نبض أرقام
12:35 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/11/21

هل حقَّق الاقتصاد التشاركي استقلالية العمال أم جعلهم أدوات للاقتصاد؟

2023/02/04 أرقام

لقد أحدثت الطفرة الهائلة في ابتكارات التقنيات الرقمية تحولًا جذريًا في عالم الأعمال. وهكذا ظهر اقتصاد العمل الرقمي الذي يهدد بإزاحة علاقات العمل التقليدية. على سبيل المثال، تعتمد شركات مثل أوبر أو أمازون أو كيان بشكل متزايد على "المتعاقدين المستقلين" الذين يعملون بالقطعة من خلال إنجاز المهام المرسلة إليهم عبر هواتفهم الذكية.

 

يدفع هذا التطور العمال بشكل مبرر إلى الرغبة في مزيد من الاستقلالية، ولكن ماذا يعني استقلالية العمال في العصر الرقمي حقًا؟

 

في كتاب "حياة العمل الرقمي: استقلالية العمال واقتصاد العمل الحرّ"، يزعم "تيم كريستيانز" أن اقتصاد العمل الرقمي يقوض استقلالية العمال؛ لأنه يجعل أدوات التكنولوجيا الرقمية مسؤولة عن مراقبة العمال، مما يؤدي إلى استغلالهم وشعورهم بالإرهاق. ويقترح "كريستيانز" لتأمين مستقبل عمل أكثر استدامة، تحويل التقنيات والمنصات الرقمية إلى أدوات تدعم التنمية البشرية وتخضع لإيقاع الحياة البشرية.

 

 

المرونة في العمل

 

- من المثير للاهتمام أن الدخل لم يكن في الحقيقة المصدر الرئيسي لسخط العديد من العمال. بل إن مصدر القلق الرئيسي بالنسبة للكثيرين هو الافتقار إلى المرونة في العمل.

 

- تمامًا كما هو الحال مع "أوبر"، انجذب السائقون إلى العمل من خلال الوعود الوردية بأن يكونوا عمالًا مستقلين ويختاروا الأوقات المناسبة لهم للعمل، ولكن انتهى بهم المطاف إلى أن يكونوا تحت سيطرة الخوارزميات التي تحدد أنماط العمل لكل سائق.
 

- توزع الخوارزميات الخاصة بهذه الشركات السائقين لتلبية الطلبات على مدار اليوم.
 

- يعني هذا عدم إتاحة الفرصة للسائقين لتحديد أنماط العمل الملائمة لحياتهم، ولكن بدلاً من ذلك يتعين عليهم محاولة تكييف حياتهم مع أنماط التغيير التي غالبًا ما لا يمكن التنبؤ بها، والتي تخصصها لهم الخوارزميات.
 

-  وهكذا يتضح لنا أن اقتصاد العمل الرقمي لا يمنح العمال قدرًا من الاستقلالية كما يعِد، ولكنه بدلاً من ذلك يحبسهم في بيئة عمل غير مستقرة.
 

- لا يتبع "كريستيانز" نموذج "العمل الحرّ"، والذي يزعم أن المنصات تستغل مستخدميها من خلال بيع بياناتهم.
 

- الحقيقة أن هذه الفكرة تتجاهل التغيرات الاقتصادية العالمية التي حدثت منذ السبعينيات، وبالتالي فإن نظرية الاستفادة المادية التي تستمد القيمة مباشرة من إنتاج السلع المادية قد عفا عليها الزمن.
 

- لوصف الوضع الاقتصادي الحالي بشكل أكثر دقة، يتبنى "كريستيانز" نظرية أكثر تعقيدًا وواقعية عن ريع الربح. وهي أن هذه المنصات مثل مراكز التسوق، فهم لا يبيعون بيانات المستخدم بشكل مباشر لكنهم يسمحون للمعلنين بعرض المنتجات؛ وبالتالي يمكن للمنصات الربح كوسطاء.
 

- على سبيل المثال في حالة الفيسبوك، كلما زادت إمكانية تحويل الشبكات الاجتماعية للمستخدم إلى بيانات خاصة، كان الفيسبوك قادرًا على الاطلاع على احتياجات المستخدمين.
 

- هذا النوع من "الاستغلال من خلال نزع الملكية" يسمى "الريع المتحول للربح". وهو ما يُعد رأيًا مبتكرًا ويتماشى مع الواقع.
 

- يتناول الكتاب أيضًا أحد مظاهر الوضع المقلق للعمل الرقمي وهو الإرهاق، ففي السنوات القليلة الماضية من الجائحة، كان أفراد الطبقة العليا والمتوسطة ينعمون بالأمان من خلال التسوق عبر الإنترنت، بينما واجه عمال التوصيل ظروف عمل شاقة ومرهقة.
 

- بالإضافة إلى مثال "أمازون" الذي تم الاستشهاد به في الكتاب، فقد عانى عاملو التوصيل في جميع أنحاء العالم من التعب والإرهاق، خاصة في البلدان النامية.
 

- ومع ذلك، لا ترى الخوارزميات الظروف المرهقة التي يعمل فيها العمال، بل تنظر إليهم على أنهم مجرد "بدائل" يمكن التخلص منها.
 

- في إشارة إلى استقلالية العمال، ينتقد "كريستيانز" تجاهل البعض لأهمية الحياة الاجتماعية في العمل. ويقترح فكرة اشتراكية المنصة أو ما يعرف بالمنصة التعاونية. وهنا، يقدم "كريستيانز" عدة مقترحات محدّدة لتحويل هذه الفكرة إلى واقع ملموس.
 

- أولاً، يمكن أن تعمل هذه المنصات "التعاونية" المتمثلة في المواقع والتطبيقات المنتشرة على الإنترنت كبديل للمنصات "الرأسمالية" التي تعيّـن أعدادًا هائلة يعملون لصالحهم الشخصي عبر خوارزميات المنصات (على غرار فيسبوك وأوبر) وتتدخل عندما تواجه الأخيرة ضائقة اقتصادية.
 

- ثانيًا، من خلال إنشاء ما يعرف بتراخيص إنتاج الأقران (peer production licenses)، حيث سيتعين على أيّ شركة رأسمالية تريد الوصول إلى البيانات أن تدفع رسومًا للمنصة التعاونية.
 

ثالثًا، يؤكد "كريستيانز" أن عدم المساواة لن يكون عائقًا بعد اليوم أمام الاستقلال الذاتي الذي نطمح إليه في العمل الحر. وأنه سيصبح مقبولًا إذا لم يتم تصنيفه على أساس ملكية رأس المال، ولكن حسب المهارة والأقدمية والحرفية.
 

- أخيرًا، لا يقترح هذا الكتاب التخلص تمامًا من هذه الوظائف، ولكن يسلط الضوء على أهم المشكلات التي يجب معالجتها لتكون علاقة العمل أكثر إنصافًا بين المنصة والعاملين، وتوفير قدر أكبر من الاستقلالية للعمال.
 

- لذا يُنصح بقراءة هذا الكتاب لكل باحث مهتم بفهم الوضع الحالي للعاملين وسبل تحقيق الاستقلال الذاتي في العمل الحرّ.

 

المصدر: كلية لندن للاقتصاد

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.