نبض أرقام
08:19 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/21
2024/11/20

"سلاح الطاقة" .. كيف وصل "عض الأصابع" بين روسيا والاتحاد الأوروبي إلى مداه؟

2022/09/05 أرقام - خاص

بعد شد وجذب طوال الفترة الماضية، قررت روسيا قطع الغاز تمامًا عن أوروبا إلى أجل غير مسمى، متذرعة بأسباب فنية، لتنهي بذلك أشهرًا شهدت اشتراط روسيا أولا دفع ثمن الغاز بالروبل الروسي، ثم تقليص كمية الغاز الذي تحصل عليه أوروبا إلى 40% قبل قرابة شهر.
 

وعلى الرغم من أن موسكو لم تربط رسميًا بين إقرار الدول الغربية للآلية الجديدة لشراء النفط الروسي بوضع سعر أقصى له، إلا أن تزامن القرارين بشكل متطابق جعل كثيرين يعتبرون الخطوة الروسية بمثابة رد على نظيرتها الغربية، حتى وإن أعلنت "جازبروم" رسميًا أنها أوقفت الغاز لأسباب فنية.
 


  

روسيا تعاقب بـ"الأهم" والأقل كلفة
 

وتبدو الخطوة الروسية منطقية للغاية في ظل تحصلها على أكثر من 170 مليار دولار من مبيعات النفط ومشتقاته عام 2021، بينما تحصلت على ما يزيد على 60 مليار دولار بقليل عن مبيعات الغاز بنوعيه الطبيعي والمسال للعام نفسه، بما يشير إلى أن النفط أكثر أهمية لها بينما الغاز أكثر أهمية لأوروبا ولذا فإن العقوبات على النفط بهذا الشكل تتم مواجهتها بعقوبات (ولو غير معلنة) على الغاز.
 

والشاهد أن أوروبا التي تحصل على قرابة 40% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي ستشهد ما وصفه مسؤولون أوروبيون بـ"شتاء قاس"، وذلك قبل أن تتخذ روسيا قرارها بالوقف التام لتصدير الغاز إلى القارة العجوز، حتى بدأ الحديث عما يشبه "قسمة الغرماء" (أي خسارة كل الأطراف بنسب متساوية بدلا من حصول طرف على كامل حقه وخسارة كبيرة لطرف آخر) بين الدول الأوروبية.
 

ففور قطع روسيا للغاز عن بلغاريا وبولندا في نهاية أبريل الماضي بدأت الدول الغربية في إمداد الدولتين باحتياجاتهما من الغاز، وتحدثت الكثير من المصادر الأوروبية عن إجراءات مماثلة من خلال نقل الغاز بين الدول الأرووبية بما يجنب أيًا منها "الإفلاس" في الطاقة ولكنها جميعا ستعاني.
 

ومن ذلك قيام ألمانيا بالحصول على الغاز عبر بريطانيا، والذي تحصل عليه من النرويج عبر بحر الشمال، والتفكير في بناء خط غاز بين فرنسا وإسبانيا، فضلا عن التوسع في استيراد الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة وقطر وغيرهما من مصدري الغاز المسال (عالي التكلفة).
 

أوروبا "المستعدة"
 

وقبل القرار الروسي أيام أعلنت ألمانيا بأن مخزونها من الغاز الطبيعي يرتفع بشكل "أسرع من المتوقع" حتى أنها أبلغت عن مستوى امتلاء 90% قبل شهر كامل على بداية ارتفاع احتياجات أوروبا نسبيا من الغاز وشهرين من فصل الشتاء الذي يشهد ذروة الاستهلاك.
 


  

وفور إعلان روسيا، أكد المفوض الأوروبي لشؤون الاقتصاد "باولو جنتيلوني" أن الاتحاد الأوروبي "على استعداد جيد" لمواجهة القرار الروسي، بفضل التخزين وإجراءات اقتصاد الطاقة، وأن القارة العجوز استعدت مقدمًا للخطوة الروسية.
 

وفي هذا الإطار قالت وزيرة الطاقة الفرنسية "أجنيس بانيير روناتشر" إن بلادها تعول على إعادة تشغيل جميع محطات الطاقة النووية المغلقة حاليا لأعمال الصيانة قبل أشهر الشتاء، مشيرة إلى أن "فرنسا مستعدة جيّدًا" ومعتبرةً أن "الغاز يُستخدم كسلاح" من جانب روسيا، و"قد توقعنا ذلك، لن يشكل مفاجأة".
 

وفي السويد أقرت الحكومة خطة بـ"المليارات" لدعم قطاع الطاقة، وأعلنت إيطاليا أنها ستنفق 100 مليار يورو على الطاقة هذا العام من بينها 33 مليار دولار لتجنب ارتفاع التكلفة على المستهلك النهائي، بينما أشارت ألمانيا إلى خطط لتدعيم الربط الكهربائي بين الدول الأوروبية، بما فيها دول شرق أوروبا وفي مقدمتها بولندا.
 

أزمة رغم "التحوط"
 

وعلى الرغم من كل الاحتياطات الأوروبية، فمن المتوقع أن يتراجع النمو الأوروبي بنسبة 2% على الأقل بسبب انقطاع الغاز الروسي، لا سيما وأن الغاز المسال الذي لن يفي بكامل احتياجات القارة سيكون بزيادة قدرها 50-70% على الأقل عن نظيره الروسي (تقدر بعض الدراسات أنه قد يصل إلى 3 أضعاف مع توقف روسيا لفترة طويلة عن التوريد وارتفاع الطلب على الغاز المسال في الشتاء المقبل).
 

بل وتشير بعض الدراسات إلى أن دولة مثل ألمانيا قد تعاني انكماشا في الناتج المحلي بنسبة تزيد على 4%، خاصة مع القرار الروسي بمنع بيع النفط لأي من الدول التي أقرت وضع سقف سعري لشرائه، بما سيحرم برلين من النفط والغاز الروسيين بشكل كامل وسيجعل التأثير مضاعفًا.
 


  

وبشكل عام يبدو أن لعبة "عض الأصابع" وصلت إلى أقصى مدى لها في مجال النفط بين الغربي وروسيا، بوضع السقف السعري للنفط الروسي والذي قابله وقف ضخ الغاز الروسي لأوروبا، والشاهد أن روسيا وجدت مشترين لنفطها في آسيا (وإن كان بأسعار أقل).
 

ويبقى التساؤل.. لأي مدى تستطيع أوروبا تحمل "التقشف الطويل" في إجراءات تؤثر على تدفئة المنازل والمكاتب وإنارة الشوارع؟ بجانب آثارها على عمل المصانع (كبرى شركات الكيماويات الألمانية، وأبرزها "باسف" التي أوقفت إنتاج الأمونيا تماما مثلا لأنها كثيفة الاستخدام للغاز) حتى إن المستشار الألماني "شولتز" وصف ما سيحدث بأنه مسألة سياسية سيكون لها تداعيات اجتماعية كبيرة.


 

المصادر: أرقام- أويل برايس- رويترز- سي.إن.بي.سي- دويتشه فيله

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.