نبض أرقام
09:45 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/23
2024/11/22

الحرب التي شكلت آسيا .. كيف دمرت حرب الآفيون الصين؟

2017/10/21 أرقام - خاص

في القرن الثامن عشر سعت الدول الأوروبية مثل بريطانيا وهولندا وفرنسا لتوسيع شبكاتها التجارية بالقارة الآسيوية من خلال التواصل مع واحدة من أهم البلدان التي تعتبر مصدراً رئيسياً للمنتجات النهائية المرغوبة بالنسبة لهم، وهي إمبراطورية تشينغ، آخر ممالك الصين.

 

لأكثر من ألف سنة كانت الصين نقطة النهاية في طريق الحرير، ومصدر العديد من المنتجات الفاخرة الرائعة.

 

وكانت كبرى الشركات الأوروبية، مثل شركة الهند الشرقية البريطانية وشركة الهند الشرقية الهولندية حريصة على إيجاد موطئ قدم هناك.

 

 

إلا أن التجار الأوروبيين واجهوا بعض المشاكل، حيث حصرت الصين تعاملاتها التجارية معهم على ميناء كانتون، ولم تسمح لهم بتعلم اللغة الصينية، كما هددت بفرض عقوبات قاسية على أي أوروبي يغادر المدينة الساحلية ويحاول دخول الصين.

 

الأسوأ من ذلك، هو أن المستهلكين الأوروبيين كانوا مولعين بالحرير الصيني والخزف والشاي، ولكن الصين في المقابل لم ترغب في أي شيء من السلع المصنعة أوروبياً. وفي الوقت نفسه تطلب سلالة تشينغ الحاكمة مقابل صادراتها النقدية التي كانت في ذلك الوقت كانت عبارة عن الفضة.

 

سرعان ما واجهت بريطانيا عجزاً تجارياً ضخماً مع الصين، حيث لم يكن لديها أي احتياطيات محلية من الفضة، لذلك كان عليها شراؤها من المكسيك أو من القوى الأوروبية الأخرى المسيطرة على مناجم للفضة في مستعمراتها. أدى العطش البريطاني المتنامي للشاي على وجه التحديد إلى استمرار تدهور العجز التجاري.


بحلول نهاية القرن الثامن عشر، كانت بريطانيا تستورد أكثر من 6 أطنان من الشاي الصيني سنوياً. وخلال نصف قرن تمكنت بريطانيا من بيع ما قيمته 9 ملايين جنيه إسترليني من سلعها المحلية للصينيين، مقابل 27 مليون جنيه إسترليني من الواردات الصيني تم دفع الفارق في صورة فضة.

 

رغم ذلك، في وقت مبكر من القرن التاسع عشر، وجدت شركة الهند الشرقية البريطانية طريقة أخرى للدفع، ورغم أنها كانت غير قانونية إلا أنها كانت مقبولة من قبل التجار الصينيين، وهي الأفيون. كان هذا الأفيون الذي ينتج أساساً في منطقة البنغال أقوى من النوع التقليدي المستخدم في الطب الصيني.

 

بدأ الأفيون في الانتشار بين الصينيين، وزاد تعاطيه وإدمانه، وتشير بعض التقديرات إلى أن حوالي 90% من الذكور الشباب المقيمين على طول الساحل الشرقي للصين كانوا يتعاطون الأفيون في ثلاثينيات القرن التاسع عشر.

 

تأرجح الميزان التجاري لصالح بريرطانيا، على خلفية التهريب غير المشروع للأفيون.

 

حرب الأفيون الأولى .. القتال من أجل الأفيون

 

- في عام 1839 رأى الإمبراطور الصيني أن الوقت قد حان للقضاء على أنشطة تهريب المخدرات إلى البلاد، وقام بتعيين حاكم جديد لمدينة كانتون، يطلق عليه "لين زيكسو" والذي قام بمحاصرة 13 مهرباً بريطانياً داخل مخازنهم، قبل أن يستسلموا له في أبريل/نيسان عام 1839.

 

- أمر الحاكم الجديد للمدينة بمصادرة المخدرات المهربة، والتي شملت 42 ألف غليون لتدخين الأفيون، و20 ألف رطل من الأفيون، بقيمة إجمالية تقدر بنحو مليوني جنيه إسترليني، وبإلقائها في مياه البحر. على الفور طلب التجار البريطانيون من حكومتهم مساعدتهم من جل إنقاذ تجارة الأفيون.

 


- شهد شهر يوليو/تموز من ذلك العام حادثاً أدى إلى تصاعد التوتر بين الصين وبريطانيا. في 7 يوليو/تموز قام بحارة بريطانيون وأمريكيون في حالة سكر بأعمال شغب في إحدى القرى الصينية، أسفرت عن مقتل رجل صيني وتخريب معبد بوذي. طالبت الصين بتسليم المذنبين لمحاكمتهم إلا أن بريطانيا رفضت مستشهدة بالنظام القانوني الصيني المختلف كأساس للرفض.

 

- في أعقاب هذه الحادثة، أعلنت الصين أنها لن تسمح للبريطانيين أو لغيرهم من التجار الأجانب بالتجارة معها ما لم يوافقوا على الالتزام بالقانون الصيني، والتوقف عن تهريب الأفيون، وتقديم أنفسهم للولاية القضائية الصينية، وهي الإجراءات التي رد عليها المراقب البريطاني للتجارة مع الصين "تشارلز إليوت" بتعليق التجارة بين بلاده والصين وسحب جميع السفن البريطانية من هناك.

 

- في 3 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1839، حاول التاجر البريطاني "رويال ساكسون" الوصول إلى الشواطئ الصينية منتهكاً القرار البريطاني، ليقوم أسطول البحرية البريطانية بإطلاق النار عليه وعلى سفن البحرية الصينية التي خرجت لحمايته، لتبدأ معركة أغرقت فيها بريطانيا عدداً من السفن الصينية.

 

- كانت هذه الهزيمة هي الأولى ضمن سلسلة طويلة من الهزائم تكبدتها قوات الإمبرطور الصيني في البحر وعلى الأرض لمدة عامين ونصف. استولى البريطانيون على مدن كانتون وتشوسان و نينغبو و دينغهاي، وبحلول منتصف عام 1842، استولوا ايضاً على شنغهاي. ولم يجد الإمبرطور الصيني أمامه مخرجاً غير التفاوض.

 

- في 29 أغسطس/آب عام 1842، وافق ممثلو الملكة فيكتوريا والإمبراطور الصيني على معاهدة سلام تسمى معاهدة نانكنج. كانت اتفاقية غير متكافئة على الإطلاق، لأن بريطانيا حصلت بموجبها على تنازلات كبيرة من الصينيين ولم تقدم شيئاً في المقابل سوى الموافقة على إنهاء القتال.

 


- بموجب هذه المعاهدة، فتح الصينيون 5 من موانئهم أمام التجار البريطانيين، بعد أن كانوا لا يستطيعون التواجد سوى في ميناء كانتون. كما نصت على فرض تعريفة قدرها 5% على الواردات من الجانبين، بعد أن كان يتم فرض هذه التعريفة من جانب الصين وحدها.

 

- وافقت الصين أيضاً على التنازل عن جزيرة هونج كونج لصالح بريطانيا، وإطلاق سراح أسرى الحرب البريطانيين. كما وافقت على دفع تعويضات حرب تصل قيمتها إلى 21 مليون دولار فضي على مدى ثلاث سنوات.

 

- تسببت الشروط الجائرة لهذه المعاهدة في معاناة الصين من مشقة اقتصادية، والأسوأ من ذلك أنها أدت إلى خسارة فادحة لسيادتها على أراضيها.

 

حرب الأفيون الثانية.. المزيد من الخضوع

 

- في أعقاب حرب الأفيون الأولى، كان المسؤولون الصينيون مترددين في تنفيذ بنود معاهدة نانكنج، فضلاً عن المعاهدات غير المتكافئة التي فرضتها على الصين كل من فرنسا والولايات المتحدة عام 1844.

 

- ما زاد الوضع سوءًا هو أن بريطانيا طلبت من الصينيين تنازلات إضافية في عام 1854، من بينها فتح جميع الموانئ الصينية أمام التجار الأجانب وخفض التعريفة المفروضة على المنتجات البريطانية إلى الصفر، وإضفاء الشرعية على تجارة بريطانيا للأفيون الذي تستقدمه من بورما والهند إلى الصين.

 


- في 8 أكتوبر/تشرين الأول عام 1856 وقعت حادثة السهم أو "آرو". كانت "آرو" عبارة عن سفينة تهريب مسجلة في الصين ولكن مقر الشركة التابعة لها في هونج كونج (المستعمرة البريطانية). عندما اعترض المسؤولون الصينيون السفينة واعتقلوا طاقمها المكون من 12 شخصاً للاشتباه في ضلوعهم بأنشطة التهريب والقرصنة، احتج البريطانيون.

 

- رغم أن السلطات الصينية كان يحق لها قانونياً اعتراض السفينة لأن رخصة تسجيلها في هونج كونج كانت قد انتهت صلاحيتها، إلا أن بريطانيا أجبرتها في الأخير على إطلاق سراح الطاقم. وعلى الرغم من امتثال الصين دمر البريطانيون 4 حصون ساحلية صينية وأغرقوا أكثر من 20 سفينة صينية خلال الفترة ما بين 23 أكتوبر/تشرين الأول و13 نوفمبر/تشرين الثاني.

 

- لم يكن لدى الصين القوى العسكرية الكافية للدفاع عن سيادتها أمام الاعتداء البريطاني الجديد.

 

- في فبراير/شباط عام 1858، اعتقل مبشر كاثوليكي فرنسي في الصين بسبب قيامه بالدعوة للمسيحية خارج المناطق المتفق عليها في المعاهدة، ليُحكم عليه بقطع رأسه، ولكن تم سجنه وضربه حتى الموت قبل أن يتم تنفيذ الحكم. استخدمت الحكومة الفرنسية هذا الحادث كذريعة للانضمام إلى بريطانيا في حرب الأفيون الثانية.

 

- خلال الفترة ما بين ديسمبر/كانون الأول عام 1857 ومنتصف عام 1858، استولت القوات الأنجلو- فرنسية على قوانتشو وغوانغدونغ، لتستسلم الصين ويتم إجبارها على التوقيع على معاهدة تيانجين العقابية في يونيو/حزيران عام 1858.

 

- سمحت المعاهدة الجديدة لبريطانيا وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة بإنشاء سفارات رسمية لها في بكين، وفتح 11 ميناء إضافيا أمام التجار الأجانب، وتم السماح للأجانب بالتنقل بحرية في جميع أرجاء الصين. ومرة أخرى، أجبرت الصين على دفع تعويضات حرب إلى فرنسا وبريطانيا، قدرت بنحو 8 ملايين تايل من الفضة (التايل يساوي 37 جراما تقريباً).

 

- على الرغم من وضوح موازين القوى، إلا أن مستشاري الإمبراطور الصيني أقنعوه بمقاومة القوى الغربية ومطالبها المجحفة، ونتيجة لذلك رفض الإمبراطور التصديق على المعاهدة الجديدة.

 


- رداً على هذا الرفض، حاولت فرنسا وبريطانيا إنزال الآلاف من جنودهما على الشواطئ الصينية، ولكن لم تسمح لهم المقاومة الصينية بذلك في بادئ الأمر، قبل أن تطأ أقدامهم الأراضي الصينية في 21 سبتمبر/أيلول عام 1860، ليقوموا بالقضاء على 10 آلاف من جنود الإمبراطور في السادس من نفس الشهر.

 

- انتهت حرب الأفيون الثانية أخيراً في 18 أكتوبر/تشرين الأول عام 1860، مع تصديق الصين على نسخة من منقحة من معاهدة تيانجين، فبالإضافة إلى الشروط المذكورة أعلاه، نصت المعاهدة المنقحة على إضفاء القانونية على تجارة الأفيون.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.