري" أنها حسابات لا تخدم أي غرض آخر، يتم التخلص منها فورًا مرة أخرى. في الوقت الحالي، نستخدم قدرًا كبيرًا من الطاقة لإتمام هذه الحسابات، والتي مصدر معظمها الطاقة الأحفورية.
- إذا تم اعتماد بيتكوين كعملة احتياطي عالمية، فمن المحتمل أن يكون سعرها بالملايين، وسيكون لدى هؤلاء المعدنين أموال أكثر من الميزانية الفيدرالية الأمريكية بأكملها للإنفاق على الكهرباء، وسيحتاج العالم إلى مضاعفة إنتاجه من الطاقة، وهذا لا يجعلها عملة مفيدة، بحسب "دي فري".
- السمتان الأساسيتان للعملة الناجحة هما، أن تكون وسيلةً فعالةً للتبادل التجاري ومخزنًا ثابتًا للقيمة، وهو ما تفتقر إليه بيتكوين التي يصعب استخدامها في الاقتصاد الرسمي، لذا فهي وسيلة مضاربة و"فقاعة على وشك الانفجار"، وفقًا لـ"كين روجوف" أستاذ الاقتصاد، وكبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي.
مطاردة بيتكوين
- المخاوف المتعلقة بالأثر البيئي أو استهلاك الطاقة، دفعت البعض للتحرك على الفور، وتخطط الآن منطقة منغوليا الداخلية في الصين لحظر مشاريع التعدين الجديدة للعملات الرقمية وإغلاق النشاط الحالي في محاولة لخفض استهلاك الطاقة.
- تمثل الصين نحو 65% من جميع عمليات تعدين بيتكوين على مستوى العالم (تشكل منغوليا الداخلية وحدها نحو 8%)، بسبب طاقتها الرخيصة، وبالمقارنة، فإن الولايات المتحدة مسؤولة عن 7.2% من تعدين بيتكوين عالميًا.
- فشلت منغوليا الداخلية، الواقعة في شمال الصين، في تحقيق أهداف الحكومة المركزية فيما يتعلق باستخدام الطاقة في عام 2019، ووبختها بكين، وردا على ذلك، وضعت لجنة التنمية والإصلاح في المنطقة خططا لخفض استهلاك الطاقة.
- رغم أن الضرر البيئي لبيتكوين حتى الآن لا يمثل سوى جزء ضئيل مما تنتجه السيارات والصناعة، إلا أن هذه المخاوف البيئية دفعت العديد من عمال المناجم بعيدًا عن طاقة الفحم وإلى أماكن ذات طاقة كهرومائية أرخص.
- في الصين، اعتاد العاملون في التعدين الحصول على فائض رخيص من الطاقة الكهرومائية في الصيف والاستفادة من الطاقة الرخيصة المعتمدة على الفحم في الشتاء.
- السؤال الآن، في ظل التوجهات الصينية البيئية، ومعارضة بكين للعملات الرقمية التي لا تخضع عملياتها لشروط تنظيمية من قبل الدولة، هل تنفجر فقاعة بيتكوين كما يقول "روجوف"، أم أنها ستقود الأسعار إلى ارتفاع أكبر بسبب ضعف المعروض الجديد من العملة؟
المصادر: أرقام- بي بي سي- دويتشه فيله- سي إن بي سي- ذا فيرج- إيه بي سي نيوز
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}