كلما كان الطريق ممهداً، كلما قاد عليه الكثير من الناس سياراتهم، وكلما زادت سرعة تحركهم كلما ازداد حماسهم نحو الوصول إلى وجهتهم في حالة جيدة وربما في الموعد المحدد.
ولكن في نفس الوقت يزيد احتمال وقوع حادث قد يضر بالسائقين الآخرين الذين يقودن سياراتهم بشكل أبطأ وبطريقة أكثر حرصاً.
وفي الحقيقة، يعتبر هذا هو التشبيه المناسب للطريقة التي تؤثر بها التقلبات المالية المنخفضة بشكل غير طبيعي على الاستراتيجيات الاستثمارية وخطط تخصيص الأصول وتوقعات الأسواق، وذلك بحسب ما ذكره "محمد العريان" كبير المستشارين الاقتصاديين فى مجموعة "أليانز" في مقال نشرته "بلومبيرج".
أين تكمن المشكلة؟
كلما قلت تقلبات السوق، كلما قل احتمال إقبال المتعاملين على استخدام خيار "أمر وقف الخسارة" بسبب التقلبات قصيرة الأجل، حيث إنه في مثل هذه الظروف يكون لدى المتعاملين القدرة على تحمل مخاطر أكبر.
وما هو صحيح بالنسبة لمتعامل واحد، يكون غالباً ما ينطبق على الشركات ككل. وعلاوة على ذلك، عادة ما يكون ذلك النهج مدعوماً بنماذج رسمية قائمة على التقلبات مثل الـ"VAR" أو "القيمة المعرضة للخطر"، والتي تعطي مظهرا من مظاهر المتانة الهيكلية.
يمكن أيضاً أن يتأثر المستثمرون الصبورون الذي لديهم خطط استثمارية طويلة الأجل بالمستوى المنخفض وغير الطبيعي من التقلبات التي تشهدها الأسواق المالية سواء أدركوا ذلك أو لم يدركوه.
تعتبر التقلبات المتوقعة واحدة من المدخلات الثلاثة التي تحكم نماذج تخصيص الأصول، حيث تنضم إلى جانب العائدات المتوقعة ومعدل الارتباط المتوقع.
بما أن هذه التوقعات يتم تقديرها في الغالب على أساس أداء القطاعات المختلفة في التاريخ الحديث، فبالتالي كلما لاحظ مدير المحفظة فئات معينة من الأصول ذات معدل تقلب منخفض كلما خصص بها المزيد من الأموال.
كل ما سبق يعني أن الانخفاض الأخير الذي شهدته نظم قياس التقلبات فعلياً وضمنياً، بما في ذلك "مؤشر التقلبات" (VIX) – الذي لامس مؤخراً مستويات لم يشهدها منذ عام 1993 – من المرجح أن تشجع على المزيد من من المخاطرة على الصعيدين التكتيكي والاستراتيجي.
سيؤدي ذلك أيضاً إلى اتجاه مديري المحافظ إلى تخصيص المزيد من الأموال في أسواق الأسهم، لترتفع العائدات على السندات وأصول الأسواق الناشئة، وهو ما سيسهم في تخفيف حدة التقلبات في الأسواق على الأقل في المدى القصير.
لن يلاحظها الجميع بسهولة
لن يكون أي من هذه الأمور ملحوظاً بسهولة ما دام انخفاض مستوى التقلبات لا يتزامن مع حالة من السيولة في الاقتصاد العالمي بسبب عوامل اقتصادية ومالية وجيوسياسية ومؤسساتية.
فبداية من التهديد النووي الكوري الشمالي ومروراً بصعود الحركات المناهضة للمؤسسية وانتهاء بمزاعم التدخل الروسي بالانتخابات الأمريكية، كلها تطورات اقترنت مع مستويات من التقلبات المنخفضة بشكل استثنائي، وهو الأمر الذي يلفت النظر بشكل كبير.
ما يجعل الأمر أكثر إثارة للاهتمام، هو أن الأداة التي تم استخدامها خلال السنوات الأخيرة لقمع التقلبات المالية، والسياسة النقدية غير التقليدية، هي نفسها تمر بمرحلة انتقالية.
أوقف مجلس الاحتياطي الفيدرالي برنامجه للتيسير الكمي، ويبدو الآن عازماً على تطبيع أسعار الفائدة، حيث يخطط لرفعها مرتين إضافيتين على الأقل خلال عام 2017، بينما ينظر أيضاً في إمكانية تقليص حجم حيازاته من السندات.
كل ذلك إذا ترك من دون معالجة فقد يكون له تأثيرات ونتائج غير مرغوبة في السوق، من شأنها أن تؤثر بشكل رئيسي على المستثمرين المفرطين في المخاطرة، ولكن أيضاً أولئك الأكثر حذراً لن يتمكنوا من تجنب التداعيات السلبية.
ما الحل؟
لحسن الحظ، هناك طريقة اقتصادية ومالية لتلافي تلك التداعيات، وهي عبارة عن عملية تنطوي على سياسيين يعملون على تمكين الكيانات التي تمتلك الأدوات السياسية الملائمة من الاضطلاع بمسؤوليتها في مجال الإدارة الاقتصادية.
من خلال تحقيق نمو أعلى وأكثر شمولية، فإن هذه الاستجابة وإن كانت متأخرة من شأنها أن تعزز الآفاق الاقتصادية، وتسمح بالاستقرار المالي الحقيقي، وتقلل من الضغوط السياسية على المؤسسات الاقتصادية، ولا سيما البنوك المركزية.
لكن إذا استمرت الاستجابة السياسية اللازمة في التخلف إلى الوراء، فإن هذه الفترة من الهدوء غير المعتاد سوف تنتهي في نهاية المطاف، وتصبح إثباتاً جديداً يدعم "فرضية عدم الاستقرار" للاقتصادي الأمريكي "هيمان مينسكي"، وهي عبارة عن فكرة بسيطة مفادها، أن الاستقرار المبالغ فيه تختبئ وراءه فترة من عدم الاستقرار العنيف.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}