نجحت قيود الإنتاج التي فرضها تحالف "أوبك +" والجهود المستقلة التي بذلتها السعودية، في دفع أسعار النفط هذا العام إلى نطاقات مريحة نسبيًا للشركات والبلدان المصدرة، وكما هو الحال مع أسواق الأسهم المنتشية بفعل التفاؤل، يبدو سوق النفط مستبشرًا بالقادم.
تتوقع الوكالة الدولية للطاقة نمو الطلب العالمي على النفط بمقدار 5.5 مليون برميل يوميًا، خلال عام 2021، بعدما تقلص بمقدار 8.7 مليون برميل يوميًا عام 2020، لافتة في تقديراتها الصادرة في مارس إلى أن الاستهلاك خلال الربع الأول من العام الجاري كان أعلى من المتوقع بفعل الطقس البارد في أنحاء مختلفة من العالم.
سيدعم السوق من الاقتصاد الأقوى ونشر اللقاحات النمو في النصف الثاني من العام الجاري، مع انحسار الموجة الحالية للوباء وإعادة فتح الاقتصادات بشكل كامل، مما يقلل فجوة الطلب على النفط مقارنة بعام 2019، من 4.8 مليون برميل في اليوم في الربع الأول من هذا العام إلى 1.4 مليون برميل في اليوم في الربع الرابع.
في أواخر الشهر الماضي، اتفق تحالف "أوبك +" على تثبيت سياسة الإنتاج دون تغيير، بعد اتفاق في بداية الشهر على زيادة الإنتاج بمقدار إجمالي يبلغ نحو 1.1 مليون برميل يوميًا، خلال الفترة بين شهري مايو ويوليو.
اختتمت أسعار النفط تعاملات شهر أبريل المنقضي، عند 66.76 دولار للبرميل من خام "برنت" القياسي، و63.58 دولار للبرميل من خام "نايمكس" الأمريكي، ليسجلا مكاسب شهرية بأكثر من 7% لكل منهما.
وجاء ذلك بدعم أساسي من التفاؤل إزاء تعافي الطلب العالمي في ظل حملات التطعيم، ورغم خروج الوضع الوبائي عن السيطرة في بعض المناطق، الأمر الذي يلقي بظلال من القلق على مسار أسعار النفط على المدى القصير، فأين تذهب أسعار النفط حقًا؟
مسيرة ملحمية وتوقعات متفائلة
- ارتفعت أسعار النفط أكثر من 25% هذا العام وكان هذا الصعود بمثابة منحة إضافية للسوق، إذ تقول "ريجينا مايور"، كبيرة محللي الطاقة العالمية في "KPMG"، إن ارتفاع النفط مفاجئ نوعًا ما، وإنها لم تكن تتوقع هذا النوع من الارتفاع في وقت مبكر جدًا من العام.
- نظرًا لقيود منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" وحلفائها، الذين يشكلون مجموعة "أوبك بلس"، فإن "التفاؤل بشأن الأسعار قد نما"، كما تقول "ريجينا"، فيما يقول "آدم كاربف" العضو المنتدب في "CIBC Private Wealth" إن قرار "أوبك +" كان بمثابة "حل وسط فعال يضع نهجًا منهجيًا لمراقبة سوق النفط بشكل متكرر وتعديل وتيرة إضافات العرض إذا لزم الأمر.
- في الوقت الحالي، يتوقع السوق ارتفاعًا تدريجيًا في العرض وزيادة الطلب خلال موسم السفر الصيفي كما تقول "مايور"، وتتوقع أن يظل خام غرب تكساس الوسيط وأسعار "برنت" القياسي بين 60 و70 دولارًا للبرميل، رغم أن "برنت" قد يتجاوز 70 دولارًا إذا استمرت "أوبك +" في ضبط السوق.
- تفتح أمريكا وبريطانيا وأجزاء من أوروبا أبوابها مجددًا، مما يعزز الآمال بصيف جيد لقضاء العطلات وربما حتى السفر إلى الخارج، ويُجرى إعادة فتح مدينة نيويورك التي تخطط لحملة إعلانية كبيرة لجذب الزوار المحليين والأجانب، فيما بدأ سكان لندن يخرجون ويتجولون مرة أخرى، على أمل أن تستأنف الأحداث الرياضية والثقافية قريبًا أمام الجماهير.
- كل هذا يعني زيادة كبيرة في الطلب على النفط، حيث يستقل الناس سياراتهم بأعداد كبيرة مع تخفيف القيود، خاصة أنهم يفضلون مركباتهم الخاصة عن وسائل النقل العام لتقليل مخاطر الإصابة.
- يستخدم السائقون الأمريكيون البنزين أكثر من أي وقت مضى منذ ظهور الفيروس، وتقترب أرباح صناعة الوقود من أعلى مستوياتها الموسمية في خمس سنوات ومن المتوقع أن تظل قوية مع اقتراب نصف الكرة الشمالي من موسم القيادة الصيفي.
- تشير "سيتي جروب" إلى أن الطلب قد يصل إلى مستوى قياسي يبلغ 101.5 مليون برميل يوميًا هذا الصيف، في حين رفع "جولدمان ساكس" توقعاته للسعر إلى 80 دولارًا للبرميل، وسط توقعات بأكبر قفزة في الطلب على الإطلاق.
الأزمة لم تنته بعد
- فتح المدن والأماكن شيء، وجذب الناس إليها شيء آخر، ستزدهر نيويورك بلا شك وسط زوار قادمين من الولايات المتحدة، لكنها قد تجذب عددًا أقل من الضيوف الأجانب إذا لم تُظهر أجزاء أخرى من العالم تقدمًا مماثلاً في خفض معدلات الإصابة بالفيروس.
- للأسف، ليست كل حملات التطعيم الوطنية متساوية، وفيما أعطت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ما يكفي من الجرعات لحماية أكثر من ثلث سكانهما، فإنهما ضمن مجموعة صغيرة جدًا من البلدان التي وصلت إلى هذا الإنجاز.
- في أوروبا وكندا، تبلغ معدلات التطعيم نصف هذا المستوى تقريبًا، وتتخلف أجزاء أخرى من العالم أكثر من ذلك، وسيكافح الكثيرون حقًا للحاق بالركب دون المزيد من المساعدة من الدول الغنية، وهذا يفرض بعض التحديات على اقتصاديات الدول ذات القدرة العالية لاستهلاك الوقود.
- لا يزال الفيروس مستشريًا في العديد من الأماكن، بما في ذلك الهند، التي تعاني من زيادة مروعة حقًا في حالات الإصابة بفيروس كورونا، ولا تزال القيود المفروضة على السفر الدولي سارية في معظم أنحاء العالم.
- ستظل إمكانية تسرب سلالات الفيروس المتحورة مصدر قلق للمسؤولين، في حين أن البروتوكولات الإضافية المفروضة في المطارات قبل أن يتمكن الأشخاص من ركوب الطائرات أو المرور عبر ضوابط الهجرة قد تحد من حماس الناس للطيران، أو قد تكون باهظة الثمن.
تهديدات أخرى
- لكن على عكس آمال السوق، فإن المحادثات الجارية بشأن الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية، والتي تضمنت مناقشات غير مباشرة مع الولايات المتحدة، تتطلع طهران إلى دفع واشنطن من خلالها لرفع العقوبات، مما يسمح لها في النهاية بطرح المزيد من النفط في السوق.
- يقول "كاربف" إن الأمر يتعلق أكثر بوقت التوصل إلى اتفاق وليس ما إذا كان سيتم التوصل إليه، مشيرا إلى أن إيران رفعت صادراتها بالفعل في عام 2021، ويتوقع العديد من المحللين زيادة المعروض من صادرات الخام الإيرانية.
- هذا لا يستبعد خطر حدوث "استجابة سعرية فورية لصفقة مع إيران" في السوق، لكن "كاربف" يرجح مع ذلك، أن تحالف "أوبك +" يأخذ بالفعل في الاعتبار افتراض زيادة الصادرات الإيرانية.
- بفضل موجة من صفقات الدمج أصبح قطاع النفط الصخري أقوى، وبات المزيد من الأصول في أيدي أكبر الشركات وأكثرها مرونة، وتلتزم هذه الشركات بانضباط رأس المال وتقديم عوائد مالية عالية للمستثمرين بدلا من السعي وراء النمو.
- لكن إذا ارتفعت الأسعار بدرجة كافية مع شح العرض، سيكون منتجو النفط الصخري قادرين على تقديم العائد والنمو. تتوقع إدارة معلومات الطاقة إضافة 1.25 مليون برميل من الإنتاج اليومي خلال الفترة من الربع الأول للعام الجاري حتى نهاية 2022، وهو هدف سهل التحقيق عند سعر 55 دولارًا للخام الأمريكي.
المصادر: أرقام- بلومبيرغ- فوربس- بارونز- الوكالة الدولية للطاقة
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}