- منذ أن عُرض فيلم "يوم عطلة فيريس بيولر" عام 1986، بات السؤال الذي طرحه أحد المعلمين في هذا العمل الكوميدي الشهير لا يفارق أذهاننا: "هل نجحت التعريفات الجمركية؟".
- وبعد أن أضاف المعلم إجابته المؤلمة "لم تنجح، بل زجّت الولايات المتحدة في أتون الكساد الأعظم"، بدا أن النفور من التعريفات الجمركية قد غُرس في الوعي الأمريكي منذ عقود.
- فقد كان فيلم "فيريس بيولر" بمثابة مرآة لجيل ما بعد الحرب العالمية الثانية، الذي نشأ في كنف التجارة العالمية والعولمة، حيث بدا أن التعريفات الجمركية تشكل تهديدًا لهذه الطفرة الاقتصادية.
- وفي الواقع، شهدت الولايات المتحدة في الفترة الممتدة بين عامي 1934 و2007، انخفاضًا ملحوظًا في متوسط معدلات التعريفات الجمركية، من 18.4% إلى أقل من 2%.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
- ومع ذلك، شهدت الأعوام الأخيرة تحولًا لافتًا، إذ أعادت الولايات المتحدة تبني سياسات فرض التعريفات الجمركية على السلع الواردة من الصين وكندا والمكسيك، معلنة أن ذلك يأتي في سياق مكافحة الهجرة غير الشرعية وتجارة المخدرات.
- لكن هذا التوجه الحديث لا يعدو كونه جزءًا من تاريخ طويل لتجربة مريرة، بدأت مع إعلان التعريفات الجمركية في الثلاثينيات من القرن الماضي، عندما كانت الحوافز السياسية تسعى لحماية الأسواق المحلية من السلع الرخيصة الأجنبية.
- أعلنت الولايات المتحدة مؤخرًا عن خطط لفرض تعريفات جمركية جديدة واسعة النطاق على سلع من كندا والمكسيك والصين، بزعم وقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين والمخدرات (مع العلم أن كلاً من كندا والمكسيك قد حصلتا لاحقًا على إعفاء لمدة 30 يومًا).
- تجدر الإشارة إلى أن التعريفات الجمركية الأمريكية قد انخفضت في العقود الأخيرة، باستثناء فترة الولاية الأولى للرئيس ترامب.
- لطالما كانت هذه الضرائب على الواردات الأجنبية مغرية للقادة السياسيين الذين يسعون إلى حماية الأسواق المحلية من السلع المستوردة بأسعار زهيدة، وفي الوقت نفسه دعم الصناعة المحلية والعاملين فيها.
- ومع ذلك، يرى الخبراء أنها غالبًا ما تؤدي إلى اندلاع حروب تجارية بين الدول؛ فالدول الأخرى ترد بالمثل، وتنتقل التكاليف في النهاية إلى المستهلكين، مما قد يؤدي إلى زيادة التضخم، وهو ما يقلق خبراء الاقتصاد.
آلية عمل التعريفات الجمركية
- هذه هي الطريقة التي تعمل بها التعريفات الجمركية عادةً: قد تقرر دولة ما أنها تريد استهداف، على سبيل المثال، الأغنام المستوردة من بلد معين.
- حينها، لا يزال بإمكان الشركات العاملة في الدولة استيراد الأغنام من ذلك البلد، ولكن يتعين عليها دفع تعريفة محددة عن كل رأس من الأغنام لحكومتها.
- من الناحية النظرية، تصبح هذه الأغنام الأجنبية أكثر تكلفة وأقل جاذبية من الأغنام المحلية.
- ولكن، عمليًا، يؤدي الطلب المتزايد على الأغنام المحلية بأسعار معقولة نسبيًا إلى ارتفاع الأسعار بشكل عام.
- وعندما يستجيب البلد المصدر في النهاية بفرض تعريفات جمركية خاصة به، تصبح الأمور أكثر تعقيدًا.
- بالنسبة للمهتمين بالاقتصاد العالمي، فإن التعريفات الجمركية المفرطة تهدد بحدوث انقسام في الاقتصاد العالمي، مما يعني تقليل حجم التبادل التجاري، وبالتالي تقليل الفوائد الملموسة التي يجنيها الجميع في نهاية المطاف.
- ويتوقع كبار خبراء الاقتصاد عامًا "شديد التعقيد" من التعريفات الجمركية والتوترات التجارية. نحن الآن على مفترق طرق في الاقتصاد العالمي.
متى تكون التعريفة الجمركية أداة اقتصادية جيدة؟
- حتى في أوج ازدهار التجارة العالمية، كانت التعريفات الجمركية جزءًا لا يتجزأ من الواقع الاقتصادي.
- ففي عام 2008، عندما بلغت صادرات السلع ذروتها بنسبة 25% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي قبل الأزمة المالية، رفعت الولايات المتحدة شكوى بشأن التعريفات الجمركية الأوروبية على شاشات الحاسوب والطابعات، والتي بلغت 14%.
- أبقى جو بايدن، الذي خلف ترامب في الرئاسة عام 2020، على العديد من التعريفات الجمركية التي فرضها سلفه في ولايته الأولى.
- بل إن البعض اعتبر التعريفات الجمركية التي فرضها بايدن نفسه على السيارات الكهربائية والألواح الشمسية وسيلة معقولة لتحفيز جهود التكنولوجيا الخضراء في الولايات المتحدة.
- وكما ورد في أحدث تقرير لكبار الاقتصاديين في المنتدى الاقتصادي العالمي، عندما تُغذّي التعريفات الجمركية هذه "الديناميكيات الحربية التجارية"، فإنها قد تُثير مخاوف بشأن الأضرار الأوسع التي قد تُلحق بالتجارة العالمية، والمنافع التي عادةً ما تُحققها.
- فخلال الولاية الأولى لترامب، صعّدت إدارته التوترات التجارية مع الصين من خلال فرض تعريفات جمركية عقابية.
- وارتفع متوسط معدل التعريفات الجمركية على السلع القادمة إلى الولايات المتحدة من 1.7% في عام 2017 إلى 13.8% في عام 2019.
- وقّعت الدولتان اتفاقية تجارية في عام 2020، والتي اعتُبرت انتصاراً في الولايات المتحدة، رغم التشكيك في فوائدها الفعلية.
- ووفقاً لأحد التحليلات، فإن الجزء الأكبر من العائدات التي جُمعت من خلال التعريفات الجمركية على الصين خلال تلك الفترة استُخدم لمساعدة المزارعين الأمريكيين الذين كانوا يُكافحون آثار كلٍ من الحرب التجارية والجائحة العالمية.
- اليوم، يتجه التركيز أيضاً نحو الدول التي تُعد شركاء تجاريين مقربين للولايات المتحدة. فعلى الرغم من الموافقة على تعليق لمدة 30 يوماً قبل تطبيق تعريفات جمركية جديدة بنسبة 25% على السلع القادمة من كندا والمكسيك، أشار البيت الأبيض إلى أنه يعتزم المضي قدماً في ذلك.
- يُذكر أن الولايات المتحدة هي وجهة التصدير لـ 77% من السلع الكندية المتداولة، ولا تمثل أي دولة أخرى أكثر من 5%.
- ورداً على ذلك، أعلنت كندا عن فرض تعريفات جمركية انتقامية بنسبة 25% على مجموعة واسعة من المنتجات الأمريكية، وتعهدت المكسيك بالمثل.
- في غضون ذلك، تُخطط الصين لاتخاذ إجراءات مضادة في ضوء التعريفات الجمركية البالغة 10% المفروضة على بضائعها، والتي دخلت حيّز التنفيذ الآن.
- في النهاية، يطرح الاقتصاد العالمي اليوم سؤالًا محوريًا: هل تأتي هذه السياسات التجارية بحلول حقيقية، أم أنها مجرد "سيف ذو حدين" يهدد بتقسيم الاقتصاد العالمي وتقليص فوائد التبادل التجاري بين الدول؟
- الواقع أن التعريفات الجمركية، رغم ما يبدو من أهداف نبيلة لحماية الصناعة المحلية، قد تتحول إلى أداة تهدد بتقسيم الاقتصاد العالمي وتعريضه لأزمات جديدة.
- في عالم يتزايد فيه الترابط التجاري بين الدول، يبدو أن العالم في مفترق طرق، حيث تُشكّل هذه السياسات تحديًا للتجارة الحرة والتعاون الدولي.
- وبينما يتباين الرأي حول فاعليتها، فإنه يتعين على الحكومات أن توازن بين مصالحها المحلية والمخاطر العالمية التي قد تنشأ من فرض مزيد من التعريفات الجمركية.
- لقد تعلمنا من التجارب السابقة أن النجاح في هذا المجال ليس مجرد محاكاة لسياسات الماضي، بل هو سعي حذر ومدروس في اتجاه توازن عالمي جديد.
المصدر: المنتدى الاقتصادي العالمي
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}