أعلنت شركة "غازبروم" قبل يومين إقرار اتفاق مع الصين يتضمن شراء الأخيرة الغاز الروسي على أن تفي بالثمن باستخدام اليوان والروبل، بدلا مما هو قائم حاليا باستخدام الدولار، لتثير جدلًا حول تأثير مثل تلك الخطوة، والخطوات المشابهة على مراكز العملات الكبرى حول العالم واستخدامها في الاحتياطات والتجارة.
واعتبر "إليكسي ميلر" الرئيس التنفيذي لـ"غازبروم" أن الاتفاق بين الصين وروسيا حول تسديدات أثمان الطاقة يعد نموذجًا يمكن تعميمه على العلاقات التجارية بين البلدان، مشيرًا إلى أن ذلك يضاعف الفائدة من التجارة بين الدول، فبدلا من الحصول على قيم المدفوعات فحسب، تسهم مثل تلك الاتفاقات في تدعيم موقف العملات المحلية للدول المشاركة في التجارة الدولية.
خطوات "أهم" غير مرصودة
والشاهد أن الخطوة الروسية لم تلفت الأنظار فحسب بسبب التركيز الحالي على ملف الطاقة؛ ولكن روسيا لم تقصر مساعيها لدعم عملتها واليوان في مواجهة اليورو والدولار على هذا التحرك.
فقد كشفت مصادر أن موسكو مستعدة لشراء ما قيمته 70 مليار دولار من العملة الصينية خلال المرحلة المقبلة، منها ما قيمته 16 مليار دولار حتى نهاية العام لاستخدامها في احتياطيها النقدي، وذلك للعمل على زيادة تنوعه من جهة وللمساهمة في إعادة الاتزان إلى الروبل الذي شهد ارتفاعات كبيرة الفترة الماضية –رغم انخفاضه القياسي بعد قرار موسكو وقف ضخ الغاز لأوروبا.
والشاهد أن الصين بدأت تؤيد الخطوات الروسية في تهديد مركز الدولار واليورو العالميين، وذلك من خلال اتفاقات تمنح بها القروض للدول النامية باليوان، ولاسيما في دول أفريقيا والشرق الأوسط، حيث تشير تقارير إلى أن الصين منحت أكثر من 60% من القروض باستخدام اليوان الصيني منذ عام 2019 بينما لم تكن النسبة تتخطى 10% قبل ذلك بما يشير إلى سياسة صينية جديدة في هذا المجال.
كما أن الصين بدأت قبل فترة في بيع حيازاتها من السندات الأمريكية (تشير التقديرات إلى بيعها سندات بنحو 200 مليار دولار منذ بداية العام)، وعلى الرغم من أن البعض يتحدث عن سبب اقتصادي، متمثل في سعر فائدة حقيقي سلبي في أمريكا في ظل ارتفاع معدلات التضخم، فإنه لا يمكن إغفال الجانب الاستراتيجي من التحركات الصينية بتقوية موقف عملتها وإضعاف موقف العملة الأمريكية.
تحركات "خجولة"
ويمكن القول إن التحركات الصينية لا تزال خجولة في مجال تدعيم عملتها المحلية عالميًا، وذلك بسبب مخاوف الصين من يوان أكثر قوة بما من شأنه التأثير على صادرات بكين، مما يحد من تحركات بكين عالميًا من أجل تقوية مركز عملتها.
ولذا فإن الصين لن توسع قاعدة استخدام عملتها بشكل واسع عالميًا قبل تأكدها من قوة قواعد "الاقتصاد الجديد" (القائم على الخدمات والتطبيقات ووسائل التواصل الاجتماعي والبرامج كخدمة) ذات القيمة المضافة، فبهذا تصبح الصادرات أكثر تنوعا بين التقليدي والخدمي ويمكن لها تقوية موقف اليوان دون قلق.
وعلى الرغم من التردد الصيني فإن مراكز العملات واصلت التغير خلال السنوات الماضية، ففي عام 1970 كانت نسبة الاحتياطيات العالمية من العملات الأجنبية من الدولار أكثر من 84% وظلت تنخفض حتى تراجعت إلى أكثر من 58% بقليل في 2011، وعلى الرغم من وجود سنوات شهد فيها الدولار ارتفاعاً في نسبته في الاحتياطيات العالمية فإن الاتجاه العام بقي للتراجع.
أما العملة الأوروبية الموحدة، والتي تطورت لتصبح اليورو، فقد بدأت بنسبة 17% قبل 4 عقود وارتفعت لتصل إلى ربع الاحتياطيات النقدية العالمية تقريبًا قبل 10 أعوام، قبل أن تتراجع بشدة خلال الأعوام القليلة الماضية لتصل إلى 20% فحسب في عام 2021 وسط تحذيرات من أن المصاعب الاقتصادية التي تواجهها أوروبا قد تدفع الكثير من البنوك المركزية لصرف النظر عن الاحتفاظ بالعملة الأوروبية كاحتياطي لها.
أما العملة الصينية فلم يكن لها أي نصيب كجزء من احتياطات الدول قبل 10 أعوام فحسب، ولكنها أصبحت تمثل قرابة 3% من الاحتياطيات العالمية للعملات حالياً (لتأتي في المركز الخامس بعد الدولار واليورو والجنيه الإسترليني والين الياباني).
مشهد يتغير ولكن ببطء
وعلى الرغم من أن نسبة اليوان الصيني في الاحتياطيات العالمية ما زالت منخفضة، فإن الاتجاه الصعودي الواضح له والاتجاه المتراجع الواضح للدولار واليورو قد يؤشر لقدر أكبر من التوازن في الاحتياطيات الأجنبية، لاسيما مع ما وصفه مراقبون بـ"جرأة" الصين في استخدام عملتها بصورة أكبر في التجارة الدولية.
واللافت هنا أن العديد من البنوك المركزية أصبحت تميل لتنويع احتياطياتها بصورة كبيرة في ظل التقلبات الاقتصادية العالمية، بل وأصبح بعضها يزيد من نسبة الذهب فيها في ظل حالة عدم اليقين وأيضا التخوفات من ركود اقتصادي عالمي، وهذا التوجه يؤثر على وضع الدولار كعملة مهيمنة عالميًا وأيضا على اليورو بصورة كبيرة.
ولأن تغير العملات يستلزم عوامل كثيرة وأوقاتًا طويلة عادة، فإنه يصعب الحديث عن آثار الخطوات الروسية والصينية حاليًا، (التعامل الروسي- الصيني في الغاز لن يتجاوز 37 مليار دولار وهي قيمة ضئيلة للغاية لا تؤثر في تداول العملات عالميا) وإن كانت تدعم اتجاها واضحًا لدعم العملة الوطنية والأهم تهديد مركز الدولار واليورو.
وتبقى حالة الاقتصاد الأوروبي في المستقبل القريب، وقرارات الصين بالتصعيد أو التهدئة الاقتصادية أهم المؤثرات على العملات في المستقبل القريب، ولكن يبقى المؤكد أن موقف الدولار واليورو كعملتين مهيمنتين دوليًا ما زال قويًا (قرابة 78% من الاحتياطات الدولية) ولكنه يشهد تحديات جديدة ليبدو أن المشهد يتغير ولكن ببطء.
المصادر: أرقام- لوس أنجلوس تايمز- بلومبرج- رويترز- صندوق النقد الدولي
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}