نبض أرقام
07:21 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/24
2024/11/23

"نوبل" في الاقتصاد هذا العام .. كيف تختلف 10 ريالات عن 10 ريالات؟

2017/10/13 أرقام - خاص

لنفترض أنك قررت دعوة صديق لمشاهدة فيلم في السينما معاً، وكانت تكلفة التذكرة الواحدة 10 ريالات، وبالتالي ستدفع 20 ريالاً مقابل التذكرتين. ولكن بمجرد أن أخذت مكانك في الطابور أمام شباك التذاكر وأخرجت محفظتك من جيبك اكتشفت أنك أضعت 20 ريالا. في هذه الحالة، هل ستظل ترغب في الدخول إلى ذلك الفيلم؟
 

هذا السؤال شبيه لآخر طرحه اثنان من علماء النفس الأمريكيين في عام 1984 على 200 مشارك في إحدى التجارب، وكانت النتيجة أن 54% من المشاركين قالوا بأنهم لن يشتروا التذاكر، مفضلين المغادرة، في حين أشار 46% إلى أنهم لا يزالون يرغبون في شراء التذاكر.
 


 

ولكن ماذا لو غيرنا قليلاً في هذا السيناريو. مرة أخرى، قررت دعوة صديقك لمشاهدة الفيلم معاً، واشتريت التذكرتين مقابل 20 ريالاً في صباح ذلك اليوم، وحين وصلت إلى القاعة مساءً اكتشفت أنك أضعت التذكرتين. في هذه الحالة، هل ستظل ترغب في الدخول إلى ذلك الفيلم؟
 

ما يحدث في وضع مثل هذا، هو أن حوالي 88% من الناس يقررون شراء تذاكر جديدة، بينما يفضل 12% فقط الذهاب إلى المنزل دون مشاهدة الفيلم.
 

هذا يبدو للوهلة الأولى جنونياً، لماذا يتصرف الناس بطريقة مختلفة في الموقفين رغم أن المحصلة النهائية متطابقة حسابياً في الحالتين؟ ففي النهاية هذا الشخص لديه تذكرتان ثمنهما 20 ريالاً، وانخفض ما لديه من أموال 40 ريالاً مقارنة مع بداية اليوم.
 

لماذا يتصرف الناس بهذه الطريقة؟
 

- الفارق في الحالتين هو بسبب ظاهرة نفسية تسمى "المحاسبة العقلية" صاغها "ريتشارد ثالر"، أستاذ الاقتصاد بجامعة شيكاغو الذي أُعلن عن فوزه بجائزة "نوبل" في العلوم الاقتصادية الإثنين الماضي، والذي ألهمت أفكاره الكثير من العلماء في مختلف التخصصات، وأسهم في تغيير طريقة تفكيرنا تجاه السلوك البشري.

 

- تؤثر هذه الظاهرة على كيفية إنفاق وادخار الناس لأموالهم، وأيضاً على كيفية تعاملهم مع الخسائر غير المتوقعة، وتوضح كيف يتخذ الناس قراراتهم المالية عبر إنشاء حسابات نفسية منفصلة في أذهانهم لنفس النوع من الموارد، وكيف يمنعهم شعورهم النفسي تجاه ذلك المورد من التركيز على المحصلة النهائية لقراراتهم.

 

- من هذا المنطلق تفسر هذه النظرية سر تجاهل الأغلبية في التجربة السابقة للنقود المفقودة، وهو ما لم يفعلوه مع التذاكر الضائعة، رغم أن قيمة المفقود في الحالتين واحدة، وهي 20 ريالاً.



- ببساطة ما حدث هو أن هذا الشخص لديه حساب عقلي في رأسه يسمى على سبيل المثال "حساب الترفيه". وفقدان التذكرتين والاضطرار إلى شراء أخريين يقلل رصيد "حساب الترفيه" بـ40 ريالا، في حين أنه كان يخطط إنفاق 20 ريالاً فقط.

 

- أما النقود المفقودة، فلا يتم تحميلها على "حساب الترفيه" وهذا هو السبب في أن معظم الناس لا يترددون في شراء تذاكر جديدة بعد فقدانهم جزءًا من نقودهم.

 

- في الواقع "المحاسبة العقلية" تعتبر مشكلة يعاني منها الأغلبية الساحقة من البشر. حاول التفكير في المثال التالي: قريب لك يعطيك 100 ريال مثلاً في العيد، ورغم أنه لم يقل لك استخدمها في دفع فاتورة الكهرباء الخاصة بك، إلا أن المائة ريال في النهاية هي مائة ريال، والمنطق المجرد يقول إنك يجب أن تنفق هذا المبلغ في دفع قيمة تلك الفاتورة، ولكنك لا تفعل، بسبب مشكلة "المحاسبة العقلية"، حيث يضع ذهنك هذه الأموال في حساب عقلي آخر غير الذي يضع فيه مرتبك الذي تستلمه نهاية كل شهر.
 

سؤال المليون دولار.. لماذا ندفع اشتراك الجيم ولا نذهب إليه أبداً؟
 

- في هذا الصدد أيضاً، أجرى "ثالر" الكثير من الأبحاث التي تظهر مدى سوء البشر في التخطيط المالي على المدى الطويل، والتي أشار خلالها إلى أن لكل فرد يوجد جانبان أساسيان في شخصيته. الجانب الأول هو المخطط، والآخر الذي يمضي في طريقه غير مبال بأي شيء.

 

- الجانب المخطط في شخصيتك، يرى أن دفع قيمة الاشتراك السنوي للصالة الرياضية (الجيم) قرار مثالي، ويشعرك بضرورة الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية كل يوم، من أجل الحصول على جسم أكثر لياقة.

 

- لكن الجانب العشوائي منك يحول دون مضي الخطة على هذا النحو، ويبرر لك الغياب المتكرر والمستمر عن الذهاب للصالة الرياضية أو تأجيله إلى وقت أكثر ملاءمة، لا يأتي غالباً، إلى أن ينتهي العام، ويأتي مجدداً الجانب المخطط من شخصيتك ليقنعك بضرورة دفع قيمة الاشتراك، وأن هذا العام مختلف عن سابقه.



- هذه هي الطريقة التي تجني بها الصالات الرياضية أموالها. ببساطة هم يركزون في إعلاناتهم على استدعاء الجانب المخطط من شخصيتك. ولذلك أنت في حاجة لفهم كلا الجانبين من أجل أن تمضي خططك على النحو الذي ترغب به.

 

- تمايز علم الاقتصاد منذ فترة طويلة عن غيره من التخصصات الأخرى بالاعتقاد بأن معظم إن لم يكن كل السلوك البشري يمكن تفسيره بسهولة من خلال الاعتماد على الافتراض بأن تفضيلاتنا كبشر محددة ومستقرة عبر الزمن، وعقلانية أيضاً.

 

- لكن جاء "ثالر" في التسعينيات وبدأ في تحدي هذا الرأي من خلال كتاباته عن الشذوذ في سلوك البشر التي لا يمكن تفسيره من خلال النظرية الاقتصادية القياسية.
 

نظرية الدفعة
 

- هذه الأفكار النفسية تلعب أيضاً دوراً مهماً في نظرية الوكزة أو الدفعة (Nudge theory) – مفهوم آخر وضعه "ثالر" – التي يتم خلالها توفير محفزات صغيرة للتأثير على سلوك الناس بشكل غير مباشر، في محاولة لتحقيق الامتثال غير القسري لسياسة معينة.

 

- قبل بضع سنوات، أراد مجلس إدارة شركة "جنرال إلكتريك" معالجة مشكلة التدخين، معتقدين أنها أثرت سلباً على الموظفين. لذلك قاموا بالتعاون مع أستاذ الطب في جامعة بنسلفانيا "كيفن فولب" بإجراء تجربة عشوائية، تم خلالها إعطاء كل موظف 250 دولاراً إذا توقف عن التدخين لمدة 6 أشهر و400 دولار إذا توقف لمدة 12 شهراً. بينما تم تشكيل مجموعة أخرى تم أمرهم بالتوقف عن التدخين ولم يتلقوا أية حوافز.

 

- وجد الباحثون أن المجموعات التي تلقت الحوافز كان معدل نجاح أعضائها في التوقف عن التدخين يقارب ثلاث أضعاف نظيره في المجموعة التي لم يتم إعطاؤها أية حوافز، وأن التأثير استمر حتى بعد توقف الحوافز بعد 12 شهراً. وبناء على تلك النتائج، غيرت "جنرال إلكتريك" سياستها وبدأت في استخدام هذا النهج في التعامل مع موظفيها البالغ عددهم 152 ألفاً.

 

- في المملكة المتحدة، وبغية مواجهة مشكلة انخفاض مشاركة العاملين بالقطاع الخاص في برامج المعاشات التقاعدية، وجهت الحكومة البريطانية أرباب العمل إلى وضع نظام "التسجيل التلقائي" في عام 2012.



- هذا يعني أنه سيتم إدراج كل العاملين بشكل تلقائي في نظام المعاشات التقاعدية الخاص بشركاتهم، وستخصم قيمة الاشتراك من رواتبهم، ما لم يطلبوا رسمياً إعفاءهم.

 

- كانت الفكرة، هي أن الكثير من الناس يريدون بالفعل تجنيب جزء أكبر من أموالهم لفترة التقاعد، ولكنهم كانوا يأجلون ذلك بسبب قلقهم من احتمال احتياج تلك الأموال في الوقت الحالي لأغراض أخرى. لذلك كانت هناك حاجة إلى "دفعة".

 

- منذ أن اعتمدت الحكومة البريطانية هذا النظام، ارتفع عدد الأعضاء النشطين في نظم المعاشات التقاعدية بالقطاع الخاص من 2.7 مليون موظف قبل 5 سنوات إلى 7.7 مليون في عام 2017.

 

- الكثير من الحكومات حول العالم بجانب البريطانية والأمريكية والألمانية عمدت إلى الاستفادة من نظرية Nudge لدراسة السلوك الإنساني في العديد من المجالات لتحسبن الخيارات البشرية وتوجيهها بشكل يخدم الاقتصاد وفي المقابل تحسين الخدمات الحكومية المقدمة.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.