نبض أرقام
12:20 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/11/22

​نبذة عن نهضة ماليزيا وبصمات "مهاتير محمد" الباقية

2017/04/29 أرقام

عندما تُذكر مدينة نيويورك تتبادر إلى الذهن صورة مبنى إمباير ستيت، ونفس الأمر بالنسبة لبرج إيفل في باريس، في حين أن القاهرة لا يمكن أن تنفصل في المُخيلة عن الأهرامات.
 

لكن بالنسبة للعاصمة الماليزية كوالالمبور ظل مبنى السلطان عبد الصمد معلماً رئيسياً يمثل المدينة لما يقرب من 100 عام، لكن بحلول تسعينيات القرن الماضي، أصبح لكوالالمبور ولماليزيا كلها رمز جديد هو "برجا بتروناس التوأم".
 

 

كان هذا ممكناً بفضل رجل واحد، وهو رئيس الوزراء الرابع لماليزيا "مهاتير محمد"، والذي انُتخب لخمس فترات متتالية، وتمكنت ماليزيا خلال سنوات حكمه الـ22 (1981 -2003) من التحول من بلد يعتمد على حقول ومزارع المطاط إلى عملاق اقتصادي استطاع تحقيق نهضة شاملة في شتى الجوانب.
 

ثورة "مهاتير" الصناعية
 

- قاد "مهاتير محمد" الثورة الصناعية لماليزيا في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي محاولاً إفاقة مجتمع راكد اجتماعيا، ناقص الوعي سياسيا، متكلس ثقافيا.

 

- تزامن ذلك مع انخفاض أعداد أبناء الصيادين والمزارعين الذين امتهنوا مهنة آبائهم منخفضة الأجر، وأصبح تراكم رأس المال ممكناً لأفراد الشعب العاديين بعد تحريرهم من الإقطاع الجائر.

 


- أصبح هؤلاء الشباب بعد ذلك هم تروس الاقتصاد الحديث، وهاجروا إلى المدن بمعدلات غير مسبوقة، وقد أدى هذا التوسع الحضري إلى إنشاء مدن وتوسيع أخرى، من أجل تلبية احتياجات الطبقة المتوسطة الجديدة.

 

- لم تكن الثروة فقط هي التي بدأت تتراكم خارج الدائرة الإقطاعية، فالأمر نفسه كان بالنسبة للسلطة السياسية، حيث إن "مهاتير محمد" كان أول رئيس وزراء لماليزيا لا تربطه صلة دم بالمحكمة الملكية.

 

- في السبعينيات شهدت ماليزيا أسرع توسع اقتصادي لها، حيث بلغ معدل النمو في ذلك العقد 7.9% سنوياً، ولكن خلال الثمانينيات انطلق النمو بطريقة لم يسبق لها مثيل، واستمر الاقتصاد في التوسع بشكل أكبر حتى جاءت الأزمة الآسيوية المدمرة.
 

أسباب النمو الاقتصادي في الثمانينيات والتسعينيات
 

- في عام 1971 كشفت الحكومة الماليزية عن برنامج للإصلاح الاقتصادي سمته "سياسة اقتصادية جديدة" (NEP).

 

- في إطار هذا البرنامج أعادت الحكومة توزيع الثروة بين المجتمع وخاصة بين سكان الملايو محاولة استرضاء الفلاحين الغاضبين، وخلق طبقة متوسطة حضرية جديدة.

 

- لكن السياسة الجديدة استغرقت بعض الوقت حتى نضجت، وكان هذا واضحاً بشكل كبير في جانب التعليم، حيث أدى التوسع السريع في التعليم الرسمي إلى خلق ما يكفي من المواهب لدعم الثورة الصناعية.

 

 

- اضطلعت اليابان بدور مهم بالثورة الصناعية في ماليزيا مهاتير، حيث إن البلاد تم هندستها حرفياً من خلال رأس المال والتكنولوجيا اليابانية في الثمانينيات والتسعينيات.

 

- قدمت اليابان لماليزيا رأس المال والتكنولوجيا ولكن مصدر الإلهام كان هو النمور الآسيوية الأربعة (هونج كونج وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان) وهي البلدان التي أصبحت غنية بفضل تصدير السلع المصنعة إلى العالم.

 

- بدأ التصنيع، وحولت ماليزيا تركيزها بشكل كامل إلى تصدير السلع المصنعة مثل مكيفات الهواء والثلاجات وأجهزة التلفاز وأحهزة الكمبيوتر، وذلك بدلاً من مجرد بيع المواد الخام مثل القصدير والمطاط.
 

"غارة الفجر"
 

- خلافاً لرؤساء وزراء ماليزيا الثلاثة السابقين، لم يكن "مهاتير محمد" يتذكر الحكم البريطاني لبلاده باعتزاز، وكانت عائلته بعيدة عن النخب الإقطاعية التي حافظت على علاقات وثيقة مع البريطانيين.

 

- في السبعينيات وعلى الرغم من وجود بيئة مؤيدة لبريطانيا، اشتبكت ماليزيا أكثر من مرة مع الشركات البريطانية حول (NEP). ففي ذلك الوقت كان المستثمرون البريطانيون يمتلكون جزءاً كبيراً من الصناعات الماليزية.

 

- كانت شركة "جوثري" البريطانية تمتلك وحدها 17% من الأراضي الماليزية في ذلك العقد، بينما كانت تسيطر الشركات الأوروبية على 1.2 مليون فدان من 1.4 مليون فدان من مزارع المطاط، هي إجمالي ما كانت تمتلكه البلاد في فترة ما بعد الحرب.

 


 

- في السابع من سبتمبر/أيلول عام 1981 قاد "مهاتير محمد" عملية أطلق عليها "غارة الفجر" سيطرت خلالها الحكومة على أسهم شركة المطاط وزيت النخيل البريطانية "جوثري" في بورصة لندن في أقل من أربع ساعات.

 

- كان هذا هو الاستحواذ الماليزي الأكثر دراماتيكية، واليوم أصبحت "جوثري" جزءاً من شركة "سيم داربي" التي استحوذت عليه الحكومة أيضاً في عام 1977.

 

- تسببت هذه المناورة في توتر العلاقات بين ماليزيا وبريطانيا، لذا كان "مهاتير محمد" بحاجة إلى صديق جديد، وتصادف ذلك مع بحث اليابان عن صديق أيضاً.
 

(تكنولوجيا، نقد، عمالة أجنبية)
 

- تماماً مثل اليابان، بعد اتجاه ماليزيا إلى التصنيع في الثمانينيات ظهرت مشكلة جديدة، وهي نقص الأيدي العاملة، حيث لم يكن هناك ما يكفي من العمال المحليين لتشغيل المصانع وبناء الأبراج المكتبية الجديدة.

 

- ارتفع عدد سكان ماليزيا من 14 مليون نسمة في عام 1981 إلى 19 مليون نسمة في عام 1991، ولكن ذلك العدد لا يزال غير كاف، لأن الاقتصاد الماليزي كان ينمو بوتيرة أسرع من نمو السكان.

 

- استقدم "مهاتير" العمالة الأجنبية المطلوبة إلى ماليزيا، وتم بناء برجي بتروناس من قبل مهندسين يابانيين وكوريين، وعمالة إندونيسية ورأس مال ماليزي.

 

- من دون هؤلاء العمال الأجانب لم يكن من الممكن بناء البرجين التوأم، وربما ما تمكنت ماليزيا من التطور بذلك الشكل السريع.
 

الأزمة المالية الآسيوية
 

- حرر "مهاتير" الاقتصاد الماليزي بعد حوالي عقدين من فرض (NEP)، ولكن الأزمة المالية الآسيوية أجبرته على تغيير مساره.

 

- في التسعينيات، وخلال التوسع الاقتصادي، اقترضت الشركات في جميع أنحاء آسيا بالعملات الأجنبية بكثافة، وفي بادئ الأمر كانت خدمة هذه الديون سهلة، ولكن لم يستمر هذا الأمر طويلاً.

 

- بحلول منتصف عام 1997 تحطمت العملات المحلية في جنوب شرق آسيا، وهو ما زاد من أعباء الديون الواقعة على هذه الشركات، وبدأت بعضها في إعلان إفلاسها، وهو نفس الخطر الذي كان يهدد بلدانا عديدة.

 

 

- انخفض سوق الأسهم الماليزية بنسبة 75%، وهبطت قيمة الرينجت بنحو 40% ملامسة أدنى مستوى لها في 24 عاماً، وأنفقت البلاد مليار دولار من احتياطياتها من النقد الأجنبي في محاولة لدعم العملة.

 

- اقترح صندوق النقد الدولي على الحكومة الماليزية السماح للشركات المتضررة بإعلان إفلاسها، في مقابل حزمة من المساعدات الطارئة، واعتماد سياسة مالية تقشفية تهدف إلى تعزيز الرينجت، حيث إن الفكرة كانت هي أنه إذا ارتفعت قيمة الرينجت انخفضت أعباء الديون.

 

- على النقيض مما فعلته بلدان أخرى متضررة مثل إندونيسيا والفلبين وكوريا الجنوبية، أدار "مهاتير محمد" ظهره لصندوق النقد الدولي، وقام باتباع سياسات معاكسة لتوصيات الصندوق.

 

- فيما بدا أنه نهج اقتصادي كينزي، قامت ماليزيا بفرض ضوابط على رأس المال، وقامت في ذلك الوقت بتثبيت سعر صرف الرينجت أمام الدولار عند 3.80 رينجت.

 

- لكن بشكل عام، لم يكن الوضع في ماليزيا سيئاً كما كان هو الحال على سبيل المثال في تايلاند، حيث إن الشركات والبنوك الماليزية لم تكن مثقلة بكم هائل من الديون مثل نظرائها الإندونيسية والتايلاندية، والحكومة الماليزية أيضاً لم تهدر أموالها في الاستثمار في المشاريع العقارية مثلما حدث في تايلاند.

 

- منذ نهاية الأزمة الآسيوية وحتى عام 2007، بلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لماليزيا 5.6% في المتوسط، وباعتبارها اقتصادا موجها للتصدير، كانت الصادرات الرئيسية للبلاد هي الإلكترونيات والآلات الكهربائية وزيت النخيل والمنتجات الكيماوية والنفط الخام.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.