نبض أرقام
06:48 ص
توقيت مكة المكرمة

2025/01/28
2025/01/27

ارتفاع طلب الصين على الكهرباء يثير معضلة مناخية

2025/01/26 اقتصاد الشرق

بات طلب الصين على الكهرباء نقطة تركيز رئيسية في خضم الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي.

 

تُعتبر الصين أكبر مصدر للتلوث في العالم، ما يمنحها تأثيراً كبيراً على إمكانية تقليل الانبعاثات بسرعة كافية لتجنب أسوأ آثار الاحتباس الحراري. ومع تبنيها السريع لتقنيات الطاقة النظيفة، زادت الآمال بأن تبدأ البلاد في تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة قبل الهدف المعلن لعام 2030.

 

لم يتحقق ذلك حتى الآن، ويرجع السبب الأساسي إلى النمو غير المسبوق في الطلب على الكهرباء في البلاد، ما يستدعي حرق كميات متزايدة من الفحم. نما استخدام الكهرباء بنسبة 6.8% العام الماضي، متجاوزاً نمو الاقتصاد بشكل عام بأسرع معدل خلال 15 عاماً على الأقل. وفي ظل تباطؤ الاقتصاد الصيني والتوترات التجارية المتزايدة، والتي من المرجح أن تتفاقم مع الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب، يبقى مستقبل نمو الطلب على الطاقة محل تساؤل كبير في جهود الصين لتقليل الكربون.

 

"يُعتبر الطلب على الطاقة واستهلاك الكهرباء العاملين الأكثر تأثيراً في تقلبات الانبعاثات"، وفق لوري ميليفيرتا، المحلل الرئيسي في "مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف". أضاف: "هناك بالتأكيد مساحة أكبر لمسارات مختلفة فيما يتعلق بالطلب، اعتماداً على سياسات ترمب وكل ما يحدث في التجارة الدولية". 

 

نمو الاقتصاد الصيني

 

لطالما ارتبطت الكهرباء بالنمو الاقتصادي في الصين. صرّح رئيس الوزراء الأسبق لي كه تشيانغ ذات مرة بأن استخدام الكهرباء، وحركة الشحن عبر السكك الحديدية، والإقراض المصرفي، تقدم صورة أكثر دقة عن الاقتصاد مقارنة بالأرقام الرسمية للناتج المحلي الإجمالي. وقد كان تحسين الكفاءة عن طريق تقليل كمية الطاقة المطلوبة لإنتاج السلع معياراً أساسياً تعتمد عليه الحكومة لتقييم أدائها.

 

لكن هذه العلاقة تغيّرت في السنوات الأخيرة، حيث اعتمدت بكين على التصنيع كوسيلة رئيسية لتحقيق انتعاش اقتصادي بعد انتهاء جائحة كوفيد 19. في السنوات الخمس الماضية، ارتفع استهلاك الكهرباء بوتيرة أسرع من النمو الاسمي للناتج المحلي الإجمالي في 3 سنوات منها، بعد أن كان أقل من معدلات النمو لعقد كامل قبل ذلك. ويتوقع "مجلس الكهرباء الصيني"، وهو الجهة العليا المدافعة عن مصالح قطاع الكهرباء، أن يواصل استهلاك الكهرباء نموه بنسبة 6% في عام 2025.

 

الطلب المتزايد على الكهرباء يعيق جهود تقليل الانبعاثات الكربونية في قطاع الكهرباء، الذي يُشكّل ما يقرب من نصف انبعاثات الغازات الدفيئة في الصين. وعلى الرغم من الإضافات القياسية لتوربينات الرياح والألواح الشمسية، لم تكن الطاقة النظيفة كافية لتلبية كل الطلب المتزايد العام الماضي، ما أجبر محطات الطاقة الحرارية على حرق المزيد من الفحم، وزيادة إنتاجها للكهرباء بنسبة 1.5% مقارنة بعام 2023.

 

القطاع الصناعي

 

المحرّك الرئيسي لهذا الطلب المرتفع على الطاقة كان القطاع الصناعي، الذي يستهلك حوالي ثلثي الكهرباء في الصين. وعلى الرغم من أن انهيار قطاع العقارات أدى إلى تراجع إنتاج الصلب والأسمنت، فإن إنتاج مواد مثل النحاس والألمنيوم والبتروكيماويات سجل مستويات قياسية العام الماضي، مع استخدام كميات متزايدة من الطاقة. 

 

 

دفع الرئيس شي جين بينغ نحو ما يُعرف بـ"قوى إنتاجية جديدة ذات جودة عالية" أدى إلى زيادة الطلب على الطاقة لإنتاج سلع مثل الأدوية الحيوية، والطائرات، والألواح الشمسية، والسيارات الكهربائية، بالإضافة إلى الآلات والمصانع اللازمة لصناعتها، وفقاً لـ"مجلس الكهرباء الصيني".

 

وقال مو يي يانغ، كبير المحللين المعنيين بالصين في مجموعة أبحاث المناخ والطاقة "إمبر" (Ember): "كل ذلك يجعل الاقتصاد أكثر اعتماداً على الكهرباء".

 

هناك عوامل أخرى تسهم أيضاً في نمو الطلب على الكهرباء. شهد الاقتصاد في العقود الأخيرة تحولاً تدريجياً نحو الكهرباء، حيث تم استبدال أفران الفحم الصغيرة التي كانت تُشغل المصانع وتدفئ المنازل بالكهرباء أو الغاز الأنظف. والآن يحدث الشيء نفسه في قطاع النقل أيضاً، حيث يشهد بيع السيارات الكهربائية ازدهاراً.

 

وارتفع الطلب على شحن السيارات الكهربائية بنسبة 38% العام الماضي، ليشكل الآن حوالي 1.1% من إجمالي استهلاك الكهرباء، وفقاً لبيانات "الإدارة الوطنية للطاقة".

 

الذكاء الاصطناعي

 

رغم أن شحن السيارات الكهربائية قد يزيد الضغط على نظام الكهرباء، إلا أنه يظل "مكسباً صافياً للمناخ" لأن المحركات الكهربائية أكثر كفاءة من تلك التي تعمل بالبنزين أو الديزل، كما أوضح كوزيمو ريس، محلل الطاقة في شركة الاستشارات "تريفيوم تشاينا" (Trivium China). وأشارت "مؤسسة البترول الوطنية الصينية" مؤخراً إلى أنها تتوقع الآن أن يصل الطلب على النفط إلى ذروته هذا العام، أي قبل خمس سنوات من توقعاتها السابقة.

 

الذكاء الاصطناعي يفرض أيضاً ضغطاً متزايداً على استهلاك الطاقة. وفقاً لمحللي "غولدمان ساكس"، بما فيهم جاكلين دو، من المتوقع أن تمثل مراكز البيانات 5% من إجمالي استهلاك الكهرباء بحلول عام 2030، مقارنة مع 1.6% فقط في عام 2023. بالإضافة إلى ذلك، تعرضت الصين لموجات حر قاسية خلال السنوات الثلاث الماضية، ما زاد من مبيعات مكيفات الهواء وغير منحنيات الطلب، مما جعل فترات الذروة الصيفية أكثر وضوحاً.

 

"الكثير من ذلك يعود بالتأكيد إلى الصدمات الخارجية التي شهدناها، خاصة مع موجات الحر الصيفية"، وفق ريس.

 

هناك إشارات تدل على أن طفرة التصنيع في الصين قد تكون في تباطؤ، حيث تراجع نمو الطلب الصناعي على الطاقة إلى مستوياته التاريخية في الأشهر الأخيرة من عام 2024، بحسب لوري ميليفيرتا من "مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف". على الرغم من ذلك، ومع استعداد الحكومة للكشف عن حزمة تحفيز مالي في وقت لاحق من هذا العام، ومع احتمالية التصدي لزيادة الرسوم الجمركية من الولايات المتحدة، تظل هناك الكثير من الشكوك حول مسار الاقتصاد ورحلة الصين نحو خفض الانبعاثات.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.