يزداد الذكاء الاصطناعي توغلًا في الكثير من مناحي الحياة، بدءًا من الطب والهندسة، مرورًا بتخطيط المدن وتنظيم الطرقات، انتهاء بالشؤون المالية والاقتصادية، بما في ذلك تدخله في سوق الأسهم سواء من خلال النصيحة أو التداول المباشر.
وازداد الجدل حول هذا الأمر مع الإعلان عن تأسيس صندوق "إنتلجنت لايف مور" Intelligent Livemore الذي طورته شركة التكنولوجيا المالية الناشئة "إنتلجنت ألفا" ويهدف إلى محاكاة الذكاء الاصطناعي لبعض من أنجح العقليات الاستثمارية في التاريخ مثل "وارن بافت" بهدف تعزيز المحافظ الاستثمارية للعملاء.
ويستخدم الصندوق نماذج "شات جي بي تي" من "أوبن ايه اي" و"كلود" من "أنثروبيك" و"جيميني" من "جوجل" والتي تشكل معًا لجنة الاستثمار، وتعمل بمساعدة تدخل بشري بسيط على تكوين مجموعة من الأوراق المالية، اعتمادًا على التصريحات والمقالات والوثائق التي يقدمها كبار المستثمرين وفلسفات الاستثمار التي تظهر طريقة تفكيرهم.
الذكاء الاصطناعي أنواع
هل يمكن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي بشكل كامل أو جزئي في سوق الأسهم وما مخاطر ذلك؟
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
ووفقًا لدراسة أجريت على "تشات جي بي تي" فإنه أكثر قدرة على إدارة محفظة استثمارية من 95% من المتداولين الذين يتكبدون الخسائر، لكنه لا يرتقي بحال ليصل إلى 1% من المتداولين الذين يحققون الأرباح بشكل منتظم، فضلًا عن هؤلاء الذين "يهزمون السوق"، بل وتتسبب نصائح التطبيق في خسائر في مرات كثيرة.
وهذا يتعلق ببرنامج غير متخصص ماليًا ويعتمد على المصادر المفتوحة مثل "تشات جي بي تي" وعندما يتعلق الأمر ببرامج أقوى في سوق الأسهم وأقدم مثل "علاء الدين" المملوك لشركة "بلاك روك" ترتفع نسبة النجاح مع وجود آلة تعليم الذكاء الاصطناعي.
وعلى ذلك تشير دراسة لمؤسسة "سيرولي" الأوروبية للأبحاث إلى أن صناديق التحوط المدعومة من الذكاء الاصطناعي أو التي تعتمد عليه بشكل كامل حققت عائدات تصل إلى 34% في 3 سنوات 2017-2019، بينما حققت الصناديق التقليدية نسب عوائد لا تتخطى 12% أي أن الصناديق المدعومة من الذكاء الاصطناعي حققت 3 أضعاف العائد تقريبًا.
ويلاحظ هنا أن الذكاء الاصطناعي لتلك الشركات يختلف كثيرًا عن الذكاء الاصطناعي التقليدي، فالقائمون على تغذيته هم من المحللين الماليين والخبراء الاقتصاديين، ولا يعتمد كغيره على المصادر المفتوحة واتجاهات السوق من قبل المتداولين الفرديين لتكوين محفظته الاستثمارية.
ويمكن تشبيه هذا الأمر كما لو كان تشكيل وعي جمعي لمجموعة متخصصة في سوق الأسهم بما يجعله أقوى كثيرًا من أي وعي فردي أو حتى محاولات تقليدية للعصف الذهني ولتنسيق الأفكار.
ثقة ولكن
ولا توجد إحصاءات قاطعة في حجم مساهمة الذكاء الاصطناعي في التداول في سوق الأسهم في يومنا هذا ولكن بعض التقارير الأمريكية تشير إلى أن قرابة 35% من عمليات التداول إما تتم بشكل مباشر بواسطة الذكاء الاصطناعي أو بمشورته.
ويشير 24% من المتداولين في السوق الأمريكي إلى أنهم يحصلون على المشورة أو يسمحون للذكاء الاصطناعي أو الـ"bots" بالتداول في أصولهم سواء أسهم أو عملات رقمية، ويعرب 40% من الأمريكيين بشكل عام عن ثقتهم في مستقبل الذكاء الاصطناعي.
والشاهد أن المتداولين هنا يعتمدون على قدرة الذكاء الاصطناعي العادي والمتخصص على تحليل الأنماط أو استنتاج الخوارزميات من سوق الأسهم أو من الأسواق المالية بشكل عام، بحيث يمكنه تحديد احتمالات الصعود والهبوط بناء على تجارب الماضي والخبرات المتراكمة في السوق.
ويشير هذا إلى جانب يشبه التحليل الفني التقليدي في السوق، ولكنه قد يكون أكثر جودة، نظرًا لقدرة الذكاء الاصطناعي على التعامل مع كم أكبر بكثير من البيانات التي يكون في وسع المتداول العادي المنفرد التعامل معها، لأنه لا يعاني من "الإغراق المعلوماتي" الذي يعانيه المتداول العادي.
ولكن ذلك يشير إلى أن الذكاء الاصطناعي في جانبه المتعلق بتحليل الخوارزميات سيكون أفضل من السوق في التحليل الفني، وهم لا يتفوقون على من يقومون بالتحليل الأساسي للسوق، وبالتالي تبقى كفاءته في تحليل السوق وتحقيق استثمار مستقر وناجح لفترات طويلة محل تساؤل.
مخاوف مبررة
وعلى الرغم من هذا الاختراق الكبير للذكاء الاصطناعي، إلا أن 73% ممن هم في الأسواق يرون أنه يشكل خطرًا على استثماراتهم، سواء ساهم في إدارتها بشكل مباشر، أو بسبب دوره في تضخيم أو إهدار قيمة بعض الأصول، بما يهدد بتوليد فقاعات في الأسواق وهي من أكثر ما يثير قلق المستثمرين.
فهناك مخاوف حقيقية من حدوث انهيارات حادة بسبب زيادة دور الذكاء الاصطناعي، وذلك بنفس قوة ما حدث في الإثنين الأسود عام 1987 عندما باعت شركات مالية عدة حيازاتها من الأسهم في يوم واحد فتسببت في أقوى هبوط للأسهم في تاريخها في يوم واحد، حيث هبط مؤشر "داو جونز" الأمريكي بنسبة 22% وزادت النسبة عن ذلك في بعض الأسواق العالمية الأخرى.
فوجود شركات مدعومة من الذكاء الاصطناعي قد تتسبب -عن طريق الخوارزميات- في نشوء فقاعات سعرية عن طريق شراء أصل بشكل جماعي، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعاره بشكل غير مبرر، بما يقود نهاية الأمر إلى انهيار سعري حاد يشبه ذلك في "الإثنين الأسود".
ولذلك فإنه من الممكن أن يعمل الذكاء الاصطناعي بشكل غير مخطط لتفاقم أزمات سوق الأسهم على المدى الطويل على الرغم مما يظهره من براعة في التداولات قصيرة المدى.
صندوق مغلق أو مرآة
والشاهد أيضا أنه يصعب التنبؤ بسلوك الخوارزميات نتيجة لتعقدها وتشابكها، بما يجعل التوصل للآلية التي وصلت بها إلى قرارها الاستثماري غير ممكن في كثير من الحالات، الأمر الذي يُصعّب على المتداولين أو المستثمرين التوصل لأسباب قرارات الخوارزميات بما يجعل التكامل مع العنصر البشري أصعب.
وعلى سبيل المثال فإن خوارزميات "علاء الدين" التي تدير استثمارات تزيد على 21 تريليون دولار -في مختلف الأصول وليس الأسهم فقط- مجهولة تمامًا حتى لهؤلاء الذين يستعينون بخدمات الذكاء الاصطناعي المملوك لـ"بلاك روك"، ولاشك أن أنظمة ذكاء اصطناعي أقل شهرة ستكون أكثر غموضًا.
وبالإشارة إلى ذلك فإن هناك معضلة تتعلق بأنظمة الذكاء الاصطناعي كونه مثل الطفل الذي ينمو، وبالتالي فإن وصول بعض المعلومات الخاطئة إلى نموذج الذكاء الاصطناعي من شأنه أن يأتي بنتائج خاطئة للغاية، وينطبق ذلك على نموذج الذكاء الاصطناعي المفتوح أو نظيره المغلق على حد سواء، حيث غالبًا ما يتعامل مع المعلومات الواردة إليه من مصادر بعينها على أنها ذات ثقة دون التفكير في منطقيتها.
ويستلزم الذكاء الاصطناعي عشرات البشر الذين يعملون على تثقيفه وتحديثه باستمرار مع اعتبار أن أسواق الأسهم أحد أكثر الأنظمة تعقيدا، في ظل تأثرها بالاقتصاد والسياسة والروح المعنوية العامة والشائعات والتقارير المالية وعشرات المتغيرات غيرها بالإضافة إلى وجود عدد لا حصر له من اللاعبين في السوق.
والشاهد أنه -وحتى وقتنا هذا على الأقل- يصعب الوثوق في الذكاء الاصطناعي، فعندما سئل النموذج الأول من "تشات جي بي تي" عما سيفعله إذا كان بشريًا أشار إلى أنه سيقوم بنشر فيروس مميت بلا علاج وسيعمل على الحصول على كود الأسلحة النووية بحيث يمتلك القدرة على استخدامها، فضلا عن تحيزه ضد المرأة في التوظيف مثلا.
لذا وعلى الرغم من تفوق الذكاء الاصطناعي النسبي في التحليل الفني وتنفيذ عمليات التداول الآنية، فإن المخاطر والمخاوف التي يثيرها تستحق التوقف عندها، فهو بمثابة، إما صندوق لا يعلم أحد ما بداخله في حالة الذكاء الاصطناعي المغلق، أو بمثابة مرآة تعكس ما بالإنترنت المفتوح من أفكار خاطئة أو صحيحة في حالة الذكاء الاصطناعي المفتوح.
المصادر: أرقام- دامكو جروب- اينستونيشال انفستور- الايكونوميست- business.fiu.edu
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}