يواصل الاقتصاد الأمريكي أداءه القوي خلال الفترة الأخيرة، متحدياً التوقعات التي كانت تشير إلى قرب الدخول في ركود بالتزامن مع رفع معدلات الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي.
وأثار الأداء القوي للاقتصاد الأمريكي علامات استفهام لدى العديد من المحللين الذين كانوا يتوقعون انخفاض النشاط، في حين أبدى آخرون اعتقادهم بأن رفع الفائدة ربما ساهم -على عكس الحكمة الاقتصادية المعتادة- في قوة الاقتصاد.
اقتصاد قوي بشكل مفاجئ
- نما الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي طوال الفصول الستة الماضية، بدعم استمرار قوة سوق العمل والإنفاق الاستهلاكي.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
- حقق الاقتصاد الأمريكي نموًا بنحو 3.4% في الربع الرابع من العام الماضي، متفوقاً على توقعات المحللين التي كانت تشير إلى نمو 3.2%.
- في إجمالي عام 2023، نما الاقتصاد الأمريكي بنحو 2.5%، مقابل نمو 1.9% في عام 2022.
- جاءت قوة الاقتصاد الأمريكي مدعومة بإنفاق المستهلكين المتواصل، وسط استمرار قوة سوق العمل.
- في مارس الماضي، أضاف الاقتصاد الأمريكي 303 آلاف وظيفة، متجاوزًا التوقعات بشكل كبير، مع تسجيل معدل البطالة 3.8% ليظل قرب أدنى مستوياته في نصف قرن.
- كما ساهم العجز المالي الحكومي المتضخم في ضخ الكثير من الأموال في الاقتصاد الأمريكي من خلال دعم التكنولوجيا والطاقة الخضراء، بالإضافة إلى الإنفاق العسكري المرتبط بالحرب في أوكرانيا.
- رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي في العام الجاري إلى 3.2%، مشيرًا إلى تأثير الاقتصاد الأمريكي القوي على نظيره العالمي.
- قال صندوق النقد في تقريره الصادر في أبريل الجاري إن الاقتصاد الأمريكي سينمو 2.7% في العام الحالي، بزيادة 0.6% عن تقديراته الصادرة في يناير الماضي.
- يتجه الاقتصاد الأمريكي للنمو بنحو ضعف وتيرة نمو أي اقتصاد آخر في مجموع السبع الكبرى هذا العام.
- يرى الصندوق أن الأداء القوي للاقتصاد الأمريكي يعكس الإنتاجية الجيدة ونمو التوظيف، بالإضافة إلى الطلب القوي في الاقتصاد.
- ينتظر المستثمرون صدور القراءة الأولية لأداء الاقتصاد الأمريكي عن الربع الأول من هذا العام، وسط توقعات بنمو الناتج المحلي الإجمالي 2.5%.
- من شأن نمو الاقتصاد الأمريكي في أول ثلاثة أشهر من 2024 أن يكون النمو الفصلي السابع على التوالي، وهي ما ستكون أطول موجة نمو فصلي في عقدين كاملين.
أداء يتحدى التوقعات
- بدأ عام 2023 ومعظم توقعات المحللين تشير إلى قرب وقوع الاقتصاد الأمريكي في براثن الركود، بفعل استمرار الاحتياطي الفيدرالي في رفع معدلات الفائدة.
- رفع الفيدرالي معدلات الفائدة من مستويات قرب الصفر في مارس 2022 إلى نطاق 5.25% و5.5% حالياً، وهو أعلى مستوى في 23 عامًا.
- اقتصادياً، من المفترض أن تؤدي عمليات رفع الفائدة إلى إبطاء الاقتصاد، مع تراجع إنفاق المستهلكين واستثمار الشركات وسط ارتفاع تكلفة التمويل.
- بالفعل، أشارت توقعات "جولدمان ساكس" في بداية العام الماضي إلى أن احتمالية ركود الاقتصاد الأمريكي تتجاوز 55%، بينما أشار نموذج لـ"بلومبرج إنتليجنس" إلى احتمالية تقارب 100% للركود.
- في مارس 2023، توقع أعضاء الاحتياطي الفيدرالي نمو الاقتصاد الأمريكي بنحو 0.4% في إجمالي العام الماضي و1.2% في 2024.
- لكن الواقع يشير إلى أن الاقتصاد الأمريكي لم ينجح فحسب في تلافي الركود حتى الآن، لكنه حقق نموًا قوياً يتجاوز مستويات ما قبل وباء "كورونا".
- نما الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنحو 3% في المتوسط في كل فصل منذ منتصف عام 2022، ما يتجاوز معدل النمو المحتمل.
- استفاد الاقتصاد الأمريكي من الدخل المرتفع للمستهلكين، بفضل ارتفاع الأجور والمدخرات الفائضة خلال فترة الوباء، بالإضافة إلى المكاسب المحققة من سوق الأسهم والعقارات في الولايات المتحدة.
- قال "جيمي ديمون" الرئيس التنفيذي لبنك "جيه بي مورجان" إن قوة أداء الاقتصاد الأمريكي تبدو "غير قابلة للتصديق"، مع قوة سوق العمل والوضع المالي الجيد للمستهلكين.
- لكن "ديمون" حذر من تداعيات اقتصادية سلبية محتملة في الولايات المتحدة، جراء ارتفاع مستويات الدين القومي، والتضخم، والتوترات الجيوسياسية.
نظرية جديدة؟
- لكن ماذا لو كانت عمليات رفع معدلات الفائدة الأمريكية في العامين الماضيين ساهمت في قوة الاقتصاد، بمعنى آخر، هل جاء الأداء القوي المفاجئ لأكبر اقتصاد في العالم بدعم وليس بالرغم من رفع الفائدة؟
- بدأ بعض المحللين يطرحون هذه الفرضية المخالفة لأساسيات الاقتصاد التقليدي، معتبرين أن الاقتصاد الأمريكي ينمو بشكل أكثر قوة مما كان عليه قبل بدء الفيدرالي دورة التشديد النقدي.
- يبرر المدافعون عن هذه الرؤية غير التقليدية وجهة نظرهم بفكرة أن رفع معدلات الفائدة بشكل حاد ربما منح الأمريكيين تدفقات قوية من الدخل عبر استثماراتهم في السندات وحسابات الادخار للمرة الأولى في عقدين.
- تشير هذه النظرية إلى أن الأمريكيين والشركات ينفقون جزءًا كبيرًا من هذه الأموال التي حصلوا عليها، ما أدى إلى زيادة الطلب وتعزيز النمو الاقتصادي.
- قال "كيفن موير" متداول المشتقات السابق في "آر بي سي كابيتال ماركتس" إن الأمريكيين أصبح لديهم المزيد من الأموال حالياً بدعم معدلات الفائدة المرتفعة.
- في الدورات التقليدية لرفع معدلات الفائدة، لا يكفي الإنفاق الإضافي للمستفيدين من رفع الفائدة لتعويض انخفاض الطلب من أولئك الذين توقفوا عن اقتراض الأموال مع ارتفاع تكلفة التمويل.
- أشار "موير" إلى أن الجميع كان يتوقع أن يتبع الاقتصاد الأمريكي هذا النمط ويتباطأ بشكل حاد مع تسارع التضخم وارتفاع الفائدة، لكنه أوضح أنه يعتقد أن تشديد السياسة النقدية ربما كان له تأثير أكثر توازنًا وربما يكون محفزًا أكثر للاقتصاد.
- كما يعتقد "ديفيد إينهورن" المحلل في "جرين لايت كابيتال" أن الأمر مختلف هذه المرة لعدة أسباب، أبرزها التأثير المترتب على العجز الهائل في الموازنة الأمريكية.
- تضخم الدين الحكومي الأمريكي إلى نحو 35 تريليون دولار، أي ضعف ما كان عليه قبل عقد واحد، ما يعني أن معدلات الفائدة المرتفعة التي تدفعها الحكومة الآن على الديون ارتفعت بنحو 50 مليار دولار إضافية تتدفق إلى جيوب مستثمري السندات الأمريكيين والأجانب كل شهر.
- ذكر "إينهورن" أن هذه النظرية كانت بادية قبل سنوات، مع ملاحظة مدى بطء نمو الاقتصاد رغم إبقاء الاحتياطي الفيدرالي معدلات الفائدة قرب الصفر بعد الأزمة المالية العالمية.
- أشار المحلل الذي يعتبر أحد أبرز مستثمري القيمة في وول ستريت إلى أن الأسر الأمريكية تحصل على دخل يتجاوز 13 تريليون دولار من الأصول قصيرة الأجل التي تدر فوائد، أي ما يقرب من ثلاثة أمثال الديون الاستهلاكية باستثناء الرهن العقاري والتي تبلغ 5 تريليونات دولار، ما يترجم إلى مكاسب صافية للأسر تبلغ 400 مليار دولار سنوياً.
- يعتبر "إينهورن" أنه عندما تنخفض معدلات الفائدة دون مستويات معينة، فإن ذلك يؤدي فعلياً إلى إبطاء الاقتصاد، منتقدًا في الوقت ذاته الدعوات إلى خفض الفائدة، مشيرة إلى أن ذلك لن يساعد أي شخص بالنظر إلى أن الاقتصاد يشهد أداءً جيدًا حالياً.
هل يستمر النهج غير التقليدي؟
- لكن على الجانب الآخر، لا يزال محللون يحذرون من احتمالية تضرر الاقتصاد الأمريكي في العام المقبل في حال عدم قيام الفيدرالي بخفض معدلات الفائدة.
- قال "الطاف قاسم" رئيس استراتيجية الاستثمار في "ستيت ستريت" إنه في الوقت الحالي، لم يشعر المستهلكون والشركات بتداعيات معدلات الفائدة المرتفعة، لكنه حذر من أنه في حال بقاء هذه المعدلات عند نفس مستوياتها في العام المقبل، فإن الاقتصاد سيكون مهددا بأضرار كبيرة، خاصة مع حلول موعد إعادة تمويل الكثير من القروض.
- لا يزال معظم المحللين والمستثمرين يؤمنون بالمبدأ القديم المتمثل في أن معدلات الفائدة المرتفعة تضر النمو، مدللين على ذلك بارتفاع حالات التخلف عن سداد بطاقات الائتمان وقروض السيارات، بالإضافة إلى أن نمو الوظائف -رغم استمرار مستوياته القوية- يشهد حالة من التباطؤ.
- قال "مارك زاندي" كبير الاقتصاديين في "موديز أناليتيكس" إن النظرية الجديدة "خارجة عن القاعدة"، لكنه اعترف أيضًا بأن ارتفاع معدلات الفائدة أصبح يسفر عن ضرر اقتصادي أقل مما كان عليه في الماضي.
- كما يستشهد "زاندي" بعامل آخر وهو أن العديد من الأمريكيين قاموا بتثبيت معدلات الفائدة المنخفضة للغاية التي يدفعونها على قروضهم العقارية لمدة 30 عامًا، ما تسبب في حمايتهم من الأثر الناجم عن ارتفاع الفائدة مؤخرًا.
- كما يرى "إيتاي جولدشتاين" أستاذ المالية في كلية وارتون لإدارة الأعمال أن استمرار معدلات الفائدة الأمريكية عند مستويات مرتفعة لفترة أطول سيؤدي لمزيد من الألم للأسر والشركات، كما سيتضرر الاقتصاد مع تفضيل الادخار على الإنفاق.
- ألمح بعض أعضاء الاحتياطي الفيدرالي مؤخرًا إلى أنه ليس هناك عجلة لبدء خفض معدلات الفائدة، بينما أجلت الأسواق المالية توقعاته لعدد مرات خفض الفائدة هذا العام من ست مرات في بداية العام إلى عمليتي خفض فحسب حالياً.
- لكن بعض المحللين لا يرون أن الاقتصاد الأمريكي سيتضرر حال عدم خفض الفائدة هذا العام.
- قال "ديفيد ميريكل" كبير الاقتصاديين الأمريكيين في "جولدمان ساكس" إن البنك يرى أن الاقتصاد قوي بشكل كافٍ يبرر عدم حاجته لخفض الفائدة من أجل تلافي الركود.
- في أحدث مسح لوكالة "بلومبرج"، رفع محللون توقعاتهم لنمو الاقتصاد الأمريكي في العام الجاري إلى 2.4% من 2.2% في الشهر الماضي، بدعم إنفاق المستهلكين والاستثمار الخاص، مستبعدين بشكل أكبر احتمالات الركود.
- انخفضت احتمالات ركود الاقتصاد الأمريكي في الاثني عشر شهرًا المقبلة إلى 30%، وهو أدنى مستوى منذ يونيو 2022، ومقابل احتمالية بلغت 35% في الشهر الماضي، بحسب المسح.
المصادر: أرقام – مكتب إحصاءات العمل الأمريكي – صندوق النقد الدولي – بلومبرج - رويترز – فاينانشال تايمز – ماركت وتش – سي إن بي سي – سي إن إن
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}