نبض أرقام
04:35 م
توقيت مكة المكرمة

2025/02/22
2025/02/21

تنمو وتتجنب المخاطر .. كيف تبني محفظة استثمارية مثالية؟

2025/02/21 أرقام - خاص

"الأزمة الحقيقية التي يعانيها الكثير من المستثمرين هي نظرهم إلى شق واحد فقط من المعادلة، فهم إما يرون الأرباح المرجوة، ويقللون هنا من المخاطر التي تكتنف تلك الاستثمارات، ويسعون إلى تعظيم الربحية رغمًا عن المخاطر، أو يخشون المخاطر المتعلقة بالاستثمار، ويرغبون في تجنبها، ولا يحصلون على العوائد المنتظرة من وراء الاستثمار بسبب الرغبة في تجنب الخسارة".

 

هذا ما يؤكده الخبير الاستثماري "جيف تساي" الذي يشير إلى أن تشكيل المحفظة الاستثمارية أمر شديد الصعوبة في ظل ضرورة المواءمة بين هدفي النمو والحد من المخاطر، بينما تتنوع الأصول التي يمكن وضع رأس المال بها بين الأسهم والسندات والعقارات والسلع والمعادن النفيسة أو حتى الاحتفاظ بالأموال في صيغتها السائلة (الكاش) لفترة من الوقت.

 

 

الأسهم والمتابعة المكثفة

 

وبين الأصول السابقة تتنوع المحافظ الاستثمارية، بين أكثرها مخاطرة وسعيًا للأرباح في الوقت نفسه، وبين أقلها مخاطرة وأدناها تحقيقًا للأرباح، بين أكثر مخاطرة وهو الأسهم، وأقلها وهو العقار.

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

فالمؤكد أن الاستثمار في الأسهم يحتاج إلى درجة عالية من التنبه إلى المتغيرات المختلفة، ومن ذلك ما قام به المستثمر الشهير "وارين بافيت" مؤخرًا ببيع الأسهم التي يمتلكها في شركات الرعاية الصحية في الولايات المتحدة، ولم يعلن "بافيت" السبب وراء ذلك ولكن يمكن ترجيح أن تكون الأجندة التي تتبناها الحكومة الأمريكية بشأن الإنفاق الحكومي وتقليصه هو السبب وراء ذلك.

 

فوزارة الكفاءة الحكومية، التي يديرها "إيلون ماسك"، تعمل على تقليص تريليون إلى تريليوني دولار من أصل 7 تريليونات دولار تنفقهم الحكومة الأمريكية، وهو الأمر الذي سيؤثر على الإنفاق العام في الولايات المتحدة لا سيما على مجالات رئيسية مثل الرعاية الصحية ويجعل الاستثمار فيها وتوسعها في المستقبل القريب مستبعدًا بل ستتجه الإيرادات فيما يبدو للتراجع وبالتالي حجم الأعمال والأرباح وتبدو مجالًا يجب البعد عنه مستقبلًا.

 

و"بافيت" يعتبر بدرجة ما من المستثمرين "المغامرين" حيث تتكون محفظته الاستثمارية من 90% أسهم، و10% سندات، كما أن غالبية الأسهم التي يمتلكها هي أسهم "نمو" أي أنها أسهم يراها مقيمة بأقل من قيمتها الحقيقية أو تملك الشركة فرصة للتوسع السريع في الحصة السوقية لها، بما يجعل سعر السهم مؤهلًا للارتفاع في المستقبل، ومع حضور خجول للغاية للعقارات والذهب في محفظة "بافيت" الاستثمارية يتأكد طابعها المغامر نسبيًا.

 

الأسهم أم العقارات

 

وبشكل عام فإن 84% من المستثمرين يميلون إلى الأسهم عالية المخاطرة، أي الاستثمار في أسهم النمو وليس أسهم الأرباح  بما يجعل هذا النوع من الاستثمار بالنسبة لهم أكثر مخاطرة أشكال الاستثمار الأخرى مثل السندات أو العقارات أو السلع أو المعادن النفسية.

 

 

ولذلك فإن محفظة الأسهم تحتاج درجة عالية من اليقظه للمتغيرات الرئيسية، حتى لو كانت أسهمًا يتم شراؤها لفترات طويلة نسبية، حيث إن متغيرات أساسية مثل تلك من شأنها إعادة تشكيل السوق بالكامل مما يجعل على المستثمر إعادة توجيه استثماراته بشكل يفوق، بينما لا تحتاج السندات إلى متابعة مكثفة، وتتغير أسعار العقار بوتيرة بطيئة وغالبًا ما يتأثر إيجابًا ببعض الأزمات الاقتصادية التي تجعله ملجأ آمنا للاستثمار ومخزنا مفضلا للقيمة.

 

وما تكشفه البيانات أن المستوى العام للمساكن والعقارات في الولايات المتحدة انخفض عن مستوياته المتوسطة بنسبة 12.8% عن قمته التي بلغها بداية الأزمة في 2007 وحتى ديسمبر 2008، والتي أطلقتها  بالأساس أزمة عقارية، بينما انخفضت الأسهم بنسبة تفوق 20% في الفترة الزمنية نفسها، وبينما بدأت العقارات في الارتفاع بعد هذا التاريخ واصلت الأسهم الانخفاض حتى فقد مؤشر "داو جونز" 46% من قيمته القصوى قبل بداية الأزمة.

 

هذا في حالة الأزمة المالية العالمية التي انطلقت بالأساس بسبب  العقارات، أما في أزمة مثل كورونا فقد تراجعت مؤشرات الأسهم الأمريكية بنسبة متوسطة 12.8% في سوق تصحيحية حادة، بينما في العقارات فقد جاء التأثير متباينًا بين العقارات التجارية التي انخفضت قيمتها بنسبة وصلت إلى 10%  بسبب انخفاض الطلب عليها وبين قطاع السكن العائلي الذي نما بنسبة 7% بسبب ازدياد الطلب في المقابل.

 

وبعيدًا عن الأزمة المالية العالمية، والأزمة اليابانية في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، والتي شهدت اضطراباً استثنائياً في العقار، فإن حركة الأسهم السعرية تبلغ في المتوسط 7-14 ضعف الحركة السعرية للعقارات في الولايات المتحدة، بما في ذلك توقعات نمو سوق الأسهم بنسبة 14.8% في عام 2025 بينما لا تتجاوز نسبة التوقعات في السوق العقاري 2.04% وفقًا لتقديرات "ديلويت".

 

ومع الهدوء الكبير في تحركات سعر العقار، قياسًا بالأسهم، يظهر الأول كبديل استثماري أكثر أمنًا من الأسهم في محفظة أكثر تحفظًا، ولكن مع ملحوظة النمو الأضعف من جهة، والعيب الأهم الشهير للعقار وهو صعوبة تسييل قيمته والإجراءات المتعلقة به.

 

منطقة الراحة

 

وبغض النظر عن العوامل السابقة تشير الإحصائيات إلى أن المستثمر الصغير العاجز عن التحليل غالبًا ما يتحرك إلى ما يعرف بـ"منطقة الراحة"، حيث يفيد 90% من المستثمرين بأنهم يلجأون للاستثمار في أسهم يعرفونها بالفعل، أو يلجأون للعقار أو الذهب أو غيره إذا كان هذا هو ما "يعتقدون" أنهم يفهمون فيه ولديهم من المعارف ما يعينهم على الاستثمار به.

 

 

والأزمة الحقيقية في تشكيل المحفظة الاستثمارية بهذا الشكل هو ما تكشفه الدراسات أن 87% من المستثمرين بشكل عام ليس لديهم معرفة كافية بشكل الاستثمار الذي يقبلون عليه، بما يشير إلى أنه أيا كان المجال الذي يوجه إليه المستثمر رأس ماله فقد يكون بحاجة لمزيد من الدراسة حتى يستطيع توجيه رأسماله إليه بشكل صحيح ومدروس وليس بناء على حدس المستثمر أو رغبته.

 

ويجب الانتباه هنا إلى بعض المستثمرين الذين يركزون على شراء الذهب والمعادن الثمينة بشكل عام فحسب، فهناك جملة تضيفها كافة الوكالات الاقتصادية الدولية والتقارير الإخبارية عن الذهب "وهو لا يدر عائدًا" للإشارة إلى أنه ليس شكلاً من أشكال الاستثمار ولكنه مخزن للقيمة لا سيما في الأوقات التي تشهد تدهورًا في قيمة عملة دولة أو في ظل الكساد مع ارتفاع متوقع لقيمته.

 

والشاهد أن توجيه رأس المال كله في أي أصل من الأصول السابقة، يعد خسارة لمزايا الأصول الأخرى، حيث يشير المتداول والمستثمر الشهير الراحل "جيسي ليفرمور" إلى أن تنويع الأصول هام للغاية، بل إن التنويع داخل الأصل الواحد ضروري، فالشراء يجب أن يتنوع بين العقارات التجارية والسكنية، وبين أسهم عالية المخاطرة ومنخفضة المخاطرة وبين سلع التداول السريع الرخيصة وبين السلع الثمينة.

 

الأهداف والمرونة

 

وبشكل عام فإن تركيبة المحفظة يجب أن تخضع لأهداف المستثمر، هناك البعض يفضلون الدخل المنتظم مع مخاطرة قليلة أو حتى منعدمة، فيكون التركيز هنا على العقارات التي يمكن تأجيرها، وأسهم توزيع الأرباح، وغالبًا ما تتركز تلك الشركات في القطاعات الاقتصادية المستقرة، مثل الطاقة أو البنية التحتية أو الزراعة، فضلا عن السندات، وغالبًا ما يتم تقسيم تلك المحفظة إلى 50% و30% و20% وفقًا لحجم رأس المال، فضلًا عن الرغبة في الاحتفاظ بقدر كبير من السيولة من عدمه.

 

وعلى سبيل المثال فإن "راي داليو" يتبنى محفظة استثمارية متحفظة للغاية قياسًا بـ"بافيت" حيث 30% منها فقط أسهم، و40% سندات طويلة المدى، و15% سندات قصيرة المدى، و7.5% سلع متنوعة و7.5% ذهب، وهذا يرجع إلى هدفه في الحفاظ على رأس المال وتنميته بوتيرة بطيئة ولكن مستمرة بطبيعة دوره كمدير لصندوق تحوط يضع الأمان كهدف قبل النمو بدرجة ما.

 

 

والشاهد أن "بافيت" الذي باع أسهمًا اشترى في المقابل سندات، مما يعد اقتراباً من منطق "داليو" المتحفظ في الاستثمار في هذه الفترة، وبشكل أو بآخر لديه توقعات متشائمة حول مستقبل سوق الأسهم الأمريكية بشكل عام، إلا أن الأمر الأهم هنا هو درجة المرونة في توجيه الأصول في محفظة "بافيت" الاستثمارية والتي لا تبقيه ثابتًا بين نسب معينة لتوزيع الأصول مع تطورات الوضع الاقتصادي العام.

 

وهناك محفظة النمو وبها تزيد نسبة الأسهم إلى 50-60% من رأس المال مع توزيع الباقي على العقارات والسلع الثمينة مثلا، وهناك أخرى تركز على الدخل من خلال شراء أسهم توزيع أرباح وعقارات تجارية وسندات.

 

ومما سبق يتأكد أنه لا وجود لما يعرف بالمحفظة الاستثمارية المثالية، بل إن الأمر مقترن برغبة المستثمر في درجة الموازنة بين المخاطرة وتحقيق الربح من جهة، وتلافي المخاطر من جهة أخرى، ولكن المؤكد أن التنوع بين أنواع الأصول مطلوب للغاية تحسبًا لأي طارئ يصيب نوعا من الأصول بشكل خارج عن إرادة وتحكم المستثمر، مع ضرورة أن يعمل المستثمر على الإلمام بأسس الاستثمار في كل أصل من الأصول.

 

المصادر: أرقام- فوربس- واشنطن بوست- ديلويت- الإيكونوميست

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.