يتحدّث معك وكأنك ترى أعماله أكثر ما تسمعه.
تعطيك إجاباته صورة عن اقتصادي بعين الصقر ينظر من خلالها إلى فرص استثمارية فينقضّ عليها، فيما يبحث عن غيرها قبل تفعيلها.
في قاموسه لا وجود لكلمة فراغ، وفي معاييره التي راكمتها خبرة عُمر لا وجود لكلمة تردد بل ثبات في خطوات مرادفة لكلمة «نجاح».
نائب رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك الكويت الوطني عصام الصقر هو هذا الرجل المحلّق بأفكاره وخططه من الطابق 50 في مبنى البنك في منطقة شرق، الذي لا تتوقف رؤيته عند حدود «شرق» و«غرب» بل تتعداها إلى مواكبة كل ما هو جديد في الاستثمار غير التقليدي كما يطلق عليه، بعدما أحدث الذكاء الصناعي ثورة جديدة ما زالت تردداتها تُهيمن على كبرى الأسواق.
لكن الصقر ما زال يعتبر الذكاء الطبيعي المحرّك الأساسي الذي يمكّن «الوطني» من احتلال ذلك المركز المتقدم محلياً وإقليمياً ودولياً، حيث يرى أن التخطيط الجيد يد النجاح اليمنى، والكفاءة يده اليسرى.
أما مهارة التنفيذ فهي هوية البنك بل رصيده الذي يتضاعف باستمرار بكل «الفوائد» الممكنة ودون مخاطر على الإطلاق.
يقول الصقر: «متفائلون بنتائج 2023 ونتوقع مواصلة تسجيل نمو ملحوظ»، فيما يوضح أن تنوع «الوطني» جغرافياً وقدرةً يمنحه ميزة تنافسية قوية ومرونة بالإيرادات، وأن امتلاكه لمقوّمات اقتناص الفرص الكامنة التي تشكل قيمة لمساهميه يرجع لقوة مركزه المالي.
ويكشف أن أكثر من 80 في المئة من الأوراق المالية للمجموعة في استثمارات مدرجة بالقيمة العادلة، وأن «الوطني» لن يتأثر سلباً إذا قرّر التخلص من سنداته وسط الفائدة المرتفعة، فيما يسعى لتعزيز تواجده في دول النمو وفي مقدمتها السعودية، ويعتبر استثماره في مصر طويل الأجل، فيما سيحجّم استثماراته ببعض الأسواق.
ويقول: «نعم استفدنا من أزمة اضطرابات المصارف العالمية لكن زيادة السيولة دون القدرة على امتصاصها يخفض شهيتنا للودائع، فلا جدوى من تخمة إضافية للسيولة داخل البنوك إذا لم يقابلها أوجه امتصاص ممكنة بمشاريع تُنفذ».
ويلفت إلى أن علامة «الوطني» تجذب الودائع منخفضة التكلفة، فيما تشكل الكويت السوق الرئيسي للمجموعة وغالبية عملياته الدولية بالدولار.
ويضيف أن «المستثمرين يسألوننا في كل مؤتمر محللين لماذا لم يقرّ «الدّين العام» و«الرهن العقاري»؟
ويحذّر الصقر من أنه إذا استمر الوضع الحالي فلن يستوعب سوق العمل حتى ربع خريجي الجامعات، وأن آفاق النمو المستدام للكويت تزيد أهمية سرعة تطبيق الإصلاحات الاقتصادية، فيما يأمل من مجلس الأمة المقبل إقرار التشريعات التي تنشّط الاقتصاد، وأن تتفادى السلطتان التجاذب الذي أضاع على الاقتصاد الكويتي الفرص.
ومن تحليق «الصقر» في الخطط والأفكار إلى أرض التنفيذ، كان هذا اللقاء مع «الراي» الذي حضره رئيس التحرير الزميل وليد الجاسم.
*دأب «الوطني» خلال السنوات الماضية على تسجيل أرقام قياسية في نتائجه المالية، هل ترون أن التعقيدات التي تشهدها الأسواق محلياً وخارجياً تساعد على استمرار نمو أرباحكم هذا العام؟
- بالتأكيد، فنحن لسنا بمعزل عما يحدث بالأسواق العالمية، لكننا في «الوطني» نتمتع بخاصية فريدة وهي التنوع، حيث لدينا انتشار جغرافي واسع لعملياتنا، وقدرة على تقديم الخدمات المصرفية التقليدية والإسلامية في آن واحد.
ويمنحنا التنوع في أعمالنا ميزة تنافسية قوية، ويوفر درجة كبيرة من مرونة الإيرادات، الأمر الذي يصب في صالحنا بمثل هذه الظروف.
وبالنسبة لتوقعاتنا لـ2023 فإنها تتسم بالتفاؤل والإيجابية، بفضل ما يتميّز به «الوطني» من مركز مالي قوي، ونهج متحفظ لتجنب المخاطر وتنوع تدفقات الإيرادات، لذلك يتوقع مواصلة «الوطني» تسجيل نمو ملحوظ في صافي أرباحه خلال 2023.
ولعلّ النتائج المالية المميّزة التي حققناها بالربع الأول خير برهان على ذلك، فهي تشكّل استمراراً لأدائنا القوي بالعام الماضي، حيث واصلنا تعزيز ميزانية «الوطني» العمومية محلياً ودولياً، وعبر قطاعات الأعمال المختلفة، بما في ذلك الشركات والتجزئة والتمويل الإسلامي، كما تعكس نجاحنا أيضاً في الحفاظ على معدلات استثنائية من الجودة الائتمانية، ونسب رسملة قوية، ما أفسح المجال لإمكانية خفض تكلفة المخاطر وزيادة ربحية السهم.
أضف إلى ذلك وعلى صعيد إستراتيجيات المجموعة، واصلنا التركيز على المضي قُدماً في تطبيق أجندة التنويع والتحول الرقمي، بينما استمرت عروض إدارة الثروات في اكتساب الزخم في الأسواق المختلفة التي نعمل بها.
وهنا أودُّ التطرّق إلى نظرة أكثر شمولاً للنقطة التي آثرتها حول تأثيرات تعقيدات المشهد الاقتصادي العالمي على البنوك بشكل عام، حيث أرى أنها تحمل في طياتها تحديات وفرصاً ربما تؤدي إلى زيادة الطلب على الخدمات المصرفية، واستناداً إلى قوة مركزنا المالي فإننا نملك مقومات اقتناص الفرص الكامنة وسط هذه البيئة.
*وفقاً لإستراتيجية عمل مجموعة «الوطني» ما خططكم للمحافظة على استمرار نمو الأرباح بالسنوات المقبلة؟
- إستراتيجيتنا واضحة، وتسير وفق المخطط بنجاح، حيث ينصب تركيزنا على تعزيز تواجدنا بأسواق النمو الرئيسية، وبصفة خاصة دول الخليج ومصر، كما نواصل الاستثمار وبقوة في مستقبل الخدمات المصرفية لتبسيط عملياتنا في كل أسواقنا الإستراتيجية الرئيسية وبالقطاعات المختلفة، وبناء تجربة مصرفية رقمية من الجيل التالي، إضافة إلى تحسين كفاءتنا التشغيلية.
أيضاً نستهدف توسيع نطاق خدماتنا الرقمية، خصوصاً من خلال «الوطني عبر الموبايل»، مع الاستفادة من تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي في خدمات عدة نقدمها، إلى جانب التعلم الآلي لتقديم تجربة شخصية مميزة لتلبية وتخطي توقعات عملائنا، والعمل على الاستفادة من نجاحنا في مجال الخدمات المصرفية الرقمية والخبرة التي اكتسبناها من العمل في الكويت كأساس للنمو الإقليمي باستخدام نموذج البنك الرقمي.
ونواصل التركيز على تنفيذ المبادرات الإستراتيجية التي تدعم أداء المجموعة ومنها إدارة الثروات العالمية مع التركيز على فرص البيع المتقاطع، ودمج عروضنا لتعزيز أنشطة الأعمال وزيادة مساهمة الفروع الخارجية بأرباح المجموعة.
*هل بين خططكم للتوسع الاستحواذ على بنوك جديدة أم تفضّلون النمو عضوياً؟
- التوسع بأسواق المنطقة يعتمد على توافر الفرص، وإذا توافرت فنحن جاهزون لاقتناصها شريطة أن يخدم ذلك النمو المستقبلي ويتماشى مع توجهات البنك الإستراتيجية.
ومعلوم أن «الوطني» متواجد في 13 دولة وعبر 4 قارات وتركيزنا ينصب على تعزيز تواجدنا في أسواق النمو الرئيسية، وما نستهدفه حالياً مواصلة التركيز على تنفيذ المبادرات الإستراتيجية التي تدعم أداء المجموعة ومنها إدارة الثروات العالمية، وكما أشرت سابقاً نعمل على تحقيق النمو في المنتجات والخدمات الرقمية على مستوى المجموعة، والاستفادة من استثماراتنا في التحول الرقمي لتنمية قاعدة عملائنا، وتقديم منتجات وخدمات جديدة تسهم في زيادة تغلغلنا بأسواقنا.
وما يمكن التأكيد عليه أننا سنواصل اقتناص الفرص المميزة في كل أسواق النمو الرئيسية إذا وجدنا الفرصة المناسبة التي تخلق قيمة جيدة بالسعر المناسب، ففي رحلة توسعاتنا واجهنا مطبات وأخطاء اعترفنا بها، ويمكن القول إننا نسعى لتحجيم استثماراتنا في بعض الأسواق، وأن نتوسع بأخرى، وذلك حسب اعتقادنا المتجدد وفقاً لإستراتجيتنا السنوية والتي نناقشها مرتين بالسنة حسب التطورات السياسية.
*ووفقاً لخطتكم أين يستهدف «الوطني» التوسع؟
- في الخليج وتحديداً بالسعودية التي تعتبر من أهم أسواق النمو التي تركز عليها المجموعة والتي نوسع فيها نطاق أعمالنا بكل القطاعات، في ظل استمرار نمو البيئة التشغيلية للمملكة وظهور فرص عدة تتوافق مع أهدافنا الإستراتيجية، كما نحرص أيضاً على توسيع نطاق منصتنا العالمية لإدارة الثروات التي أطلقناها أخيراً، وتلعب العلامة التجارية لـ «الوطني» دوراً جوهرياً في نمو أصول المجموعة المدارة بالسعودية.
*وبمناسبة تحجيم بعض استثماراتكم هل يمكن أن يشهد 2023 تخارجاً جديداً لـ«الوطني»؟
- نعم، يمكن أن يتخارج «الوطني» هذه السنة من أسواق. دائماً ما نقيّم عملياتنا التشغيلية في أسواقنا المختلفة، وهناك أسواق تخدم شرائح معينة من العملاء، وهذا يتماشى مع مستهدفاتنا نحو خطط البيع المتقاطع.
وبشكل عام، هناك دائماً مراجعات لتواجدنا في الأسواق التي نعمل بها لضمان مواكبة تلك الأسواق لخططنا الإستراتيجية.
*هل بينها مصر؟
- بالعكس، فمصر من الأسواق التي نسعى للنمو فيها، حيث يظل سوقها واعداً، ولذلك متواجدون فيه واستثمارنا هناك طويل الأجل.
كما أن مركز البنك المالي قوي وهذا يبدو من نتائجه بالربع الأول فضلاً عن أنه يتمتع بإدارة جيدة، وانتقلنا من المستوى الثالث للمتوسط ونتطلع لدخول دائرة بنوك الصف الأول.
*ومحاسبياً كيف تتحوطون من التذبذب الحاد الذي واجهه الجنيه المصري؟
- مبدئياً تستحق الإشارة إلى أن الكويت السوق الرئيسي لعمليات المجموعة، كما أن أغلب عملياتنا الدولية مقومة بالدولار أو العملات الدولية الرئيسية، ولذلك تدهور العملات المحلية لبعض الأسواق التي نعمل بها يؤثر على ميزانيتنا المجمعة المقومة بالدولار ولكن التأثير يكون طفيفاً للغاية.
وفي مصر لدينا تجربة سابقة حيث تعرّض فيها الجنيه لضغوط، ومنذ هذا الوقت استمر «الوطني» في تكوين مخصصات مناسبة على هذا الأثر.
وتركز التأثير الرئيسي على النتائج المالية للمجموعة بالفترة الماضية في تخفيض قيمة العملة، حيث شهد الجنيه انخفاضاً حاداً لكنه لم يؤثر بشكل ملموس على ميزانيتنا، ويرجع ذلك إلى أن بنك الكويت الوطني – مصر يشكل أقل من 5 في المئة من حجم ميزانيتنا العمومية نزولاً من 11 في المئة كانت عند دخولنا السوق المصري بـ2007، ما يقلص تأثير التغيرات الحادة، إضافة إلى اتجاهات الربحية المرتفعة للغاية لعملياتنا في مصر والتي تحد نسبياً من ذلك التأثير.
وبشكل عام، يمثل التحفظ في إدارة المخاطر نهجاً أساسياً وجزءاً من تراث «الوطني»، ومثل ذلك النهج تاريخياً ركيزة أساسية في تخطي البنك كل التحديات والأزمات.
*مع اتساع الهامش بين سعري الفائدة على الدولار والخصم على الدينار هل يمكن أن يتأثر أداء البنوك عموماً و«الوطني» خصوصاً؟
- في الوقت الراهن ومع قرب انتهاء دورة التشديد النقدي الحالية لا نرى تأثيراً جوهرياً، فالهامش يبلغ 100 نقطة أساس لصالح الدولار الأميركي، وما يقوم به بنك الكويت المركزي هو اتخاذ مسار أكثر ترشيداً في ما يخص قرارات رفع الفائدة مقارنة مع ما قام به الاحتياطي الفيديرالي.
فـ«المركزي» رفع سعر الفائدة بوتيرة تراكمية مقدراها 250 نقطة أساس إلى 4 في المئة ضمن دورة التشديد الحالية حتى مايو 2023 مقابل 500 نقطة أساس لدى مجلس الاحتياطي الفيديرالي.
ويظل مسار الفائدة لدينا في الاتجاه نفسه فـ«المركزي» تحرّك بوتيرة أكبر في آخر مرتين، إذ رفع سعر الخصم 50 نقطة أساس، ما أدى لوصول المعدلات إلى مستويات أكثر اتساقاً مع السعر المستهدف للاحتياطي الفيديرالي الأميركي، إلا أن وتيرة التشديد الأقل التي يتخذها تعكس مدى المرونة التي توافرها سياسة ربط الدينار بسلة من العملات الرئيسية، واعتدال الضغوط التضخمية، والرغبة في تحقيق التوازن بين دعم النمو الاقتصادي وكبح التضخم.
أما في ما يتعلق بتأثر «الوطني»، فنحن نستفيد من المعدلات المرتفعة لأسعار الفائدة بسبب طريقة هيكلة الميزانية العمومية للبنك، فمع ارتفاع الفائدة، يعاد تسعير محفظة القروض بوتيرة أسرع من المطلوبات.
وعادة ما تكون الزيادة في عوائد الأصول أكبر من الزيادة بتكلفة التمويل لأننا نستفيد من علامتنا المصرفية التي تساعد في جذب الودائع منخفضة التكلفة.
*منذ فترة تشهد الساحة المصرفية تنافساً مصرفياً لاستقطاب الودائع وبتسعير باهظ من بعض البنوك، إلى أي مدى يمكن أن يذهب «الوطني» بهذه المنافسة؟
- كما ذكرت سابقاً يتمتع هيكل المطلوبات لدينا بديناميكية جيدة على صعيد الودائع منخفضة التكلفة، حيث تصل ودائع الحسابات الجارية وحسابات التوفير لدى المجموعة (CASA Deposits) إلى مستوى جيد للغاية، وهي عند أوائل الأربعينات، كنسبة مئوية من إجمالي الودائع غير المصرفية كما أنها لا تعتبر حساسة تجاه معدلات الفائدة، الأمر الذي يصب في مصلحتنا عندما يتم رفع سعر الفائدة.
وهنا أؤكد أن مجموعة «الوطني» ستستمر في الاستفادة من القاعدة القوية لودائع التجزئة التي يعكس نموها الاستفادة من علامتها التجارية الرائدة وثقة العملاء به وقوة تصنيف البنك ائتمانياً.
وكما هو متوقع في سيناريو ارتفاع أسعار الفائدة، شهدنا تحولاً محدوداً من الودائع منخفضة التكلفة إلى الودائع محددة الأجل إلا أن مزيج التمويل العام للمجموعة لا يزال مستقراً وإيجابياً.
*هل استفاد «الوطني» من أزمة الثقة التي ضربت القطاع المصرفي العالمي وشهد هجرة عكسية للودائع من الخارج مدفوعة بمتانة البنك والضمان المحلي؟
- نعم استفدنا، لكن من المفيد هنا الإشارة إلى نقطة جوهرية، فعندما تزيد مستويات السيولة في البنوك دون أن يقابل ذلك وجود قنوات كافية لامتصاصها، فإن شهيتها باستقبال الودائع تتراجع، سيما إذا نظرنا إلى اعتبارات لا بد وأن تؤخذ في الحسبان مثل بيئة الأعمال وتطورات سوق المشروعات الكبرى وحجم الاقتصاد ومدى قدرته على استيعاب هذه السيولة.
ولا يمكن إغفال أن ارتفاع مستويات السيولة داخل الجهاز المصرفي يصاحبها ولو موقتاً ظروف تتمثل في تأخر إقرار بعض القوانين الاقتصادية التي تسهم بشكل فعّال في إدارة وامتصاص هذه السيولة، لذلك لن يكون هناك جدوى من تخمة إضافية للسيولة داخل النظام المصرفي بل ستكون تكلفتها أعلى على البنوك.
وفي «الوطني» لدينا مصادر متنوعة تشمل ودائع أساسية قوية للغاية في شكل ودائع التجزئة فضلاً عن الودائع التي يتم جذبها من خلال شبكة فروعنا الدولية، وبشكل عام فإن أي تدفق من الودائع موضع ترحيب، ويعتبر أمراً جيداً للبنك، بشرط أن تكون التكلفة مناسبة.
*بعد استحواذ «بيت التمويل» على«الأهلي المتحد» كيف تنظرون إلى تأثير هذه الخطوة على المنافسة مع «الوطني» محلياً وبالأسواق التي تتشاركون التواجد فيها؟
- هناك منافسة شديدة في كل الأسواق التي نعمل بها والتي زادت أخيراً بعد ما شهدناه من عمليات دمج واستحواذ، لكن ذلك لم يصرف انتباهنا عن التركيز على تحقيق أهدافنا الإستراتيجية.
ومررنا بمرحلة التوسع تلك منذ أكثر من عقد من الزمان، عندما كنا نوسع نطاق عملياتنا على المستوى الإقليمي.
واليوم نحن راضون عن بصمتنا الجغرافية ونجني الآن ثمار الإستراتيجية الناجحة التي طبقناها الفترة السابقة وتخطينا مرحلة مخاطر دمج أنشطة الأعمال ونركز الآن على زيادة حصتنا السوقية بالأسواق التي نعمل بها والتركيز على توفير أفضل مستوى من الخدمات.
ولا نتوقع على المدى القريب مخاطر من استمرار عمليات الاندماج في دول الخليج، بما في ذلك الكويت نظراً لما يصاحب ذلك من تحديات عديدة لمنافسينا وربما بعض الفرص التي يمكننا اقتناصها.
ولعل الدرس الذي تعلمناه من توسعاتنا المختلفة يمكن تلخيصه في أن تآزر وتكامل أنشطة الأعمال يتطلب موارد كثيرة والمزيد من الجهد، ولهذا السبب أصبحنا نتبع نهجاً منضبطاً للغاية في تطبيق إستراتيجيتنا التوسعية، فنحن لا نتفاعل مع أنشطة الدمج والاستحواذ التي تشهدها الأسواق، إلا أننا ما زلنا على استعداد لاقتناص الفرص المميزة في ما يتعلق بالتوسع بأسواق النمو الرئيسية.
وعندما ننظر إلى أي فرصة محتملة، يحب أن تتسق مع توجهاتنا الإستراتيجية، وأن تخلق أوجه تآزر مع عملياتنا وأسواقنا الحالية، وبالطبع لابد أن تكون بالسعر المناسب بحيث لا تضر بسعينا الأساسي الذي يهدف إلى تعظيم القيمة المضافة لمساهمينا.
وتتمثل خطتنا في الوقت الحاضر بتعزيز نمو أنشطتنا الرئيسية من خلال منصاتنا الرقمية واستخدام الأسس التكنولوجية القوية التي نتميز بها كنقطة انطلاق للتوسع في الأسواق الأخرى وزيادة حصتنا في الأسواق والقطاعات المختلفة إلا انه كلما سنحت الفرصة، سنعيد تقييم الأوضاع والتأكد من مناسبة الفرص المتاحة لمعاييرنا.
*لكن ألا تشغلكم مسألة تراجع ترتيب حجم «الوطني» محلياً بعد صفقة استحواذ «بيتك»؟
- من السهل أن نكبر من حيث حجم الأصول ولكن الأهم والأصعب هو أن هذه الأصول تولّد عوائد تكون ذات قيمة مضافة للمساهمين وكافة أصحاب المصالح.
*هل يمكن أن يقود عدم استقرار الأسواق العالمية «الوطني» لمزيد من التحوط وبناء مخصصات احترازية إضافية عن 2023؟
- تاريخياً، نتبع نهجاً متحوطاً في ما يتعلق بالمخصصات، وتواصل المجموعة بـ2023 اتباع نهج متحفظ في إدارة انكشافاتها الائتمانية، أخذاً بالاعتبار الأثر الممتد لعوامل عدة، منها تأثر البيئة التشغيلية بالتطورات الجيوسياسية واضطرابات البنوك الأوروبية والأميركية.
وهنا أؤكد على أن ما يتمتع به «الوطني» من نقاط قوة تشمل نموذج أعماله المتنوع، ومركزه المالي القوي، ومزيج الودائع منخفضة التكلفة، وإمكانية الوصول إلى مصادر التمويل المختلفة، والتركيز المستمر على إدارة المخاطر المالية والائتمانية، وجميعها عوامل تتيح لنا التغلب على أي تحديات محتملة قد تفرضها التطورات العالمية.
ورغم إدراكنا لحالة عدم اليقين العالمية التي تحيط بالمستقبل، نشعر بالتفاؤل تجاه بقاء تكلفة المخاطر عند مستويات جيدة بـ2023، حيث أن محفظة القروض لدينا تواصل إظهار جودة ائتمانية عالية والتي من شأنها أن تنعكس على تكلفة المخاطر مستقبلاً.
*بالمناسبة ما مدى انكشافكم على البنوك العالمية التي تواجه مخاطر التعثر وما الخطوات الحمائية التي اتخذتموها لعدم التعرض لأزمات مصرفية محتملة خارجياً؟
- بداية أود التأكيد أن انكشافنا على البنوك التي أعلنت تعثرها في أوروبا وأميركا يكاد لا يذكر، وأفصحنا عنه على بورصة الكويت.
ففي «الوطني» نتبع نهجاً متحفظاً للغاية في بناء محفظة استثمارات المجموعة، ونحرص أن يكون انكشافنا مقتصراً على أصول عالية الجودة ذات قابلية محدودة للغاية للمخاطر، وينعكس ذلك بوضوح على توزيع استثمارات المحفظة التي يتركز 60 في المئة من قيمتها في الأوراق المالية الحكومية، التي تتميز بتصنيفات ائتمانية مرتفعة، كما يتركز أكثر من 80 في المئة من محفظة الأوراق المالية للمجموعة في استثمارات مدرجة بالقيمة العادلة، والجزء المتبقي تتم إعادة تقييمه بوتيرة منتظمة، بحيث لا تختلف قيمتها الدفترية بشكل كبير عن القيمة العادلة.
وتضم المحفظة قاعدة كبيرة من الأصول السائلة عالية الجودة، يمكن بيعها أو إعادة شرائها نقداً إذا استدعت الضرورة، كما نتحوط مقابل مخاطر أسعار الفائدة على السندات من خلال عقود مقايضة أسعار الفائدة للحد من المخاطر، ما يعني أن البنك لن يتأثر سلباً إذا قررنا التخلص من تلك السندات وسط بيئة أسعار الفائدة المرتفعة.
كما نجري باستمرار اختبارات إجهاد، والتي تظهر فيها مستويات السيولة والرسملة قوة وصلابة وسط أسوأ السيناريوهات المحتملة.
لذلك، مطمئنون للغاية وليس لدينا مخاوف من أي تأثيرات جوهرية غير مباشرة للأحداث التي يتعرض لها القطاع المصرفي الأميركي على استثمارات المجموعة.
وينطبق ذلك على القطاع المصرفي الكويتي لما يتمتع به من مركز مالي صلب واستعداد أمثل لمثل هذه السيناريوهات بفضل حصافة سياسات بنك الكويت المركزي التي دعمت، على مدار سنوات، مستويات السيولة والرسملة وجودة الأصول لدى كل البنوك.
*بما أن السوق المحلي الساحة الأبرز لنشاط مجموعة «الوطني» كيف تقيمون الأوضاع الراهنة لجهة آفاق تطور ونمو الاقتصاد؟
- حقق الاقتصاد الكويتي العام الماضي أداءً قوياً، حيث بلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي 7.6 في المئة، وهو ما نتوقع أن يتحول إلى انكماش بنسبة -0.3 في المئة في 2023، وقد كان نمو العام الماضي نتيجة القفزة الكبيرة في أسعار النفط، وزخم الإنفاق الاستهلاكي بسبب الطلب المكبوت بعد انتهاء الجائحة خلال فترة المقارنة العام الماضي.
وفي المقابل، يشهد العام الجاري تقلص إنتاج الكويت من النفط التزاماً بتعهدات خفض تحالف أوبك+ للإنتاج، إضافة إلى التراجع النسبي في الأسعار، إلى جانب هدوء وتيرة الإنفاق الاستهلاكي.
وهناك مخاطر تهدد مستقبل النشاط الاقتصادي بشكل عام، أبرزها الاعتماد الكبير على النفط، والتوترات السياسية الداخلية التي تؤثر سلباً على المعنويات وتعطل الإصلاحات الاقتصادية والتشريعية.
وبينما كان مشروع الموازنة العامة للعام المالي 2023 /2024 من الميزانيات التوسعية التي من المقرر أن تدعم الاقتصاد بالمدى القريب، تسببت حالة الجمود السياسي في تأخير إقرار الموازنة ما يؤثر بالسلب على توقعات انتعاش الإنفاق الاستثماري في 2023.
وبينما ننتظر تحقيق أول فائض مالي في ميزانية الكويت بعد 8 سنوات متتالية من العجز، نأمل أن ينعكس ذلك على زيادة الإنفاق الاستثماري الحكومي والإسراع بوتيرة ترسية المشروعات، حيث يمثل الإنفاق الحكومي قاطرة الاقتصاد الكويتي الذي تنعكس آثاره سلباً أو إيجاباً على كل القطاعات الاقتصادية.
وبالنظر إلى آفاق النمو المستقبلي والمستدام للاقتصاد الكويتي، تتزايد أهمية سرعة تطبيق الإصلاحات اللازمة لتنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط الذي يسهم بنحو 87 في المئة من إجمالي إيرادات الحكومة، حيث أصبح تنويع اقتصادات الدول النفطية مساراً إجبارياً في ظل المبادرات والخطط الدولية تجاه تحول الطاقة والتعهدات بخفض الانبعاثات الكربونية.
*هل ترون أن البيئة الاستثمارية المحلية مشجعة سواء للقطاع المصرفي أو بقية القطاعات؟
- هناك عواملعدة تجعل البيئة الاستثمارية جاذبة، حيث يعزز تحسن أسعار النفط والبقاء عند مستويات مرتفعة نسبياً لفترات طويلة احتمال تسجيل فوائض مالية للمرة الأولى منذ 8 سنوات، كما يتزامن ذلك مع استمرار قوة ثقة المستهلك وزيادة معدلات الإنفاق، إلى جانب قدرة الشركات، في قطاعات عدة على التوسع، إضافة إلى القاعدة الشبابية للتركيبة السكانية للمواطنين، التي تعطي زخماً كبيراً لسوق العمل، إلى جانب معدلات الدخل المرتفعة التي تعزز الاستهلاك الشخصي.
ويمثل القطاع المصرفي الكويتي، بما يتمتع به من مستويات سيولة مريحة وجودة أصول قوية، ركيزة أساسية لبيئة استثمارية مشجعة وجاذبة، لقدرته على تمويل المشروعات والتوسعات، خصوصاً في ظل أسعار الفائدة التنافسية بالكويت مقارنةً ببقية اقتصادات المنطقة التي ارتفعت فيها الفائدة خلال دورة التشديد النقدي الحالية بمعدلات أكبر.
لكن تبقى هناك تحديات عدة، تبرز الحاجة الماسة والسريعة لاستكمال مشروعات البنية التحتية الضرورية لأي استثمارات، إلى جانب التعديلات التشريعية اللازمة لتوفير بيئة تشغيل وعمل جاذبة.
وتعتبر عملية صنع السياسات الفعالة التي تركز على الإصلاحات السبيل الأمثل للحد من المخاطر والتغلب على التحديات، من خلال استهداف تطوير دور القطاع الخاص، الذي وصل إلى مستوى دون المأمول لتحقيق تنمية حقيقية، وجذب الاستثمارات الأجنبية المنخفضة بشدة مقارنةً ببقية اقتصادات المنطقة.
*مع قرب انتخابات مجلس الأمة، ما القوانين الاقتصادية التي ترون ضرورة إقرارها من المجلس المقبل لدفع عجلة الاقتصاد والتنمية؟
- بنهاية كل فترة فصيلة نعقد مؤتمر محللين نلتقي خلاله مع المستثمرين، فـ«الوطني» أكبر شركة مدرجة في البورصة مملوكة لمستثمرين أجانب بحصة تبلغ حالياً 24 في المئة، ومنذ إدراج بورصة الكويت على مؤشر «إم إس سي أي» للأسواق الناشئة في 2020 يتكرر في كل لقاء الأسئلة نفسها وفي مقدمتها الأسباب التي تمنع إقرار «الدّين العام» و«الرهن العقاري»، لا سيما أن هذه قوانين موجودة في جميع دول العام ومنها الخليج.
وفي الكويت يعد معلوماً أن لدينا أساساً دستورياً وقانونياً يعزز النمو ويرسخ الحريات الاقتصادية، لكن التطورات التي تشهدها كل مجالات الاقتصاد على مستوى الكويت والمنطقة والعالم تستدعي العمل على تطوير ذلك الأساس وملء الفراغات التي حدثت على مر الأعوام في الإطار التشريعي بما يمكنه من تحفيز الاستثمارات وإعطاء دور أكبر للقطاع الخاص في قيادة دفة الاقتصاد، وتشجيع الشباب الكويتي الواعد على إطلاق مشروعات صغيرة ومتوسطة، ضرورية للنمو وتنويع الاقتصاد، وخلق بيئة عمل جاذبة للمواهب والكفاءات، ورؤوس الأموال.
وكشفت الحكومة العام الماضي، ضمن برنامجها الإصلاحي، عن أجندة تشريعية تضم قوانين اقتصادية، تهدف إلى تنويع الاقتصاد، من بينها قوانين مهمة عدة، نأمل تمريرها من مجلس الأمة، مثل «الدين العام» و»الرهن العقاري».
لكن الأهم من تقديم القوانين وإدراك أهميتها أن نشهد تعاوناً بين السلطتين التنفيذية والتشريعية لدفع وتيرة الإصلاحات المالية والاقتصادية العاجلة لترشيد الإنفاق الجاري، الذي يلتهم الجانب الأكبر من مخصصات الإنفاق على حساب الإنفاق الاستثماري، وتحسين الكفاءة المؤسسية وتحفيز القطاع الخاص، أخذاً بالاعتبار خطورة قنبلة تدفق خريجي الجامعات سنوياً والمقدر بنحو 24 ألف سنوياً، وإذا استمر الوضع الحالي على تعقيدتاته الاقتصادية والسياسية سيصعب توظيف هذا العدد أو نصفه أو حتى ربعه.
*برأيك ما أهمية إقرار «الدّين العام» و«الرهن العقاري» للاقتصاد وللمواطن الكويتي؟
- بالنظر إلى«الدين العام»، يجب التأكيد أن إقرار قانونه لا يعني لجوء الدولة إلى الاقتراض اليوم التالي، حيث لن تفعل هذه الأداة إلا إذا تم الاحتياج لها، و «الدّين العام» أشبه بالسلاح الذي يمكن أن تدافع به الدولة عن نفسها عند العجوزات فقط وهو قانون موجود في جميع الدول باستثناء الكويت لوجود اعتقاد بأنه مضر وينظر إليه من ناحية سلبية دون أهميته الإيجابية.
وما يستحق الإشارة إلى أن قرار اقتراض الدولة يخضع إلى معطيات وظروف محددة تتمثل في مدى الحاجة إلى التمويل وتكلفته مقارنةً بالبدائل الأخرى المتاحة. لذلك تأتي أهمية «الدين العام» من كونه آلية تمويل يمكن اللجوء إليها وقت الحاجة.
وبينما نشهد اليوم ارتفاعاً في أسعار النفط، علينا ألا ننسى أن ميزانية الدولة واجهت عجزاً على مدى 8 سنوات متتالية ما نتج عنه قرب نفاد استنزاف أصول صندوق الاحتياطي العام، بينما يمثل استخدام أموال صندوق الأجيال القادمة في سد عجز الميزانية أمراً غير مجدٍ اقتصادياً.
إضافة إلى أن عدم وجود قانون الدين العام كآلية تمويل للجوء إليها وقت الحاجة يؤثر بالسلب على التصنيف الائتماني للكويت، ما قد يرفع تكلفة اقتراضها إذا ما احتجنا إليه مستقبلاً، كما تمثل إصدارات الدين السيادية للدولة معياراً قياسياً لحساب عائد بقية الإصدارات.
لكني وكما أؤكد على أهمية هذا القانون، أشدد على ضرورة تزامن إقراره مع ضرورة الإسراع نحو تطبيق إصلاحات مالية عاجلة تعزز قدرة الكويت على تفادي حدوث عجز مالي في الأجل الطويل من خلال تنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط وزيادة الموارد وترشيد الإنفاق.
وبالنسبة لـ«الرهن العقاري»، مازالت الكويت واحدة من دول قليلة على مستوى العالم ليس لديها هذا القانون، وإن كان ذلك مقبولاً قبل ذلك فالأوضاع تتغير وتتطلب وجود آلية تمويل جديدة في ظل التركيبة السكانية للكويت التي تتزايد فيها أعداد الشباب بشكل كبير ما يزيد الطلب على الإسكان، في ظل التزام الدولة بتوفير الوحدات السكنية.
وبينما نجح بالفعل هيكل الدعم القائم الذي يعتمد على بنك الائتمان الكويتي في تمويل الإسكان لكنه يمر اليوم بتحديات نتيجة للطلب المتزايد على الوحدات الإسكانية في الكويت حتى مع زيادة رأسمال البنك، حيث تبلغ تقديرات احتياجات التمويل في المدى الطويل على مدى 10 سنوات مقبلة نحو 25 مليار دينار.
وبالتالي يمكن للبنوك أن تسد فجوة التمويل في وجود القانون، من خلال طرح منتجات الرهن العقاري، والذي يتيح لها في المقابل فرصاً لنمو الائتمان.
• كيف تنظرون إلى انعكاسات الوضع السياسي على بيئة الأعمال بالكويت وهل تتوقعون استمرار أجواء التأزيم بعد الانتخابات؟
- بالطبع ما نشهده من تطورات سياسية داخلية يؤثر على الأداء الاقتصادي والآفاق المستقبلية، ما يمكن أن نلخصه بأن التجاذب بين السلطتين التنفيذية والتشريعية يتسبب وبشكل مباشر في إضاعة مزيد من الفرص على الاقتصاد الكويتي القوي الذي يتميز بوفورات ومصدات مالية ضخمة وقوية متمثلة في صندوق الأجيال القادمة وصندوق الاحتياطي العام، خاصة مع ارتفاع أسعار النفط، وما نشهده من تطور اقتصادات المنطقة على صعيد مجالات البنية التحتية وجذب الاستثمارات وزيادة دور القطاع الخاص.
كما أن برنامج الإصلاح المالي للحكومة والهادف إلى تنويع الاقتصاد وخفض الاعتماد على النفط تأثر بالتجاذبات بين الحكومة ومجلس الأمة والتي تسببت في تعطل تمرير قوانين اقتصادية مهمة، وتأجيل إقرار الموازنة العامة للدولة، وتباطؤ وتيرة ترسية المشروعات، كذلك يتأثر إقرار موازنة الدولة بتلك المتغيرات حيث يتعطل على أثر ذلك صرف مخصصات الإنفاق للجهات الحكومية وإقرار ميزانيات المشروعات.
ويتسبب ذلك في ترسخ حالة من فقدان الثقة وسط قطاع الأعمال، ما يؤثر سلباً على النشاط الاقتصادي والبيئة التشغيلية والقرارات الاستثمارية.
ونأمل أن تفرز الانتخابات المقبلة مجلس أمة قادراً على تغيير المشهد وإعلاء المصلحة العليا للبلاد وأن تتعاون السلطتان من أجل دفع الإصلاحات الاقتصادية لتعزيز النمو وخفض الاعتماد على النفط، ومحاكاة قصص النجاح التي اتبعت برامج إصلاحية جريئة في بعض اقتصادات المنطقة.
*رغم الدور الكبير الذي يقوم به القطاع الخاص في مجال المسؤولية الاجتماعية الا أن هناك مَن يصرُّ على تصويره بطرق تجافي الحقيقة أحيانا، كيف تفسرون هذه الإشكالية؟
- التزام القطاع الخاص الكويتي بمسؤولياته تجاه المجتمع دور تاريخي وراسخ على مدى عقود، ولطالما كان داعماً لجهود الدولة منذ الاستقلال ودوره وقتها في تعزيز فرص الاستقلال الاقتصادي، مروراً بإسهاماته البارزة في مرحلة التحول والانطلاق الاقتصادي وإنشاء كيانات اقتصادية عملاقة لها باع طويل في خدمة المجتمع الكويتي، امتد أثرها إلى خارج الكويت حتى أصبحت أحد أبرز القوى الناعمة للبلاد.
وتتواصل تلك الجهود، بل تزداد بشكل كبير حجماً وتأثيراً في تعزيز جهود التنمية ودعم قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم وصولاً إلى تعزيز جهود بنك الكويت المركزي في تحقيق الشمول المالي وغيرها من القطاعات والمجالات التي تحتاج فيها الدولة وبشدة إلى تضافر جهود القطاع الخاص والمجتمع المدني من أجل تحقيق تنمية مستدامة.
وعلى صعيد «الوطني»، تمثل المسؤولية الاجتماعية ركيزة أساسية في كل إستراتيجياتنا وخطط العمل وعملياتنا التشغيلية.
وخلال 2022، قفز حجم الإنفاق المجتمعي للبنك 45 في المئة على أساس سنوي إلى 23 مليون دينار، إلى جانب تخصيص 13 مليوناً لمشروع المبنى الجديد لمستشفى بنك الكويت الوطني التخصصي للأطفال وزراعة الخلايا الجذعية.
وحصلنا أخيراً على موافقة مجلس الوزراء لبدء مشروع تطوير الواجهة البحرية لشاطئ الشويخ بتكلفة تصل 3 ملايين دينار.
كما يتواصل إطلاق البنك للمبادرات والبرامج التي تدعم تمكين الشباب الكويتي وأبرزها برنامج «تمكن» للشباب الخريجين من أبنائنا، كما أطلقنا برنامج «بنكي» لتعزيز الثقافة المالية لدى طلبة المدارس الحكومية والخاصة وكذلك مبادرة «Rise» لتمكين المرأة.
بيئة الأعمال طاردة للاستثمارات
رداً على سؤال حول ما إذا كان متفائلاً بالمستقبل، قال الصقر: «الكويت ديرتنا ولازم نكون متفائلين، فالكويت بلد خير على الجميع ونتمنى حل نقاط الخلاف بما فيه مصلحة الجميع».
وأضاف: «ما يحدث من خلاف بين السلطتين ينعكس سلباً على الاقتصاد، وننقل وجهة النظر في هذا الخصوص لمتخذي القرار من أجل النهوض بالكويت، فمشاكل الكويت الاقتصادية أقل من غيرها، وأتمنى أن تفرز انتخابات مجلس الأمة نواباً متفاهمين، وأن يتم العمل بين السلطتين دون حدة، لأن الحدة أوقفت كل شيء وصارت البيئة محلياً طاردة للاستثمارات».
المتطلبات الرقابية ليست جديدة علينا
قال الصقر: «لدينا في الكويت جهات رقابية متطورة مثل بنك الكويت المركزي وهيئة أسواق المال، حيث تتماشى متطلباتها مع الاقتصادات العالمية»، مشيراً إلى أن ضوابط عمل قطاع البنوك تغيّرت آخر 12 سنة وباتت مواكبة للمتطلبات العالمية، موضحاً أن من صور ذلك تحديث متطلبات مكافحة غسل الأموال وتأسيس إدارات جديدة للمخاطر والحوكمة والتي لم تكن موجودة قبل 12 سنة وباتت حالياً حاكمة في العمليات المصرفية.
وأضاف الصقر: «(الوطني) متواجد في 13 دولة خارجية، وما يطلبه (المركزي) مثل وجود 4 أعضاء مستقلين في مجلس الإدارة وغير ذلك من متطلبات رقابية متقدمة ليس جديداً علينا، فهذا المتطلب نمارسه في لندن وباريس ومصر».
ولفت إلى أن «الوطني» مستمر في توظيف الكوادر الوطنية وتطويرها لتكون قادرة على مواكبة ما يحدث، وقال «نتماشى مع المتطلبات الرقابية يومياً، فعدم تطبيق آخر مستجداتها يعرض للإدراج ضمن القائمة السوداء، خصوصاً في ما يتعلق بغسل الأموال، والقطاع المصرفي المحلي متطور ومتماشٍ مع المتطلبات الرقابية».
توسّع ملكيات الأجانب في «الوطني» لا يقلقنا
حول ما يثار بين الفينة والأخرى عن تأثير توسع ملكيات الأجانب في القطاع المصرفي وإمكانية تدخلهم في القرار، أفاد الصقر: «أنا غير قلق من زيادة نسبة ملكياتهم فحسب القوانين هناك حد أعلى ولو طلب منا شغل مقعد في مجلس إدارة لا توجد لدينا مشكلة، فلدينا 4 أعضاء مستقلين من ذوي الخبرة، كما أن سياسة (الوطني) ذات شفافية عالية ولا يوجد لدينا ما نخفيه تحت الطاولة، ولو صارت لدينا مشكلة نذكرها على الملا ونتبادل الآراء ربما يومياً مع الجهات الرقابية».
أزمة القطاع المصرفي سبب هزة أسهم البنوك آخر أسبوعين
بيّن الصقر أن ما حدث من أزمة للبنوك العالمية ليس له علاقة بالكويت لجهة الأسباب أو النتائج لكنها أثرت على حركة أسهم القطاع المصرفي المحلي.
وأوضح أنه من صور ذلك الهزة التي تعرّضت لها أسهم القطاع المصرفي في البورصة على مدار الأسبوعين الماضيين، رغم النتائج التي حققتها البنوك المحلية في الربع الأول والتي تعد أعلى نمواً من الفترة المالية المقابلة.
وقال الصقر: «الوضع المالي للبنوك الكويتية جيد وكذلك احتياطاتها، كما أن لديها سيولة متوافرة وتطبيق معايير رقابية أكثر من المطلوبة، موضحاً أنه بالنسبة لاستثمارات «الوطني» فيتم التأكد من جودة تصنيفها قبل إقرارها، باعتبار أن «الوطني» من الأعلى تصنيفاً بالمنطقة.
الشركات العالمية تعتمد على «الوطني» في تنفيذ مشاريعها محلياً
أفاد الصقر بأن اقتصاد الكويت لا يزال يعتمد على النفط، وأنه منذ عشرات السنين الحديث مفتوح عن تنويع مصادر الدخل لكن الواقع يؤكد أننا ما زلنا نعتمد على النفط، رغم أن دول الخليج تجاوزت ذلك بقرارات حسّنت اقتصادها.
وأضاف الرئيس التنفيذي لمجموعة «الوطني» أن الكويت ليست دولة صناعية أو زراعية بل دولة خدمات تعتمد على الناتج النفطي، وتعتمد على المشاريع التنموية وإقرار تنفيذها معطل منذ فترة، رغم عدم وجود مشاكل اقتصادية لدينا وتتمتع الكويت بعقول تنتظر الفرصة للإبداع.
وتابع الصقر: «(الوطني) أكبر موظف في القطاع الخاص ولدينا أكاديمية خاصة وهذا واجب علينا لكن مهما كان لا نستطيع منفردين توظيف جميع الشباب الكويتي، ففي النهاية أنا كبنك محاسب من مجلس الإدارة والمساهمين وأحتاج لتحقيق ربح مقابل إنفاقي الذي يقدر بالملايين سنوياً على مواكبة التطورات الرقمية وما يحتاجه ذلك من توفير بنية تحتية متقدمة، ومن أجل تحقيق ذلك يتعين أن أحقق ولو أدنى درجة من الربحية».
وقال: «من ضمن مراكز نمو (الوطني) اعتماد الشركات العالمية المنفذة للمشاريع التنموية محلياً عليه، باعتباره الأقرب إليها، لكن بسبب تأخر تنفيذ هذه المشاريع أصبح السوق المحلي طارداً، حيث أن تواجد الشركات العالمية في السوق الكويتي أقل من نظرائه من الأسواق الأخرى».
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}