يسعي أي شخص من خلال الخروج من "راحة" الادخار إلى "قلق" الاستثمار، حتى لو وضع أمواله في أصول "آمنة نسبيًا" كالعقارات أو الذهب، إلى تحقيق هدف واحد: الربح.
ولذلك فمع أحد أكثر أشكال الاستثمار "مخاطرة"، متمثلة في الاستثمار (المضاربة) في الأسهم، يبدو السعي لتحقيق الربح مركزيًا في ظل معطيات تتغير بشكل متسارع، وللارتباط المنطقي بين المخاطرة والأرباح.
إثبات "الجدارة"
ولقياس مدى "جدارة" الاستثمار في الأسهم نستخدم العديد من الأدوات ومنها على سبيل المثال لا الحصر، نسبة ديون الشركة إلى أصولها بشكل عام، ونفس النسبة بالنسبة للأصول المتاحة بالفعل قياسًا إلى الالتزامات الآنية، ونمو ربحية الشركة، ونسبة السعر السوقي للشركة إلى قيمتها الدفترية، وقيام الشركة بتوزيع الأرباح بشكل منتظم.
غير أن هناك مؤشرًا يعطيه الكثير من المتعاملين "أهمية نسبية" فوق غيره، وهو مكرر الربحية (سعر السهم إلى ربحيته)، فلو كان سعر سهم 30 ريالًا، ويبلغ نصيب السهم في أرباح الشركة ريالًا واحدًا يكون مكرر الربحية هنا 30.
والمتعارف عليه أو الشائع بين المتعاملين هو أنه كلما قلت قيمة مكرر الربحية كان ذلك أفضل، وذلك لأننا نرغب في الحصول على أكبر قدر ممكن من الأرباح مقابل كل ريال نستثمره، وهكذا يصبح مكرر الربحية المنخفض أكثر جاذبية من المرتفع.
لذا يثار التساؤل دائمًا، ما هو مكرر الربحية "المناسب"، والذي يدفع المستثمر إلى القبول بقدر من المخاطرة في سوق الأسهم على حساب الادخار أو استثمارات أكثر أماناً؟
دولة نامية أم متقدمة؟
وبشكل عام تعتبر الدراسات التاريخية لأسواق الأسهم أن مكرر ربحية 8-10 في الدول النامية يعتبر جيدًا، بينما في أسواق الدول المتقدمة يرتفع المعدل الجيد ليتراوح بين 15-20.
ولهذا الأمر تبريره المنطقي والمباشر والمتعلق بشكل وتنوع الاقتصاد والأطر والقوانين التي تحكم السوق بجانب عمقه وكفاءته في الدول المتقدمة مقارنة بالدول النامية، بما يجعل الاستثمار بشكل عام أقل خطورة في الأولى عن الثانية.
ذلك فضلًا عن عنصر أهم متعلق تحديدًا بأسعار الفائدة التي تتغير كثيرًا في الدول النامية وتؤثر سلبًا (أو إيجابًا) على الربحية الحقيقية للاستثمارات والأسهم.
لذا فمن اللافت مثلًا أن سوق كوريا الجنوبية للأسهم دائمًا ما جاء من بين أقل الدول في العالم في مكرر الربحية، على الأقل خلال الـ20 عامًا الأخيرة، على الرغم من أن البلد ذاته من الدول المتقدمة.
ويرجع هذا بالأساس إلى المخاوف المتعلقة باحتمالات تجدد الصراع مع الجارة الشمالية، بما يجعل المستثمرين يقبلون في الاستثمار في كوريا الجنوبية شريطة وجود مكرر ربحية يسمح لهم باسترداد سريع لأموالهم، ولذلك يؤثر الغياب "النسبي" للاستقرار الجيوسياسي على الشركات الكورية بشدة.
في أي قطاع تنشط الأسهم؟
ولا يقتصر تحديد مكرر الربحية "الجيد" فقط على الدولة التي ينشط المتعامل في سوق أسهمها، ولكن أيضًا على القطاع المُستثمر فيه.
فعلى سبيل المثال، وصل متوسط مكرر الربحية لأسهم مؤشر العقارات في الولايات المتحدة 18-20 خلال العام المنصرم، بينما يفوق الرقم نفسه 30 عند الحديث عن مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" للبنوك والشركات المالية.
ولعل ارتفاع رقم مكرر الربحية في المؤشرات الأمريكية خلال الأعوام الأخيرة، وتحديدًا منذ 2019، هو ما دفع كثيرين إلى التحذير من "فقاعة" في السوق الأمريكية، حيث إن متوسط مكرر ربحية مؤشر "ستاندرد آند بورز" تاريخيًا تراوح بين 13-15، وارتفاعه بهذا الشكل مؤشر على المبالغة جانب كبير من الشركات وليس شركة بعينها.
كما أن امتداد الأزمة المالية العالمية إلى قطاع البنوك في عام 2009 سبقه ارتفاع كبير في مكرر الربحية حتى وصل إلى 120 في منتصف عام 2009.
الشركة نفسها
ولا يقتصر تحديد مكرر الربحية "الجيد" على الدولة أو على القطاع الاقتصادي، ولكن يمتد للشركات.
فهناك اختلافات كبيرة داخل نفس القطاع في مكرر الربحية "المقبول" باختلاف الشركات وباختلاف النظرة العامة لمستقبل شركة مقارنة بأخرى بما يعكس أن القطاع أو السوق ليس كل شيء.
فعل سبيل المثال يبلغ مكرر الربحية لشركة "ميتا/فيسبوك" بالقياس إلى متوسط سعر السهم مقابل الأرباح التي تم توزيعها خلال آخر 12 شهرًا، 14.71، وفي المقابل يبلغ الرقم نفسه 23.98 بالنسبة لشركة "ألفابت" المالكة لمحرك جوجل وذلك على الرغم من أن كليهما مدرجة في نفس البورصة بل ونفس القطاع (الشركات التكنولوجية).
ويرجع ذلك بالأساس إلى تمتع "ألفابت" بدرجة أكبر من الثقة في مستقبلها بين المستثمرين في ظل نتائج جيدة وخطط معلنة واضحة، على النقيض من حالة "ميتا" التي أصاب المستثمرين "الشكوك" حول مستقبلها وما إذا كانت "تشبعت" بالمستخدمين الجدد.
وهناك حالة "صارخة" تتعلق بـ"الثقة" في شركة بعينها (سواء كانت تلك الثقة في محلها أم لا)، وهي حالة شركة "تسلا" التي وصلت إلى حد تخطي مكرر ربحيتها 1100 في نهاية عام 2020 (انخفض كثيرًا بعد ذلك لكنه مازال في مستويات فوق الـ100 باستمرار)، وذلك على الرغم من أن متوسط مكرر الربحية في صناعة السيارات لا يتجاوز 16 بشكل عام.
ويرجع هذا إلى ثقة الكثير من المتعاملين في الموقف التنافسي النسبي الجيد للشركة، ففي ظل تصدرها لمبيعات السيارات الكهربائية عالميًا، واضطرار كافة الشركات العالمية الكبيرة لمحاولة اللحاق بهذا المجال بوصفه مستقبل الصناعة، تبدو "تسلا" في موقع ممتاز في السوق حتى مع عدم توزيعها لأرباح كبيرة للسهم في ظل توقعات بأرباح مستقبلية مبنية على الميزة النسبية التنافسية.
إمكانية التلاعب بمكرر الربحية
وعند تناول شركة بعينها تجدر الإشارة إلى أن هناك العديد من الوسائل المستخدمة من أجل "التلاعب" بمكرر الربحية بخفضه لجعل أسهم الشركة أكثر جاذبية في السوق ورفع سعرها.
على سبيل المثال، قد تقوم الشركة بزيادة مبيعاتها وبالتالي الإيرادات عن طريق التلاعب ببند الحسابات المستحقة، مما يزيد من ربحية السهم، وبالتالي ستنخفض قيمة مكرر الربحية على الرغم من أن التدفقات النقدية للشركة لم تشهد أي تحسن كما لم تخلق الشركة أي قيمة حقيقية.
كما توجد طريقة أخرى تمكن الشركة من تخفيض قيمة مكرر الربحية بشكل مصطنع لجعل السهم أكثر جاذبية، وذلك بإعادة شراء الأسهم مما يؤدي إلى خفض عدد الأسهم المصدرة، وهو ما سيزيد بشكل مصطنع من ربحية السهم الواحد.
كما يجب التنبه أيضًا إلى القراءة المتأنية لقوائم الشركة المالية من أجل تحديد مكرر ربحيتها بدقة، فإذا كانت شركة لديها صافي ديون لدى الغير بمليار ريال وقيمة أسهمها 10 مليارات وتحقق أرباحًا سنوية بمليار ريال فهذا يعني أن مكرر الربحية 11 وليس 10 كما قد يبدو لكثيرين.
كيف يتعامل كبار المستثمرين مع مضاعف الربحية؟
يقول "تشارلي مونجر"، نائب رئيس مجلس إدارة شركة "بيركشير هاثاواي"، وأحد أبرز المستثمرين في الأسهم عالميًا "الفكرة الرئيسية ليست فقط في مكرر الربحية ولكن في رؤيتك لمستقبل الشركة ككل، فلو تعلق الأمر بمتوسطات فقط لكان الأمر سهلًا مثل الرياضيات المباشرة".
ويدعم رئيس "بيركشير هاثاواي"، وأحد أبرز المستثمرين سوق الأسهم عالميًا، "وارن بافيت" رؤية ذراعه اليمنى "مونجر" بالإشارة إلى عدد من المرات التي استثمر فيها في شركات خاسرة، وليست فقط بمكرر ربحية مرتفع.
وأحد أبرز تحركات "بافيت" في هذا الإطار شراؤه 5% من أسهم "أمريكان اكسبريس" بينما كانت أسهمها تنهار في أعقاب فضيحة فساد تعرضت لها مع عدد من الشركات الأمريكية الكبرى عام 1962، ومن بينها "بنك أوف أمريكا".
ويقول "بافيت" إنه لم ينظر إلى مكرر الربحية مطلقًا في هذا الوقت، بل وضع "القيمة الحقيقية" نصب عينيه، مقدرًا أن خسائر الشرِكة مؤقتة، وأن قيمة الشركة لم يكن ينبغي أن تنخفض بأكثر من 60-80 مليون دولار بناء على الطابع المؤقت للخسائر.
لذلك يمكن القول بأن "بافيت" قرر "السباحة ضد التيار" أو الرأي السائد الذي رأى في خسائر الشركة مؤشرًا لتركها، خشية إفلاسها، وامتلك 5% من أسهم الشركة مقابل 20 مليون دولار وقتها، ووصلت قيمة الأسهم نفسها إلى المليارات في وقتنا الحالي (تقدر قيمة حصة "بافيت" في الشركة في أول فبراير بقرابة 25 مليار دولار).
ويقول "أستاذ" "بافيت"، "بنيامين جراهام"، إن مكرر الربحية مهم بالطبع، ولكنه يشير إلى أنه يعطي صورة آنية فقط عن السهم، ولكن يبقى على المستثمر بذل الجهد ليحاول معرفة إلى أين سيصل السهم مستقبلًا ليحقق غايته من دخول السوق: الربح.
المصادر: أرقام- انفستوبيديا- "سي.إن.بي.سي"- محاضرات "ورين بافيت" في جامعة فيرجينا (1991)- فوربس
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}