لا شك أن رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يفضّل ألا ينجرّ المصرف المركزي إلى معترك الحملات الانتخابية الرئاسية، التي يُرجّح أن تثير الجدل بشدة، لكنه يكتشف أن ذلك قد يكون أقرب للمحال.
في مقابلة نادرة مع برنامج "60 دقيقة" (60 Minutes) على قناة "سي بي إس" (CBS) عُرضت مطلع هذا الشهر، أصر باول أن الاحتياطي الفيدرالي لن يأخذ المعطيات السياسية في الاعتبار حين يحدد موعد خفض الفائدة مع انحسار التضخم. قال: "هذا الأمر لا يحضر في تفكيرنا".
لكن مثل هذه التأكيدات لم تثنِ الرئيس السابق دونالد ترمب عن اتهام باول بعكس ذلك تماماً. قال ترمب، الذي يرجح أن يكون المرشح الجمهوري للرئاسة، في مقابلة مع برنامج "صنداي مورنينغ فيوتشرز" (Sunday Morning Futures) عُرضت على قناة "فوكس بيزنس" (Fox Business) في اليوم نفسه: "أعتقد أنه (باول) منخرط سياسياً... أعتقد أنه سيفعل شيئاً ربما ليساعد الديمقراطيين، إذا خفّض أسعار الفائدة".
إضافة لذلك، رغم أن باول أكد حسن نية الاحتياطي الفيدرالي بعدم الانتماء لأي من الحزبين، فقد انتهى به الحال، خلال المقابلة في برنامج "60 دقيقة"، بالتعليق على قضايا ستكون محل جدال ساخن في الحملة، مثل الهجرة، لكنه أحجم عن طرح توصيات معينة في ما يخص السياسات.
درب وعر
قالت دايان سونك، كبيرة الاقتصاديين في "كيه بي إم جي" (KPMG): "يؤكد هذا مدى خطورة الطريق أمام الاحتياطي الفيدرالي في عام تُعقد فيه الانتخابات... يصعب عليهم ألا يتعثّروا من دون قصد بألغام سياسية، رغم محاولتهم إتباع أفضل سياسة اقتصادية".
كان ترمب مسؤولاً عن تعيين باول رئيساً للاحتياطي الفيدرالي في فبراير 2018. ثم أمضى بقية العام تقريباً و2019 كله، في توبيخ باول لإبقائه أسعار الفائدة عند مستويات اعتبرها ترمب أعلى من اللازم. تذمّر ترمب في تغريدة في أغسطس من ذلك العام قائلاً: "المشكلة الوحيدة لدينا هي جيروم باول والاحتياطي الفيدرالي. إنه مثل لاعب الغولف الذي لا يستطيع دفع الكرة بدقة، وليس لديه الحس لذلك. سيكون هناك نمو كبير في الولايات المتحدة إذا اتخذ الخطوة الصحيحة، إذا خفض أسعار الفائدة بشكل كبير، لكن لا تعوّلوا عليه".
وذهب ترمب أبعد من ذلك، وبحث في مرحلة ما إمكانية إقصاء رئيس الاحتياطي الفيدرالي من منصبه. قال ترمب لـ"فوكس بيزنس" في 4 فبراير، إنه لن يجدد تعيين باول إن انتُخب في نوفمبر.
امتنع الرئيس جو بايدن، الذي دعم بقاء باول في منصبه لفترة ثانية مدتها أربع سنوات في 2022، عن تقديم النصح للاحتياطي الفيدرالي في السياسات العامة، رغم أن بعض زملائه من الديمقراطيين كانوا أجرأ في ذلك.
الضغط على باول
كتب عدد من المشرعين الديمقراطيين البارزين، بمن فيهم رئيس اللجنة المصرفية بمجلس الشيوخ شيرود براون، وعضو مجلس الشيوخ عن ولاية ماساتشوستس والمرشحة الرئاسية السابقة إليزابيث وارن، على عدة خطابات موجهة إلى باول خلال يناير يحثونه فيها على خفض أسعار الفائدة.
في مقابلته ببرنامج "60 دقيقة"، قاوم باول الضغط من أجل تحوّل سريع نحو خفض تكلفة الاقتراض، رغم أن التضخم يتراجع بوتيرة متسارعة.
قال باول إن "خطر اتخاذ خطوة في وقت مبكر أكثر من اللازم يتمثل في احتمالية أن تكون المهمة لم تنته بعد، وأن يتضح بشكل ما أن القراءات الممتازة التي حصلنا عليها خلال الأشهر الستة الماضية لم تكن مؤشراً حقيقياً على اتجاه التضخم".
لم يمثل ذلك مفاجأة لمتابعي الاحتياطي الفيدرالي. ففي نهاية المطاف، كان باول قد أوضح ذلك في المؤتمر الصحفي الذي عقده في آخر أيام يناير بعدما أبقى صناع السياسات أسعار الفائدة من دون تغيير لرابع مرة على التوالي.
لكن ما فاجأ بعض المحللين، كان استعداد باول للتعليق على بعض القضايا السياسية التي يرجّح أن تكون مشحونة جداً، ولا ترتبط مباشرةً بالسياسة النقدية.
تصريحات قوية
أشاد رئيس الاحتياطي الفيدرالي بمزايا دعم الولايات المتحدة للديمقراطية على مستوى العالم وبالإطار الاقتصادي والأمني وراء ذلك. وصف باول ديون الحكومة الفيدرالية بأنها غير مستدامة على المدى الطويل، وحثّ المشرعين على تناول هذه القضية.
ورغم أنه قال إن سياسات الهجرة ليست مهمة الاحتياطي الفيدرالي، حاجج باول بأن المهاجرين استفادوا من الاقتصاد الأميركي بمرور الوقت.
كتبت سارة بايندر، الزميلة في "معهد بروكينغز" (Brookings Institution)، في منشور على منصة التواصل الاجتماعي "إكس" (تويتر سابقاً): "لا أعتقد أنني رأيت باول قبلاً يصرّ بقوة على أن يظل الاحتياطي الفيدرالي في المسار الذي يسلكه، ثم يدلي بآراء قوية".
حملة مختلفة
إلا أن باول التزم بالمبادئ العريضة، وتجنب الإدلاء بتوصيات محددة بشأن السياسات. إن الاحتياطي الفيدرالي معتاد على الضغط السياسي خلال العام الذي تُعقد فيه الانتخابات. في 2016، اتّهم ترمب، الذي كان آنذاك المرشح الرئاسي الجمهوري، رئيسة الاحتياطي الفيدرالي السابقة جانيت يلين مراراً بالإبقاء على أسعار الفائدة عند مستويات منخفضة لمساعدة هيلاري كلينتون على الوصول إلى البيت الأبيض رئيسةً.
لكن هناك بضعة أمور تميز الحملة المقبلة. فارتفاع التضخم بعد الجائحة، وزيادات الاحتياطي الفيدرالي الكبيرة لأسعار الفائدة لاحتوائه، يعني أن التفات الناخبين إلى باول والاحتياطي الفيدرالي ازاداد، وهم لا يعجبهم ما يرون.
في استطلاع رأي أجرته "غالاب" (Gallup) في ديسمبر، أعطى 43% فحسب من الأميركيين أداء باول تصنيفاً إيجابياً، بانخفاض من 53% في 2021، وهي آخر مرة طرحت فيها الشركة هذا السؤال.
توقيت حرج
تُعقد الانتخابات أيضاً في توقيت حرج على نحو خاص للاقتصاد وللاحتياطي الفيدرالي. قال باول في مؤتمره الصحفي إن الاحتياطي الفيدرالي يحاول أن يتحاشى خطرين متعاكسين، فإذا خفض المصرف المركزي أسعار الفائدة في وقت أبكر مما ينبغي، سيخاطر بأن يسمح للتضخم بأن يستقر عند مستويات أعلى بكثير من مستوى 2% المستهدف، وإذا تأخر في خفض أسعار الفائدة بأكثر مما ينبغي، فقد يدفع ذلك الولايات المتحدة نحو الركود.
قال مارك سبيندل، كبير مسؤولي الاستثمار في "بوتوماك ريفر كابيتال" (Potomac River Capital): "كان باول يسعى لاستباق موجة الحملة الرئاسية التي سيكون هو والاحتياطي الفيدرالي في مرمى نيرانها".
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}