في إعلان مفاجئ على موقعها على الإنترنت، وجهت وزارة التجارة الصينية رسالة إلى المواطنين يوم الإثنين الماضي في السابعة مساءً، تطالبهم فيها بتخزين كميات من السلع الأساسية لتلبية الاحتياجات اليومية وتحسباً لحالات الطوارئ، دون توضيح الأسباب، كما وجهت الوزارة إعلانا إلى السلطات والحكومات المحلية بضرورة تسهيل ودعم تدفق الإنتاج الزراعي والحيواني ورصد حالة المخزون من اللحوم والخضراوات والسيطرة على الأسعار.
تبع ذلك رد فعل واسع وجدل تجاوز الصين إلى بقية العالم، نظراً لانتشار الخبر عبر جميع وكالات الأنباء العالمية وبكل اللغات، خاصة أن فحوى الخبر تحمل كل صفات العنوان الصحفي الجذاب.
لذا قامت في وقت لاحق – ويبدو أنه بإيعاز من السلطات- الجريدة الاقتصادية المقربة من الحكومة وهى Economic Daily بإصدار بيان ثانٍ قالت فيه إن تفسير بيان وزارة التجارة كان مبالغاً فيه وإنه قد فُهم خطأ، وأن المقصود فقط التخزين لبضعة أيام لأن التخزين أمر طبيعي في الحياة أولا، وثانيا لأن بعض المناطق قد يشملها حظر التجوال بسبب الجائحة.
البعض حول العالم يعزي الفهم الخاطئ لمشكلة في الترجمة، لكن هذا أمر غير ممكن الحدوث لأن الفهم الخاطئ شمل الصينيين أيضاً، ولذلك قامت بالرد صحيفة صينية باللغة الصينية استهدفت تهدئة الهلع والمخاوف بداخل الصين نفسها، وأياً ما يكن الأمر، فهناك تفسيرات عدة واحتمالات كثيرة.
أزمات حادة
يحتمل هذا الأمر والتوجه المتحفظ من السلطات الصينية مؤخرا عدة تفسيرات منطقية يُعزى معظمها إلى الأزمات الحادة والمتزامنة والمكثفة التى يعاني منها ثاني أكبر اقتصاد عالمي ويمكن تلخيصها فيما يلي:
1- تراجع إنفاق المستهلكين.
2- أزمة نقص الطاقة.
3- تعطل سلاسل الإمداد.
4- عراقيل تشريعية جديدة.
5- تذبذب سوق الائتمان.
6- انكماش القطاع العقاري.
7- توتر بحر الصين الجنوبي.
8- تفشٍ جديد لمتحورات كورونا.
ماذا يحدث للمنتجين؟
1- الصادرات والتوظيف تراجعا في أكتوبر للشهر الثالث على التوالي.
2- معدلات المبيعات تراجعت في أكتوبر بعد أن ارتفعت في سبتمبر.
3- معدلات تسليم البضائع في موعدها، سجلت في أكتوبر الماضي أسوأ مستوياتها منذ مارس 2020.
4- أسعار مدخلات الإنتاج في أكتوبر سجلت أسرع زيادة مسجلة منذ ديسمبر 2016.
هل يكون السبب هو تدهور الإنتاج؟
*أقل من 50 نقطة = انكماش.
مؤشر مديري المشتريات الصناعي يعبر إلى حد كبير عن وضع المصانع الصينية ويمكن اعتباره مرآة للقطاع الصناعي وذلك لأنه يستطلع أحوال 4600 من أكبر المجموعات الصناعية في الصين، ويتكون المؤشر الإجمالي من المكونات الفرعية التالية:
1- مؤشر الإنتاج.
2- مؤشر الطلبيات الجديدة.
3- مؤشر مخزون المواد الخام.
4- مؤشر التوظيف.
5- مؤشر التسليمات.
وبحسب مكتب الإحصاء الصيني، المؤسسة الرسمية المسؤولة عن الإحصاءات، فإن جميع المؤشرات الفرعية الخمسة كانت تحت عتبة الـ 50 نقطة، وهو ما يعني أن جميع المؤشرات أصابها الانكماش في شهر أكتوبر الماضي.
آداء المؤشرات الفرعية المكونة لمؤشر مديري المشتريات الصناعي في الصين – أكتوبر 2021 |
||
المؤشر الفرعي |
قيمة المؤشر في أكتوبر |
مقدار الانخفاض مقارنة بالشهر السابق (سبتمبر 2021) |
مؤشر الإنتاج |
48.4 |
-1.1 |
مؤشر الطلبيات الجديدة |
48.8 |
-0.5 |
مؤشر مخزون المواد الخام |
47.0 |
-1.2 |
مؤشر التوظيف |
48.8 |
-0.2 |
مؤشر التسليمات |
46.7 |
-1.4 |
كل هذه الأزمات دفعت معدل أسعار المنتجين (أسعار تسليم المصنع) بأن تصعد إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق منذ بدء قياس البيانات في سبتمبر الماضي عند 10.7%، مما يعني أن الخوف من انخفاض المعروض الناجم عن تدهور إنتاج المصانع قد يكون سبباً في ذعر السلطات الصينية.
هل هو الركود التضخمي؟
الركود التضخمي يعني ببساطة: أسعار أعلى على المستهلكين وإنتاج أقل من المنتجين، وهذه الحالة هى إلى حد ما تعبر عما يحدث في الاقتصاد الصيني مؤخراً، حيث إن أسعار مُدخلات الإنتاج قد شهدت ارتفاعات غير مسبوقة تم تمريرها للمستهلك النهائي فارتفعت مستويات أسعار المستهلكين، ومن ناحية أخرى يعاني المنتجون من ضغط على هامش الربحية بدافع من ارتفاع في التكاليف وعدم وفرة المواد الخام ومدخلات الإنتاج بالتزامن مع انقطاعات التيار الكهربائي وأزمة الطاقة الممتدة منذ أسابيع، كل هذا أدى إلى انخفاض في الإنتاجية، مما يعني أن الخوف من الركود التضخمي قد يكون سبباً في ذعر السلطات الصينية.
الأمر ليس بسيطاً والمخاوف من الركود والتباطؤ وصلت لأعلى المستويات في الدولة الصينية، للدرجة التي دفعت رئيس الوزراء "لي كيجيانج" بالتصريح: "اقتصادنا يواجه مخاطر وضغوطا هبوطية.
هل هو الوباء؟
استطاعت الصين حتى منتصف العام الجاري أن تتوج نفسها بلقب "الأفضل على الإطلاق" في السباق العالمي نحو السيطرة على الجائحة ومنع الوباء من الانتشار، ولكن في الشهور القليلة الأخيرة واجهت "بكين" موجات متتالية وعنيفة من متحورات الوباء تضرب مختلف أنحاء البلاد، مما جعلها تعيد العمل بقواعد حظر التجول وقيود السفر والحركة في بعض المناطق لمنع التفشي.
على سبيل المثال، مقاطعة "روي لي" النائية والواقعة على الحدود مع ميانمار، فُرض على سكانها إغلاق كلي وحظر للتجوال أربع مرات آخر سبعة أشهر فقط، القيود أثرت بشدة على أرزاق الناس وأغلقت الكثير من المحال والمطاعم والشركات.
مما دفع نائب محافظ المدينة السابق "داي رونجلي" والذي يعمل حالياً في شركة مملوكة للدولة، أن يتحدث على مواقع التواصل الإجتماعي ويقول: "يجب وبشكل عاجل استئناف الأعمال وحركة الاقتصاد، وعلى الحكومة أن تتعلم كيف توازن بين أرزاق الناس والسيطرة على تفشي الوباء".
كلمات "داي" أثارت الكثير من التعاطف والجدل وانتشرت في مجتمع التواصل الاجتماعي الصيني بشكل واسع النطاق خلال الأيام الماضية، مما يعني أن الخوف من عودة تفشي الوباء وخروج كورونا عن السيطرة قد يكون سبباً في ذعر السلطات الصينية.
إحصائيات التطعيم في الصين حتى 2 نوفمبر 2021 |
|
عدد إجمالي الجرعات حتى تاريخه |
2.2 مليار جرعة |
عدد الأشخاص الذين تم تطعيمهم بشكل كامل |
1.047 مليار شخص |
نسبة من تم تطعيمهم بشكل كامل إلى إجمالي السكان |
%74.7 |
عدد الأشخاص الذين تم تطعيمهم بجرعة واحدة |
1.100 مليار شخص |
نسبة من تم تطعيمهم بجرعة واحدة إلى إجمالي السكان |
%78.5 |
هل هي الألعاب الأولمبية الشتوية؟
السيطرة على الوباء ومتحوراته بشكل صارم وعبر اتباع سياسة "صفر تهاون وصفر تسامح"، تأتي أسبابها من الحرص لدى السلطات الصينية بعدم السماح لأي ظروف أن تعكر صفو أجواء تنظيم الألعاب الأولمبية الشتوية المنتظر أن تنطلق في بكين 4 – 20 فبراير المقبل، والتي تأمل الصين أن تكون بحضور جماهيري كامل كما كان الوضع في أي مسابقة قبل الجائحة، ومع هذه المسابقة الدولية من المنتظر أن تساهم الأعداد الوافدة من السياح والجماهير في دعم النمو والاستهلاك، مما يعني أن أي تهديد يحوم حول نجاح تنظيم أولمبياد الشتاء قد يكون سبباً في ذعر السلطات الصينية.
هل هو الشتاء؟
الصين تستعد هذه الأيام لشتاء من المتوقع أن يكون قارساً، مع انخفاض في درجات الحرارة وصل إلى 15 درجة في بعض المناطق، وبالتالي كان طبيعياً أن ترتفع أسعار الخضراوات والطعام مع انخفاض الحرارة وعدم قدرة المنتجين على مواكبة الطلب قبل عطلات العام الصيني الجديد، وهو موسم الأعياد الذي تُعول عليه الحكومة والشركات وصانعو السوق لكي تتعافى من الركود ويرتفع الاستهلاك والإنفاق من قبل الأسر.
وكلما اقتربنا أكثر من شهور ديسمبر ويناير زادت الحاجة إلى التدفئة والفحم والغاز، في الوقت الذي تعاني فيه المصانع الصينية ومحطات توليد الكهرباء من ضعف في تدفقات الفحم الذي يعتمد عليه معظم مزيج الطاقة الكهربائية الصيني، وهو سبب رئيسي مُحتمل ضمن أسباب ذعر السلطات الصينية.
ورغم أن الغاز يمثل حصة قليلة من مزيج الطاقة الصيني، لكن تحاول "بكين" إجراء محاولة ولو يائسة للبحث عن بدائل للفحم في وقت قصير، مما اضطرها لتوقيع عدة عقود مع شركات للغاز المُسال الأمريكي، حيث دخلت شركات الطاقة الصينية في مفاوضات مع كبار المنتجين الأمريكيين في قطاع الغاز حسب "رويترز" في الخامس عشر من أكتوبر الماضي.
المحادثات الصينية – الأمريكية بدأت حين كانت عقود الغاز المُسال الآسيوية تبلغ 15 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، أما عقود تسليم نوفمبر فوصلت إلى 37 دولارا وأكثر، هذه الموجة الكبيرة من الارتفاعات حدثت في غضون شهرين فقط، كيف سيكون الوضع في الشتاء؟
ربما يكون هناك شيء ما في بحر الصين الجنوبي مع تايوان وهونج كونج من ناحية، ومع اليابان والولايات المتحدة من ناحية آخرى، ربما يكون السبب أي شيء، ولا أحد على يقين من حقيقة الأمر، لكن اليقين الوحيد هو أن الاقتصاد الصيني يواجه متاعب لم يشهدها منذ فترة.
المصادر: أرقام – bloomberg – وزارة التجارة الصينية mofcom – حساب جريدة Economic Daily على مواقع التواصل الإجتماعي – cnbc - جهاز الإحصاء الصيني stats – scmp – ourworldindata.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}