نبض أرقام
17:20
توقيت مكة المكرمة

2024/08/09

أيهما يقود الآخر .. الاقتصاد أم سوق الأسهم؟

2024/07/12 أرقام - خاص

ينخرط المستثمر في سوق الأسهم في دراسة ثلاثة مستويات رئيسية عند تقييمه لأي سهم، الأول هو مستوى الاقتصاد العام من معدلات نمو وتضخم ومستوى ديون الدولة وغيرها، والثاني هو حالة القطاع الذي ينشط فيه السهم من معدلات نمو القطاع المتوقع ومستويات الربحية واحتمالات تحقيقي اختراقات تكنولوجية وغيرها.

 

ويشمل المستوى الثالث الشركة نفسها، بما في ذلك مضاعف ربحيتها، ديونها، موقفها التنافسي، طبيعة إدارتها، وغير ذلك من العوامل المؤثرة على الشركة.


 

الاقتصاد هو الأساس ولكن

 

ولأن القطاع يتغير بتغير نشاط الشركة، ولأن تفاصيل الشركات تتغير أيضًا، تبقى الحالة العامة للاقتصاد هي المؤشر الذي ينبغي على الجميع دراسته عند اتخاذ قرار الاستثمار في سوق الأسهم، في ظل تأكيدات باتصال لا تنفصم عراه بين الاقتصاد وسوق الأسهم، وتحذيرات من "انفلات" سوق الأسهم بعيدًا عن الاقتصاد.

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

وعلى سبيل المثال، في 2020، أنهى الاقتصاد الأمريكي ذلك العام منكمشًا بنسبة 2.8% ثم أنهى عام 2021 مرتفعًا بشكل استثنائي بنسبة 5.9% بعد رفع إجراءات الإغلاق الخاصة بكورونا، ثم نما بنسبة 1.9% في 2022 وأخيرًا بنسبة 2.5% في 2023.

 

وعن إجمالي تلك السنوات الأربع ارتفع مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" بأكثر من 47% وهي تبدو نسبة أكبر بكثير من معدلات نمو الاقتصاد والناتج المحلي الإجمالي، وإذا تمت إضافة عام 2024 بمعدل نموه الاقتصادي المتوقع حول 2.2% فستظهر الفجوة أكبر بنمو مؤشر الأسهم الرئيسي  بنسبة تفوق 80%.

 

ويمكن أن نرى هنا ما يصفه الكثير من المراقبين بأن أسواق المال "تشتري حالة الاقتصاد وقطاعاته المختلفة في المستقبل"، فهذه "الفورة" حول الذكاء الاصطناعي وشركاته أدت لوصول مؤشر " ستاندرد أند بورز 500" إلى مستوياته القياسية فوق 5560 نقطة (بداية يوليو الحالي).

 

تأثيرات مزدوجة

 

وعلى الرغم من مستويات التشغيل العالية للغاية والقياسية للاقتصاد الأمريكي منذ نهايات 2020 إلا أن الأساس في بقاء "الصورة" جيدة للاقتصاد هو برامج التمويل الحكومية أو الإنقاذ والدعم الحكومي والذي تم إقراره بتكلفة 1.9 تريليون دولار في 2021، إلا أنه ارتفع عن ذلك مع الوقت إلى 2.3 تريليون إلا أن "نيويورك تايمز" تقدر تكلفة البرنامج ككل بـ5 تريليونات دولار.

 

 

فهذه الأموال الطائلة كان لها تأثير سلبي ظاهر الآن في معاناة الاقتصاد الأمريكي من معدلات تضخم عالية وصلت إلى 8% في عام 2022، مما استدعى رفع أسعار الفائدة الأمريكية بشكل مستمر، بما في ذلك من تهديد للاقتصاد الأمريكي باحتمالات الركود المستقبلي، فضلًا عن تأثيراته السلبية على الاقتصادات العالمية.

 

وعلى الرغم من هذا الجانب السلبي، إلا أن تلك الأموال أفادت سوق المال من خلال الإبقاء على معدلات الإنفاق الاستهلاكي عالية، بل ربما زيادتها بما أسهم في انتعاش نشاط الشركات وتبدد مخاوف الركود المرتبطة بالوباء وبالتالي ساهم في توقعات مستقبلية أكثر تفاؤلا أفرزت سوقاً متوسعاً.

 

فالمواطن الأمريكي وجد معه 1400 دولار إضافية، وحصل البعض على دفعات ثانية وعلى أموال للأطفال أو العائلة، أمكنه استخدامها في شراء سلع وخدمات، والشاهد أن توزيع هذه الأموال على دفعات ولكن في وقت متقارب جعل التدفق المالي على مختلف القطاعات كبيراً ومتصلاً، وبالتالي تقاريرها المالية جيدة وتوقعاتها المستقبلية أيضا، مما انعكس إيجابًا على سوق الأسهم.

 

وعلى الرغم من كل هذه الأسباب الواضحة لانتعاش سوق الأسهم، فإنها تبدو أسباباً ظاهرية أو قصيرة المدى، وتبقى أسس الاقتصاد الأمريكي -القوي بالطبع- بلا تغيير يسترعي هذا النمو الكبير في سوق الأسهم لا سيما في عامي 2020 و2021 اللذين اتسما بالضبابية الاقتصادية بسبب انتشار كورونا.

 

انفصال أم ارتباط؟

 

ومع درجة كبيرة من الانفصال بين الاقتصاد وسوق الأسهم تظهر التحذيرات من الفقاعات بشدة، وتظهر التحوطات بالحفاظ على نسبة عالية من "الكاش"، مثلما تفعل الشركات الكبرى مثل "أبل"، وكبار المتداولين مثل "وارين بافيت"، حيث إن السبب الرئيسي للحفاظ على نسبة عالية من السيولة النقدية أو الكاش هو اغتنام الفرص بعد انخفاض السوق.

 

ولعل أبرز الأمثلة تاريخيا على انفصال سوق الأسهم عن الاقتصاد هو انخفاض المؤشر الرئيسي لسوق الأسهم الأمريكية في يوم الإثنين الأسود 19 أكتوبر 1987 بنسبة 22.6%، فهل هناك اقتصاد ينكمش بهذه النسب في يوم واحد تحت أي ظرف؟

 

 

وعلى مدار 96 عامًا، شهدت الأسواق الأمريكية 28 هبوطًا حادًا (أسواق دببة) بينما مر الاقتصاد الأمريكي بـ 15 فترة ركود خلال نفس الفترة. هذا يعني أن أسواق الأسهم ليست دائمًا انعكاسًا مباشرًا لحالة الاقتصاد، ففي بعض الأحيان قد تنخفض الأسواق بشكل حاد بينما يكون الاقتصاد في حالة جيدة.

 

ويُعدّ هذا أحد الأمثلة على أن العامل الأول المؤثر على السوق، وهو حالة الاقتصاد العامة، قد لا يكون له تأثير دائمًا. ففي أواخر التسعينيات، على سبيل المثال، أدى الازدهار الاقتصادي في عهد الرئيس "بيل كلينتون"، إلى جانب ازدياد الاعتماد على الإنترنت، إلى تضخم فقاعة "دوت كوم".

 

وأدى ذلك إلى المبالغة في تقييم أسعار شركات التكنولوجيا، مما أدى إلى انهيارها في عام 2000، حيث هبط مؤشر "ناسداك" من أكثر من 5000 نقطة إلى أقل من 1800 نقطة في غضون عام واحد، بينما بقي الاقتصاد منتعشًا بغير تأثر ملحوظ.

 

وبالعودة لمثال كورونا، فهل يمكن تخيل أن سوق الأسهم الأمريكية وفي الربع الثاني لعام 2020 حققت الارتفاع الأعلى في ربع واحد منذ عام 1998 عندما كانت السوق الأمريكية تتعافى من آثار أزمة الأسواق الآسيوية الكبيرة، أي أنه في ذروة عدم اليقين للاقتصاد ككل كانت سوق الأسهم تحقق انتعاشًا غير مسبوق من 22 عامًا قبلها.

 

ارتباط ظاهر

 

ومن جانب آخر تبدو بعض القرارات أو الظواهر الاقتصادية ذات تأثير بالغ على سوق الأسهم بشكل يؤكد الرابط بينهما ولكن بصورة مختلفة، ومن ذلك قرار سويسرا خفض الفائدة إلى قيمة سالبة في نهاية عام 1999، لينمو سوق الأسهم خلال السنوات الثلاث التالية بقيمة 40%.

 

فالكثير من السويسريين غير المعنيين بالاستثمار في البورصة والذين يحتفظون بأموالهم على صورة أموال سائلة كمدخرات في البنوك اضطروا للبحث عن بديل للبنك الذي أصبح لا يعطيهم أرباحًا فقط ولكن يقتطع من مدخراتهم وينقصها، وأدى ذلك لموجة انخراط في سوق الأسهم السويسري أدت لانتعاشه –وربما تضخمه- بصورة كبيرة.

 

كما أن الدول النامية كثيرًا ما تشهد ارتفاعًا لبورصتها  بسبب تدهور سعر الصرف فيها، فعلى سبيل المثال تضاعف المؤشر الرئيسي للبورصة التركية، أو مؤشر سوق أسهم إسطنبول 100، حوالي 8 مرات خلال السنوات الثلاث الأخيرة، من مستوى دون 1380 نقطة إلى مستوى أعلى من 10700 نقطة.

 

 

ولكن في الفترة الزمنية نفسها فقدت الليرة التركية أكثر من 75% من قيمتها أمام الدولار الأمريكي والعملات الرئيسية بما جعل ارتفاع البورصة بمثابة تعويض غير مباشر عن انخفاض قيمة الليرة التركية على بقاء قيمة الشركات التركية كما هي دون تغير، فضلا عن تدفق الأموال الساخنة على البلاد والتي يدخل كثير منها إلى سوق الأسهم.

 

كما سبق أن ارتفعت بورصات بلاد مثل فنزويلا والأرجنتين بنسب وصلت إلى 200000% في بضعة أسابيع بسبب حالات التضخم الحاد التي عانتها تلك البلاد، ليتأكد أنه من حيث القيمة فإن الصعود كان وهميًا ولا يعبر عن زيادة حقيقية.

 

والملاحظ هنا أن سوق الأسهم قد تعطي "زخمًا" للأزمات الاقتصادية، ومن ذلك أنه وفي حالة الركود الكبير مثلًا، بدأت الأمور تتدهور بتراجع أسعار العقارات بنسب وصلت إلى 10% وتباطؤ قطاع التصنيع بنسبة 15%.

 

غير أن "الإعلان الرسمي" عن الركود كان بانهيار سوق الأسهم، لأنه جاء بمثابة إشارة على أن الأزمة أصبحت "حالية وليست منتظرة"، لتتراجع كافة المؤشرات الاقتصادية بشكل أكثر حدة بعدها.

 

وبشكل عام فإن العلاقة بين الاقتصاد وسوق الأسهم ملتبسة، فكثيرًا ما يبدو أنهما منفصلان -وهذا يعني بدرجة كبيرة عدم كفاءة السوق- ويبدوان متصلين كثيرًا أيضًا بالعديد من المؤثرات الاقتصادية التي تؤثر على السوق، والتي تأتي في صدارة العوامل التي على المتداول مراقبتها قبل الانخراط في سوق الأسهم.

 

المصادر: أرقام- بيهيفريال ايكونوميست- سي.إن.بي.سي- بلومبرج- فوربس

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة