رغم أنه عادة ما يصنفه البعض بأنه شبه حكومي، بحكم عمله مسؤولاً تنفيذياً في شركة يساهم المال العام بـ3 أرباع رأسمالها، إلا أن من يعرف الرئيس التنفيذي للشركة الكويتية للاستثمار بدر السبيعي، يعلم جيداً أن الرجل ينادي بملء شدقيه بالخصخصة، ويعتبرها خطوة أساسية لإعادة هيكلة الاقتصاد، وتنويع مصادر دخله، وتحسين مستوى إنتاجيته.
ويؤكد السبيعي ضمن سلسلة «الراي» التي فتحتها للحوار الوطني الاقتصادي المالي، أهمية وجود تشريعات وتنظيمات توافر بيئة عمل محفزة، وتشجع المنافسة الإيجابية، فيما لا يخفي أسفه على أن الدولة لم تخط خطوة واحدة لتنفيذ مشروع الخصخصة الذي يصفه بالجبار، ولا ينكر استغرابه من مضي 3 سنوات تقريباً على آخر اجتماع للمجلس الأعلى للتخصيص.
ويدعو السبيعي لاتخاذ إجراءات إصلاحية جذرية تعزز استدامة الاقتصاد، ونموه وتسهم في تنويعه، علاوة على الاستفادة من الموارد الحالية في بناء اقتصاد مستقبلي قوي، ويرى أنه بسبب وجود أزمة ثقة وغياب المعلومة والمعرفة، يجري الحديث عن التحديات المالية واستعراض معالجاتها بأكثر من لغة، رغم أن الأزمة نفسها.
وعندما ينتقل الحديث مع السبيعي إلى «الكويتية للاستثمار» يلفت إلى أن المركز المالي للشركة في استيعاب تقلبات الأسواق متين ومرن، فيما يتوقع للشركة نتائج مالية بـ2021 أفضل من 2020، أما بالنسبة لآخر تطورات التخارج من «أرض المعارض» فيوضح أن هذه الخطوة مؤجلة حالياً.
ويقول السبيعي إن إستراتيجية «الكويتية للاستثمار» تركز على الاستثمار في قطاعات الصحة والتكنولوجيا وسلاسل الإمداد، ويرجح أن يكون أداء بورصة الكويت خلال 2021 إيجابياً.
وفي ما يلي نص المقابلة:
* مقارنة مع السعودية والإمارات وقطر أين تضع الكويت ترتيباً بالاقتصاد والرؤية؟
- لا شك أن الدول المذكورة حقّقت تقدماً ملحوظاً في السنوات الأخيرة في ما يخص الإصلاح الاقتصادي وتطوير البنية التشريعية وكذلك تحديد الرؤى وتنفيذها، ونسعد بنجاحات الدول الشقيقة، ونتمنى أن تحذو الكويت حذوها، ومع ذلك نتفهم أن تكون الخطوات في الكويت أقل سرعة كنتيجة للعمل المؤسسي الذي تفرضه الديموقراطية المتاحة في الكويت، والتي نفخر بها.
* إلى أن يوجد بديل عن النفط وهذا يحتاج وقتاً طويلاً برأيك ما الأولويات الاقتصادية؟
- لابد من تطوير بيئة الأعمال وتعزيز مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد الذي يشكل حالياً نحو 30 في المئة من الاقتصاد، والعمل على تنويع مصادر الدخل والاستفادة من الموارد النفطية في خلق ودعم قطاعات اقتصادية جديدة كالتكنولوجيا مثلاً.
والكويت تتمتع بموقع جغرافي رائع ومهم وبالإمكان استغلال ذلك بتطوير البنية التحتية للموانئ، خصوصاً شمال الكويت، واستغلال الكويت كمنطقة تخزين وإعادة تصدير، وبرأيي أن هذا الأمر سيكون رافداً مهماً بعد النفط، وقد ينتج عنه أكثر من إيرادات النفط إذا تم استغلاله بشكل صحيح.
* لماذا برأيك توجد أكثر من لغة بين الشعب والنواب والحكومة ومجتمع الأعمال عند تشخيص الحالة المالية للدولة وآليات مواجهة الأزمة؟
- أعتقد أن هذا نتيجة غياب المعلومة والمعرفة من ناحية، ومن ناحية أخرى أكثر أهمية هناك أزمة ثقة بين الأطراف المختلفة، ولتجاوز هذه العقبة أرى أن يُعطى أهل الاختصاص فرصة أكبر في طرح معالجاتهم للتحديات الاقتصادية والمالية التي تواجهها الدولة، ويمكن تلخيص رأيي في أن الموضوع عند صناديق الانتخاب.
* أظهرت بيانات «الكويتية للاستثمار» تحولاً سلبياً بنتائجها في 2020 مقارنة بـ2019 ما يطرح تساؤلاً مشروعاً حول استثماراتكم وموجوداتكم إذا طال أمد «كورونا»؟
- «الكويتية للاستثمار» مثل أي شركة استثمارية وخدمات مالية لديها استثمارات في الأوراق المالية وتتبع سياسة استثمارية متحفظة واحتساب متوازن للمخاطر، ومن الطبيعي أن تنخفض قيمة استثماراتها موقتاً (انخفاض متوسط) بسبب هذه الأزمة غير المسبوقة التي ضربت أسواق المال العالمية وبورصة الكويت، وتسببت بخسائر اقتصادية تقدّر بأكثر من 10 تريليونات دولار.
ونتوقّع أن يكون أداء بورصة الكويت خلال 2021 إيجابياً نتيجة مؤشرات انحسار أزمة كوفيد-19 وتفاؤل المستثمرين بانتهاء الأزمة مع نهاية السنة، حيث ربح المؤشر العام لبورصة الكويت منذ بداية السنة الحالية 4.7 في المئة ما ينعكس إيجاباً على قيمة استثمارات الشركة وعلى النتائج المالية للسنة الحالية.
* وسط تعقيدات الأسواق الحالية ما إستراتيجيتكم للنمو خلال 2021 قطاعياً وجغرافياً؟
- التوجه للاستثمار في القطاعات الدفاعية في وجه الأزمة الصحية، والقطاعات غير التقليدية كالذكاء الاصتناعي، والتحفظ على بعض القطاعات التي انهارت بسبب «كورونا»، خاصة قطاع الخدمات الاستهلاكية والسياحة والطيران.
وقد يشهد المستقبل ظهوراً أكبر لبعض القطاعات التي تعمل على تطوير التطبيقات التكنولوجية التي تخدم القطاع المالي، مثل قطاع التكنولوجيا المالية وقطاع الأمن السيبراني.
وكذلك الاستثمارات الصديقة للبيئة كالاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة والصناعات منخفضة أو قليلة الانبعاثات التي تمثل أحد أهم التوجهات الاستثمارية في السنوات الأخيرة، ومن المتوقع أن تستمر جاذبيتها في المستقبل.
ويمكن القول إن إستراتيجيتنا تعتمد على قوة «الكويتية للاستثمار» كشركة استثمار وكمدير استثمار في ذات الوقت.
* وما ركائز إستراتيجيتكم لـ«الكويتية للاستثمار»؟
- يمكن تلخيص الركائز في 7 نقاط:
1- التركيز على ضرورة التحول الرقمي.
2- التركيز على الاستثمار في القطاعات التي حققت أداءً مختلفاً خلال الجائحة مثل القطاع الصحي والتكنولوجي وسلاسل الإمداد.
3- تعزيز وتنويع قاعدة العملاء.
4- تعزيز أنشطة الشركة في مجال الاستثمارات العقارية محلياً وإقليمياً وعالمياً مع مشاركة عملائها في الفرص المتميزة.
5- إعادة هيكلة محفظة استثمارات الشركة.
6- تعزيز وتفعيل منصة الشركة للتداول الإلكتروني وإدارة الثروات.
7- التوسع في طرح المنتجات الإسلامية لزيادة التنوع في المنتجات التي تقدمها لعملائها.
* في وصف دقيق مختصر، كيف تصنف المركز المالي لـ«الكويتية للاستثمار» حالياً؟
- متين ومرن لاستيعاب التقلبات في الأسواق المالية، كما أن الشركة تتمتع بسيولة نقدية مرتفعة جداً، حيث بلغ مجموع النقد والنقد المعادل والودائع المحددة الأجل لديها نهاية 2020 نحو 31 مليون دينار أي ما يعادل 12 في المئة من إجمالي الموجودات.
وتتوزع موجودات الشركة على محفظة متنوعة من الاستثمارات في الأوراق المالية والشركات الزميلة والعقارات الاستثمارية التي تعتبر مصدراً مهماً من الإيرادات التشغيلية للشركة.
ورغم التذبذب في أسواق المال في 2020 إلا أن الشركة حققت 7.67 مليون دينار كإيرادات أتعاب وعمولات بالمقارنة مع 8.46 مليون لـ2019، بينما بلغت إيرادات التأجير 5.2 مليون.
* هل لديكم أي خطط لزيادة رأسمال الشركة خلال الفترة القريبة المقبلة؟
- لا يوجد أي خطة لزيادة رأس المال.
* كم يبلغ حجم أصول «الكويتية للاستثمار» والأموال التي تديرها؟
- كما في 31 ديسمبر 2020 بلغ حجمها 259 مليون دينار، فيما تدير أصولاً لصالح العملاء بنحو ملياري دينار.
* ماذا عن آخر تطورات خططكم للتخارج بما فيها أرض المعارض وغيرها؟
- مستمرون في تنفيذ إستراتيجية التخارج من بعض الاستثمارات، و«أرض المعارض» مؤجلة حالياً.
* برأيك، كيف سيتأثر السوق لو قررت الحكومة وقف نشاط المحفظة الوطنية وسحبت سيولتها؟
- إن طلبت الحكومة تسييل المحفظة الوطنية ستتأثر البورصة نفسياً وفنياً وبطريقة سلبية.
أما بتحويل الملكيات فلن يتغير شيء.
* ما إيجابيات وجود المستثمر الأجنبي في بورصة الكويت وسلبياته؟
- إيجابياته عديدة، منها رفع مستويات السيولة في السوق، ورفع حصة الاستثمار المؤسسي التي تتبع سياسات استثمارية تعتمد على الأساسيات والأداء المالي والتقييمات للأسهم المدرجة، علاوة على زيادة عمق السوق وتشجيع إدراج شركات جديدة في البورصة، إضافة إلى جذب اهتمام بيوت الأبحاث الاستثمارية ورفع كفاءة وشفافية المعلومات والبيانات المنشورة، وبتنظيم من هيئة أسواق المال.
أما في ما يخص السلبيات فعادة ما يكون التخوف من الأموال الساخنة التي ترتبط بأداء أسواق المال العالمية، وأعتقد أن ضبط دخول المستثمر الأجنبي بالقواعد المقررة من هيئة أسواق المال من شأنه تقليل المخاطر التي تعرّض البورصة لمزيد من التذبذب في أدائها.
* بعد الترقية ومن خلال دوركم الرائد في إدارة المحافظ والصناديق الاستثمارية ما دوركم في جذب المستثمرين الأجانب إلى بورصة الكويت؟
- من ضمن أركان إستراتيجية «الكويتية للاستثمار» زيادة التواجد إقليمياً مع جذب العملاء وزيادة محافظهم.
* إلى أي مدى تعتمد «الكويتية للاستثمار» على دعم الحكومة أو لنقل المحاباة الحكومية كون الحصة الأكبر في الشركة مملوكة من «هيئة الاستثمار»؟
- لا مجال للمحاباة في الاستثمار، وأين المعاملة التفضيلية عن بقية الشركات؟ خاصة أن نتائج الاستثمار يمكن قياسها بوضوح وموضوعية، كما أن «هيئة الاستثمار» تسند لشركتنا إدارة جانب من محافظها وفقاً لأدائنا الذي مازال يتفوق على أداء الأسواق التي نتواجد بها.
* ما رأيك في ما يقوله البعض إن «الكويتية للاستثمار» تعتمد في تحقيق مداخيلها على الاحتكار سواء من نافذة شركة «المواشي» أو «أرض المعارض»؟
- بداية الشركة لا تملك حصة في «المواشي»، وللعلم فقط فإنه لا يوجد احتكار لـ«المواشي»، حيث يوجد أكثر من 200 شركة بأغراض الشركة نفسها، وعلى العكس قد تكون هذه الشركات تحظى بالدعم أكثر من «المواشي».
أما «أرض المعارض» فهذا أمر طبيعي في كل دول العالم، وإن كان هناك منافسون كثر في إدارة المعارض بالكويت.
* هل تتوقعون عودة الشركة إلى سياسة التوزيعات عن 2021 بعد تجاوز «كورونا»؟
- إن شاء الله، مع الأخذ بالاعتبار أن قرار التوزيع النقدي يعتمد على النتائج المالية خلال 2021 والتي نتوقع أن تكون أفضل من 2020.
* هل أنت مع قانون الدَّين العام ولماذا؟
- بشروط .. الدَّين العام أداة أساسية تلجأ لها الدول لتوفير وإدارة السيولة، وفي ظل أسعار الفائدة المنخفضة والسائدة حالياً، وما تتمتع به الكويت من ملاءة مالية قوية وتصنيف ائتماني مرتفع، فالكويت قادرة على الاستدانة بتكلفة منخفضة نسبياً، ولكنه يجب أن يصحب ذلك خطة تفصيلية تتناول كيفية السداد وخدمة الدَّين دون إرهاق الموازنة العامة للدولة، وخطة إصلاح اقتصادي واضحة تتناول كيفية معالجة أصل المشكلة (العجز المالي).
* هل أنت مع مدينة الحرير ولماذا؟
- نعم .. المشاريع التنموية الكبرى، سواء كانت مدينة الحرير أو غيرها هي مشاريع اقتصادية حيوية قادرة على تقديم قيمة مضافة عالية للاقتصاد، فمثل هذه المشاريع تسهم في إعادة هيكلة الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل للدولة، وتنمية العنصر البشري وخلق فرص عمل، وتنمية للقطاع الخاص وجذب رؤوس أموال خارجية.
* هل أنت مع السحب من الأجيال القادمة ولماذا؟
- بشروط .. السحب من الأجيال القادمة والاستدانة خياران متاحان إذا كان السحب للإنفاق الاستثماري، ولكن الأهم هو ضبط أوجه الإنفاق في الميزانية العامة للدولة.
فلا ينبغي التركيز على الإنفاق الجاري من رواتب ودعم السلع والمنتجات الاستهلاكية، وإهمال الإنفاق الاستثماري الذي لم يتخط حدود الـ3 مليارات دينار سنوياً، رغم أنه يعتبر ضرورة لتحفيز النمو الاقتصادي.
* هل أنت مع الخصخصة ولماذا؟
- نعم .. فالخصخصة خطوة أساسية لإعادة هيكلة الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل، كما أنها تسهم بشكل كبير في رفع كفاءة الاقتصاد وتنويعه وتحسين مستوى الإنتاجية، مع التأكيد على أهمية وجود تشريعات وتنظيمات تخلق بيئة عمل محفزة وتشجع المنافسة الإيجابية، ولكن للأسف لم تتقدم الدولة خطوة واحدة لتنفيذ هذا المشروع الجبار والدليل على ذلك مضي 3 سنوات تقريباً منذ آخر اجتماع للمجلس الأعلى للتخصيص.
ولعل ما يزيد من أهمية خطوة الخصخصة أن غالبية دول الخليج والعالم فعلت هذه الخطوة، كون أن القطاع الخاص أكفأ وأقدر وأنزه في إدارة مرافق الدولة.
* هل يمكن أن تُفلس الكويت ولماذا؟
- بشروط .. إذا كان السؤال على المدى القريب أو المتوسط فهذا أمر مستبعد، أما على المدى البعيد فإذا نظرنا للتاريخ نجد كثيراً من التجارب لدول ومجتمعات كانت تتمتع بمستويات عالية من الرفاهية ثم انقلبت أحوالها رأساً على عقب، لذلك لابد من اتخاذ إجراءات إصلاحية جذرية لتعزيز استدامة الاقتصاد ونموه وتنويعه وتوزيعه على القطاعات الإنتاجية والاستفادة من الموارد الحالية في بناء اقتصاد مستقبلي قوي.
* هل تعتقد أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة تستحق الإنقاذ ولماذا؟
- نعم .. أعتقد أن دعم وإنقاذ المشاريع الصغيرة والمتوسطة من قبل الحكومة جزء من مهمة الحكومة في تنويع الأنشطة الاقتصادية والمساهمة في خلق فرص عمل منتجة للكويتيين في القطاع الخاص، وزيادة مشاركة المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد المحلي، حيث تسهم هذه المشروعات بأكثر من 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في الدول المتقدمة، وعلى الدولة المساعدة في خلق بيئة ملائمة لأعمال المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
كما تلعب المشاريع الصغيرة والمتوسطة دوراً حيوياً في معظم اقتصاديات العالم، سواء من حيث مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي أو في التوظيف، وفي الكويت قد يكون حجم مساهمتها صغيراً لكن يجب أن يُنظر لها كلبنة يبنى عليها لتوسيع دورها مستقبلاً، لا أن تُترك حتى تنهار.
وهناك عدد لا بأس به من الشباب الكويتي يعتمد في كسب رزقه على هذا النوع من المشاريع، بل وكثير منهم اتجه لها بتأثير من تشجيع الحكومة للشباب للتوجه للعمل في مثل هذه المشاريع، لذلك فهم يستحقون الإنقاذ.
وفي شهر أبريل 2013 أصدرت الحكومة القانون رقم 98/ 2013 بخصوص إنشاء الصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهو مؤسسة عامة مستقلة يبلغ رأسمالها ملياري دينار ويموّل المشاريع الصغيرة أو المتوسطة المجدية والمملوكة من قبل كويتيين بنسبة تصل 80 في المئة من رأس المال.
ويهدف هذا القانون لدعم الشباب ومحاربة البطالة وتمكين القطاع الخاص لتحقيق النمو الاقتصادي، ويضع القانون شروطاً محددة للمشاريع المستحقة للدعم، وهي أن توظف من 1 إلى 50 موظفاً كويتياًً وألّا تزيد تكلفة إنشائها على 500 ألف دينار.
* هل تؤيد سياسة الحكومة في تعيين المواطنين لديها أم تؤيد أن يكون هذا الدور من خلال القطاع الخاص بدعم حكومي؟
- لا .. بالتأكيد سيستمر توظيف الحكومة، لكن لا يمكن لها أن تستمر في حجم التوظيف الحالي مستقبلاً، نتيجة ارتفاع كلفة المرتبات على الميزانية العامة للدولة التي تعاني من عجز مالي كبير نتيجة انخفاض أسعار النفط، فأعداد المقبلين على الدخول في سوق العمل تتزايد بشكل كبير يفوق قدرة الحكومة على استيعابهم.
نعم، يجب أن يكون الدور الأكبر في خلق الوظائف للقطاع الخاص، ولكن هذا يتطلب بدايةً زيادة حجم دور القطاع الخاص في الأنشطة الاقتصادية، وهذا جزء من إعادة هيكلة الاقتصاد التي أصبحت ضرورة لا تحتمل التأخير والتسويف.
* هل تؤيد فرض ضرائب على الشركات والأفراد ورفع الرسوم ولماذا؟
- بشروط.. لاشك بأن الضرائب رافد أساسي تلجأ له الدول لتعزيز مواردها المالية، لكن في حالة الكويت من الضروري أن يُنظر للضرائب من خلال منظور الإصلاح الاقتصادي الشامل، منظور يسعى للاستغلال الأمثل للموارد، ويرفع كفاءة الاقتصاد، ويعطي فرصة أكبر لمساهمة القطاع الخاص، وتتم فيه مراجعة سياسات الضرائب ودعم السلع المتبعة والتي تشكل عبئاً على خزينة الدولة.
وعموماً، تلتزم الشركات حالياً بدفع جزء من أرباحها بصورة ضرائب ومساهمات بمسميات مختلفة.
* هل التركيبة الحالية للحكومة ومجلس الأمة تسمح بتحقيق الإصلاح؟
- بشروط .. أؤمن بأن الجميع يسعى لما فيه صالح البلاد حتى لو تباينت الآراء، أما في ما يخص التركيبة الحالية للحكومة والمجلس فلا أعتقد أنه يصح وصف تركيبة ما بأنها بالمطلق تسمح بتحقيق الإصلاح أو لا تسمح، إنما تتباين المواقف من قضية إلى أخرى، وأتمنى أن تسود الحكمة وروح التعاون بين السلطتين وأن تُعطى القضايا الاقتصادية أولوية أكبر، وأن تعي الحكومة والمجلس خطورة الأزمة الاقتصادية وتكون أولوية لهما.
* هل تعتقد أن إجراءات الحكومة للتحفيز الاقتصادي كانت كافية؟
- لا.. المأمول كان أكبر بكثير، خاصة في بعض الجوانب مثل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والإيجارات، والعلاقة التعاقدية بين العامل ورب العمل. ما قامت به الحكومة لا يُذكر والمجلس لا يهتم.
هل نجحت المحفظة الوطنية منذ تأسيسها في دعم السوق؟ - تأسيس المحفظة الوطنية لم يكن لدعم السوق لكن لاقتناص الفرص والذي ينتج عنه دعم غير مباشر، عند انخفاض التقييمات في حالات الهلع.
* هل يؤثر شح السيولة الذي تواجهه الدولة على تدفقات مؤسساتها نحو سوق الأسهم؟
- شح السيولة هو أمر آني قد يكون موقتاً، أما تدفقات المؤسسات الحكومية نحو أسواق الأسهم فتكون نتاج قرارات استثمارية تخضع لسياساتها وإستراتيجياتها الاستثمارية، ويؤثر على السوق في المدى القصير.
* هل تؤيد أن فشل الحكومة في المعالجة الاقتصادية سببه تعاملها بالتردد نفسه الذي تتعامل به في السياسة... أليس من الأفضل أن يكون لديها نهج اقتصادي ثابت بعيداً عن النهج السياسي ومصالحه المتغيرة؟
- أنا لست في مقام تقييم الأداء السياسي للحكومة، لكن بالتأكيد يجب أن تكون هناك رؤية اقتصادية للدولة ترتكز على معايير فنية واضحة وتكون أقل عرضة للتجاذبات السياسية.
ومن أجل تحقيق ذلك نحن بحاجة إلى إرادة سياسية مدعومة بوعي شعبي بأهمية رفع كفاءة الاقتصاد وإدراك حقيقة دوره في الإصلاح.
الخلل في الهيكل الاقتصادي يبدو واضحاً في أرقام الناتج المحلي الإجمالي للكويت خلال السنوات الـ10 الماضية، حيث شكل الناتج المحلي النفطي بالأسعار الجارية معدل 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما شكّلت الإيرادات النفطية 92 في المئة من إجمالي إيرادات الدولة في آخر 10 سنوات (276 مليار دينار من أصل 300 ملياراً إجمالي إيرادات).
لذلك، فالإصلاحات الاقتصادية الجذرية باتت ضرورية لاستدامة النمو الاقتصادي، وتنويع مصادر الدخل للدولة، ولم تعد تنفع سياسة توزيع الثروة النفطية عن طريق التوظيف الحكومي والمناقصات ودعم السلع والخدمات.
وسط العجز المالي يضيق فرص الإنفاق الاستثماري
* كيف سينمو القطاع الخاص وهو يعتمد كثيراً على مشاريع الحكومة؟
- يجيب السبيعي على هذا السؤال، بأنه لا يمكن الجزم بتضاؤل الانفاق الاستثماري من جانب الحكومة حيث من الملاحظ ارتفاع الانفاق الاستثماري على المشاريع الإنشائية تدريجياً من نحو مليار دينار خلال السنة المالية 2009 /2010 وإن كان إنفاقه على الشوارع والجسور الى 2.6 مليار دينار في السنة المالية 20018 /2019 ولكن نسبة الإنفاق الاستثماري إلى إجمالي المصروفات يساوي 12 في المئة وهي نسبة متواضعة جداً حسب المعايير العالمية.
ويرى السبيعي أنه يمكن أن ينمو القطاع الخاص ويلعب دوراً أساسياً إذا تحسنت بيئة الأعمال من خلال التشريعات التي تسمح بمشاركة أكبر للقطاع الخاص في المشاريع الإنمائية والمشاريع المتوسطة إلى صغيرة الحجم وتشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مشاريع ذات قيمة مضافة للاقتصاد الوطني وهذا الأمر يحتاج إلى ثقافة اقتصادية عند الحكومة والمجلس.
وكدليل على الخلل في ميزانية الدولة من جهة المصروفات، يلفت السبيعي إلى أن إجمالي مصروفات الوزارات والإدارات الحكومية في الميزانية العامة للكويت بلغ خلال السنوات الـ10الماضية (2009 /2010 الى 2018 /2019) نحو 181.2 مليار دينار، حيث توجه 44 في المئة من المصروفات أو ما يعادل 79.7 مليار إلى مصروفات الباب الخامس من الميزانية (المصروفات المختلفة والمدفوعات التحويلية) الذي يتضمن الرعاية والعلاوة الاجتماعية والرعاية السكنية ودعم المنتجات النفطية وجامعة وبلدية الكويت والتعليم والصحة العامة...إلخ.
بينما توجه نحو 28.5 في المئة من المصروفات أي ما يعادل 51.64 مليار دينار إلى مصروفات الباب الاول من المرتبات وأيضاً بلغ إجمالي مصروفات الباب الثاني من المستلزمات السلعية والخدمات نحو 27.9 مليار أي ما يعادل 15.4 في المئة من إجمالي المصروفات خلال السنوات الـ10 الماضية.
أما مصروفات الباب الرابع على المشاريع الانشائية فيشير السبيعي إلى أنها بلغت فقط 18.5 مليار دينار ما يعادل 10 في المئة من إجمالي الإنفاق وبمعدل انفاق سنوي 1.85 مليار دينار، ما يؤشر على خلل ونقص كبير في المصروفات الموجهة إلى تطوير القاعدة الإنتاجية للاقتصاد والبنية التحتية.
وينوه بأن الجزء الأكبر من المصروفات توجه إلى المرتبات ودعم الاستهلاك وتوزيع الثروة النفطية بالطريقة التي لا تخدم تنويع الاقتصاد والتطور والنمو الاقتصادي المستدام.
ومن هنا يتبين حسب السبيعي أن الكويت لا تجاري الدول الخليجية الأخرى التي تسعى لتنويع اقتصاداتها ونجحت لحد بعيد في إرساء ركائز اقتصاد قوي رغم أنها لا تزال تعتمد على قطاع النفط وتوجه جزءاً مهماً من إيراداتها النفطية إلى دفع المرتبات ودعم السلع الاستهلاكية والخدمات.
الكويت والدول المتقدمة لا تستغني عن الوافدين
يقول السبيعي إن جميع الدول المتقدمة لا تستغني عن الوافدين، ويرى أنهم في الكويت أحد الأعمدة الرئيسية لنمو الدولة.
ويلفت إلى أن الحكومة وضعت خطة لمعالجة خلل التركيبة السكانية، تقتضي الاستغناء عن 530 ألفَ وافدٍ، وتستند الخطة على حلول قصيرة المدى منها ترحيل العمالة المخالفة للقانون، المقدّر عددها بـ120 ألفاً، وتقليص العمالة أو الملتحقين بعائل ممن تجاوزت أعمارهم 60 عاماً، وعددهم 150 ألفاً، والتخلُّص من العمالة الأمُّية أو المتدنية التعليم، وعددها أكثر من 90 ألفاً.
إضافة إلى توطين القطاعين الخاص والعام بالإحلال والتحفيز التدريجي لـ160 ألف وظيفة وتوظيف التكنولوجيا والتحول الرقمي واستقدام ذكي للعمالة الوافدة في المديين المتوسط والطويل. ولم تضع الحكومة جدولاً زمنياً للتنفيذ يتناسب مع خطة التنمية المستهدفة.
ويوضح السبيعي أن تعديل التركيبة السكانية يجب أن يرتكز على مدى مساهمة الأفراد في تحقيق مستهدفات التنمية الاقتصادية المستدامة لا أن يكون الهدف خفض نسبة غير المواطنين فقط من أجل التخفيض، ويشير إلى أنه يجب العمل على جذب أصحاب الكفاءات من غير المواطنين والحد من العمالة الهامشية، خصوصاً غير المنظمة وغير المنضبطة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}