علي الرغم من استمرار الجائحة حول العالم وانتشار تحورات فيروس كورونا، فإن الصين نجحت فى تحقيق معدلات نمو كبيرة فى عام 2021 حتى الآن، وذلك عبر نجاحها في تطعيم نحو 223 مليون فرد تطعيماً كاملاً، وهو ما مكنها من إعادة فتح الاقتصاد بثقة أكبر مقارنة بما كانت عليه الأمور في الربع الأول من العام الصعب للجائحة عام 2020.
وبالوصول إلي النصف الأول من العام الجاري الذي نجح خلاله الاقتصاد الصيني في تحقيق نمو يبلغ 12.7% علي أساس سنوي، بينما جاء النمو الربعي (أبريل- يونيو 2021) بمقدار 7.9% في انخفاض كبير مقارنة بما حققه بالربع الأول من نفس العام والذي كان قد بلغ 18.3%.
معدل النمو ربع السنوي فى الصين: 2019 - 2021
السبب الرئيسي الذي يقف خلف الفجوة الشاسعة بين النمو الاقتصادي بالربع الأول ونظيره بالربع الثاني من عام 2021، هو أن الحسابات تكون على أساس سنوي، لذا من الطبيعي أن تكون إحصائيات الربع الأول لـ2021 أعلي لأن الربع المناظر له في العام الماضي كان دامياً على الاقتصاد الصيني؛ لأنه الربع الذي شهد إغلاقات عامة وحظراً للتجوال ومنعاً للتنقلات بهدف الاحتواء والسيطرة على تفشي الفيروس.
نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول 2021 – نماذج عالمية (%)
نمو/انكماش الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول 2021 – نماذج عالمية (%) |
|
الدولة/التكتل |
المعدل (%) |
الصين |
18.3 |
كوريا الجنوبية |
1.7 |
فرنسا |
1.5 |
الولايات المتحدة |
0.4 |
كندا |
0.3 |
إيطاليا |
1.4 |
اليابان |
1.8 |
ألمانيا |
3.0 |
المكسيك |
3.1 |
مجموعة العشرين |
3.4 |
المملكة المتحدة |
6.1 |
ورغم الفجوة بين الربعين فإن إستمرار تحقيق النمو هو أمر في حد ذاته جيد، ويعني أن ثاني أكبر اقتصاد عالمي يتسم بمرونة غير عادية بعد النجاح في العبور من أزمة الجائحة والسيطرة على التفشي، وأكثر ما يلفت الانتباه هو الآداء القوي الذي فاق ما هو منتظر سواء من المصانع الصينية أو تجارة الجملة والتجزئة، وأخيراً الاستثمارات في الأصول الثابتة والتي استطاعت أن تقدم أداء أفضل من المتوقع في يونيو الماضي.
النمو المحقق إلى النمو المتوقع في الصين – شهر يونيو 2021
النمو المحقق إلي النمو المتوقع في الصين على أساس سنوي – شهر يونيو 2021 |
|
|||
|
القطاع الصناعي |
الاستثمارات في الأصول الثابتة (بدون الريف) |
إجمالي مبيعات التجزئة |
|
المتوقع |
7.8% |
12.1% |
11% |
|
المحقق |
8.3% |
12.6% |
12.1% |
|
هذا التراجع سببه هو عودة بعض الإغلاقات والمخاوف من انتشار المتحورات الجديدة من فيرس كورونا، مما حدا ببعض الحكومات لإعادة بعض الإجراءات التقييدية والقرارات المشددة بخصوص التنقلات والحركة والسفر.
يقول "لاري هو"، كبير الاقتصاديين الصينيين في مجموعة ماكواري: "صادرات الصين قد تم دعمها جزئيًا من خلال الطلب المتسارع القادم من أوروبا واليابان، على الأقل في الوقت الحالي، لتحل محل بعض الطلب الأمريكي المتضائل".
كما أن الانتعاش الاقتصادي الصيني لا يزال غير متوازن، مع ضعف الطلب المحلي فى الوقت الذي يُعد إنتاج المصانع وأداء الصادرات هو الدافع الرئيسي للاقتصاد الصيني، تقول "بيتي وانج" كبيرة الاقتصاديين الصينيين في "إيه إن زد": "لا يوجد محرك واضح كي يتحرك الاقتصاد المحلي نحو نمو أقوى في المستقبل، ذلك على الرغم من أن الصادرات يمكن أن تستمر في مخالفة التوقعات وتعويض النمو المحلي الهزيل".
الحكومة الصينية غير قلقة بشأن النمو المنخفض، لكن ما يهمها هو تجنب أي استثمارات منخفضة الكفاءة والفاعلية لدفع الاقتصاد نحو النمو بأي ثمن، هذا أمر غير مقبول بالنسبة للسلطات، ومع ذلك في حالة استمرت الأمور وتفاقمت تجاه السيناريو الهبوطي فلن تقف الحكومة مكتوفة الأيدي.
وبمناسبة التدخل الحكومي، الصين كانت الاقتصاد الأول في قائمة الاقتصادات الكبرى الذي يخفف خطط الدعم والتيسير التي نفذها عقب الجائحة، ربما كانت بكين الأولي في هذا المضمار نظراً لأنها أول من دخلت وخرجت من الجائحة أسرع من الجميع وأصبحت الأمور تحت السيطرة لديها في وقت قصير.
يقول "وي هي" الاقتصادي في شركة الأبحاث دراجو-نوميكس: "الضغوط الهبوطية على السياسة النقدية الصينية لاتزال يمكن التعامل معها واحتواؤها".
وتيرة أي تباطؤ، وإن لم تكن غير متوقعة بل ولربما ترحب بها السلطات الاقتصادية الصينية، لكن من المحتمل أن يتم تحديدها وأخذ القرار بها من خلال عدة عوامل يتم مراقبتها عن كثب، بما في ذلك الطلب على الصادرات، وهو العامل الأقوى في حركة وتفاعلات الاقتصاد الصيني الذي يعتمد بشكل أساسي في نموه على الطلب العالمي والتجارة الدولية، وكذلك الاستثمار في العقارات، وأخيراً الإنفاق الإستهلاكي للأفراد.
المواد الخام
ارتفعت أسعار السلع الأولية مثل الفحم والحديد الخام والنحاس والنفط والغاز في الشهور الأخيرة بفضل رفع الإغلاق الاقتصادي في العديد من دول العالم خاصة أكبر الشركاء التجاريين لبكين، ما تسبب في ارتفاع مفاجئ وطلب مكبوت بمقدار كبير غير متوازن مع ارتفاعات العرض والإنتاج ما نتج عنه تضخم للأسعار والتكاليف.
مؤشر بلومبرج للسلع الذي يقيس ويرصد أسعار 23 سلعة أساسية ومادة خام، منها نفط غرب تكساس والغاز الطبيعي وخام برنت والحبوب وفول الصويا والقمح وكذلك الألمونيوم والزنك والسكر وغيرها، كان قد وصل فى الأول من يوليو الجاري إلي أعلي مستوياته منذ أبريل 2020 عند 94.61 نقطة.
مؤشر بلومبرج للسلع
لجنة التنمية الوطنية والإصلاح وهي أعلى هيئة للتخطيط الاقتصادي في الصين أعلنت في أواخر مايو الماضي أنها لن تصمت حيال الارتفاعات الكبيرة في تكاليف المواد الخام والأساسية التي وإن كان جزء منها مدفوعاً بالارتفاعات العالمية إلا أن هناك قدرا من المضاربات.
وبسبب هذه الأوضاع وجهت لجنة التنمية الوطنية الصينية تحذيراً للشركات الكبرى من ارتكاب هذه التلاعبات، وأنها سوف تتخذ موقفاً صارماً من أجل وضع خطة للحد من هذه التقلبات كجزء من خطة أوسع نطاقاً لإصلاح آليات التسعير.
وبين كونها من ناحية تُعد أول اقتصاد كبير يخرج من مسار الدعم والتدخل في الأسواق، ومن ناحية أخرى كون النمو في الربع الثاني جاء بأقل من المتوقع وكذلك الصادرات وضغوطات الطلب العالمي، تقف السياسة النقدية الصينية في مكانها دون تغيير في حيرة بين التشديد والتيسير، وكذلك السياسات الحكومية ينالها نفس القدر من الحيرة.
بيان لجنة التنمية الوطنية الإصلاح يوضح تلك الحيرة، فمن ناحية هناك إشادة بالنمو القوي الذي نجح بفضل عودة الطلب والاستهلاك العالمي، ومن ناحية أخرى هناك توجس وريبة في الأسواق نتيجة مشكلات العرض والإنتاج.
لكن العوامل المتعلقة بتطورات التطعيم ومتحورات كورونا إضافة إلى المشاكل التى أصابت جانب العرض وتكاليف الإنتاج حول العالم هى التى تتحكم فى مسار اقتصاد بكين حالياً ومتابعة هذه العوامل هو أمر كفيل لفهم الاتجاه الذي سوف يسلكه ثاني أكبر اقتصادات العالم في الفترة المقبلة.
المصادر: وول ستريت جورنال – مكتب الإحصاءات الصيني - شينخوا
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}