لا يفضّل نائب رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي لشركة أجيليتي طارق السلطان الاسترسال كثيراً في الحديث بالسياسة، فالبيانات والأرقام الاقتصادية كل ما يشغله، لكنه لا يخفي رأيه بأن العلاقة المتصدعة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية تزيد من تعقيدات الأزمة المالية، وتستهلك طاقة الحكومة عن تقديم أي إصلاح حقيقي.
يستخدم السلطان ذكاءه وخبرته في رسم المعادلة الدقيقة، للخروج من المأزق المالي، ويرى أن الحكومات السابقة لم تكن مقنعة نيابياً لأنها لم تستمزج آراء النواب عند إعداد خططها، كما أنه من دون قوانين متقدمة لا يجب أن تدفع الحكومة فلساً واحداً في مشروع الحرير أو غيره من المشاريع الضخمة، فيما يشدد على ضرورة تقديم الحكومة لرؤية اقتصادية شاملة تضمن تقليص حجم القطاع العام لصالح القطاع الخاص.
ويؤكد السلطان أن الخصخصة لم تعد رفاهية بل حل إنقاذي ومحرك رئيسي للتنمية، ويقول مازحاً دون أن يحيد «واقعنا الكروي أفضل محاكاة لمركزنا الاقتصادي خليجياً، فأصبحنا بالمؤخرة بعد أن كنا سابقاً بالمقدمة».
ويقترح السلطان استبدال نموذج الدعومات الحالي بمنح نقدية غير مشروطة للمواطنين، وأن تتخلى الحكومة عن لعب دور المنافس القوي للقطاع الخاص في توظيف المواطنين، ويشير إلى أن الشباب بات ينظر إلى الوظيفة من باب الواسطة كحل أسهل.
ولا يستبعد السلطان أن تقود البيئة الطاردة شركات عديدة لتخفيف أوزانها الاستثمارية محلياً وزيادتها خارجياً، منوهاً إلى أن شركات تفكر في تخفيض نشاطها بالفعل إذا لم تتحسن البيئة التشغيلية.ويوضح أن الكويت بحاجة لبناء جسور ذات جدوى تجارية تربطها بالعراق وإيران.
وبالنسبة لـ«أجيليتي» يتوقع السلطان نسب نمو كبيرة في مؤشراتها، ويكشف أن الشركة نقلت 15 مليون جرعة لقاح «كورونا» ومستمرة في العمل مع كبار المنتجين، ويشير إلى أن تأثر الشركات بالجائحة قد يُنتج فرص استحواذات خارج الكويت.
ويلفت إلى أن «أجيليتي» ستعوّض زمن عقود الجامبو بالنمو عضوياً مع الحكومات وأكبر الشركات، فيما يؤكد أن الوضع المالي لـ«الوطنية العقارية» جيد وأن «مركز سلطان» تجاوزت أزمتها وتفكر في التوسع خارجياً.
وفي ما يلي نص المقابلة:
* أمام الواقع المالي المعقّد ما وصفتك للإصلاح الاقتصادي؟
- من حيث المبدأ يتعيّن تصحيح مسار العلاقة المتصدعة بين السلطتين بأسرع وقت، فطاقة الحكومة تُستهلك على حلول وقتية، وتُنهك في أمور جانبية مثل الصراعات مع النواب، ولعل التحدي الأكبر أن الجميع ينظر إلى الحكومة على أنها المسؤولة عن توزيع ثروات البلد وليس تنميتها، ومن ثم الحاجة لرؤية متفق عليها حكومياً ونيابياً، تحقق الاستدامة المالية، بخطط تطوير اقتصادي شاملة تستهدف مستويات عالية من النمو، على أن تحظى بتأييد المواطنين.
علاوة على ذلك، يجب أن يكون هناك جهاز مستقل في الحكومة مسؤول عن تنفيذ الرؤية التنموية، مع وقف التعيينات البراشوتية، خصوصاً للقياديين، إلى جانب التخلي عن نموذج عمل وزارات الدولة الحالي، والتي تخطط كل منها بشكل منفرد، لصالح آخر يربط خطط هذه الجهات بمستهدفات الدولة.
كما أنه كلما قلصنا حجم الروتين والبيروقراطية، بزيادة حصة القطاع الخاص في الاقتصاد سيكون المردود مضاعفاً.
أما استمرار النهج الحالي في تقليص حصة القطاع الخاص فسيؤدي إلى تحويل الكويت لبيئة طاردة، قد تدفع العديد من الشركات ورجال الأعمال إلى تخفيف أوزانهم محلياً وزيادتها خارجياً، وهناك شركات بالفعل تفكر في تخفيض نشاطها محلياً إذا لم تتحسن البيئة التشغيلية المحلية، وهنا ستبرز السلبية المزدوجة، حيث هجرة رجال أعمال محليين، وضعف خطط استقطاب المستثمرين الأجانب، الذي سيتأثرون سلباً بالتعامل الحكومي مع نظرائهم المحليين، ووقتها ستزداد مخاوفهم من ضخ مزيد من سيولتهم في الكويت، لتتعمق مع ذلك الأزمة الاقتصادية أكثر، وستكون الحكومة مطالبة ببذل جهد إضافي في مغازلة المستثمرين وإقناعهم بالعودة مجدداً، وربما بمزايا تعويضية.
* رغم أن الأزمة المالية التي تمر بها الكويت واحدة إلا أن هناك أكثر من لغة في تناولها. بمَ تفسر هذا الانقسام؟
- جزء من مسؤولية الحكومة أن تضع خطة مقبولة للقيادات العليا، وللوزارات، ولأعضاء مجلس الأمة وللمواطنين، وهذا لم يحدث من قبل، فبجردة تاريخية بسيطة يمكن ملاحظة أن الحكومات السابقة لم تأخذ الوقت المناسب في استمزاج آراء جميع الأطراف المعنية في إعداد خططها.
فالتقليد الحكومي أن تستعين في إعداد خططها الاقتصادية بشركات استشارات عالمية، ثم تضع هذه الخطط في الأدراج، دون أن تستشرف آراء شركاء العمل بخصوصها، فإذا كان النواب غير محاطين تفصيلياً وبوضوح بخطط الحكومة، فكيف لهم أن يشرّعوا القوانين اللازمة لهذه الخطط مع إعطائها الأولوية المستحقة نيابياً.
* إذا كانت الحكومة متجهة لتقليص الإنفاق العام فكيف سينمو القطاع الخاص؟
- عندما تقلّص الحكومة تأثيرها السلبي على القطاع الخاص ستولّد فرصاً حقيقية بشركاته، وهذا ما يسمى بـ«Crowding out»، أي أن الحكومة تزاحم القطاع الخاص اقتصادياً، ويمكن القول إن الكويت تسير عكس العالم والخليج منذ أكثر من 50 عاماً.
وعندما يتقلص حجم هذا التأثير ستكبر فرص الاستثمار في القطاع الخاص، وهنا تتحقق المعادلة المستهدفة حيث تصغر المصروفات العامة ويكبر الاقتصاد الحقيقي المنتج.
ولنأخذ في هذا الخصوص تركيا مثالاً، فهي دولة ليس لديها موارد نفطية ورغم ذلك اقتصادها يعادل ضعف اقتصاد دول الخليج، والسبب في ذلك أن قطاعها الخاص يقوم تقريباً بكل شيء، والحكومة هناك تشرف فقط.
وهناك مثال آخر، إذ يوجد جسر ناجح جداً يربط السعودية والبحرين، وتتقاضى المنامة رسوماً على كل من يستخدمه حتى صارت تفكر في بناء جسر آخر دون أي تكاليف على الميزانية العامة، وأعتقد أن الكويت بحاجة إلى بناء جسور ذات جدوى مشابهة تربطها بالعراق وإيران، فللأسف لا توجد اتفاقيات تبادل تجاري بين الكويت والعراق، والتي أرى أن العمل بها كان مستحقاً قبل الشروع في مشروع الشمال.
* لكن هناك من قد يعارضك ويكتسب رأيه وجاهة بأن لدى «أجيليتي» تجربة استثمارية سيئة في العراق؟
- لا شك أن العراق يمرُّ بوضع صعب، لكن الربط بين سكة الحرير والعراق وتكامل الكويت مع جميع الدول المجاورة يسهم في تحقيق الاستدامة المالية.
ورغم كل التحديات الحالية إلا أن الاتفاقيات التجارية مع العراق وغيرها من دول الجوار تصب في مصلحة الكويت.
وببساطة وبعيداً عن أي تعقيد، هناك شركات عالمية وربما عراقية قد تجد صعوبة في إنشاء مقراتها في العراق، وفي ظل وجود اتفاقيات تنظيمية محصنة قانونياً بين البلدين يمكن أن تنقل هذه الكيانات مقارها إلى الكويت، مع جزء من أعمالها، مدفوعة بقرب المسافة، حيث سيفصل بين البصرة ومنطقة الشمال في حال وجود جسر نحو 30 دقيقة، كما أن الاتفاقيات التجارية ستؤدي إلى وجود شركات عراقية تستثمر في الكويت سيتم مراعاة مصالحها من حكومتها، ما يحمل ضمانة غير موجودة حالياً لأي مستثمر يرغب في التوسع استثمارياً بالعراق.
* بالمناسبة ما آخر مستجدات أزمة «كورك تيليكوم»؟
- هناك العديد من قضايا التحكيم المنظورة في هذا الخصوص، وننتظر النتائج، وبناءً عليها سنتخذ القرار المناسب.
* خلال الفترة الماضية مرّت «أجيليتي» بسلسلة ضغوطات آخرها إزالة موقع شركتها التابعة «معادن»، فإلى أي مدى ستتأثرون مالياً بهذا القرار وما إستراتيجيتكم للتعويض؟
- شركة المعادن موجودة في موقعها منذ العام 1980، ودخلت في اتفاقية مع الحكومة منذ 3 أو 4 سنوات لنقل مصنعها إلى موقع جديد، ضمن برنامج زمني واضح ومتفق عليه مع الجهات المعنية، وكانت هناك بعض الإجراءات المطلوبة من الحكومة مثل توصيل الكهرباء وبعض الخدمات الأخرى قبل انتقال الشركة.
وما حدث أن الجهات الحكومية أخفقت في توصيل الكهرباء، والخدمات إلى المنطقة الجديدة التي يفترض أن تنتقل إليها «معادن» والشركات الأخرى المشمولة بالخطة، ولكي لا تتعرض تلك الجهات الحكومية للإحراج لجأت إلى إزالة الشركة بالقوة، رغم أن «معادن» كانت تنوي الانتقال في شهر أبريل الحالي، وهذا متفق عليه ومسجل في محاضر الاجتماع مع الهيئة العامة للصناعة.
ونتيجة لطريقة التعاطي الحكومي مع الشركة تعرّضت «معادن» لخسائر جسيمة، نتيجة لتوقف أعمالها تماماً، حيث نعمل على إعادة تشغيلها بأقرب وقت، وأمام ذلك لجأنا قضائياً للمطالبة بالتعويض عن الخطأ الواضح بحق مساهمي الشركة.
* نحن في شهر أبريل فهل ستنتقلون؟
- حسب الجدول الزمني يفترض أن نغادر هذا الشهر.
ورغم أنه لا يزال هناك بعض الأمور المطلوبة من الحكومة عالقة، إلا أننا سنغادر المكان على أي حال.
• هل ترى أن سهم «أجيليتي» لا يزال فرصة جاذبة للمستثمرين؟
- أكيد.
وأعتقد أن نشاط الشركة التشغيلي مميز، إذ إننا متواجدون في أكثر من 105 دول ونعمل بطريقة مختلفة، كما أن مستقبل الكويت ورغم كل التحديات البارزة مشجع، خصوصاً في حال إقرار خطة حكومية شاملة لتطوير القطاع الخاص، وتخفيض حجم القطاع العام، وإذا تحقق ذلك أعتقد أن نسبة النمو في مؤشرات «أجيليتي» ستكون كبيرة.
* وما إستراتيجيتكم للنمو بأعمال الشركة في ظل تعقيدات «كورونا»؟
- «كورونا» أثّر على قطاعات عدة بشكل كبير، وفي مقدمة القطاعات المتضررة الطيران وخدمات المطار، لكن مع مرور الوقت والإسراع في وتيرة التطعيم سيعود القطاع إلى وضعه الطبيعي.
وبهذا الشأن نعمل على انتهاز الفرص للعمل على عقود جديدة لما بعد الأزمة.
فهناك شركات كثيرة تأثرت بالجائحة ما قد يُنتج لنا فرص استحواذات خارج الكويت بعد الجائحة.
وهناك فرص عديدة نقوم بدراستها حالياً.
وبالنسبة للقطاعات اللوجستية الأخرى نحقق نمواً بشكل مقبول، إذ سجلت الشركة إيرادات لوجستية عن 2020 بنحو نصف مليار دولار، والعمل على تحسين العوائد مستمر.
* كيف تصف مركز «أجيليتي» المالي؟
- ممتاز.
* هل لديكم أي خطط قريبة لزيادة رأس المال؟
- لا خطط لزيادة رأس المال في الوقت الحالي.
* بعد انتهاء زمن عقود الجامبو على ماذا تعتمد «أجيليتي» للنمو؟
- على نمونا عضوياً من خلال تواجدنا الإقليمي، ونحن ناجحون في هذا المجال، ولدينا شراكات مع أكبر الشركات العالمية والحكومات، وسنستمر في هذا الاتجاه.
* هل استفادت «أجيليتي» من عمليات نقل لقاحات «كورونا»؟
- نعم.
وإلى ذلك نقلنا أكثر من 15 مليون جرعة، ومستمرون في العمل لوجستياً مع كبار المنتجين مثل «فايزر» و»موديرنا» والصينيين.
* ماذا عن الوضع المالي للشركة الوطنية العقارية؟
- جيد.
ونتوقع إطلاق مشروع الريم هذا العام، وما يميز المشروع استثمارياً أنه يتضمن جميع التقنيات الفريدة غير الموجودة في دول الخليج الأخرى.
* ما آخر تطورات إعادة هيكلة مركز سلطان وهل احتويتم أزمة الشركة؟
- المركز المالي لـ«مركز سلطان» تحسّن أخيراً بشكل ملحوظ، مدعوماً بالتحسن الكبير الحاصل في إيرادات الشركة التشغيلية، ومن أهم نجاحاتها ميكنة عملياتها، ورقمنة جميع عملياتها الخاصة بأمور البيع بالتجزئة.
ويمكن القول إننا تجاوزنا الأزمة ونفكر حالياً بكيفية تنمية النشاط.
* وهل تتضمن خططكم في هذا الخصوص بيع بعض أفرع «سلطان» الخارجية؟
- لا يوجد لدينا خطة لبيع أي من الأفرع الخارجية، بل على العكس هناك بعض الدول التي نحقق فيها نجاحات واضحة مثل الكويت والبحرين وعمان ونتطلع للتوسع فيها بشكل أكبر.
* كمجموعة هل لديكم أي استحواذات على نار حامية أو مرتقبة بـ 2021؟
- لا، ولكننا منفتحون على أي فرصة مناسبة.
* هل أنت مع قانون الدَّين العام أم لا ولماذا؟
- بشروط فالكويت تعاني من عجوزات مالية كبيرة، والحكومة في حاجة إلى إقرار قانون دين لتوفير بعض السيولة الإضافية التي يمكن أن تعزز الاحتياجات التمويلية للميزانية، وتزاد وجاهة هذا القانون بالنظر إلى أن الدين الحكومي يبلغ حالياً نحو 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
لكن يتعيّن أن يوازي إقرار الدين العام إعادة هيكلة واضحة للمالية العامة، مدفوعة بخطط ورؤية، تساعد في إخراج الكويت من مأزقها الحالي، وإيصالها إلى الاستدامة المالية، ومن دون صياغة خطة تنمية شاملة لتنويع الاقتصاد وتحفيز نمو مجتمع الأعمال لن يكون إقرار الدين العام أو أي أداة تمويلية أخرى مجدياً في ردم فجوة العجز، ما دامت تتوسع بضغط الافتقار للمصدات المالية التي تعزز موارد الدخل، وفي ظل بقاء أوجه الهدر.
* هل أنت مع مدينة الحرير أم لا ولماذا؟
- أنا مع المشروع شرط أن يكون تنظيمه تشريعياً مواكباً للقوانين الدولية، على نمط سنغافورة والإمارات وهونغ كونغ وغيرها من البلدان التي تتمتع ببيئة قانونية جاذبة إلى الحدود التي تحقق المستهدفات الكبيرة من مشاريع التنموية المشابهة، فلكي تنجح مدينة الحرير في استقطاب رؤوس الأموال الضخمة، وإحداث الأثر التنموي المتوقع يجب أن تكون قوانينها متقدّمة ومتميّزة عن بقية الدول المنافسة. ودون ذلك لا يجب أن تدفع الحكومة فلساً واحداً في المدينة.
* هل أنت مع السحب من «الأجيال القادمة» أم لا ولماذا؟
- لا.
وتزداد قناعتنا في ظل طريقة التعاطي مع الواقع المالي الحالي للدولة رغم تحدياته، لكن إذا نجحت الحكومة في تبني إستراتيجية لاستدامة مالية قابلة للتطبيق، آنذاك يمكننا الحديث عن كيفية توفير خطوط تمويل خططها، سواء من خلال القروض الدولية أو تسييل أصول سيادية.
لكن مع غياب الرؤية المقنعة والمحفزة، لا يجب أن يتم السحب من صندوق الأجيال القادمة.
* هل أنت مع الخصخصة أم لا ولماذا؟
- نعم ولا أعتقد أنني أجافي الحقيقة إذا قلت إن مشاريع الخصخصة باتت حلاً إنقاذياً للاقتصاد، ومحركاً رئيسياً لأي تنمية مستدامة مستهدفة، خصوصاً أن أم المشاكل التي تواجه الحكومة حالياً ضعف تركيبة إيراداتها مقابل التوسع في مصروفاتها، وذلك نتيجة أن القطاع العام يفوق بحجمه كثيراً القطاع الخاص، ومن ثم لن نصل إلى ما نريده من تنمية طموحة إلا من خلال تقديم بعض الحوافز التعويضيّة بخصخصة أصول حكومية، وتحديداً التي تشكّل ضغوطاً على الميزانية العامة.
كما أن الخصخصة تقدم مبادرات اقتصادية تعزّز فرص العمل الحقيقية للعمالة الوطنية، وتنعش خدمات القطاعات المخصصة بوتيرة أسرع.
وبرأيي لم تعد الخصخصة رفاهية اقتصادية، إذا كانت الحكومة جادة في تحقيق الاستدامة المالية، ولكي ترتقي الكويت في أعين المستثمرين المحليين والأجانب إلى مستوى المنافسة المطلوبة بالمنطقة، يتعين تعديل قانونها القديم بما يسمح باستدخال تحسينات تنظيمية دولية، لا سيما التي تبنتها الأسواق المجاورة أخيراً.
* هل يمكن أن تُفلس الكويت ولماذا؟
- نعم فأي كيان اقتصادي يمكن أن يُفلس، إذا أساء صانعو سياسته المالية استخدام موارده، واستمروا في استنفاد السيولة بتمويل المصروفات، حيث يؤدي ذلك إلى تعزيز الخلل الهيكلي المتجذر بالميزانية العامة، باعتمادها بشكل كبير على عائدات النفط في تمويل إيراداتها، وبالتالي زيادة التعرض لمخاطر الإفلاس.
* هل تعتقد أن التركيبة الحالية لمجلس الأمة ومجلس الوزراء تسمح بتحقيق الإصلاح المنشود؟
- لا ولننظر في هذا الخصوص إلى النتائج، فمنذ أن جاءت الحكومة الجديدة والمجلس الجديد لم نسمع إلا عن أزمات متتالية، تركز على الأمور الشخصية، ونسوا أن هناك ما هو أهم من هذا كله وهو معالجة مخاطر نفاد السيولة من الميزانية العامة، وأعتقد أن الحاجة باتت ملحة لتعاون السلطتين سريعاً لتحقيق الاستدامة المالية للدولة وتطوير مواردها وتنويعها.
* هل تؤيد فرض الضرائب على الشركات والأفراد ورفع الرسوم أم لا ولماذا؟
- أؤيد ذلك على أن يكون ضمن حزمة تشمل هيكلة حقيقية من الحكومة بحلول مالية متقدمة تزيد مصادر إيراداتها، ولذلك وقبل التحدث عن فرض ضرائب وزيادة الرسوم لا بد من وجود خطة تضمن استدامة الدولة مالياً، وإيقاف الهدر أولاً بجانب إقرار برنامج خصخصة واضح، مصحوب ببرنامج يقلّص حجم القطاع العام إلى مستويات مقبولة عالمياً.
ولإعطاء مؤشر مهم على خطورة الخلل المتجذرة، يشكّل التوظيف في القطاع العام حالياً 85 في المئة من إجمالي القوى العاملة، رغم أنه يفترض أن يكون بين 15 و20 في المئة. وعندما نتحدث عن تقليص حجم القطاع العام فنحن نتحدث عن زيادة حضور القطاع الخاص اقتصادياً، وبالحجم نفسه الذي يتعيّن أن يتخلى عنه القطاع العام، سواء من حيث تقليص استحواذه على القطاعات الاقتصادية أو لجهة تخفيف أعبائه المالية المترتبة على سيطرته اقتصادياً، مع الإشارة مجدداً إلى أن من مكاسب المضي قدماً في مشروع الخصخصة المتعددة زيادة أعداد الوظائف في الاقتصاد، والتي سيموّلها وقتها القطاع الخاص.
* هل تعتقد أن الحزمة التحفيزية للحكومة خلال أزمة كورونا كانت كافية؟
- لا بل يمكن القول إن الحكومة لم تطلق أي حزمة تحفيزية تنشّط الاقتصاد.
ويظهر ذلك جلياً عندما نقارن الدعم المقدّم من حكومة الكويت مع ما قدّمته بقية دول الخليج والعالم، حيث يمكن بسهولة ملاحظة أن الدعم المقدم محلياً متواضع، وربما يعود ذلك لوجود قناعة حكومية بأن نسبة كبيرة من المواطنين موظفون لديها، وتمنحهم أجوراً مرتفعة، وأن ذلك يعد كافياً.
ورغم أن الوظائف الحكومية ضخمة للغاية وبعضها ليس منتجاً ويعوق نمو القطاع الخاص، ألا أن النظرة الحكومية للتحفيز من هذه النافذة ضيّقة جداً، لا سيما إذا ما قورنت بالتحفيز الحقيقي المطلوب لتجاوز المأزق الاقتصادي والمالي الذي خلّفته تداعيات أزمة كورونا.
فالمشروعات الصغيرة والمتوسطة خسرت كثيراً خلال الأزمة، وبعضها أفلس، وما يزيد من أهمية هذا القطاع أن مكوناته تمثّل شريحة واسعة من المجتمع، ولم تحصل على الدعم المطلوب من الحكومة لإنقاذها في أزمة استثنائية غير مسؤولة عنها، ونتيجة لذلك من غير المستبعد تعرّض السوق المحلي لأزمات مالية متتالية، ولسنوات عدة إلى أن يستعيد قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة والكبرى عافيته.
* هل تعتقد أن النموذج الحالي للمشاريع الصغيرة والمتوسطة المقدم من الصندوق الوطني فعّال؟
- لا فنموذج عمل الصندوق الوطني لتنمية ورعاية المشاريع الصغيرة والمتوسطة يعكس تجربة غير ناجحة، لأن تركيزه يخالف نظامه الأساسي، فبدلاً من تركيزه على المشروعات الصغيرة والمتوسطة، يقدم تمويلات تصل لـ500 ألف دينار، وهذه بداية رأسمالية كبيرة جداً لا تستقيم مع فلسفة عمل المبادرين الحقيقية، ومخاطر فكرة أن تقدم الدولة المال الوفير لهذه المشاريع في بدايتها، أنها تضعف الحافز لدى أصحابها، ولذلك من الأحرى أن يدعم الصندوق المشاريع ذات الأفكار الجديدة، التي تنطلق من معدلات رأسمالية تنسجم مع تصنيفها الحقيقي.
* هل تؤيد إعادة النظر في الدعومات المقدمة؟
- نعم فنموذج الدعومات الحالي يستنزف الميزانية كثيراً، وما يفاقم أضراره أنه لا يوجَّه لمستحقيه فقط بل يشمل الجميع، ولنأخذ الكهرباء على سبيل المثال، فمعلوم أن الكويت تقدم أرخص سعر للكهرباء خليجياً، من خلال دعم شامل يقدم لجميع الشرائح بمسطرة واحدة، لا تميّز بين مستحق وغير مستحق.
ولكي تعالج الحكومة هذا الخلل لابد لها من إجراء تغييرات جذرية في منظومة الدعم المقدمة، وليس أقلها تقديم منح نقدية غير مشروطة للقطاعات المستحقة من المجتمع، مقابل رفع أسعار الخدمات المقدمة، ويكتسي هذا التوجه وجاهته في أنه يمثل أداة قوية لتحسين التوزيع غير المتكافئ وغير الفعّال للدعوم، مع ما يترتب على ذلك من آثار إيجابية على الاقتصاد الكلي، والمستهلك نفسه، الذي سيضطر لتغيير ثقافته الاستهلاكية أملاً في تحقيق استفادة نقدية بخفض استهلاكه حسب حاجته الحقيقية من كل خدمة.
* هل ترى أن خطة الحكومة لمعالجة التركيبة السكانية صحيحة أم لا؟
- لا وبرأيي أنه كان يتعيّن على الحكومة أولاً أن تدرس الواقع جيداً قبل أن تتمرّد عليه، فمخرجات أي خطة توضع لتقليص التركيبة السكانية يجب أن ترتبط مع مستهدفات الدولة نحو تحقيق الاستدامة المالية، ما يتطلب أولاً تحديد احتياجات الحكومة المستقبلية من الأيدي العاملة غير الكويتية والمهارات التي يجب الاحتفاظ بها لمشاريعها المستقبلية، ولذلك أرى أن الطريق الذي تسير فيه الحكومة حالياً نحو تقليص أعداد الوافدين محاط بكثير من العشوائية.
* هل تؤيد سياسة التعيين الحكومي للمواطنين وألا يُفضّل أن يكون هذا التوسع من خلال القطاع الخاص بدعم حكومي؟
- نعم وحقيقة تندرج هذه السياسة ضمن الأخطاء الجسيمة التي ترتكبها الحكومة. فالدولة بحاجة إلى تخفيف التزاماتها المالية، وبدلاً من أن تفعل ذلك تنافس القطاع الخاص في استقطاب العمالة الوطنية، رغم أنه يجب عليها أن تحفّز على تنمية فرص التوظيف بالشركات، بالتخلص من عرف تعيين الكم الهائل من الموظفين لديها.
ورغم أن صرف الكويت على التعليم من الأعلى عالمياً لكن عملياً لا يؤدي إلى النتائج المرجوة، والسبب ببساطة أن الحكومة لا تزال تحتفظ بدور المنافس القوي في سوق العمل، وفي هذه الأثناء تعتمد آلية توظيف غير صحية، وبطريقة تقتل الحماس، خصوصاً لدى الطلاب المجتهدين، فبدلاً من أن تسعى لبذل المزيد من الجهد لتنمية وتطوير الثروة البشرية تعزز جهودها لإضعافها، والواقع العملي يظهر أن شريحة كبيرة من الشباب باتت تنظر إلى الوظيفة من باب الواسطة كحل أسهل، وليس من نافذة تطوير مهاراتها، وهنا تتنامى حدة المخاطر وبقوة على مستقبل القوى العاملة الوطنية.
الكويت خسرت تصنيفها الخليجي اقتصادياً وتحوّلت من المقدمة لذيل القائمة
يرى السلطان أن الكويت باتت في المرتبة الأخيرة خليجياً بعد السعودية وقطر والإمارات سواء لجهة الرؤية أو حجم الاقتصاد الحقيقي.
ويقول «الكويت كانت في السابق متقدمة اقتصادياً وكانت تتمتع بنموذج أعمال مميز، لكن شيئاً ما تغير في مسارنا وبتنا في المؤخرة، ما يستدعي من السلطتين العمل على استعادة وهج الكويت اقتصادياً».
وفي هذا الخصوص يقدم السلطان محاكاة لمركز الكويت الاقتصادي خليجياً، حيث يربط بين واقعها الاقتصادي وترتيبها الكروي، ويضيف «كنا في السابق في المقدمة الاقتصادية والكروية، وأصبحنا حالياً بذيل القائمة في الملعبين».
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}