نبض أرقام
02:33 م
توقيت مكة المكرمة

2024/10/15
2024/10/14

نظرية اللعبة والمنافسة التجارية.. تحركات الكبار على رقعة الشطرنج

2017/07/15 أرقام - خاص

ما هي الخيارات التي قد يمتلكها أي شخص بينما يصوب أحدهم بندقية تجاه رأسه؟ هل هي الإذعان أو الموت؟
إذا كانت هذه هي الإجابة فهي على الأغلب خاطئة. لأنه بإمكان ذلك الشخص أن يستولي على هذه البندقية أو أن يصوب على من يستهدفه أو أن يخدعه، أو أن يفعل أي شيء من بين 146 خياراً آخر لديه.

 

"نظرية اللعبة" هي عبارة عن ظاهرة ثورية فريدة تجمع بشكل مذهل بين الفلسفة وعلم النفس والرياضيات، وتأتي دائماً في المقدمة كأداة إستراتيجية حين يتعلق الأمر بقرار مهم يجب اتخاذه في حالات عدم اليقين والأوقات الصعبة وربما غير المسبوقة.
 

ولتوضيح مدى أهمية وفاعلية هذه النظرية وتطبيقاتها ربما تكفي الإشارة إلى أنه منذ العام 1970 تم منح 12 من أبرز الاقتصاديين والعلماء جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية فقط لمساهمتهم في تطوير تلك النظرية.
 


 

"نظرية اللعبة" معروفة بشكل كبير في الأوساط الأكاديمية، ولكن خارج هذه الأوساط هل هذه النظرية قابلة للتطبيق في عالمنا اليوم؟ .. نعم وبلا شك!
 

في الحقيقة يتم تطبيق نظرية اللعبة في الكثير من المجالات بما في ذلك التجارة والمالية والاقتصاد والعلوم السياسية وعلم النفس. ببساطة فهم هذه النظرية واستيعاب إستراتيجياتها مهم جداً لتعزيز التفكير المنطقي ومهارات صنع القرار في عالم معقد كالذي نعيشه هذه الأيام.
 

وتوجد هناك العديد من الأسئلة لدى كثيرين حول هيكل السوق وسلوك الشركات، مثل:
 

- لماذا قد تتعاون بعض الشركات وربما تتآمر في بعض الأسواق بينما تتنافس بقوة في أسواق أخرى؟
 

- كيف يمكن للشركات اتخاذ قرارات التسعير عندما تتغير ظروف الطلب أو يدخل منافسون جدد إلى السوق؟
 

للإجابة على هذه الأسئلة سوف يتم استخدام "نظرية اللعبة" لتوسيع نطاق تحليلنا لكيفية اتخاذ القرارات الإستراتيجية.

 

الألعاب التعاونية وغير التعاونية
 

- "الألعاب الاقتصادية" التي تقوم بها الشركات إما تكون تعاونية أو غير تعاونية. ففي الألعاب التعاونية يقوم اللاعبون بالتفاوض على عقود ملزمة تسمح لهما بتخطيط إستراتيجيات مشتركة.

 

- مثال على الألعاب التعاونية: بائع ومشتر يتفاوضان على سعر شراء سجادة. إذا كانت تكلفة السجاة 100 ريال والمشتري يقدر ثمنها بـ200 ريال، ففي هذه الحالة يوجد هناك حل تعاوني لهذه اللعبة. وهو أن يتفق الطرفان على بيع السجادة مقابل ثمن يتراوح ما بين 101 ريال و199 ريالا، وبذلك يعظم المشتري فائضه كمستهلك ويعزز البائع أرباحه. وفي النهاية يربح الطرفان.


 

- مثال آخر على الألعاب التعاونية: شركتان تتفاوضان حول استثمار مشترك لتطوير تكنولوجيا جديدة (بافتراض أن كل شركة منهما ليس لديها ما يكفي من الدراية التكنولوجية لإنجاح المشروع بمفردها). إذا تمكن الطرفان من توقيع عقد ملزم لتقسيم الأرباح من استثمارهما المشترك، فإنه بإمكانهما التوصل إلى نتيجة تعاونية ترضي كليهما.

 

- في الألعاب غير التعاونية تأخذ الشركات المتنافسة في اعتبارها سلوك وتحركات بعضها البعض أثناء قيامها بتحديد الأسعار بشكل مستقل. فكل شركة تعرف أنه بإمكانها توسيع حصتها السوقية من خلال تقويض منافسيها، ولكنها في نفس الوقت تدرك أيضاً أن هذا النهج قد ينزلق بها إلى حرب أسعار.

 

- مثال على الألعاب غير التعاونية هو المزاد، حيث يجب على مقدم العرض أن يأخذ في حسبانه السلوك المحتمل لمقدمي العروض الآخرين حين يضع إستراتيجيته للمنافسة في ذلك المزاد.

 

- أهم جانب من جوانب صنع القرار الإستراتيجي في الألعاب غير التعاونية هو فهم وجهة نظر خصمك، واستنتاج ردوده المحتملة على تحركاتك، وذلك طبعاً بافتراض أن وجهة نظرك عقلانية.
 

معضلة السجينين
 

- معضلة السجينين هي واحدة من أشهر تطبيقات نظرية اللعبة، وتوفر إطاراً لفهم كيفية تحقيقة التوازن بين التعاون والمنافسة، وتعتبر أداة مفيدة لاتخاذ القرارات الإستراتيجية.

 

- سيناريو "معضلة السجينين" هو كالتالي: ألقي القبض على اثنين من المشتبه بهم بارتكاب جريمة، وهما الآن في غرفتين منفصلتين بمركز الشرطة، ولا يوجد أي وسيلة اتصال بينهما. وقد أخبر المحقق كلا منهما على حدة التالي:

 

- "إذا اعترف أحدهما ووافق على الشهادة على المشتبه به الآخر الذي يرفض الاعتراف سيتم إسقاط التهم الموجهة إليه ليذهب إلى بيته. أما إذا لم يعترف وقام المشتبه به الآخر بالاعتراف ستتم إدانته وسيعاقب بأقصى عقوبة ممكنة وهي السجن لثلاث سنوات".

 

- "إذا اعترف كل منهما سيتم الحكم عليهما بالسجن لمدة سنتين. لكن إذا لم يعترفا سيتم سجنهما لمدة سنة واحدة".

 

- ماذا يجب أن يفعل الرجلان في ظل عدم يقين أحدهما من قرار الآخر؟ هذا هو جوهر معضلة السجينين. فإذا حرص كل منهما على مصلحته وقاما بالاعتراف وهو الخيار الذي يبدو عقلانياً بالنسبة لهما في هذا الوضع، سينتهي بهما الأمر مسجونين لمدة عامين، في حين أن الخيار اللاعقلاني (التزام الصمت) يؤدي إلى عقوبة أقل سوءاً وهي السجن لمدة عام.

 

 

- من الأمثلة الشهيرة على معضلة السجينين في عالم الأعمال هو التنافس الشرس بين "كوكاكولا" و"بيبسي كو" في صناعة المشروبات الغذائية، و"آبل" و"سامسونج" في صناعة الجوالات الذكية.

 

- لنأخذ حالة "كوكاكولا" و"بيبسي" كمثال: لنفترض أن الأولى تفكر في خفض سعر مشروب الـ"كوك" الشهير. إذا قامت بذلك فقد لا يوجد أمام "بيبسي" أي خيار سوى أن تحذو حذو منافستها من أجل الحفاظ على حصتها في السوق. ولكن هذا سيؤدي إلى انخفاض أرباح الشركتين.

 

- حيث إنه إذا قامت "كوكاكولا" بتخفيض الأسعار بينما لم تقم "بيبسي" في المقابل بخطوة مشابهة، فسوف تخسر الأخيرة لصالح الأولى، وذلك لأن حصة "كوكاكولا" من السوق ستتوسع وتزيد معها أرباحها بفضل بيعها كميات أكبر من مشروب الـ"كوك" الرخيص مقارنة مع مشروب "بيبسي".

 

- لنفترض أن أرباح "كوكاكولا" و"بيبسي" من تحركاتهما ستكون كالتالي: إذا حافظت الشركتان على مستويات الأسعار كما هي دون تغيير، ستزيد أرباح كل منهما بمقدار 500 مليون دولار (بسبب النمو الطبيعي للطلب).

 

- أما إذا قامت إحداهما بخفض أسعارها بينما لم ترد الأخرى بإجراء مشابه، ستربح الأولى 750 مليون دولار كنتيجة لزيادة حصتها السوقية، بينما لن تتغير أرباح الثانية. أما إذا قامت الشركتان بخفض أسعارهما معاً فسوف تربح كل منهما 250 مليون دولار، لأن الزيادة في الاستهلاك ستعوض انخفاض الأسعار.

 

- مصفوفة العائد لهذا المثال ستكون على هذا النحو: (تمثل الأرقام التالية الزيادة المتوقعة في أرباح كل شركة مقومة بالمليون دولار)
 

مصفوفة العائد

بيبسي مقابل كوكاكولا

بيبسي

الإبقاء على الأسعار مرتفعة

خفض الأسعار

كوكاكولا

الإبقاء على الأسعار مرتفعة

 

500/500

 

0/750

 

خفض الأسعار

 

750/0

 

250/250

 

- هناك العديد من الأمثلة الأخرى على معضلة السجينين في عالم الأعمال التجارية وتحديداً في مجالات مثل تطوير التكنولوجيا والمنتجات الجديدة و نفقات الإعلان والتسويق.

 

- فعلى سبيل المثال، إذا كان لدى شركتين اتفاق ضمني بأن يترك كل منهما ميزانية الإعلانات الخاصة به دون تغيير في عام معين، ففي هذه الحالة قد يظل صافي دخليهما عند مستويات مرتفعة نسبياً. لكن إذا أخلت إحداهما بالاتفاق وقامت برفع ميزانيتها الإعلانية، فسوف تكسب أرباحاً أكثر على حساب الأخرى، حيث إن مبيعاتها العالية ستعوض نفقاتها الإعلانية المتزايدة.

 

- إذا ردت الشركة الأخرى بإجراء مشابه وقامت برفع ميزانية الإعلانات فسوف يلغي تأثير كل منهما الآخر، وهو ما قد يؤدي إلى انخفاض أرباح الشركتين (بسبب ارتفاع نفقات الإعلان) مقارنة مع مستواها لو تركتا ميزانية الإعلانات ثابتة دون تغير.



 

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.