نبض أرقام
01:59 ص
توقيت مكة المكرمة

2025/03/01
2025/02/28

في النفط يثقون

2025/02/28 أرقام
إسلام زوين

إسلام زوين


إسلام زوين

 

أقبلتْ شركات عديدة على التعهّد علانيةً بالتحوّل إلى الطاقة المتجددة وخفض انبعاثات الكربون، غير أنّ الاستثمارات الفعلية في الأسواق المالية تشير إلى أن الوقود الأحفوري لا يزال يشهد إقبالا- ما دامت الكلمة العليا للأرباح!

 

ولنأخذ مثالاً على ذلك، شركة بريتيش بتروليوم؛ حيث يتضح من التقارير المالية الأخيرة للشركة عدم حماسة المستثمرين من حمَلة الأسهم تجاه الاستراتيجية الجديدة طويلة المدى للطاقة النظيفة، والتي تم اعتمادها في فبراير/شباط 2020. وقد اشتملت هذه الاستراتيجية على استثمارات ضخمة في مصادر الطاقة المتجددة على حساب مشروعات النفط والغاز.

 

 ومنذ اعتمادها هذه الاستراتيجية، انخفضتْ أسهُم بريتيش بتروليوم بنحو 4%، فيما ارتفعت في المقابل أسهُم شركات النفط الكبرى المنافسة التي تمسّكت بمشروعات الوقود الأحفوري، بنسبة تتراوح بين 35% إلى 80%، وفقاً لبيانات قامت بجمْعها وكالة ستاندرد آند بورز جلوبال للتصنيفات الائتمانية، ونشرتها وكالة بلومبرج للأنباء.

 

وبالفعل، أعلن الرئيس التنفيذي، موراي أوشينكلوس، تراجعه عن استراتيجية تقليص إنتاج النفط والغاز وخفض الاستثمارات في مجال الطاقة منخفضة الكربون، في بيان توقعه الكثيرون في 26 فبراير، مقرا بأن تلك الخطط كانت متسرعة مدفوعة بطموح جارف!

 

كما ستزيد الشركة البريطانية من استثماراتها في النفط والغاز إلى حوالي 10 مليارات دولار سنوياً، بهدف زيادة الإنتاج إلى 2.3 مليون إلى 2.5 مليون برميل من المكافئ النفطي يومياً بحلول عام 2030.

 

وتستطيع الاستثمارات في الوقود الأحفوري، على ما يبدو، أن تُدرّ مكاسب فورية، ما يجعلها جذابة للمستثمرين رغم الإقرار المتنامي والعلني بالمخاطر المناخية.

 

وعادة ما تكافئ الأسواق المالية تلك الشركات التي تحقق مكاسب رُبع سنوية قوية. وفي ظل ذلك، ارتفعت وبشكل كبير القيمة السوقية لشركات النفط العملاقة المنافِسة لـ بريتيش بتروليوم، والتي لم تتبنَّ استراتيجية تحول نحو الطاقة المتجددة. فعلى سبيل المثال، إكسون موبيل (474 مليار دولار)، شيفرون (265.7 مليار دولار) وتوتال إنرجيز (132.9 مليار دولار). وبسبب الأرباح القوية، جذبت أسهُم هذه الشركات الثلاث العملاقة المستثمرين.

 

هذا الارتفاع في القيمة السوقية لتلك الشركات المنافِسة على مدار العقد الماضي، يقابله انخفاض كبير في قيمة شركة بريتيش بتروليوم السوقية، لتهبط إلى حوالي 81 مليار دولار قبل الإعلان الأخير.

 

وأستطيع أن أفسّر ذلك بأن الكثير من المستثمرين يتجنّبون المجازفة مُفضّلين استثمار أموالهم في صناعات ومشروعات ذات سِجِلّ حافل بالأرباح. ولطالما كان الوقود الأحفوري مصدراً مستقراً للربح، بينما في المقابل، يمكن النظر إلى الاستثمار في تقنيات الطاقة المتجددة باعتباره أكثر تقلُّبا، مثله مثل الاستثمار في أسهم شركات التقنية، والتي هوت بوتيرة متسارعة في يوليو الماضي.

 

أضف إلى ذلك، المخاوف من التبعات الاقتصادية الأوسع نطاقاً ومن المنظور الكلي، والمترتبة على التحوّل إلى الاقتصاد منخفض الكربون. ومن هذه التبعات: خسائر الوظائف في قطاعات الوقود الأحفوري، فضلاً عن التغيّرات في أسعار النفط والغاز.

 

ومن شأن هذه التغيرات أن توجِد حالة من عدم اليقين في الأسواق، ومن ثم التأثير في ثقة المستثمرين، الذين يتجنبون بدورهم المجازفة، والاحتفاظ برأس مالهم في أسهم شركات الطاقة التقليدية.  

 

 وعادة ما يكون لدى صناديق التحوّط وشركات الأسهم الخاصة أهداف استثمارية تركّز على الربح السريع، ما يمكن أن يقودها في اتجاه الاستثمار في الوقود الأحفوري الواعِد بتدفقات نقدية فورية، بدلاً من الاستثمارات طويلة المدى في مشروعات مستدامة قد تستغرق سنوات حتى تُدرّ أرباحا.

 

ومع ذلك، تجدُر الإشارة إلى أن استمرارية هذه الاستثمارات (في مجال الوقود الأحفوري) على المدى الطويل يمكن أن تُجابَه بضغوط سياسية متنامية، لا سيما على صعيد تنامي الدعوات إلى تبني سياسات ولوائح تنظيمية تدعم التحول التدريجي نحو تبني الاقتصاد غير النفطي، وهو ما سيترتب عليه زيادة في التكاليف التشغيلية في شركات الوقود الأحفوري، ما يقلّص بدوره أرباح هذه الشركات.

 

ولا تزال السياسة، كما كانت دوماً، صراعاً على المصالح ولكنه صراعٌ متنكّر في شكل سباق على المبادئ. ألم يتعهد دونالد ترامب بتسريع إصدار الموافقات التنظيمية للتنقيب عن النفط المحلي بمستويات "لم يرها أحد من قبل" على حد وصفه؟

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.