نبض أرقام
05:05 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/24
2024/11/23

محورية دور الدولة .. كيف تساهم الأزمات في تعزيز التدخل الحكومي في الاقتصاد؟

2021/12/04 أرقام - خاص

في العامين الماضيين ومنذ ظهور الجائحة وتفشي الوباء في كل دول العالم، تسابقت الحكومات للسيطرة عليه وتوزيع اللقاحات الضرورية وتشجيع شركات التكنولوجيا الطبية والتصنيع الدوائي على إيجاد حل سريع للخطر الذي يهدد البشرية، بالتزامن مع ضغوط من المؤسسات العالمية والهيئات التشريعية بداخل كل دولة والأحزاب وجماعات الضغط والرأي العام لمطالبة الحكومات بضرورة اطلاق برامج تحفيز وإنقاذ آلاف الشركات وملايين الأسر التي تأثرت بالوباء والركود المصاحب له.

 

 

وبالفعل تدخلت الحكومات والبنوك المركزية عبر أدواتها المالية والنقدية للسيطرة على الأمور وتخفيف الصدمة والآثار الجانبية للوباء الذي ضرب جانبي العرض والطلب وكسر جناحي الاقتصاد العالمي، ثم ما لبثت الأمور هدأت قليلاً بالتدخلات الناجعة على المستويين الصحي والاقتصادي قبل أن تشتعل مجدداً بأزمات في الطاقة والغذاء والتوريد والتجارة، لتعلو الأصوات مرة أخرى وتطالب الحكومات بضرورة التدخل الجراحي لمنع إصابة الاقتصاد العالمي بجلطة والمحافظة على استمرار دوران تروس محركاته.

 

وهو ما يفرض تساؤلًا جوهريًا: وهو ما دور الدولة في الاقتصاد وما هي حدود هذا الدور وأي المعايير التي يمكن استخدامها لقياسه وما الآثار قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل المتوقع أن تنجم عن هذا التدخل وانعكاسه على القطاع الخاص والأفراد وعلى النمو والتضخم والإقراض والإيداع والادخار والاستثمار وكيف يختلف تدخل الدولة بين الدول الناشئة ونظيرتها المتقدمة؟.

 

 

هناك شبه إجماع بين المدارس الاقتصادية الحديثة في القرن الأخيرعلى أن مهام الدولة الاقتصادية في السوق المفتوح لا تخرج عما يلي:

 

1- فرض سيادة القانون والاستقرار.

2- حماية المنافسة ومنع الاحتكار.

3- توفير الخدمات وبناء المرافق.

4- الحفاظ على استقرار الاقتصاد.

5- التوزيع السليم للثروة والدخل.

6- تصحيح التشوهات والاختلالات.

 

أمثلة لقرارات حكومية تندرج تحت المهام الست لدور الدولة الاقتصادي

 

القرار

الهدف المنشود من القرار

1

البنك المركزي يغير الفائدة والمالية ترفع الإنفاق.

يحافظ على استقرار الاقتصاد.

2

مجلس نواب الشعب يقرر رفع الضرائب على أصحاب المليارات.

يوزع الثروة بشكل سليم.

3

الوزارة المعنية بالبيئة والمناخ تقرر فرض ضريبة على المصانع.

يصحح التشوهات ويعالج الاختلالات المستحدثة.

4

الحكومة تقرر رفع موازنة الشرطة وأجهزتها المعاونة.

يفرض سيادة القانون والنظام.

5

الهيئة المعنية بمكافحة الاحتكار ترفض اندماج شركتين.

يمنع الاحتكار ويحمي المنافسة.

6

الهيئة المعنية بالمدن تقرر إنشاء 4 مجتمعات عمرانية جديدة.

يوفر الخدمات والبنية التحتية.

 

لكن تذكر أن هذه المهام صاغها الاقتصاديون والعلماء والأكاديميون تحت مظلة "السوق المفتوح" وفي الكتب والمحاضرات والمنتديات العلمية، لكن على أرض الواقع هل توجد فعلاً سوق مفتوحة تمامًا بنسبة 100%، هل هناك سوق يقوم فيها القطاع الخاص بكل شيء ودور الدولة صفر%؟ في الحقيقة لا، حتى في أعتى الاقتصادات النيوليبرالية والأسواق المفتوحة في غرب وشمال أوروبا أو أمريكا الشمالية وشرق آسيا، فلا يزال هناك دور واضح للدول والحكومات في الاقتصاد، دور يتجاوز الست مهام المذكورة أعلاه من قبل الأكاديميين، وعلى الرغم من أن هذا الدور موجود قبل الجائحة بعشرات السنوات، لكنه بلا شك قد شهد تضاعُفًا بعدها.

 

 

وكمثال على تدخل الدولة خارج النطاق المرسوم لها في الكتب والنظريات دور الحكومة الصينية في الاقتصاد وكيف ساهمت هذه الشركات في تقوية الملاءة المالية العامة للموازنة الصينية وكيف تساهم في حصيلة الصادرات وبالتالي تدفع بالميزان التجاري للمنطقة الموجبة وتحقيق الفوائض، وكذلك انخراطها في توسيع النفوذ الاقتصادي والجيوسياسي لـ "بكين" في الاقتصادات الناشئة والمتقدمة على حد سواء، مما سمح لها بترقية القوة الناعمة الصينية خلال أزمة الجائحة عبر دبلوماسية اللقاحات التي اعتمدت بشكل أساسي على القاعدة القوية التي وفرتها هذه الشركات للدولة.

 

إحصائيات الشركات المملوكة للحكومة في الصين - 2017

عدد الشركات الإجمالي

القيمة السوقية للشركات

حجم العمالة في الشركات

51,000

29.2 تريليون دولار

20.2 مليون.

 

22 % من شركات العالم حتى 2016 كانت ملكية حكومية بشكل مباشر وغير مباشر، و10% من أكبر 200 شركة حول العالم من حيث القيمة السوقية حتى 2021 هي شركات مملوكة للحكومات بشكل مباشر، وتتوزع هذه الـ 10% على 37 دولة.

 

 

وللتدليل على صعود هذا الاتجاه قبل الجائحة بسنوات، وبالعودة لعام 2012 وفي أحد إصدارات مجلة "الإيكونوميست" الشهيرة عن شهر يناير 2021 كان بغلاف لصورة "لينين" وبعنوان: "صعود رأسمالية الدولة.. نشأة نموذج عالمي جديد"، وهو ما يدلل على تزايد نفوذها وتأثيرها على الاقتصاد العالمي في العقود الأخيرة خاصة فيما بعد الأزمة المالية 2008-2009، ومع كل أزمة كبيرة يزداد دور الدولة وتقتنص الشركات الحكومية حصة أكبر في الاقتصاد على حساب القطاع العائلي والقطاع الخاص.

 

 

وفي عام 2017 أصدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية دراسة تشمل الدول الأعضاء مضافاً إليها الهند والبرازيل والأرجنتين، توصلت إلى أن إحصائيات الشركات المملوكة للدولة بشكل مباشر أو غير مباشر داخل نطاق هذه الاقتصادات كانت كما يلي:

 

إحصائيات الشركات المملوكة للحكومة في دول الـ OECD + الهند والبرازيل والأرجنتين حتى 2017

عدد الشركات الإجمالي

القيمة السوقية للشركات

حجم العمالة في الشركات

2467

2.4 تريليون دولار

9.2 مليون.

 
 
 
 

 

البنك الدولي والشركات الحكومية

 

نشر البنك الدولي في مارس الماضي دراسة فنية وتوصيات لفتت الانتباه قام بها الخبيران "جيم برومبي" و"نيلجون كوجور"، عن دور الشركات المملوكة للدولة كلياً أو جزئياً في تعامل الحكومة مع الجائحة والتعافي منها، ملخصها ما يلي:

 

1- الشركات الحكومية الناجحة استطاعت أن توفر لدولها حاجزاً أو عازلاً يقلل من الخسائر الناجمة عن الجائحة، ومنحت الميزانية العامة للدولة متنفساً ومساحة للمناورة.

 

2- الشركات الحكومية الناجحة ساعدت في برامج وخطط التحفيز والتيسير النقدي ودعم الأسر والشركات أثناء نقص السلع وتخوف القطاع الخاص من أداء دوره.

 

3- الشركات الحكومية الناجحة في مجالات البنية التحتية مثل الكهرباء والمياه والصرف الصحي والتكنولوجيا الرقمية استطاعت المناورة دون رفع الأسعار على المستهلك الذي يعاني من كساد الجائحة وفقدان مصدر رزقه.

 

4- البنوك الحكومية ذات الملاءة المالية القوية استطاعت أن تساعد أثناء الأزمة الاقتصادية عبر: شطب الكثير من القروض المتعثرة، إعادة هيكلة ديون الشركات التي تواجه صعوبات في السداد، وبالتالي منعت من إفلاس آلاف الشركات وقللت المعاناة أثناء الأزمة.

 

5- على مدى الأربعين عاماً الماضية حاولت وما زالت الحكومات والمؤسسات الدولية تحاول تحسين الأداء المالي وتغيير منهجية الإدارة وتوسيع قاعدة الملكية، هذه الجهود لم تحقق التغيير المطلوب حتى الآن.

 

6- هناك إجماع على التطبيق التدريجي للخصخصة وتوسيع ملكية الشركات الحكومية وتحسين أدائها واعتماد مبادئ الحوكمة والشفافية والإفصاح، ولكن دون أن يُحدث ذلك أضراراً جانبية لا يمكن احتواؤها، وأهمها الإضرار بالدور الاجتماعي لهذه الشركات.

 

7- التطبيق التدريجي له عدة وسائل ومنهجيات تساعد الحكومات مثل: المبادئ التوجيهية التي أصدرها الـ OECD في 2005 وكذلك الإرشادات التي أصدرها البنك الدولي في 2014، كل هذه وسائل مساعدة يمكن أن تستعين بها الحكومات لتطوير أداء شركاتها.

 

8- إحدى أهم وأنجح الطرق لتحسين أداء الشركات الحكومية: الفصل بين المالك والمدير، أي عدم الجمع بين السلطات في يد واحدة، بل يجب الفصل المباشر والذي يمنح الشركة استقلالية ومرونة كافية في إدارة عملياتها التجارية.

 

 

خلاصة القول إن شركات وبنوك القطاع العام والمؤسسات الحكومية التابعة لها دور اقتصادي اجتماعي مهم، وعبر القيام بهذا الدور فإن الدولة تستوفي مهمة رئيسية من مهامها الاقتصادية كما قالت كُتب الاقتصاد: حفظ الاستقرار الاقتصادي وحسن توزيع الثروة وتوفير الخدمات والمرافق الأساسية.

 

وهو الدور الذي أدته بشكل جيد هذه الوحدات والشركات العامة خلال الأزمات الاقتصادية المتلاحقة على الاقتصاد العالمي منذ ديسمبر 2019 وحتى هذه اللحظة مع ظهور متحورات جديدة للوباء في جنوب شرق أفريقيا بالتزامن مع صدمات مستمرة لا تزال حاضرة بدون حلول في ميادين الطاقة والتغير المناخي والغذاء والشحن البحري.

 

وبالتالي فإن دور هذه الوحدات الحكومية ضروري في أوقات الأخطار والأزمات الحادة والفترات الاستثنائية، وعلى الرغم من أهمية توسيع قاعدة ملكية هذه الكيانات التجارية وتعزيز قيم مكافحة الفساد الحكومي وتداخل السلطات، لكن سيكون قراراً متهوراً في نظر العديد من الخبراء والمؤسسات الدولية أن تقرر بعض الحكومات التخلي المتسرع عن هذه الكيانات في أوقات صعبة مثل الأوقات الحالية بدعوى إصلاحها أو إعادة هيكلتها.

 

المصادر: أرقام - البنك الدولي - الايكونوميست - مجلة فوربس - منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية - مجلة فورتشن.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.