نبض أرقام
17:18
توقيت مكة المكرمة

2024/07/22
14:15
12:06

"غارة الفجر" .. اليوم الذي اختطفت فيه ماليزيا أصولها من بين أيدي البريطانيين

2017/11/03 أرقام - خاص

في صباح السابع من سبتمبر/أيلول عام 1981، سيطرت ماليزيا على مجموعة المطاط وزيت النخيل البريطانية "جوثري" في عملية خاطفة لم تستغرق سوى 4 ساعات، لتضع الدولة الماليزية يدها على الكيان الذي يمتلك عشرات آلاف الأفدنة من الأراضي الزراعية في البلاد.
 

كانت "غارة الفجر" هذه، هي عملية الاستحواذ الأكثر دراماتيكية على شركة أجنبية خلال سعي ماليزيا إلى إعادة هيكلة اقتصادها في فترة ما بعد الاستعمار. ولا يزال هذا الحدث حاضراً بقوة في الذاكرة الماليزية المعاصرة.
 

 

واستناداً إلى مجموعة متنوعة من المصادر، من بينها مقابلات ومراسلات أصلية مع المشاركين الرئيسيين في الغارة التي شنتها ماليزيا على "جوثري"، فضلاً عن وثائق بريطانية صدرت قبل سنوات قليلة، تقدم دراسة أعدها باحثين من جامعتي "مالايا" الماليزية و"جون مورس ليفربول" البريطانية تفاصيل مثيرة حول الغارة، حيث مكنت بموجب قانون حرية المعلومات البريطاني، من الحصول على حق الوصول إلى ملفات بنك إنجلترا التي تتناول الغارة وعواقبها.
 

البريطانيون أفاقوا بالكاد من أثر الصدمة
 

- يشير مصطلح "غارة الفجر" إلى الاستحواذ المفاجئ على أسهم شركة معينة من قبل جهة أخرى بعد وقت قصير من دق جرس الافتتاح في سوق الأسهم. وبالتالي تضع الجهة المستحوذة يدها على حصة كبيرة من أسهم الشركة المستهدفة دون أي إشعار مسبق. وهذا ما حدث بالضبط في صباح السابع من سبتمبر/أيلول عام 1981.

 

- في أقل من أربع ساعات من بدء التداول، قامت شركة "بيرمودالان ناسونال بيرهاد" (PNB) بزيادة حصتها في أسهم شركة "جوثري" البالغ عددها 31.34 مليون سهم من حوالي 25% إلى أكثر من 50%، في هجوم خاطف أفقد الشركة البريطانية أي قدرة على الدفاع.

 

- مثّلت الخطوة الماليزية صدمة هائلة لكبار المسؤولين التنفيذيين في "جوثري". ومن جهتها وصفت "الإيكونوميست" الهجوم الماليزي بأنه "تحرك تم بقدر عال من الأناقة".
 


- في المقابل، وفي تصريح غير مستغرب، وصف "إيان كوتس" المدير الإداري لشركة "جوثري" الاستيلاء الماليزي بأنها عملية تأميم تمت من الباب الأمامي، في حين وصفته "فاينانشيال تايمز" بأنها تأميم من الباب الخلفي.

 

- بدا هذا الحدث غير عادي في سياق إستراتيجية التنمية الاقتصادية الماليزية خلال فترة ما بعد الاستعمار. فعلى النقيض من الدول الجنوب شرق آسيوية الأخرى، انتهجت ماليزيا موقفاً متحررا وبراجماتياً بشكل ملحوظ تجاه الاستثمارات الأجنبية في البلاد.

 

- ففي بورما على سبيل المثال، بدأ تأميم غابات الساج وغيرها من الموارد الطبيعية في يونيو/حزيران عام 1948، أي في غضون 6 أشهر من الاستقلال عن بريطانيا، وبحلول عام 1963، بدأت الحكومة البورمية في توسيع نطاق أنشطة التأميم ووضع يدها على أنشطة التجارة والشحن التي كانت تسيطر عليها الشركات البريطانية في السابق.

 

- بسبب الطبيعة السريعة والسرية لعملية الاستيلاء على "جوثري" وأهمية هذا الحدث في تاريخ ماليزيا، لا يزال هناك جدال حول السبب الرئيسي لتلك الغارة، فهناك من يشير إلى أن "جوثري" كانت ضحية لتدهور العلاقات الماليزية البريطانية مع قدوم "مهاتير محمد" إلى رأس السلطة في يونيو/حزيران 1981.

 

- لكن ربما التفسير الأكثر إقناعاً ومنطقية، هو أن غارة الفجر كانت نتيجة منطقية لبرنامج التنمية الاقتصادية الماليزي "سياسة اقتصادية جديدة" (NEP) وتطلعات "تون إسماعيل محمد علي"، المحافظ السابق للبنك المركزي الماليزي، ورئيس (PNB) – الشركة المستحوذة على "جوثري" – خلال الفترة ما بين عامي 1978 و1998.
 

تفاصيل الغارة.. ودور الكويتيين
 

- سمحت عملية الاستيلاء لماليزيا باستعادة ملكية حوالي 200 ألف فدان (800 كلم) من  مزارع المطاط وزيت النخيل والكاكاو والشاي، لتقوم بتعيين "خالد إبراهيم" رئيساً لـ"جوثري".

 

- كشف خالد إبراهيم عن أن السبب الرئيسي الذي شجعهم على الاستحواذ على "جوثري" في عام 1981، هو الطبيعة المتشعبة لملكية الشركة، والتي كانت عبارة تكتلات من الأسهم تمتلكها جهات تم التعرف عليها بسهولة، وهو ما مكّن ماليزيا من التفاوض مع عدد منها بشكل مباشر أو من خلال أحد الوسطاء في لندن، شركة "روتشيلد".

 

- علاوة على ذلك، كان عدد من المستثمرين الذين يمتلكون حيازات معتبرة من "جوثري" أصدقاء للماليزيين، والذين كانوا يمتلكون بالفعل 25% من الشركة البريطانية عبر شركة (PNB)، كانت ستصبح 40% إذا تمكنوا من إقناع هؤلاء المستثمرين بالبيع، وهو ما يمكّن ماليزيا من السيطرة على مجلس إدارة الشركة في لندن.



- شملت قائمة المستثمرين الأصدقاء لماليزيا، "بنك سيمبانان ناسونال" الماليزي، ومكتب الاستثمار الكويتي، والمؤسسة المصرفية الخارجية الصينية (OCBC).

 

- اتضح لاحقاً أن رئيس (OCBC) "تان تشين توان" قرر عدم بيع حصته في "جوثري" إلى الماليزيين، رغم الغداء الذي طال وقته مع "إسماعيل علي" في سنغافورة يوم 7 سبتمبر/أيلول، تزامناً مع انطلاق التداولات في لندن. ومع ذلك وافق المساهمون الكويتيون والماليزيون على البيع.

 

- في لندن تمكنت شركة "روتشيلد" – السمسار الخاص بماليزيا – من الحصول على موافقة صندوق الاستثمار "إم آند جي" على بيع 11% من أسهم "جوثري"، كما تمكنت "PNB" أيضاً من شراء 5% من مجموعة من صغار المساهمين عبر شركة الوساطة "روي آند بيتمان".

 

- مع حلول ظهر اليوم، تمكنت الحكومة الماليزية عبر "PNB" من السيطرة على أغلبية أسهم "جوثري"، الشركة التي احتلت في ذلك الوقت المرتبة الـ68 ضمن قائمة أكبر مائة شركة بريطانية.
 

بين "مهاتير" و"تاتشر"
 

- كان "إسماعيل علي" – رئيس "PNB" في سبتمبر/أيلول – هو صهر رئيس وزراء ماليزيا "مهاتير محمد"، وتوجد شكوك كبيرة حول أن هذه العلاقة شكلت تأثيراً كبيراً على قرار ماليزيا بالاستيلاء على "جوثري".

 

- تلقى "مهاتير محمد" تعليمه باللغة الإنجليزية في جامعة "مالايا" في سنغافورة، ولكنه لم ينسجم أبداً مع التقاليد البريطانية، فقد كان أول رئيس وزارء ماليزي غير مدخن ولا يشرب الخمر، وذلك على عكس أسلافه مثل، "تونكو عبد الرحمن" و"عبد الرزاق حسين" اللذين كانا ينتميان إلى الطبقة الأرستقراطية.

 

- قبل أن يتولى رئاسة الوزراء في عام 1981، اشتبك "مهاتير محمد" مع رئيسة الوزراء البريطانية "مارجريت تاتشر" بعد قيام حكومتها بإلغاء الإعانات المالية للطلاب الماليزيين الراغبين في الدراسة ببريطانيا في عام 1979.


 

- أما بالنسبة للطلبة الماليزيين البالغ عددهم 17 ألف طالب، الذين كانوا يدرسون بالفعل في الجامعات البريطانية، فقد ارتفعت الرسوم المفروضة عليهم بنحو 20%، وهي الإجراءات لتي زادت من الضغط على قطاع التعليم العالي الماليزي الوليد. ولذلك اعتبر البعض خطوة الاستيلاء على "جوثري" تعد انتقاماً من الحكومة البريطانية ولكن على طريقتها.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة