نبض أرقام
06:44 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/11/22
2024/11/21

المنحنى المقلوب ظهر من جديد .. لماذا يخشى المستثمرون من ركود محتمل في 2023؟

2022/04/08 أرقام - خاص

ظهر في يونيو 1989 فجاء الركود في يوليو 1990، ثم شوهد في ديسمبر 2000 فتلاه الركود في مارس 2001، وفي يناير 2006 عاد من جديد ليأتي في ذيله الركود في ديسمبر 2007، وفي 2019 أطل برأسه مرة أخرى ليبشر بركود 2020. نتحدث هنا عن منحنى العائد المقلوب، المنحنى الذي يمكن اعتباره أشهر مؤشر اقتصادي على الركود.

 

  

قبل نهاية الشهر الماضي، وتحديدًا في التاسع والعشرين من مارس، ظهر منحنى العائد على سندات الخزانة الأمريكية بشكل مقلوب لأول مرة منذ سبتمبر 2019، وذلك بعد أن تجاوز العائد على سندات الخزانة لأجل عامين نظيره لسندات الخزانة لأجل عشر سنوات، وهو وضع غير طبيعي يرتبط ظهوره غالبًا بركود وتباطؤ اقتصادي في السوق الأمريكي.

 

ما معنى انقلاب المنحنى؟ وما هو منحنى العائد أصلًا؟

 

منحنى العائد هو ببساطة رسم بياني يوضح العلاقة بين العوائد على سندات الخزانة الأمريكية (المحور الرأسي) وبين آجال الاستحقاق المختلفة لتلك السندات (المحور الأفقي). والعائد هو الفائدة التي تدفعها الحكومة الأمريكية لحامل السند بصفة دورية، وأجل الاستحقاق هو عمر السند أو المدة التي يصبح بعدها السند مستحق الدفع، حيث تقوم الحكومة الأمريكية حينها برد القيمة الإسمية للسند إلى حامله.

 

هذا المنحنى من الممكن أن يأخذ شكلًا من ثلاثة أشكال. الأول هو المنحنى المنحدر للأعلى، ويأخذ المنحنى هذا الشكل حين يكون العائد على سندات الخزانة ذات أجل الاستحقاق القصير أقل من العائد على نظيرتها ذات أجل الاستحقاق الأطول. وهذا هو الشكل الطبيعي لمنحنى العائد على سندات الخزانة الأمريكية، لأنه من المنطقي أصلا أن يكون العائد سندات الخزانة لأجل استحقاق 10 سنوات مثلا أعلى من ذلك الخاص بالسندات التي يبلغ أجل استحقاقها سنة واحدة.

 

 

الفكرة ببساطة هي أنه كلما احتفظت الحكومة بأموال المستثمر لفترة أطول أو طال أمد استحقاق السند كلما زادت المخاطر التي يتحملها المستثمر حامل السند، وبالتالي يجب تعويضه عن تلك المخاطر بعائد أعلى يتناسب مع المخاطر التي يتحملها والتي يتجاوز حجمها بالتأكيد حجم تلك المخاطر التي يتحملها حاملي السند الذي يبلغ أجل استحقاقه مثلًا 6 أشهر. أما لو تساوى العائد الذي يحصل عليه حاملي السندات ذات الآجال المختلفة سيظهر منحنى العائد حينها في شكله الثاني وهو الشكل المسطح.

 

لكن في بعض الأحيان تنقلب الآية تمامًا في السوق، حيث نجد أن العائد على سندات الخزانة لأجل استحقاق الأطول ولتكن 30 عامًا مثلًا أقل من العائد على سندات الخزانة لأجل عامين، وفي تلك الحالة يظهر المنحنى بشكل مقلوب، حيث نجده منحدرًا للأسفل، لأنه كلما طال أمد الاستحقاق على المحور الأفقي كلما هبط العائد على المحور الرأسي، وهذا وضع غير طبيعي وعادة ما يكون إشارة على كارثة تلوح في الأفق، وخصوصًا وأن حالات الركود السبعة التي شهدتها الولايات المتحدة منذ عام 1960 وإلى اليوم سبقها جميعًا انقلاب منحنى العائد بهذا الشكل.

 

السؤال الصعب .. لماذا انقلب المنحنى؟

 

في البداية يجب أن تعرف أن هناك علاقة عكسية بين سعر السند وبين العائد عليه. فكلما زاد سعر السند كلما قل العائد عليه، وهذا ببساطة لأن زيادة السعر أصلًا هي نتيجة لارتفاع الطلب على السند، وهذا الطلب المرتفع يسمح للحكومة أو الجهة المصدرة للسند ببيعه بعائد أقل مستفيدة من حقيقة أن هناك عددًا كبيرًا من المستثمرين يتنافس عليه. هذا يمكن ملاحظته بسهولة لو نظرنا إلى سندات فنزويلا مثلا، والتي سنجدها تباع بسعر رخيص أو بخصم كبير على قيمتها الاسمية وفي نفس الوقت تعرض عوائد عالية، وذلك بغرض تحفيز الطلب المنخفض عليها.

 

العلاقة بين السعر والعائد هي مفتاح فهم ما يحدث حاليًا في سوق السندات الأمريكي. باختصار شديد شهدت الأسابيع الأخيرة إقبالًا كبيرًا من المستثمرين على سندات الخزانة طويلة الأجل وهروب من نظيرتها قصيرة الأجل، وهو ما زاد من الطلب على الأولى وبالتبعية قلل من العائد عليها، وفي نفس الوقت قلل من الطلب على الثانية ورفع العائد عليها. وهنا يظهر سؤال يطرح نفسه: لماذا يحدث هذا؟ ابحث عن الفيدرالي!

 

 

في منتصف مارس الماضي رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي معدل الفائدة الرئيسي في الولايات المتحدة بمقدار 25 نقطة أساس للمرة الأولى منذ 2018، كما أشار إلى احتمال رفعها 6 مرات أخرى في اجتماعتها الستة المقبلة خلال هذا العام، وذلك في إطار سعي البنك المركزي الأمريكي للسيطرة على معدل التضخم في البلاد والذي وصل لأعلى مستوى له خلال 40 عامًا تقريبًا.

 

مُضي الفيدرالي في هذا الاتجاه أثار قلق المستثمرين من احتمالية أن تؤثر سياسته النقدية بشكل سلبي على إنفاق المستهلكين والنشاط التجاري، وبالتبعية على النمو الاقتصادي. هذا القلق دفع المستثمرين إلى الإقبال بشكل كثيف على تحريك أموالهم من السندات قصيرة الأجل ونقلها إلى السندات طويلة الأجل التي أصبحت الآن أكثر أمانًا بالنسبة لهم.

 

المستثمرون يهربون من السندات قصيرة الأجل ببساطة لأنهم يعرفون أنهم سيكونوا مجبرين على استرداد أموالهم في نهاية العمر القصير للسند، والتي يتوقعون أن تأتي في ظل تباطؤ اقتصادي، وهذا أسوأ وقت يمكن أن يستردوا فيه أموالهم، وذلك لأن الفيدرالي سيقوم حينها من أجل تحفيز النمو الاقتصادي بخفض معدلات الفائدة، وبالتالي تصبح عملية إعادة استثمار الأموال المستردة غير مجدية أو قليلة العوائد. لكي يتجنبوا الوقوع في هذا المأزق يشترون السندات طويلة الأجل.

 

لماذا يجب أن نهتم؟

 

يهتم المستثمرين في كل مكان في العالم تقريبًا بانقلاب منحنى العائد على سندات الخزانة الأمريكية لسببين: الأول هو أن ظهوره غالبًا ما يكون بمثابة إشارة تحذيرية على ركود قادم في غضون عدة أشهر. فمنذ عام 1900 وإلى اليوم ظهر منحنى العائد على سندات الخزانة الأمريكية بشكل مقلوب 28 مرة، في 22 منها تبع ظهوره بهذا الشكل ركود اقتصادي.

 

متى نتوقع حدوث الركود؟ منذ عام 1978 سجل المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية في الولايات المتحدة ست حالات ركود، سبق هذه الحالات الست انعكاس المنحنى مدة بلغت في المتوسط 12 شهرًا. لو افترضنا أن الركود القادم سيكون على نفس النهج، فمن المتوقع أن يقع بعد عام من انعكاس المنحنى، أي في عام 2023.

 

 

باختصار يعتبر المنحنى المقلوب هو أفضل متنبئ بالركود، وهو ما يجعل ظهوره في أي وقت مربكًا للمستثمرين. أما السبب الثاني فيتعلق بحقيقة أن انقلاب المنحنى بمعنى ارتفاع الفوائد قصيرة الأجل على حساب طويلة الأجل من شأنه أن يضغط على هوامش ربح الشركات التي تعتمد على التمويل قصير الأجل وبالأخص البنوك.

 

"الأمر مختلف هذه المرة"!

 

السؤال الذي يشغل بال الجميع اليوم هو هل سيتجاهل رئيس الفيدرالي "جيروم باول" هذه الإشارة ويمضي قدمًا في خطته التي تقوم على رفع معدلات الفائدة الأمريكية بوتيرة متسارعة ويقول "الأمر مختلف هذه المرة" كما فعل أسلافه أم يغير مساره قبل فوات الآوان؟

 

قبل 17 عامًا وتحديدا في يوليو 2005، جلس رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأسبق "آلان جرينسبان" أمام أعضاء اللجنة المصرفية بمجلس الشيوخ ليدلي بشهادته. في إطار الشهادة سأله أحد الأعضاء عن مدى خطورة انقلاب منحنى العائد، ليجيب حينها "جرينسبان" قائلًا "إن فاعلية المنحنى كأداة للتنبؤ قد تضاءلت بشكل كبير للغاية".

 

 

بعدها بثمانية أشهر، وتحديدا فيمارس 2006 كرر خلفه ورئيس الفيدرالي الجديد حينها "بن برنانكي" نفس الشكوك حول فاعلية المنحنى المقلوب كأداة للتنبؤ بالركود، وذلك في تصريحات له أمام نادي نيويورك الاقتصادي. انقلب المنحنى في بداية 2006 وظل على هذه الحال إلى أن وقع الركود بالفعل في نهاية 2007، لتصبح حينها تصريحات الرجلين مصدر إحراج لهما.

 

حتى الآن يبدو أن رئيس الفيدرالي لا يفكر في تغيير خططه، وذلك لرغبته الشديدة في السيطرة على معدل التضخم الكبير الذي يؤثر سلبًا على القوة الشرائية للأمريكيين والوصول به إلى النسبة المستهدفة البالغة 2%، ولكن هناك احتمال قوي بأن شيئًا ما سينكسر أو ينفجر قبل وصول الفيدرالي إلى هناك.

 

 

الرجل للأمانة في موقف لا يحسد عليه، فهو بين مطرقة التضخم الذي لم تشهد البلاد مثله منذ عقود والذي يحاول السيطرة عليه من خلال رفع سعر الفائدة، وبين سندان الركود والتباطؤ الاقتصادي المحتمل والذي يصعب عليه تجنبه بطريقة أخرى غير خفض سعر الفائدة. في أي طريق ستمضي الولايات المتحدة؟ هذا ما ستكشفه الشهور القادمة.

 

 

المصادر: أرقام – رويترز – بلومبرج – سي إن بي سي – وول ستريت جورنال – فايينشيال تايمز – بنك الاحتياطي الفيدرالي بشيكاغو – فورتشن

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.