في ظل حالة الفوضى التي تعم الأسواق العالمية الشهور الأخيرة، كان هناك بالتأكيد رابحون وخاسرون من هذه الأزمات المتتالية، وعلى الرغم من أن الخسائر تطال الجميع بشكل أو بآخر، حتى لو حقق البعض مكاسب مرحلية مؤقتة، فإن الأزمة العالمية على الأجل المتوسط والطويل سوف تتسبب فى ضرر بالغ للجميع، لكن ما هى هذه الأرباح والخسائر؟
بحسب "بلومبرج إيكونوميكس" فإن العالم مُقسم إلى دول مستفيدة من تضخم الأسعار ودول أخرى تعاني من هذه الموجات التضخمية الحادة، فإن كان بلدك بمثابة مُصدر صافٍ لسلع مثل الطاقة الهيدروكربونية والمواد الخام أو الحبوب والمحاصيل الزراعية فسوف تكون من الناجين، أما إن كان بلدك مستوردا صافيا لهذه السلع، فإذن هناك مشكلة!، العبرة هنا بحساب صافي الميزان التجاري وليس بالصادرات فقط، أي بطرح الصادرات من الواردات والنظر إلى صافي الناتج.
نماذج من الدول المستفيدة والمتضررة من فورة أسعار السلع حول العالم خلال 2021 |
|
بعض الدول المستفيدة |
- روسيا - أستراليا - الإمارات - قطر - ماليزيا - إندونيسيا - كندا - البرازيل - الأرجنتين - تشيلي - جنوب أفريقيا |
بعض الدول المتضررة |
- الصين - الهند - الولايات المتحدة - تركيا - باكستان - كل أوروبا الغربية - كل الدول الإسكندنافية عدا النرويج |
وفقاً لمسح أجرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD عن الدول الأعضاء، فإن مستويات التضخم وارتفاعات الأسعار الحالية حتى نهاية أغسطس الماضي قد بلغت أعلى مستوياتها منذ 2011 على الأقل، فورة الأسعار والموجات التضخمية سوف تنقل نحو 742 مليار دولار فى شكل مدفوعات تسددها الدول المستوردة لصالح جيوب الدول المُصدرة هذا العام فقط!.
من المؤكد أنه لا أحد مستفيد من الوضع الحالي حتى كبار مُنتجي ومُصدري المواد الخام والطاقة والسلع الأساسية والحاصلات الزراعية، الجميع متضرر لأنه فى حالة حقق هؤلاء المنتجون مكاسب كبيرة على المدى القصير، فإن ارتفاع التضخم وأسعار الفائدة وشح السلع سوف ينتج عنه انخفاض فى إنفاق الأسر والشركات وهو ما يعني انخفاض الطلب والدخول فى دورة ركود تضخمي عنيفة ينتج عنها تدهور الإقبال على شراء السلع وتخفيض الإستهلاك، وبالتالي فلا أحد مستفيد على المديين المتوسط والطويل.
سعر الفائدة
فى ظل فورة التضخم المحمومة وارتفاعات أسعار السلع انقسمت السلطات النقدية فى دول العالم بين تثبيت سعر العائد ورفعه خلال 2021 وحتى أكتوبر الجاري، عدا عدد محدود من دول العالم لجأت للتخفيض أثناء الموجة التضخمية الحادة وهو ما كان تصرفاً غريباً بعض الشيء!
استجابة السلطة النقدية في عدد من دول العالم خلال 2021 أثناء الموجة التضخمية |
|
سياسة سعر الفائدة |
الدولة |
نماذج لدول ثبتت سعر الفائدة |
- الولايات المتحدة - كندا - دول منطقة اليورو - المملكة المتحدة - مصر - المغرب - تونس - الهند - أستراليا - اليابان |
نماذج لدول رفعت سعر الفائدة |
- روسيا - النرويج - البرازيل - الأرجنتين - المكسيك - الأوروجواي |
نماذج لدول خفضت سعر الفائدة |
- تركيا - الكونغو الديمقراطية - إندونيسيا - الدنمارك |
الصين والتضخم
بسبب أزمة نقص الإمدادات خاصة في موارد الطاقة الهيدروكربونية والفحم، تعطل الكثير من محطات إنتاج الكهرباء فى الصين ونتج عن ذلك توقف مصانع وخطوط إنتاج على نطاق واسع مما ضغط على إنفاق الأسر والشركات وأدى لأول مرة إلى انخفاض مبيعات أكبر 100 شركة عقارية فى البلد الآسيوي بمقدار 36% فى سبتمبر الماضي بضغط من التضخم وكذلك أزمة "إيفرجراند" ونقص فى المواد الخام، مما تسبب فى تراجع معدل النمو الاقتصادي.
الأعياد وسلاسل الإمداد
بتضرر الإحتفالات والأعياد خصوصا في نوفمبر وديسمبر سوف تعكر مزاج الملايين حول العالم نتيجة أزمات التضخم وسلاسل الإمداد العالمية، لأن كل ما سبق من شح المواد الخام وانخفاض وفرة السلع الوسيطة مع تعطل خطوط الإنتاج والمصانع فى الصين وكذلك الضغط على فواتير الطاقة، يؤدي إلى نتيجة واحدة وهى تراجع الاستهلاك، مما يوصلنا إلى توقعات متشائمة في موسم الأعياد المقبل والذي كان متوقعاً له أن يشهد تعافياً حقيقياً مقارنة بنظيره في 2020، ولكن هاهو العالم وقد تفاجأ بأن 2021 لن يكون هو عام التعافي المنشود.
وعلى عكس أداء أسهم قطاع التجزئة في البورصات الأمريكية التي أدت أداءً رائعا هذا العام، بينما على أرض الواقع فإن هذه الشركات المعنية بشكل أساسي بموسم الأعياد والألعاب والهدايا والأجهزة المرتبطة بالمناسبات السعيدة، تعاني أشد معاناة في توفير السلع وموازنة العرض مع الطلب في ظل فورة تضخم وتعطل سلاسل الإمداد وتباطؤ الإفراج عن السلع من الموانئ.
من ناحية أخرى، قد يقول البعض إن هذه الشركات تحتفظ بمخزون كبير يمكنها من التعامل والتأقلم مع تأخر الشحنات والحاويات القادمة من الصين وغيرها، لكن حقيقة الأمر أن مستويات المخزون لدى شركات التجزئة فى سوق مثل الولايات المتحدة لا تبشر بالخير أبداً.
شركات الملابس الرياضية مثل "نايكي" و"أكاديمي سبورتس آند أوتدور" وسلاسل الملابس الجاهزة مثل "إتش أند إم" و"أمريكان إيجل" "وشركات الألعاب مثل "لايت برايتس" و"تينكر تويز"، جميعها تحاول إيجاد حلول وتلتف على العقبات، فمثلا يلجأ بعضها للشحن الجوي بدلاً من البحري الذي يصيبه التعطل والازدحام، والبعض الآخر يؤجر سفن شحن كاملة.
آخرون لديهم استعداد لدفع 20 ألف دولار في شحن الحاوية الواحدة لكي يحصل على بضائعه، لكن في النهاية الخاسر الأكبر هو المستهلك الذي يتحمل كل هذه التكاليف، كما أن خياراته تظل محدودة مقارنة بأعياد مضت، كل هذه التراكمات والآثار المترتبة على أزمة التضخم وسلاسل الإمداد ونقص الطاقة وندرة السلع والمواد الخام لا يبدو لها نهاية قريبة ولا يوجد خاسر ورابح بل الكل يخسر، والمستهلك النهائي هو الحلقة الأضعف في هذا الصراع.
المصادر: أرقام – بلومبرغ – جوجل فينانس – الفيدرالي الأمريكي.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}