في مساء الثامن من نوفمبر/تشرين الأول عام 2016، فاجأت حكومة رئيس الوزراء الهندي " ناريندرا مودي" الجميع بإعلانها إلغاء أوراق النقد من الفئات الكبيرة في محاولة لمحاصرة اقتصاد الظل وكشف الثروات المخفية والقضاء على "الأموال السوداء".
ولكن يبدو أن التحرك المفاجئ الذي أدى إلى اصطفاف الملايين في طوابير أمام البنوك في جميع أنحاء البلاد لتغيير الأوراق النقدية من فئة 500 روبية و1000 روبية، جاء بنتائج عكسية، وذلك بحسب ما أظهرته البيانات الواردة في أحدث التقارير الصادرة عن البنك الاحتياطي الهندي.
التقرير الصادم
- في الصفحة رقم 195 من التقرير السنوي الصادر من البنك في الثلاثين من أغسطس/آب، توجد إجابة السؤال الذي يبحث الملايين من الهنود عنها منذ حوالي 10 أشهر، وهو: هل كانت خطوة إلغاء أوراق النقد الكبيرة ناجحة أم فاشلة؟
- بحسب بيانات البنك المركزي، يمكننا بكل أريحية القول بأن الخطوة التي اتضح أنه تم الإقدام عليها دون دراسة كافية، فشلت فشلاً ذريعاً.
- في منتصف ليل التاسع من نوفمبر/تشرين الأول أصبحت الأوراق النقدية من فئتي 500 و1000 روبية لا قيمة لها، لذلك كان على كل من يحمل كميات من الأوراق النقدية الملغاة إيداعها في حساباتهم المصرفية، على أن يقوموا بسحبها في وقت لاحق.
- توقعت الحكومة الهندية وأملت أن الأموال السوداء التي يحتفظ بها الهنود في صورة نقدية لن يجرؤ أصحابها على إيداعها في المصارف، لأنهم لن يرغبوا في كشف هويتهم، وبذلك تتمكن من خلال هذه الخطوة من تدمير كمية هائلة من الأموال غير المشروعة. كان تفكير الحكومة بهذه البساطة.
- لكن تقرير المركزي الهندي يروي القصة بطريقة مختلفة. بحسب التقرير تم إيداع 15.28 تريليون روبية (242 مليار دولار) من الأوراق النقدية الملغاة في البنوك الهندية حتى الثلاثين من يونيو/حزيران، أي أن أكثر من 99% من الفئات النقدية الملغاة وجدت طريقها بشكل ما إلى القطاع المصرفي.
- يعني ذلك أن جميع "الأموال السوداء" التي احتفظ بها الهنود في صورة نقدية دخلت إلى النظام المصرفي ولم يتم تدميرها أو حتى القضاء على جزء يُذكر منها، كما أملت الحكومة الهندية.
- لا يوجد تفسير محدد يوضح كيف تم إيداع هذه الأموال في البنوك وكيف تمكن أصحابها من الإفلات من أي مساءلة قانونية، ولكن التفسير الشائع، هو أن معظم أولئك الذين يمتلكون كميات كبيرة من الأموال السوداء وجدوا أشخاصاً آخرين ليس لديهم أموال سوداء وأقنعوهم بإيداع مدخراتهم في النظام المصرفي بالنيابة عنهم.
وزير المالية السابق .. "عار على البنك الاحتياطي"
- بعد يوم واحد من إفراج المركزي الهندي عن تقريره الذي أظهر أن الحكومة لم تتمكن من تدمير سوى 16 مليار روبية من "الأموال السوداء" – الفارق بين الـ15.28 تريليون روبية التي تم إيداعها في البنوك وقيمة المصدر من الفئات النقدية الملغاة البالغ 15.44 تريليون روبية – تعرضت الحكومة لهجوم شرس من وزير المالية السابق.
- قال "بي تشيدامبارام" إن خطوة إلغاء الفئات النقدية الكبيرة فشلت بشكل واضح. وتابع في تصريحاته من خلال حسابه على "تويتر" قائلاً "لم نتمكن سوى من القضاء على 1% من الأموال السوداء. عار على البنك الاحتياطي الذي أوصى بهذه الخطوة".
- أوضح الوزير السابق، أن النائب العام أخبر المحكمة العليا بأن الحكومة تتوقع عدم عودة ما يتراوح ما بين 4 إلى 5 تريليونات روبية إلى النظام المصرفي إذا تم تنفيذ الخطة، وبالتالي ستتمكن الحكومة من جني أرباح ضخمة. ولكن هذا لم يحدث. وهو ما دفع "بي تشيدامبارام" إلى التساؤل حول ما إذا كانت الحكومة قد ساعدت من دون قصد أصحاب الأموال السوداء في غسيلها.
- كما رفض وزير المالية السابق محاولة الحكومة إخفاء فشل الخطة من خلال التصريح بأن أكثر من 300 ألف شخص أصبحوا تحت التدقيق، قائلاً "هؤلاء كانوا دائماً تحت التدقيق. لاجديد" مضيفاً أن هناك طرقاً أخرى لتعقب الناس، إلغاء الفئات النقدية ليس واحداً منها.
- زعمت الحكومة الهندية أن الخطوة المثيرة للجدل أدت إلى انتعاش المعاملات الرقمية، غير أن الأرقام تفند هذا الادعاء. ففي نوفمبر/تشرين الأول عام 2016 بلغ حجم المدفوعات الرقمية 94 تريليون روبية، وفي مايو/أيار (أي بعد 6 أشهر من إلغاء الفئات النقدية الكبيرة) بلغ الرقم 94.21 تريليون روبية، أي لا يوجد أي دليل على حدوث طفرة في المعاملات الرقمية.
هذه ليست سوى البداية
- اعترف "بهاراتيا مازدور سانغ" أو "اتحاد العمال الهندي" – أكبر كيان نقابي تجاري في الهند – بأن إلغاء الحكومة لفئات النقد الكبيرة وسحبها من السوق تسبب في إغلاق 250 ألف وحدة في القطاع غير المنظم، كما أشار إلى تأثر القطاع العقاري بشدة، وفقدان عدد كبير من العمال لوظائفهم.
- القطاع الزراعي هو الآخر، تضرر بشدة بسبب اعتماده على النقد بشكل كبير، حيث لم يتلق المزارعون سعراً مناسباً للمحاصيل التي قاموا بزراعتها، لتقوم أعداد كبيرة منهم بالاحتجاج في الشوارع، وهو ما اضطر العديد من الحكومات المحلية إلى التنازل عن جزء من مدفوعات القروض الزراعية.
- علاوة على ذلك، تسببت الخطوة غيرالمدروسة التي اتخذتها الحكومة الهندية في نقص كبير بالسيولة، مما اضطر الآلاف لافتراش الأرض أمام ماكينات الصراف الآلي محاولين سحب أموالهم الخاصة، ليتوفى بعضهم أثناء التدافع أمام تلك الماكينات.
- على الجانب الآخر، من غير المرجح أن تعترف حكومة "مودي" بأنها كانت على خطأ كبير حين أقدمت على تلك الخطوة، وستواصل محاولتها تحسين الصورة بقدر الإمكان، كما تفعل منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
- أخيراً، الخطوة التي قامت خلالها الحكومة الهندية بإلغاء الفئات النقدية الكبيرة، لم يسبق لها مثيل في التاريخ الاقتصادي الدولي، حيث إنها جمعت بين السرية والفجائية وسط ظروف سياسية واقتصادية عادية جداً.
- جميع حالات سحب فئات نقدية معينة من التداول التي تمت بشكل مفاجئ في بلدان أخرى، وقعت في سياق تضخم مفرط وحروب واضطرابات سياسية وغيرها من الظروف غير العادية التي لا تنطبق على الحالة الهندية.
- التكاليف الحقيقية لهذا الحدث غير المسبوق بدأت لتوها في الظهور.
- وتبقى الإشارة في النهاية إلى حتمية وجود خلل في إدارة الدولة لقرارها ومتابعة تنفيذه، هناك فساد سمح بدخول الأموال السوداء للنظام المصرفي وخلل في فشل تعقب ذلك ورصده.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}