نبض أرقام
02:01 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/22
2024/11/21

"الهمج على الأبواب".. قصة الجشع الكامن في واحدة من أشهر صفقات الاستحواذ في التاريخ

2017/11/04 أرقام - خاص

لقد انقضى اليوم نحو 29 عاماً على انتهاء أم معارك الاستحواذ في التاريخ، والتي نجحت خلالها شركة الأسهم الخاصة "كوهلبرج كرافيس روبرتس" في السيطرة في عام 1988 على شركة التبغ والأغذية الأمريكية "آر جيه آر نابيسكو" مقابل 25 مليار دولار.



 

وفي كتابهما "الهمج على الأبواب" المنشور في عام 1990، تناول صحفيان من "وول ستريت جورنال" صفقة الاستحواذ التي ظلت الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة حتى عام 2005، ويرويان خلاله كيف سيطر الجشع في هذه الصفقة على المصرفيين الاستثماريين ومديري الشركات ومستثمري الأسهم الخاصة والمساهمين والمحامين ومستشاري العلاقات العامة ومجموعة متنوعة من اللاعبين.
 

تصدر هذا الكتاب قائمة "نيويورك تايمز" لقائمة الكتب الأكثر مبيعاً، وتم طرح قصته كفيلم درامي في عام 1993، وفي عام 2002 تم تصويره كفيلم وثائقي. ولا يزال يستشهد بهذا الكتاب في كبرى كليات إدارة الأعمال، للاستفادة من الدروس التي يقدمها حول الأخلاقيات وأصول الاستثمار المصرفي.
 

الاستحواذ بأموال لا تملكها
 

- يحكي الكتاب قصة فترة عمرها 6 أسابيع وقعت أحداثها في عام 1988، أسهمت في جعل الثمانينيات تستحق لقب "عقد الجشع" عن جدارة، بعد أن دارت خلالها معركة للسيطرة على شركة المواد الغذائية والتبغ "آر جيه آر نابيسكو"، شملت إدارة الشركة نفسها، وتقريباً كل البنوك الاستثمارية ومؤسسات التمويل الموجودة في نيويورك في هذه الفترة.

 

- في الثمانينيات، انتشر استخدام آلية Leveraged buyout )) ""LBO التي تمكن إدارة الشركة أو مؤسسة التمويل من الاستحواذ على حصة مسيطرة في الشركة باستخدام أموال مقترضة.

 

- الجزء الأهم والأخطر في هذه الآلية هو الرافعة المالية، والتي تسمح للمستثمرين بالاستحواذ على عدد من الشركات بقدر ضئيل من رأس المال اللازم لعملية الشراء. ومن أجل الالتفاف على هذا، يقترض هؤلاء المال من خلال إصدار سندات "الخردة" ذات العائد المرتفع، وشراء الشركة بالديون.

 

- بمجرد أن يستحوذ المستثمر على الشركة بالأموال المقترضة، يقوم على الفور بخفض التكاليف (تقليل نفقات البحث والتطوير والاستغناء عن عدد من الموظفين) وبيع جزء من أصول الشركة، وذلك من أجل سداد الديون مرتفعة العائد في أسرع وقت ممكن.



- إذا مضى كل شيء على ما يرام، تكون النتيجة النهائية لهذه العملية، هي حصول المشتري على نسخة مشابهة وأحياناً أكثر كفاءة من الشركة الأصلية، مقابل لا شيء تقريباً، حيث إنه قام بتسديد حاملي السندات من أصول الشركة التي آلت في نهاية المطاف إليه.

 

- تسببت هذه الآلية في جدل هائل بين الشركات الأمريكية، حيث رأى نقادها أنها مجرد أداة لسرقة الشركات من أصحابها، وأن الجبل المتزايد من ديون الشركات يعوق قدرة أمريكا على المنافسة في الخارج. بينما قال مؤيدوها في المقابل، إن الالتزام بسداد الديون أجبر الشركات على أن تصبح أكثر كفاءة.

 

- بيد أن هناك مسألة واحدة اتفق عليها الجانبان، وهي أن المديرين التنفيذيين ومؤسسات التمويل كانوا يجنون مبالغ لا تصدق من الأموال من خلال استخدام هذه الآلية.
 

المحاسب الذي قتله طموحه
 

- في هذه البيئة نشأت "آر جيه آر نابيسكو" ولمع نجم مديرها التنفيذي المثير للجدل "روس جونسون".

 

- كان "روس جونسون" محاسباً، وقد أمضى العشرين عاماً الأولى من حياته المهنية في العمل بوظائف متوسطة في مجالي المحاسبة والتسويق في عدد من الشركات الكندية، وكان معروفاً بنفقاته الضخمة، لدرجة أنه يشار إليه على أنه "الرجل الوحيد الذي يمكن أن تعطيه ميزانية غير محدودة ويتخطاها".

 

- في سن الأربعين حاز "جونسون" على فرصة ترأس العمليات الكندية لشركة الأغذية الأمريكية "ستاندرد براندز". وبمجرد اعتلائه لمنصبه قام على الفور بالاستغناء عن كبار المديرين واستبدالهم بمجموعة من المديرين الشباب الذين شاركوه وجهة نظره في الحياة، والذين ظلوا يعملون إلى جانبه طوال حياته المهنية.



- بعد نقله إلى نيويورك لرئاسة قسم التسويق في "ستاندرد براندز"، نظم "جونسون" انقلابا داخل مجلس الإدارة، ليصبح الرئيس التنفيذي للشركة المدرجة في بورصة نيويورك. وفي غضون فترة قصيرة غيّر "جونسون" ثقافة الشركة، حيث بدأ استخدام الطائرات الخاصة من قبل المديرين الذين حصلوا على رواتب ضخمة.

 

- في عام 1981، اندمجت "ستاندرد براندز" مع شركة الأغذية الأمريكية العملاقة "نابيسكو"، وأصبح اسم الكيان الجديد "نابيسكو براندز". على الرغم من أن الجميع في وول ستريت اعتقد أن "نابيسكو" هي من سيتحكم في الكيان الجديد إلا أن "جونسون" ورجاله تمكنوا من ممارسة تأثير كبير على أنشطة الشركة وشؤونها إلى أن أصبح الرئيس التنفيذي للشركة في عام 1984.

 

- في عام 1985، تم شراء "نابيسكو براندز" مقابل 4.9 مليار دولار في صورة نقدية وأسهم ممتازة من قبل شركة "آر جيه آر رينولدز"، وهي شركة عاملة في صناعة التبغ ترغب في تنويع أعمالها بعيداً عن نشاطها الرئيسي. أصبحت "آر جيه آر نابيسكو" الشركة رقم 19 في ترتيب أكبر الشركات الصناعية في أمريكا، وبحلول عام 1986 تم تعيين "جونسون" في منصب الرئيس التنفيذي.

 

- ما تبع ذلك، كانت واحدة من أعظم حكايات التقاتل والتنافس في تاريخ قطاع الأعمال، شملت بنوكا كبرى ومؤسسات تمويلية تقاتلت كمستشارين لأطراف مختلفة أو كمنافسين لإدارة "جونسون" في السعي للاستحواذ على "آر جيه آر نابيسكو".
 

منافسة شرسة
 

- رغم تحقيقها أرباحاً جيدة، إلا أن سهم "آر جيه آر نابيسكو" لم يبرح مكانه. عبثاً حاول "جونسون" استخدام تكتيكات مختلفة لرفع سعر السهم، كان آخرها السجائر عديمة الدخان والتي لم تجن له سوى القليل من السخرية. في هذه اللحظة قرر "جونسون" أنه لا توجد طريقة يحصل من خلالها المساهمون على القيمة الحقيقة لأموالهم إلا من خلال شرائه لحصة مسيطرة بالشركة باستخدام الديون "LBO".

 

- في أكتوبر/تشرين الأول عام 1988، أعلنت مجموعة من كبار المديرين التنفيذيين في الشركة بقيادة "جونسون" بدعم من شركة الوساطة المالية والخدمات الاستثمارية المصرفية  "شيرسون ليمان هوتون" عن خطط لشراء "آر جيه آر نابيسكو" مقابل 17 مليار دولار أو 75 دولاراً للسهم.



- على الرغم من أن مديري الشركة مطالبون بموجب القانون بفتح العطاءات أمام الجميع في السوق من أجل الحصول على أعلى سعر للمساهمين، لم يتوقع "جونسون" أي منافسة حقيقية، وأكد لمجلس الإدارة أن السعر المعروض من جانب فريقه والذي يمثل علاوة قدرها 20 دولاراً فوق السعر السوقي للسهم في ذلك الوقت يعبر عن القيمة الحقيقية للشركة.

 

- لكن ما فشل "جونسون" في توقعه هو أن الحجم الهائل لهذه الصفقة سيتسبب في إسالة لعاب الكثيرين من مقتنصي الفرص في وول ستريت، ودخول منافسين على الخط لن يتمكن من ردعهم، وهذا هو سبب تسمية الكتاب بهذا الاسم "الهمج على الأبواب".

 

- كان "بيتر كوهين" الرئيس التنفيذي لـ"شيرسون" بمثابة اليد اليمنى لـ"جونسون"، ورغم أنه لم يتعامل مطلقاً مع صفقات الاستحواذ الممولة بالديون بل إن شركته لم يكن حتى لديها قسم مختص بسندات "الخردة" إلا أنه كان يرغب في دخول اللعبة بأي شكل، في محاولة لتحسين الأرباح الباهتة لشركته.

 

- وافق "كوهين" على مطالب "جونسون" بالسيطرة الكاملة على "آر جيه آر نابيسكو" (بما في ذلك القدرة على استخدام حق النقض ضد إقالته) بالإضافة إلى حصة قيمتها 2.5 مليار دولار يتقاسمها "جونسون" مع عدد قليل من المديرين التنفيذيين.

 

- لم يتراجع "جونسون" عن هذا الاتفاق إلا بعد أن اعترض "جيمس روبنسون" رئيس "كوهين" على هذه العطية. والمثير للدهشة هو أن الكتاب يشير إلى أن وجه الاعتراض على الصفقة من جانب "روبنسون" كان بسبب مظهرها وليس بسبب الجشع نفسه.

 

- الرجل الذي دمر مخطط "جونسون" و"كوهين" في الاستحواذ على "آر جيه آر نابيسكو" هو "هنري كرافيس"، أحد مؤسسي شركة "كوهلبرج كرافيس روبرتس"، والذي بمجرد أن اطلع على العرض المقدم من قبل "جونسون" علم أن الأخير قيم الشركة بأقل من قيمتها، ليقوم برفع العرض إلى 90 دولارا للسهم.

 

- في اجتماع استمر لاثنتي عشرة ساعة، قام مجلس إدارة "آر جيه آر نابيسكو" بالنظر في العرضين المقدمين من قبل فريق الإدارة بقيادة "جونسون" الذي عرض 112 دولارا مقابل السهم، و"كوهلبرج كرافيس" التي عرضت 109 دولارات.

 

- رغم أن عرض "كوهلبرج كرافيس" لم يكن هو الأعلى، إلا أن هناك عاملين رجحا كفتها في هذه الصفقة.



- أولاً: فقدان "روس جونسون" لقدر كبير من المصداقية لدى الجمهور، وثانياً: كان العرض المقدم من قبل "كوهلبرج كرافيس" أكثر تنظيماً ووضوحاً فيما يتعلق بكيفية التعامل مع الأسهم الممتازة والسندات القابلة للتحويل.

- في نهاية معركة استمرت لستة أسابيع شارك خلالها كل البنوك الاستثمارية في وول ستريت كمستشار لأحد الطرفين، نجحت "كوهلبرج كرافيس" في الاستحواذ على "آر جيه آر نابيسكو" مقابل 25 مليار دولار أو 109 دولارات للسهم.

 

- على الرغم من الوعود التي قطعتها لمجلس الإدارة، بدأت "كوهلبرج كرافيس" بعد فترة قصيرة من التوقيع على الصفقة في بيع جزء من أصول "نابيسكو" لسداد مدفوعات الفائدة، كما قامت بالاستغناء عن حوالي 2600 موظف، ورفع أسعار المنتجات.

 

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.