ارتفاع الأسعار-التضخم- لا يعد مؤشرا جيدا للمستهلكين في أي دولة، والنتائج المرتبة لا تتوقف فقط على مدى قدرة هؤلاء المستهلكين على المواءمة معها، لكن لها انعكاسات على الاقتصاد ككل وبصورة أكبر.
كذلك فإن انكماش الأسعار ليس جيدا أيضا للاقتصاد، حيث يبقى هناك فرق بين تباطؤ نمو الأسعار الذي يعد حالة مرغوبة من قبل المستهلك، وبين الانكماش الذي يؤثر سلباً على ديناميات الاقتصاد، لكن كيف يمكن تعريف كلتا الحالتين وما يرتبط بهما من مصطلحات؟
- التضخم
له عدة تعريفات تؤدي جميعها إلى نفس النتيجة منها: تآكل القوة الشرائية للنقود، وكذلك ارتفاع قيمة السلع والخدمات مما يعني ارتفاع تكلفة المعيشة، وفي هذه الحالة فإن مؤشر أسعار المستهلكين الذي يقيس معدلات التضخم تكون وظيفته الأساسية متابعة حركة الأسعار لتحديد مدى قدرة الشخص العادي على توفير الاحتياجات الأساسية لحياته.
ويمكن وضع توصيف أكثر بساطة للتضخم بأنه يعني الاحتياج لكمية كبيرة من النقود لشراء كمية من السلع كانت تبتاع بكمية أقل في وقت سابق، وأيضا أن ارتفاع التضخم يعني أن مؤشر أسعار المستهلكين يتحرك بمعدل نمو إلى أعلى على منحناه الموجب.
هل التضخم أنواع؟
قد يعني مفهوم ارتفاع الأسعار كتحديد لمعنى التضخم عدم قدرة البعض على التمييز الدقيق بين نوعين، أولهما تضخم الطلب، حيث تدفع الزيادة الكبيرة في الطلب على حسب المعروض من السلع الأسعار إلى الصعود، وما يعني أيضاً أن المعروض لا يمكنه إضافة مزيد من التوسع لمواجهة الطلب لأن جميع عوامل الإنتاج المؤثرة مفعّلة وموظفة بالكامل، وبالتالي فإن الطلب المتفاقم تسبب في حالة من التضخم في الأسعار.
هناك نوع آخر يعزى إلى ارتفاع تكلفة السلع المقدمة أو الخدمات لذا يسمى بتضخم الكلفة، حيث يتسبب في ارتفاع الأسعار في الأسواق وذلك نتيجة ارتفاع تكلفة مدخلات الإنتاج، فيما يوجد ثلاثة عوامل تؤثر في هذا النوع من التضخم هي: ارتفاع الأجور، زيادة ضرائب الشركات، بجانب التضخم المستورد بسبب ارتفاع تكلفة استيراد مواد خام أو نصف مصنعة تدخل في إنتاج السلع أو الخدمات.
- التضخم الحاد
حالة متطورة من التضخم تجعله في النهاية كمصطلح بلا معنى واضح ومحدد، حيث يتسارع صعود الأسعار بشكل عنيف، وتكون خارج نطاق السيطرة تماما، ويأتي عندما يرتفع المعروض من النقود كبير بشكل لا يتناسب مع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، ويحدث خلل في توازن العرض والطلب على النقود يدفع قيمتها إلى الهبوط الحاد.
يرتبط التضخم الحاد بالحروب إلى حد كبير نتيجة فقدان الثقة في حفاظ العملة على قيمتها والاقتصاد ككل، مما يرفع علاوات المخاطر المرتبطة بها، ولذلك يطلب مقدمو السلع والخدمات أسعاراً أعلى، فيما تبقى الحالة التي شهدتها ألمانيا إبان الحرب العالمية الأولى أشهر مثال على ذلك، وكذلك في يوغوسلافيا السابقة عام 1993، عندما كانت الأسعار ترتفع بحوالي 20% يومياً.
ما الركود التضخمي؟
يعد الركود أو توقف النمو النمو المصحوب بارتفاع معدل التضخم Stagflation من الحالات الضارة بالاقتصاد، حيث جرى اقترانه أو حتى تعريفه على كونه مصحوباً بارتفاع معدل البطالة وهي عائق دائما لحسابات واضعي السياسات لتداعياتها السلبية على الاقتصاد، خصوصا بسبب تضرر الإنفاق ودفع الطلب نحو التراجع.
توقف النمو أو بطئه الحاد مع ارتفاع الأسعار يعني ركودا تضخمياً، وهو ما شهدته الدول المتقدمة في منتصف سبعينيات القرن الماضي نتيجة الصعود الحاد لأسعار النفط، ما دفع التضخم نحو مستويات مرتفعة بعد إيقاف الدول العربية صادراتها النفطية للدول المعاونة لإسرائيل.
وتشير بعض الآراء إلى أن السياسي البريطاني "ايان ماكلويد" أول من صاغ المصطلح في كلمة أمام البرلمان عام 1965 بقوله: لدينا حاليا تضخم في جانب، وتوقف للنمو على الجانب الآخر، لذا فإننا نعاني ركودا تضخمياً.
هل يعد ارتفاع التضخم سلبياً على طول الخط؟
قد لا يؤثر التضخم بشكل لافت إذا كان في الاستطاعة التنبؤ به، لكن حال صعوبة توقعه وعدم وضع الخطط لمواجهته فإن ذلك يقلل من كفاءة الاقتصاد بسبب "صدمات الأسعار" التي تواجه المستهلكين.
وفي الوقت الذي تستهدف فيه سياسات الاقتصاد الكلي استقرار الأسعار في النهاية، فإن التضخم يظل في نظر بعض الاقتصاديين ظاهرة "نقدية" – وهو ما قد يخالفه أنصار الاقتصاد "الكنزي"- لذا فإن مراقبة عرض النقود عامل شديدة الأهمية وإن كان ليس سهلاً تطبيق ذلك دائما.
ولأن السياسة النقدية تستهدف في النهاية ضمان بقاء التضخم في منطقة الوسط أي لا ارتفاع أو انخفاض مؤثرين سلباً، ما يعني في النهاية تحديد "مستهدف" بعينه أو نطاق، وهو يعطي البنك المركزي مزيدا من الحرية في تحديد السياسة لدعم تحقيق ذلك، لكن ذلك يتطلب "شفافية" تعد حيوية وضرورية في صناعة القرار.
- حالة انكماش الأسعار
حالة الانكماش deflation التي تواجه الأسعار هي عكس "تضخمها" وهي تعني أن المستهلكين وكذلك الشركات تدفع أموالاً أقل مقابل السلع والخدمات، وهو ما يبدو جيداً في ظاهره، لكنه ليس كذلك لماذا؟
تراجع الأسعار هنا يعني أن قيمة مؤشر أسعار المستهلك دون الصفر، وهو يعكس تراجعا حادا في الطلب، وتراجعا في عرض النقود تماما كما حدث خلال الكساد العظيم في الولايات المتحدة في بداية ثلاثينيات القرن الماضي، حيث انكمشت الأسعار 25% مع هبوط الناتج الإجمالي المحلي 30%.
ويمكن أن تحدث حالة الانكماش نتيجة تراجع الإنفاق، أما فيما يخص الإنفاق الحكومي أو الشخصي وكذلك الإنفاق الاستثماري من قبل الشركات، وما يتبعه من آثار سلبية في ارتفاع معدل البطالة وضعف الاقتصاد.
ويرى بعض الاقتصاديين أن انكماش الأسعار- كما تشهد منطقة اليورو حاليا- قد يكون أشد أثرا من التضخم الحاد لأنه يتسبب في تشجيع المستهلكين على تأخير عمليات الشراء للسلع والخدمات بشكل مستمر مع تواصل تراجع الأسعار.
ليس هذا فحسب، فعلى الجانب الآخر يجبر الشركات على مزيد من خفض الأسعار، وهذا يعني الكثير من العقبات، حيث يتضخم العبء الحقيقي للدين وترتفع الفائدة الحقيقية، ومن ثم تكثر حالات الإفلاس، وتكون النتيجة الطبيعية انهيار المصارف.
هذا يجعل انكماش الأسعار أمرا مدمرا للاقتصادات التي لديها كمية متضخمة من ديون الشركات، والأخطر ما ينعكس على المصرف المركزي من جعل السياسة النقدية غير فعالة تقريبا، فمع فائدة اسمية لا يمكن دفعها دون الصفر، فإن الفائدة الحقيقية قد تصل لمستويات مرتفعة للغاية، وتتضخم أعباء الديون.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}