إن التحولات الكبرى غير شائعة الحدوث في علم الاقتصا، فمنذ "آدم سميث" وحتى "جون ماينارد كينز" لا يوجد سوى عدد قليل من الاقتصاديين الذين يمكن أن يكونوا قد غيروا جذريا طريقة التفكير بشأن كيفية عمل الأسواق وما يمكن للحكومات القيام به لتحسين أداء الاقتصاد.
وانضم "ميلتون فريدمان" لهؤلاء الاقتصاديين عندما ألقى خطابا بمناسبة رئاسته للجمعية الاقتصادية الأمريكية في واشنطن قبل 50 عاما تقريبا وكان موضوعه عن الدور الذي يمكن للسياسة النقدية أن تلعبه للحد من البطالة وتعزيز النمو.
ويناقش تقرير لـ"بلومبرج" نظرية "فريدمان" التي تسمى "المعدل الطبيعي للبطالة" وما أضافه الاقتصاديون الحاليون لها.
المعدل الطبيعي للبطالة
- يرى "فريدمان" أن البنوك المركزية لا يمكن أن تخفض معدل البطالة الطويل الأجل أو "المعدل الطبيعي للبطالة" وإذا حاولت ذلك من خلال تحفيز الطلب فسينتج عن ذلك مطالبة العمال بأجور أعلى من أي وقت مضى مما سيرفع التضخم.
- في سبعينيات القرن الماضي حاولت البنوك المركزية محاربة الركود الاقتصادي عن طريق خفض أسعار الفائدة ولكن أدت هذه السياسات إلى خروج التضخم عن نطاق السيطرة.
- أدى ذلك إلى إعادة التفكير في كيفية عمل السياسة النقدية، ومنذ ذلك الحين سعت البنوك المركزية في المقام الأول إلى ضمان بقاء التضخم منخفضا ومستقرا كما تجنبت تحفيز الاقتصاد عندما تكون البطالة عند معدلها الطبيعي.
- غير أن هذا لا يعني أن نظرية "فريدمان" قد اجتازت اختبار الزمن تماما، حيث قام كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي "أوليفييه بلانشارد" بمراجعة فرضية "المعدل الطبيعي للبطالة" والمعروفة أيضا باسم "معدل التضخم الاقتصادي غير المتسارع للبطالة "NAIRU" .
أضرار الركود الاقتصادي
- استعرض "بلانشارد" مختلف الانتقادات التي تعرضت لها نظرية "فريدمان" ولكنها لم تنل من فكرته الرئيسية وهي أن هناك حاجة إلى سياسات هيكلية لضمان حصول الناس على العمل عندما يكون الاقتصاد يعمل بكامل طاقته.
- يظهر عمل "بلانشارد" بوضوح أن الركود الاقتصادي يسبب أضرارا مستمرة أكثر من تلك التي تشير إليها نظرية "فريدمان"، ويبين تحليله لجميع حالات الركود التي حدثت في 22 اقتصادا متقدما على مدى السنوات الخمسين الماضية أن معدل البطالة في المتوسط ظل أعلى مما كان عليه خلال فترة الازدهار أي بعد فترة طويلة من حدوث الأزمة.
- هذا التأثير الذي يسميه الاقتصاديون "التباطؤ" هو في المقام الأول نتيجة لما يحدث في سوق العمل بعد أن يفقد العمال وظائفهم بسبب الركود الاقتصادي.
- كلما طالت فترة بطالة الشخص زادت مخاطر تعرضه لعدم الحصول على عمل إما لأنه يفقد المهارات اللازمة لتوظفه الشركات أو لأنه يتوقف عن البحث عن عمل، وهذا يعني أن "المعدل الطبيعي للبطالة" هو أكثر مرونة بكثير مما يفترضه "فريدمان".
فرضية التباطؤ
- فرضية "التباطؤ" التي كانت موضوع العديد من الدراسات في السنوات الثلاثين الماضية، لها آثار كبيرة على البنوك المركزية اليوم وخاصة في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو.
- بدأ الاحتياطي الفيدرالي في تشديد السياسة النقدية حين اقترب معدل البطالة من 4.5% أي بالقرب مما يعتقده معظم الاقتصاديين "المعدل الطبيعي للبطالة"، ومع ذلك فإن مشاركة القوى العاملة تبلغ 62.8% فقط مما قد يفسر لماذا يظل نمو الأجور ضعيفا.
- يأمل بعض الاقتصاديين ومن ضمنهم رئيس الاحتياطي الفيدرالي في "مينابولس" "نيل كاشكاري" في أن يتوقف الاحتياطي الفيدرالي عن رفع معدلات الفائدة مؤقتا، حيث إن هناك مجالا لزيادة فرص العمل دون رفع التضخم.
- يدرس البنك المركزي الأوروبي متى سيؤدي إنهاء برنامج التيسر الكمي إلى تعزيز التعافي الاقتصادي، وعلى الرغم من أن معدل البطالة البالغ 9.3% هو أدنى معدل منذ عام 2009 إلا أن البنك المركزي يرى أن هناك ركودا في الاقتصاد بسبب تراجع نسبة العمالة حيث يعمل الكثير من الأشخاص في أعمال مؤقتة.
- على افتراض أن "المعدل الطبيعي للبطالة" غير مستقر يجب على البنك المركزي الأوروبي الحفاظ على تحفيزه للاقتصاد لبعض الوقت لضمان دخول المزيد من العمال ضمن قوة العمل.
البنوك المركزية وحدها لا تكفي
- على الرغم من أن "بلانشارد" يوضح أن آثار الركود هي أعمق مما تقترحه نظرية "فريدمان" إلا أنه يشير إلى أن التحفيز النقدي يمكن أن يجلب العمال الذين فقدوا مهاراتهم مرة أخرى إلى سوق القوى العاملة.
- يشير "بلانشارد" إلى أنه لمساعدة التحفيز النقدي من قبل البنك المركزي في خفض "المعدل الطبيعي للبطالة" يتعين على الحكومات أن تضع برامج لإعادة التدريب موجهة بشكل جيد وتسمح للعمال بالانضمام مجددا إلى القوة العاملة، ويمكن أيضا تعديل نظم الرعاية الاجتماعية لتشجيع العاطلين عن العمل لفترة طويلة على البحث عن عمل.
- بعد خمسين عاما من الخطاب الذي غير الاقتصاد الكلي من الواضح جدا أننا لا ينبغي أن نعامل "المعدل الطبيعي للبطالة" كما لو كان ثابتا رياضيا محصنا من آثار السياسة النقدية، ولكنّ درسا مهما من خطاب "فريدمان" لا يزال صالحا وهو أنه إذا أردنا ضمان عمل المزيد من الناس فإن سياسات البنوك المركزية وحدها بالتأكيد لن تكفي.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}