تفتقد المنطقة الشرقية حتى هذه اللحظة إلى انتشار ثقافة بناء الأبراج العالية، أو التي يطلق عليها ناطحات السحاب، فرغم كون الشرقية منطقة سياحية، يقصدها آلاف الزوار في الداخل والخارج، ورغم اقترابها من بلدان خليجية، انتشرت فيها ناطحات السحاب على نطاق واسع، كما هو الحال في قطر والإمارات والبحرين، إلا أن المنطقة بقيت على حالها، يمتد فيها العمران بشكل أفقي، باستثناء عدد قليل جدا من الأبراج التي تصل إلى 60 دورا تقع في مدينة الخبر، بجانب عدد لا بأس به من الأبراج المتواضعة في الارتفاع، التي لا تتجاوز 15 دورا، وتتركز في مناطق وشوارع بعينها، وفق مواصفات حددتها أمانة الشرقية.
وتتفاوت آراء وأسباب العقاريين والاقتصاديين في المنطقة، حول أسباب عدم وجود ناطحات سحاب، بينما تتواجد هذه الناطحات في مناطق المملكة الأخرى، مشيرين إلى أن الشرقية ليست في حاجة إلى ناطحات سحاب في الوقت الحالي، نظرا لطبيعة البناء في المنطقة، ملمحين إلى أن ثقافة الأبراج العالية لم تنتشر بعد في الشرقية، وقد يعتبرها بعض المستثمرين في القطاع العقاري مجازفة غير محسوبة إن هم أقدموا على بنائها، في الوقت نفسه لا يستبعدون أن تتزايد أعداد السكان في المنطقة في المستقبل، مما يشجع على بناء المئات من ناطحات السحاب لاستيعاب الزيادات السكنية المتوقعة بعد عقد أو عقدين من الزمان.
أسعار الأراضي عائق
ويفسر المحلل الاقتصادي وعضو مجلس الشورى السابق الدكتور إحسان بوحليقة أسباب عدم انتشار ناطحات السحاب في الشرقية بطبيعة أسعار الأراضي البيضاء في المنطقة.
ويقول: الداعي الوحيد لانتشار ثقافة الأبراج أو ناطحات السحاب في أي بلد، هو توفر الأراضي البيضاء، وتداولها بأسعار في متناول الغالبية، وهذان الأمران غير متوفران حتى هذه اللحظة في المنطقة الشرقية، التي تتمتع بوجود مساحات أراض كبيرة وشاسعة، تسمح بالامتداد والتوسع العمراني، وربما لهذا السبب هيمن أسلوب البناء الأفقي في المنطقة، وأسفر عن وجود أحياء جديدة، تتراوح فيها ارتفاعات المنازل والمنشآت بين ثلاثة وستة أدوار في الغالبية العظمى، وبالتالي لم تكن هناك حاجة أو ضرورة لبناء ناطحات سحاب.
وأضاف: رأيناها بكثرة في المنطقة المركزية لمكة المكرمة، التي هي على النقيض من المنطقة الشرقية، إذ تعاني من ندرة الأراضي البيضاء، وضيق المساحات وانتشار الجبال، لذا كان الحل فيها أسلوب البناء الرأسي، لتشييد أكبر عدد من الوحدات والمنازل والفنادق التي تستوعب سكان المنطقة وزوارها من الحجاج والمعتمرين.
وأوضح أن الأبراج التي ظهرت في المنطقة الشرقية، تركزت في مناطق وشوارع بعينها، فنجد هذه الأبراج في طريق الدمام ـ الخبر السريع، أو ما يعرف بطريق الكباري، الذي شهد بناء أبراج متوسطة الارتفاعات، ولم تصل إلى مستوى ناطحات السحاب، حيث رأى أصحاب هذه الأبراج أن هذه الارتفاعات مناسبة للمنطقة، وتحقق لهم القيمة الاقتصادية التي يطمحون إليها.
واستبعد بوحليقة وجود أي نوع من التباهي أو استعراض العضلات وراء بناء ناطحات السحاب، مبينا أن المستثمرين العقاريين الذين يقدمون على بناء أبراج أو ناطحات سحاب، ينظرون إلى الجدوى الاقتصادية والعائد المادي من وراء تشييد هذه الأبراج، وإذا لم يكن العائد مجزيا ومرضيا، لن يقدموا على هذه الخطوة أبدا، والتي تكلفهم مليارات الريالات، خاصة إذا كانت هذه الأبراج تحتوي على فنادق كبيرة، ومطاعم ومقاه وما إلى ذلك، مما يتطلب أن يقبل عليها العملاء، وهذا يتطلب دراسة جدوى ودراسات ميدانية مسبقة توصي ببناء هذه الأبراج من عدمه.
الشرقية ليست دبي
من جانبه، أرجع العقاري عادل المدالله عدم وجود ناطحات سحاب في المنطقة الشرقية إلى طبيعة المنطقة، وشبكة المواصلات فيها.
وقال: معروف أن ناطحات السحاب تبنى على أطراف المدن وعلى الشوارع الكبيرة الرئيسية، ويفضل بناؤها في مداخل المدن وعلى الطرق الدائرية المحورية الكبيرة، إذ لا يمكن أن تبنى داخل الأحياء، وإذا نظرنا إلى المنطقة الشرقية، نجد أنها تفتقد إلى الطرق الدائرية، وهذا لا يشجع على بناء الناطحات، التي تحتاج أيضا إلى شبكة كبيرة من الكباري والأنفاق، وهذا أيضا غير متوفر في المنطقة.
وأضاف: توجد في المنطقة الشرقية العديد من الأبراج، ويبلغ متوسط عدد أدوارها 15 دورا، ومثل هذه الارتفاعات تتناسب وطبيعة البناء في المنطقة، مشيرا إلى أن توفر مساحات الأراضي في الشرقية يدفع العقاريين إلى التوسع الأفقي وليس الرأسي.
وتابع: في مدينة دبي على سبيل المثال، لا تتوفر مساحات كبيرة من الأراضي، لذا اتجه العقاريون هناك إلى البناء الرأسي، ورأينا عددا هائلا من ناطحات السحاب تستوعب مقرات الشركات والفنادق والمحال التجارية ومراكز الترفيه، في الوقت نفسه، وتتمتع المنطقة الشرقية بمساحات أراض شاسعة وتمدد عمراني أفقي.
طبيعة المنطقة تحدد أسلوب البناء
ويدعو المحلل الاقتصادي الدكتور سالم باعجاجة إلى التوسع في بناء الأبراج وناطحات السحاب، مشيرا إلى أن مساحة المنطقة الشرقية الكبيرة، وعدد السكان فيها يحددان طبيعة البناء، واليوم هذه الطبيعة تميل إلى طريقة البناء الأفقي، لكن مع زيادة عدد السكان في المنطقة بعد 10 أو 20 عاما، لا نستبعد أن يتجه العقاريون إلى بناء الأبراج وناطحات السحاب في المنطقة، لاستيعاب الزيادة السكانية.
وتابع: ربما يتخوف بعض رجال الأعمال من بناء ناطحات السحاب، نظرا للتكلفة العالية لها، والمخاوف من أن يكون مردودها المادي دون المأمول.
أزمة السكن تفرض الأبراج العالية
وقال المحلل الاقتصاد فضل البوعينين: نحن نعيش أزمة سكن في المملكة حاليا، هذه الأزمة تحتم علينا أن نتحرك لحلها من الآن، ومن هذه الحلول بناء الأبراج وناطحات السحاب، وفي المنطقة الشرقية، هناك أزمة توفر أراض صالحة للبناء عليها، رغم المساحات الشاسعة والامتداد العمراني للمنطقة، حيث إن ملكية غالبية الأراضي إما ترجع لمستثمرين أو لشركة أرامكو السعودية، واليوم يقبل معظم الشباب السعودي على السكن في أبراج وناطحات سحاب، إذا وجدوا أن هذه الأبراج قد شيدت بطريقة عصرية وجاذبة، وقريبة من مراكز المدن ودوائر الخدمات الحكومية.
وأضاف: السكن في ناطحات سحاب يوفر على الدولة مصروفات كثيرة، كانت ستذهب في مشروعات لمد خدمات البنية التحتية من صرف صحي وكهرباء ومياه على مساحات كبيرة من الأحياء، التي يمكن تقليصها في حال بناء الأبراج.
وتابع: تحقق الأبراج أو ناطحات السحاب الجدوى الاقتصادية منها، بحسب موقعها وطريقة بنائها، فإذا وجد برج سكني في منطقة معروفة ومشهورة، مثل مدينة الخبر بما تتميز به من جمال طبيعة وجمال العمارة والتنظيم، فسيقبل عليه المواطنون للسكن فيه، والعكس صحيح، وهذا يؤكد أن ناطحات السحاب مطلوبة في المملكة، يرغبها الكثيرون، لكن بعد توفر ما تحتاجه من موقع مميز، ووسائل بناء حديثة ومتطورة.
مساحة الأرض وموقعها يحددان الارتفاع
ويقول المتحدث باسم أمانة المنطقة الشرقية محمد الصفيان: الأمانة تتبع الأنظمة الصادرة من وزارة الشؤون البلدية والقروية فيما يخص الارتفاعات في الأبنية، مشيرا إلى أن هناك معايير لمنح تصاريح البناء وعدد الأدوار المسموح بها في أحياء الشرقية وشوارعها، وقال «ارتفاعات المباني التجارية تعتمد على نظام الارتفاع في الشارع الذي يوجد فيه المبنى، وكذلك مساحة الأرض، فكلما زادت مساحة الأرض أمكن الحصول على ارتفاع أكثر بموجب معامل كتلة البناء، بالنسبة للمحاور التجارية الرئيسية.
وتابع الصفيان: توجد مناطق التجارة والأعمال التي يمكن الحصول فيها على ارتفاعات عالية بنفس مبدأ معامل الارتفاع، مبينا أن الارتفاعات الشاهقة للمباني تعتمد على مساحة الأرض والدراسات المرورية اللازمة لذلك، التي تضع معايير فنية يجب أن تتوفر في الموقع حتى يتم السماح بالبناء.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}