تتضمن الخطة، أي خطة، عنصرين رئيسيين وهما: هدف ووسيلة، وكثيرًا ما تفشل الخطط إما لأن الهدف الذي تم تحقيقه ليس واقعيًا ولا يمكن الوصول إليه بالإمكانيات والوسائل المتاحة وفي ظل الظروف والقيود من جهة، أو يحدث الإخفاق بسبب عدم استخدام الوسائل الملائمة في الوصول للهدف الذي تم تحديده، وفي بعض الأحيان يكون الهدف غير واقعي من جهة، ووسائل تحقيقه أيضًا خاطئة بما يزيد من كلفة الفشل.
وفي سوق الأسهم يبدأ الإخفاق بالعجز عن تحديد هدف واقعي للمتداول، حيث يسعى كثير من المتداولين إلى تنمية رؤوس أموالهم بنسب كبيرة وغير واقعية في فترة زمنية قصيرة، بينما يضع آخرون هدفًا آخر بعدم الخسارة هو أيضًا هدف سيئ، بينما يخطئ كثيرون في اختيار الوسائل الملائمة لتحقيق هدفهم، وأهم تلك الوسائل المعارف الاقتصادية والمالية اللازمة لتقييم الشركات بشكل صحيح.
تقلبات "نيفيديا" وأخطاء المتداولين وأفكارهم
ولعل ما حدث مع سهم إنفيديا يعد اليوم الأسوأ لشركة في التاريخ، أو يوم الاثنين 27 يناير 2025 والأيام التالية يوضح بشدة كيف تتصرف السوق بشكل يفتقر للرشادة ويرتكب أخطاءً كبيرة، حيث فقدت الشركة قرابة 600 مليار دولار من قيمتها السوقية، بانخفاض حوالي 17% وسط المخاوف المتعلقة بنموذج "ديب سيك" الصيني واحتمال تقديم نماذج ذكاء اصطناعي بتكلفة أرخص كثيرًا.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
في اليوم التالي حدث ما تم وصفه بـ"تصحيح السوق" بعد الانخفاض الحاد باستعادة الشركة لقرابة 150 مليار دولار من قيمتها السوقية، وهذا لانطباق عدد من الاعتقادات التي تقود السوق أحيانا للارتفاع بشكل غير مبرر بعد انخفاضه، وعلى رأسها:
-السهم أصبح جاذبًا بعد فقدان نسبة كبيرة من قيمته أو أن السهم الأرخص أشد جذبًا: ما الذي تغير بعد المخاوف التي أثارها "ديب سيك" حتى يعاود السهم ارتفاعه بعد يوم واحد فحسب، لم يشهد أي تغيرات ذات قيمة؟
- بعض البيانات والمعلومات غير ذات المصداقية: ادعى بعض العاملين في الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة وبعض المسؤولين التنفيذيين في الشركات أن بيانات "ديب سيك" حول التكلفة المنخفضة للتدريب (6 ملايين دولار مقابل أكثر من 16 ضعفا في النماذج الأمريكية) بيانات غير صحيحة تهدف للتأثير على السوق، على الرغم من أن هذه التقديرات من قبل أطراف صاحبة مصلحة في الموضوع وليست محايدة.
- بعض الجمل التي تقال على شاكلة: "أنه ليس بوسع الأمور أن تصبح أسوأ"، "علينا الشراء للاستفادة من خسائر الأخرى"، و"الشراء في القاع فرصة" (الأمر صحيح بشكل عام شريطة ألا يكون قاعًا مبررًا بسبب ظهور بيانات جديدة تبرز تقييما مبالغا فيه للأسهم).
واستأنف السهم هبوطه بعد يوم واحد شهد ارتفاعا لـ3 أيام على التوالي، ليؤكد أن الارتفاع الذي حدث كان عارضًا و"غير مبرر" حيث هبط من مستوى 129 دولاراً إلى مستوى 120 دولاراً، ليتأكد أن الصعود لم يكن إلا بسبب عمليات المضاربة والأسباب المذكورة سابقًا والتي لا ينبغي أن تؤدي لارتفاع سعره لأنها أسباب غير حقيقية وغير منطقية، وبالتالي عادت القيمة السوقية للشركة لتصبح تحت 3 تريليونات دولار بعد أن تخطت 3.5 ترتليون دولار قبل التراجع الحاد.
معلومات جديدة و"انبهار" وطمع
وهنا يجب الانتباه إلى تحريك الخوف للكثير من المتداولين، فظهور معلومة حول شركة جديدة تعمل بتكلفة أقل كثيرًا وتقدم نفس النتائج أمر يسترعي إعادة تقييم كافة شركات الذكاء الاصطناعي، وتلك المصنعة لرقائقها، ولكن هل تم التقييم بالفعل وانتهى بالفعل بعد ساعات من ظهور "ديب سيك"، وغيره من التطبيقات الصينية للعلن، أم أن الخوف كان المحرك في الهبوط، ثم الطمع في الارتفاع؟
فمن بين أهم عوامل الإخفاق أن 60% من المتداولين يتورطون بشدة في "استخدام" مشاعرهم في التداول ويبيعون ويحتفظون بالأسهم بناء على ما يشعرون به وليس بناء على التحليل المنطقي للوضع، وبالتالي كان "الانبهار" المصاحب لنماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، وخاصة التي قدمها "شات جي بي تي" أمرا مؤثرًا على قدرات الكثيرين على الحكم على الأمور بشكل راجح فضلًا عن "الطمع" التقليدي في السوق.
ولذلك يقول الكثير من قدامى المتداولين إنه مهما يكن الاتجاه الذي ستسلكه أسهم الذكاء الاصطناعي مستقبلًا فإنه يبقى رهانًا "في الضباب"، حيث العديد من العوامل غير واضحة من حجم نمو القطاع بشكل عام مستقبلًا ومستقبل العوائد في مواجهة التكلفة، وشكل المنافسة عبر الحدود، وتأثير قيود التصدير والصدامات الأمريكية الصينية على القطاع.
يعكس هذا أن القطاع يشهد من الأسئلة أكثر مما يحمل من الأجوبة، وعلى الرغم من ذلك يشهد إقبالا كبيرا على شراء أسهمه، وذلك في الحقيقة أحد أهم الأخطاء التي يرتكبها المتداولون في سوق الأسهم وهو الاعتقاد بأن هدفهم هو تحقيق الربح السريع، فالارتفاع المتصل لسهم ما يغري هؤلاء الساعين لمضاعفة رأس المال سريعًا لشرائه بما يدعم المنحنى الصاعد للسهم بشكل كبير حتى تتكشف حقائق أساسية تؤدي لانهياره.
الأهداف غير المنطقية وتجاهل المؤشرات
قرابة 70% من المتداولين في سوق الأسهم يضعون أهدافًا غير واقعية من حيث نسبة تنمية رأس المال التي يريدون تحقيقها، ويصل الأمر إلى اعتقاد البعض أنه يمكنهم تحقيق نسبة 100% من رأس المال في أقل من عام، وهو ما نسبته 15-20% من مقتحمي سوق الأسهم الجدد، وهذا بناء على "قصص" غير واقعية سمعوها للنجاح في سوق الأسهم، أو على استثناءات قليلة للغاية لخبراء محدودين في المضاربة والبيع على المكشوف مثل مايكل باري.
ويقول "باتريك ماكجينيز" الخبير في "مونيتا جروب" للاستثمار إن أحد أكبر الأخطاء التي يرتكبها العديد من المستثمرين هو الاعتقاد في إمكانية تحقيق الثروات من خلال التحليل الفني فحسب، مضيفا أنه منذ أكثر من قرن من الزمان برزت أسماء عدة على صعيد تحقيق الثروات من سوق الأسهم، وفي بادئ الأمر حقق كثيرون أرباحًا قائمة على "الذكاء الفطري" واستقراء اتجاه سوق الأسهم، ولكنّ أحدًا من الأسماء الأكثر تحقيقًا للنجاح في سوق الأسهم خلال الخمسين عامًا الماضية على الأقل لم يعتمد على المضاربة.
ومن الأخطاء الاستراتيجية للمتداولين أيضًا إما النظر إلى مؤشر واحد بوصفه الدافع إلى الشراء أو الإحجام عنه أو الاحتفاظ به وغالبًا ما يكون هذا المؤشر هو مضاعف الربحية، مع ملاحظة أنه في حالة مثل "إنفيديا" فإن الشركة أنهت أسبوع خسائرها في نهاية يناير بمضاعف ربحية أكبر من 47، بينما يرى كثيرون أن هذا مضاعف كبير للغاية ويكاد يبلغ ضعف قيمته المنطقية، أي أن البعض يتجاهلون هذا المؤشر أيضًا في استثماراتهم وفي كلتا الحالتين يكون الأمر ضارا بالمستثمر.
ولأن الطباع البشرية تميل إلى التفسيرات الأبسط، وكثيرًا ما ترغب في إلقاء اللوم على الآخرين في أي فشل، فإن سيادة نظرية المؤامرة في سوق الأسهم من أكثر الأشياء التي تؤذي المتداولين، حيث 80% منهم يلقون باللوم على إخفاقهم في السوق على عوامل خارجية، مثل كبار المتداولين وما يحوزونه من معلومات حصرية أو محللي الأسهم ووسطاء التداول، أو التغيرات الاقتصادية الكبيرة والجذرية.
"مرجعية" خاطئة
كما أن المرجعية التي يتحرك منها الكثير من المتداولين في حسابهم للربح والخسارة في سوق الأسهم تكون خاطئة، فإذا اشترى سهمًا مقابل 100 ريال، متوقعًا ارتفاعه بعد عام مثلا إلى 115 ريالًا، ولم يصعد هذا السهم إلا إلى 105 ريالات فقط فإن هذا يعني حسابيًا ربح 5% لكنه يعني خسارة خيارات أخرى قد تكون أعلى ربحية وتحقق نسبة 10% مثلا أو حتى 15% المرجوة.
فالنظر على أن المستثمر رابح في هذه الحالة منطقي من الناحية المحاسبية، لكنه مرفوض اقتصاديًا لأنه خسر "تكلفة الفرصة البديلة" أو السهم البديل، وفي هذا الإطار أيضًا يتم التعامل مع السعر الذي تم الشراء به كمرجعية أيضا من قبل أكثر من 80% من المتداولين، وهو ما يجعلهم يتعاملون مع أية أموال يربحونها من شراء هذا السهم على أنها "أموال السوق" التي لا تؤلمهم خسارتها بنفس درجة تألمهم من خسارة أموالهم التي بدأوا بها الاستثمار، وهو منطق خاطئ للغاية ويؤدي لإطالة الاحتفاظ بالأسهم أحيانا، أو بيعها بشكل مبكر للخروج بأية مكاسب سريعة أحيانًا أخرى.
وفي هذا الإطار تشير الدراسات إلى أن أكثر من 70% من المتعاملين في سوق الأسهم ينظرون إليها بوصفها "لعبة صفرية"، بمعنى أنه يستمر في "المغامرة" بأمواله رغم تعدد المؤشرات على الخسارة، وذلك لأنه لا يرى "مخرجًا إلا بارتداد السهم الذي يمسك به صاعدًا".
وعلى الرغم من أن كافة تلك الأخطاء السابقة يمكن وصفها بأنها "قديمة- جديدة" إلا أن المتداولين يقعون فيها باستمرار، والسبب الرئيسي هو أن قرابة 98% من المنخرطين في سوق الأسهم ليس لديهم معرفة تماما بأساسيات السوق والاقتصاد أو لديهم معرفة جزئية غير كافية، بما يجعل النسبة الكاسحة من المتداولين عرضة بشكل أكبر للمشاعر التي يثيرها التداول من خوف وطمع، وبالتالي يخطئون ويتصرفون بشكل جمعي.
المصادر: أرقام- تشارلز شواب- بيهيفريال إيكونميكس- نيويورك تايمز- إنك
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}