سافر ديف ماكاي، رئيس مصرف "رويال بنك أوف كندا" التنفيذي، من موطنه تورونتو إلى العاصمة الفيدرالية أوتاوا في نوفمبر ليتلقى جائزة من "الجمعية الجغرافية الملكية الكندية". فقد أسهبت المنظمة غير الربحية بتكريم ماكاي تقديراً لإسهامات مصرفه في دعم القضايا البيئية خلال حفل في المتحف الحربي الوطني.
في غضون ذلك تظاهر نحو عشرين ناشطاً من منظمة "غرين بيس" (Greenpeace) ومنظمات أخرى خارج المبنى المكسو بالخرسانة، حيث نفخوا دمية هوائية على هيئة تمثال نصفي لماكاي يبلغ ارتفاعها أربعة أمتار، وتحمل شعار "رويال بنك أوف كندا يحرق مستقبلنا" محفوراً فوق صورة لألسنة لهب حمراء تحيط بقاعدته.
كما عكس جهاز عرض عالي الطاقة شعارات تدين الرئيس التنفيذي، وتصفه بأنه "شرير المناخ" على واجهة المتحف.
يسلط هذا التباين الضوء على التحديات التي يواجهها ماكاي في قيادته لأكبر المصارف الكندية نحو مستقبل منخفض الكربون. كان "رويال بنك أوف كندا" قد اتخذ بعض الخطوات المتواضعة في هذا الاتجاه، لكن حثّ خطاه قد يهدد أحد ضمان صفقات شركات الوقود الأحفوري وإقراضها، وهي أكبر خطوط أعماله.
يسارع المصرف الكندي إلى الترويج لأوراق اعتماده الخضراء، شأنه في ذلك شأن معظم المؤسسات المالية.
وقد جاءت الجائزة في أوتاوا تقديراً لتبرع "رويال بنك أوف كندا" بإجمالي 39 مليون دولار كندي (29 مليون دولار أميركي) لدعم المشاريع البيئية منذ 2019. غالباً ما يُبرز المصرف تخصيص 500 مليار دولار كندي للتمويل المستدام، الذي يهدف لمساعدة الشركات في تحمل تكاليف تنقية الصناعات الأكثر تلويثاً مثل الغاز والأسمنت.
كان "رويال بنك أوف كندا" حدد هدفاً لتحقيق صافي انبعاثات صفرية لقروضه بحلول 2050، حيث يسلط الضوء باطراد على الجهود المبذولة لحث الشركات على تنفيذ خطط المناخ للوصول إلى هذا الهدف.
تقول جينيفر ليفنغستون، نائبة رئيس البنك لقطاع الاستراتيجيات المؤسسية للمناخ: "يغمرني الفخر حقاً بالتقدم الذي أحرزناه خلال العام ونصف العام الماضيين"، مضيفةً أن البنك "يدعم عملائنا لمساعدتهم في إزالة الكربون من صناعاتهم".
غضب جماهيري
ندد منتقدو "رويال بنك أوف كندا" بتمويله لمشاريع مثل خطوط الأنابيب المملوكة لشركتي "ترانس ماونتن" (Trans Mountain) و"تي سي إنرجي" (TC Energy) في غرب كندا، والتي من شأنها تسهيل زيادة صادرات النفط والغاز.
قالت "شبكة عمل الغابات المطيرة"، وهي منظمة بيئية غير ربحية، العام الماضي إن "رويال بنك أوف كندا" قد أزاح بنك "جيه بي مورغان تشيس آند كو" كأكبر ممول للوقود الأحفوري في تصنيفها السنوي، برغم أن المنظمة عكفت مذ ذاك على مراجعة تقييمها استجابةً لطلب المصرف الكندي.
تقول جولي سيغال، مديرة برنامج تمويل المناخ في منظمة الدفاع البيئي الكندية غير الربحية: "سيكون رائعاً أن نرى البنك يبذل جهوداً حقيقية لتقليل الانبعاثات الصادرة عن المشروعات الممولة بقدر ما يحاول أن يبدو وكأنه يفعل".
ركز الناشطون البيئيون على المقرضين الدوليين بغية تقليص الأموال المتدفقة إلى مشاريع الوقود الأحفوري، وتشجيعهم بدلاً من ذلك على نشر مواردهم الهائلة للمساعدة في تقليل الاحتباس الحراري، وسط أدلة متزايدة على أن أهداف انبعاثات الكربون العالمية لن تتحقق دون خطوات جذرية صوب التحول الأخضر.
كان نشطاء المناخ قد حطموا باباً زجاجياً بمكتب بنك "جيه بي مورغان" في لندن خلال تظاهرة، بينما حاصر آخرون المقر الرئيسي لمجموعة "سيتي غروب" في نيويورك في الخريف. لقد دفعت سنوات من الاحتجاجات وقرارات المساهمين والدعاوى القضائية بنوك مثل "بي إن بي باريبا" و"إتش إس بي سي" و"باركليز" إلى وقف تمويل معظم مشروعات النفط والغاز الجديدة.
سياسات متناقضة
تقترب ضمانات "رويال بنك أوف كندا" لصفقات الطاقة من تريليوني دولار كندي من الأصول. لقد خصص المصرف الكندي قرابة 15% من قروض الشركات واكتتابات السندات والأسهم لشركات الوقود الأحفوري خلال الفترة بين 2020 و2022، وفقاً لمركز "إنفلونس ماب" (InfluenceMap) للأبحاث في لندن.
وفي ما بلغ متوسط تعرض أكبر خمسة بنوك أوروبية لمشاريع الوقود الأحفوري 9% خلال تلك الفترة، بلغ تعرض أكبر خمسة بنوك أميركية 6%. ويمثل الوقود الأحفوري حصة مماثلة أو حتى أكبر من أعمال البنوك الكندية الكبرى الأخرى، إذ تحل البلاد في المركز الرابع بين منتجي النفط عالمياً ويأتي نحو 5% من الناتج المحلي الإجمالي من هذا القطاع؛ إلا أن حجم "رويال بنك أوف كندا" يجعله هدفاً رئيسياً للناشطين.
دأب المصرف الكندي على رفض دعوات النشطاء لإنهاء أو تقليص الاستثمارات في الوقود الأحفوري رسمياً، ولن تكون استجابته لتلك النداءات واقعيةً حالياً، نظراً لدور النفط في الاقتصاد الكندي.
مع ذلك، كان "رويال بنك أوف كندا" اقترب أكثر من اتخاذ هذه الخطوة في الخريف، إذ قال في وثيقة عن سياسته إنه قد "ينسحب من تمويل أي مشروع إن لم يبد العميل، بعد تعهدات متكررة، تخطيطاً كافياً للتحول نحو الطاقة النظيفة".
كما بدأ المصرف بإعلان التزامات أكثر تحديداً بالاستثمارات الخضراء، حيث تعهد في تقرير في مارس بمضاعفة تمويل مشروعات الطاقة المتجددة إلى ثلاثة أمثالها بواقع 15 مليار دولار كندي سنوياً بحلول 2030. كما كشف التقرير لأول مرة عن صافي الانبعاثات الكربونية الصادرة عن شركات النفط والغاز التي يمولها المصرف الكندي.
التصنيف البيئي
تصدر تصنيف "رويال بنك أوف كندا" في تقرير"شبكة عمل الغابات المطيرة" العناوين الرئيسية في جميع أنحاء العالم، ما سبب قلقاً كبيراً للمصرف، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر طلبوا عدم كشف هوياتهم فيما يتطرقون لشؤون المصرف الداخلية. سعى المسؤولون التنفيذيون، خلال الأسابيع التي تلت ذلك، لإيجاد طرق لتحسين سمعتهم في ما يتعلق بسياسة المصرف لمجابهة تغير المناخ، وكان الموضوع يُطرح تكراراً، خاصة بعد الهجمات العلنية على شخص ماكاي، وفقاً لأحد الأشخاص.
شكل التشكيك في الأرقام المطروحة إحدى جبهات الدفاع في رد "رويال بنك أوف كندا". لم يعر المصرف بالاً لتصنيفات "شبكة عمل الغابات المطيرة"، ويرجع ذلك جزئياً إلى عدم موافقته على منهجية التصنيف. مع ذلك، قال المصرف الكندي عندما صدر تقرير العام الماضي، إن سجلاته أظهرت أن الأرقام المذكورة غير دقيقة.
وافقت المنظمة غير الربحية لاحقاً على تحديث بيانات الصفقات التي تشمل شركات "كالباين" (Calpine) و"كريسينت إنرجي" (Crescent Energy) ومجموعة "فيتول" (Vitol Group)، بعدما قدم لها "رويال بنك أوف كندا" بياناته الرسمية، فخفضت إجمالي قروضه لمشروعات النفط والغاز بمقدار 3.3 مليار دولار ليصبح إجمالي تمويلاته لتلك المشروعات 38 مليار دولار.
أدى ذلك إلى تراجع "رويال بنك أوف كندا" إلى المركز الثاني في تصنيف المنظمة البيئية لعام 2022، ما أعاد بنك "جيه بي مورغان" إلى المركز الأول بإجمالي 1.1 مليار دولار من القروض الموجهة للصناعات الملوثة للبيئة.
تقول أبريل ميرلو، مديرة الأبحاث في "شبكة عمل الغابات المطيرة" إن التعديل "لا يغير حقيقة أن "رويال بنك أوف كندا" ممول مهم لمشروعات النفط والغاز"، مضيفةً أن المصرف "ليس لديه سياسات قائمة لإبطاء تمويل شركات الوقود الأحفوري بشكل كبير".
يصدر تقرير "شبكة عمل الغابات المطيرة" التالي في غضون الأسابيع المقبلة، وتوفر بيانات "بلومبرغ" حول قروض وسندات الوقود الأحفوري بعض المؤشرات المبكرة لنتائج التقرير. لم يتغير إجمالي التمويل كثيراً في كلتا الفئتين خلال 2023 مقارنة بالعام السابق، حيث بلغ 558 مليار دولار، لكن نصيب "رويال بنك أوف كندا" منها انخفض بواقع 30% إلى 18.7 مليار دولار، ما يهبط به إلى المرتبة الثامنة في التقرير المرتقب.
رصد الانتهاكات
مع ذلك، شارك المصرف الكندي أو اضطلع بقيادة تمويلات ضخمة لصالح شركات النفط والغاز وخطوط الأنابيب في أميركا الشمالية خلال العام الماضي، بما في ذلك تمويلات لشركتي "ترانس ماونتن" و"إنبريدج" (Enbridge). لكنه غاب عن أكبر عملية إعادة تمويل يشهدها القطاع في 2023 لمجموعة "فيتول" بقيمة 11.4 مليار دولار. رفض "رويال بنك أوف كندا" التعليق على عميل بعينه، لكنه يقول إن محفظة قروضه تشهد معدلات دوران كبيرة كل عام.
رغم إن التغييرات لا تأتي أبداً استجابةً لضغوط الناشطين، تقول ليندسي باتريك، رئيسة قطاع الاستراتيجية والتسويق والاستدامة في "آر بي سي كابيتال ماركتس" (RBC Capital Markets)، الذراع الاستثمارية للمصرف الكندي: "لقد شهدنا تغييراً في محفظتنا الاستثمارية يتماشى مع أهدافنا المناخية".
مع ذلك، يواصل دعاة حماية البيئة الضغط على المصرف عبر قرارات المساهمين وشن حملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك حضهم لممثلين مثل ليوناردو دي كابريو ومارك روفالو لحضور "مهرجان تورونتو السينمائي الدولي" لنبذه من قائمة رعاة المهرجان. كما خصصوا خطاً لتقديم الاستشارات لموظفي المصرف الكندي للإبلاغ عن "النشاطات المشبوهة أو غير المشروعة وسوء السلوك ومزاعم الانتهاكات القانونية وقضايا الغسل الأخضر".
يحقق مكتب حماية المنافسة الكندي في مزاعم الغسل الأخضر المتعلقة بممارسات "رويال بنك أوف كندا" التسويقية بعد شكوى من زعماء السكان الأصليين ونشطاء المناخ. كما أنشأت منظمة "الدفاع البيئي" العام الماضي موقعاً إلكترونياً يستعرض "أشرار المناخ" في كندا، والذي تضمن رسماً كرتونياً لماكاي وصفته بأنه "مادّي".
تغيير مطلوب
تظهر دمية منفوخة ضخمة لرأس ماكاي، يميزها شعره الرمادي ونظارته، خلال التظاهرات في جميع أنحاء مقاطعتي أونتاريو وكيبيك. يقول داني ميتشي، أحد نشطاء الحملات الرقمية في منظمة "تغيير المسار" (Change Course) المعنية بقضايا المناخ: "يُبذل جهد كبير لجعل الأمر شخصياً. فالأمر لا يتعلق بمصرف (رويال بنك أوف كندا) باعتباره هذا المصرف والكيان الضخم فحسب، بل بإظهاره كمؤسسة قائمة على أفراد يمكن تحريكهم".
عادةً ما يتعين على ماكاي الدفاع عن استثماراته بصفته وجه "رويال بنك أوف كندا"، لكن يبدو أن هذه الوظيفة تثقل كاهله في بعض الأحيان. فقد واجه خلال الاجتماع العام السنوي الذي انعقد في أجواء مشحونة بمدينة ساسكاتون في أبريل، أسئلة متكررة حول دعم المصرف لخط أنابيب "كوستال غازلينك" (Coastal GasLink)، الذي يحظى بدعم بعض زعماء السكان الأصليين على طول مساره، بينما يعارضه آخرون بشدة.
تقول إيف سانت، قائدة حملة تطالب "رويال بنك أوف كندا" بالتوقف عن تمويل خط الأنابيب، فيما تتذكر حوارها مع ماكاي: "لقد قال: لن أرد على هذا... لم يظهر أي تعاطف أو ندم". لقي الاجتماع والاحتجاجات المرتبطة تغطية إعلامية في كندا على مدى أيام. من جانبه، صرح المصرف بأنه تعامل مع جميع "الحاضرين بإنصاف واحترام".
يعترف بعض النشطاء بالجهود التي بذلها "رويال بنك أوف كندا" أخيراً لزيادة استثماراته الخضراء. لكنهم يؤكدون أن تعهداته لن تحقق النتائج المرجوة إذا لم تتقلص بوضوح قيمة الطرف الآخر من المعادلة، ممثلاً في مخصصات تمويل الوقود الأحفوري.
يقول الطلاب الذين التقوا جون ستاكهاوس، رئيس مركز أبحاث المناخ في "رويال بنك أوف كندا"، قبيل إجراء مراسم حفل الجمعية الجغرافية في نوفمبر، إن الحديث عن خطط مثل تشكيل تحالف للمساهمة في خفض انبعاثات الكربون الصادرة عن القطاع الزراعي لم يقنعهم.
تقول شانا كويسنيل، وهي طالبة من أوتاوا انضمت إلى التظاهرة في ذلك المساء: "إنهم يعتقدون أن الأشخاص المهمين يمكنهم التأثير علينا بمجرد حضورهم. إبلاغنا عن مبادرة تحاول مباشرتها مع مزارعين لن يغير وجهة نظرنا".
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}