عقب أسبوع مضطرب من التقلبات الكبيرة في العائدات والتأرجح المتزايد في سوق الخزانة الأمريكية، يستعد المستثمرون لتقرير تضخم ساخن آخر، في حين تُلقي الحرب في أوكرانيا بظلالها على أوروبا والاقتصاد العالمي.
بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير فعلياً في إعادة كتابة سيناريو عائدات السندات الأمريكية، والتي صعد بعضها في وقت سابق من الشهر إلى أعلى مستوياتها في أكثر من عام تحسباً لأن يبدأ الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة، للحد من التضخم بدءاً من هذا الشهر.
أدت الحملة الدولية لعزل روسيا عن مواردها إلى زيادة أسعار النفط والسلع الزراعية، ما أدى بدوره إلى تفاقم توقعات التضخم، إلا أنها تُشكّل أيضاً مخاطر على النظام المالي العالمي - حيث بدأت الضغوط في الظهور - والنمو الذي يجعل المستثمرين يرغبون في شراء سندات الخزانة.
يُذكر أن عائد السندات لأجل سنتين، والذي بلغ ذروته الشهر الماضي عند 1.64%، تراوح بين 1.26% و1.56%، وانتهى منخفضاً بأكثر من تسع نقاط أساس، كما انخفض العائد لأجل 10 سنوات، وهو أقل حساسية للتغيرات في سعر الفائدة الفيدرالي، بمقدار 23 نقطة أساس، وهو الانخفاض الأكبر خلال أسبوع منذ بداية الجائحة في مارس 2020.
قالت مولي شوارتز، مديرة المحفظة في شركة "ويسترن أسيت مانجمنت" (Western Asset Management)، إن الحرب في أوكرانيا "تهيمن على الدورة الإخبارية ولا أحد يعرف إلى متى ستستمر".
وأضافت: "هناك أيضاً بنك الاحتياطي الفيدرالي ومشكلة التضخم لديه"، حيث يُهدد ارتفاع أسعار السلع الأساسية بإطالة أمد هذه المشكلة.
ويقوم عمل بنك "الاحتياطي الفيدرالي" على أن "يكون موثوقاً به ويمكن التنبؤ به ولا يتسبب في فزع السوق".
تتوقع السوق بالفعل المزيد من الاضطرابات في العوائد. حيث يقف مقياس لتقلب الخزانة الضمني عند المستويات التي شوهدت لآخر مرة خلال الاضطرابات التي حدثت في مارس 2020.
موجة طلب
أطلقتْ الأزمة أيضاً العنان لموجة جديدة من الطلب على سندات الخزانة المحمية من التضخم، والتي توقف أداؤها، وسط مؤشرات على أن صانعي السياسة الفيدراليين كانوا مستعدين لقمع الاتجاه السائد في أسعار المستهلكين.
وانخفض العائد على سندات الخزينة المحمية من التضخم لأجل 5 سنوات إلى أدنى مستوى في 2022 في 1 مارس، وأغلق متوسط معدل التضخم المتوقع، الذي يشير إليه فوق 3.3% للمرة الأولى.
في الوقت الحالي، أدّتْ الحرب في أوكرانيا واستبعاد الاقتصاد الروسي من رأس المال والأسواق الغربية عبر العقوبات، إلى زيادة الطلب على الدولار وسندات الخزانة، على الرغم من تهديد التضخم وبيانات خلق الوظائف الأمريكية القوية لشهر فبراير والتي صدرت يوم الجمعة الماضي.
وغذّت احتمالية ندرة العملة الأمريكية في أسواق المال مكاسب بنسبة 1.3% في الأسبوع الماضي، بينما انخفض اليورو بأكثر من 3% قبل اجتماع السياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي الأسبوع المقبل.
في الوقت ذاته، يفرض محافظو البنوك المركزية الأمريكية تعتيماً، حتى اجتماع منتصف الشهر الخاص بالسياسة.
وقد كانت الكلمة الأخيرة من جيروم باول، الذي ينتظر تأكيد ولايته لفترة ثانية كرئيس للبنك الاحتياطي الفيدرالي، هي أن زيادة سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة مسألة منتهية بالفعل، وأن الزيادات بمقدار نصف نقطة ممكنة في المستقبل في حال لم يصبح التضخم معتدلاً.
وتستمر العقود الآجلة لأسعار الفائدة في تحديد سعرها عند خمس ارتفاعات بمقدار ربع نقطة على الأقل هذا العام.
من المتوقع أن يظهر مؤشر أسعار المستهلك الأمريكي، المقرر إصداره الأسبوع المقبل، زيادة ليسجل 7.9% على أساس سنوي في فبراير، ارتفاعاً من 7.5% في يناير، وهي أعلى معدلات في أربعة عقود.
وباستثناء أسعار الغذاء والطاقة، فإن المعدل المتوقع هو 6.4%، ارتفاعاً من القراءة السابقة البالغة 6%، وفقاً لخبراء اقتصاديين استطلعت "بلومبرغ" رأيهم.
من جانبه قال جيسون برايد، كبير مسؤولي الاستثمار في الثروة الخاصة في شركة "غلينميد إنفستمنت مانجمنت" (Glenmede Investment Management): "يحتاج بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى إعادة تأسيس قدرته على مكافحة التضخم".
والسؤال هو ما إذا كان بوسعه القيام بذلك دون دفع الاقتصاد إلى الركود. وقال "سيتبع بنك الاحتياطي الفيدرالي توقعات السوق برفع أسعار الفائدة بهدف عدم زعزعة استقرار الاقتصاد والأسواق المالية".
لا مجال للتراجع
يذكر أن سوق السندات تتوقع على نحو متزايد نتيجة تضخمية للاقتصاد، حيث تنخفض العوائد طويلة الأجل بشكل أسرع من العوائد قصيرة الأجل، والاختلاف بين عائدات السنتين و10 سنوات الذي خرق 23 نقطة أساس يوم الجمعة، إذ كان فوق 90 نقطة أساس في الآونة الأخيرة في يناير. وانعكس المنحنى لآخر مرة في أغسطس 2019.
فعلياً، هناك مجال لتراجع الاتجاه المسطح الأسبوع المقبل، فقد تنخفض أسعار سندات الخزانة طويلة الأجل قبل مزادين مقررين يومي الأربعاء والخميس لسندات بقيمة 34 مليار دولار لأجل 10 سنوات، وسندات بقيمة 20 مليار دولار لأجل 30 سنة، ومن المقرر أن يجري بنك الاحتياطي الفيدرالي آخر عمليتي شراء لأوراق الخزانة، وهي رافعة السياسة الرئيسية الأخرى.
في هذا الصدد، قال كيفين فلاناغان، رئيس استراتيجية الدخل الثابت في شركة "ويزدوم تري إنفستمنتس" (Wisdom Tree Investments)، "في حال شدد بنك الاحتياطي الفيدرالي بمقدار 100 نقطة أساس قبل يوليو، فإنه سيعكس المنحنى"، وهي نتيجة قد يسعى إلى تجنبها. كما "سيكون من المثير للاهتمام أن نرى كيف سيتعامل بنك الاحتياطي الفيدرالي مع هذا الوضع".
المحصلة النهائية لسوق السندات هي أن عام 2022 قد شهد بالفعل الكثير من التقلبات، وأملاً ضئيلاً في أن تنحسر هذه التقلبات قريباً.
كما أن أي انحسار للحرب في أوكرانيا سيعيد التركيز مرة أخرى إلى مسار ارتفاع أسعار الفائدة والآثار المترتبة على التضخم والاقتصاد.
وقال "برايد": "في الوقت الحالي، هناك احتمالية لنمو أبطأ وليس ركود"، وعلى الرغم من الرياح المعاكسة من ارتفاع أسعار النفط. فإنه لسوء الحظ، "لا أحد يستطيع توقع النتائج السياسية".
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}