في العاشر من أبريل/نيسان عام 1954، وضع المدير المشترك لمصلحة الضرائب الفرنسية "موريس لوريه" القواعد الأساسية لما تسمى بالفرنسية "la taxe sur la valeur ajoutée" أو "ضريبة القيمة المضافة".
وعلى الرغم من أن البعض يعتبر أن إعلانها أهم تطور حدث في الهيكل الضريبي خلال النصف الثاني من القرن العشرين، إلا أن ضريبة القيمة المضافة كانت ولا تزال مثار نقاش وجدال بين الكثيرين سواء من العامة أو من أهل السياسة وأصحاب القرار، ولطالما دارت حوارات وسجالات كثيرة حول آثار هذه الضريبة.
وعلى عكس ضريبة المبيعات التقليدية، يتم فرض ضريبة القيمة المضافة على معظم توريدات السلع والخدمات التي يتم شراؤها وبيعها في كل مرحلة من مراحل "سلسلة التوريد".
2 + 4 + 4 = 10
- لنضرب مثالاً.. رغيف الخبز الذي تشتريه من السوبر ماركت، يمر بسلسلة توريد تشمل كلا من: المزارع والخباز وأخيراً السوبر ماركت. ولنفترض أن معدل ضريبة القيمة المضافة هو 10%.
- 1: يقوم المزارع بزراعة القمح وبيعه إلى الخباز مقابل 20 هللة. ضريبة القيمة المضافة هنا تساوي 2 هللة، لذلك يدفع الخباز 22 هللة إلى المزارع الذي يقوم بدوره بإرسال الضريبة المفروضة على القيمة المضافة (2 هللة) إلى الحكومة.
- 2: الخباز يقوم بتصنيع الخبز وبيع الرغيف إلى السوبر ماركت مقابل 60 هللة. وفي ظل أن ضريبة القيمة المضافة هنا تساوي 6 هللات، يقوم السوبر ماركت بدفع 66 هللة مقابل كل رغيف إلى الخباز، الذي يقوم بإرسال 4 هللات إلى الحكومة (كان من المفترض أن يدفع 6 هللات ولكن يتم خصم قيمة الضريبة التي دفعها إلى المزارع "الـ2 هللة").
- 3: يبيعك السوبر ماركت الرغيف مقابل واحد ريال. ولكنك تدفع 1.10 ريال بعد احتساب ضريبة القيمة المضافة، ويقوم السوبر ماركت بإرسال 4 هللات إلى الحكومة (10 هللات مطروحاً منها قيمة الضريبة التي دفعها صاحب السوبر ماركت إلى الخباز والتي تساوي 6 هللات).
- إجمالاً، تحصل الحكومة 10 هللات: 2 هللة من المزارع و4 هللات من الخباز و4 هللات من السوبر ماركت. هكذا تعمل ضريبة القيمة المضافة.
كيف تختلف عن ضريبة المبيعات؟
- للوهلة الأولى يبدو أن ضريبة القيمة المضافة معقدة، وذلك في ظل وجود مجموعة مختلفة من المدفوعات الضريبية التي يتم فرضها على طول العملية الإنتاجية، وهذا ما يدفع البعض إلى التساؤل: أليس من الأسهل اعتماد ضريبة مبيعات تُفرض لمرة واحدة؟
- الواقع هو العكس. تستطيع الحكومة تحصيل ضريبة القيمة المضافة بطريقة أكثر سهولة مقارنة مع ضريبة المبيعات، وذلك لأنه على خلاف الأولى، لا يوجد طرف مقابل في المعاملة في ضريبة المبيعات، ولذلك يسهل على الكثيرين التهرب منها.
- بالرجوع إلى المثال السابق، ما يمنع الخباز مثلاً من محاولة التهرب من دفع ضريبة القيمة المضافة هو إدراكه أن السوبر ماركت سيبلغ عن المعاملة في تقاريره التي يرسلها إلى الحكومة، التي ستقوم بدورها بالرجوع إلى الخباز وسؤاله عن الـ60 هللة. هذه ما تسمى بالآلية المضادة.
- في ضريبة المبيعات، لا توجد آلية مضادة، ولذلك تشير الكثير من البحوث والدراسات إلى أن التجارب التاريخية تؤكد على صعوبة فرض ضريبة المبيعات عندما تتجاوز معدلاتها المنطقة بين 6 إلى 10%، لأن الناس دائماً ما ينجحون في إيجاد طرق للتهرب منها.
- تقوم الشركات بلعب دور الوسيط بين الدولة والمستهلك في تحصيل هذه الضريبة، من خلال إرسال الضرائب المحصلة إلى الحكومة، ولكن في نهاية المطاف، المستهلك هو من يتحمل عبء تلك الضريبة، حيث إن السعر النهائي للسلع والخدمات التي يشتريها يشمل كل الضرائب التي تم فرضها في جميع مراحل الإنتاج.
- هذا يعني أن ضريبة القيمة المضافة يتم فرضها على ما يستهلكه الناس لا على ما يكسبونه، وهذا هو السبب في أن البعض يعتبرها عمياء وغير عادلة لا تفرق بين المستهلكين بحسب مستوى دخلهم، ولذلك يشير نقادها إلى أن عبء هذه الضريبة يقع بشكل غير متناسب على الأسر ذات الدخل المنخفض، وتؤثر سلباً على قدرتهم الشرائية المحدودة أصلاً.
- في المقابل، يرى مؤيدو ضريبة القيمة المضافة أنها أفضل في دعم النمو الاقتصادي مقارنة مع ضريبة الدخل، لأن الأولى تحقق وفورات ضريبية واستثمارية، والحكومات تفضلها لأنها عادة ما تولد المزيد من العائدات، وذلك يرجع جزئياً إلى الدور الذي تلعبه الشركات في جمعها.
- في أوروبا، تعتبر ضريبة القيمة المضافة مصدراً رئيسياً لإيرادات الحكومات. فعندما اعتمدت بلجيكا وفرنسا وألمانيا وآيرلندا وإيطاليا وهولندا ضريبة القيمة المضافة خلال الفترة ما بين عامي 1968 و1971، كان الهدف المعلن هو الوصول إلى وضع (الحياد)، بمعنى أن المكاسب التي ستحققها هذه الحكومات من فرض ضريبة القيمة المضافة سيتم معادلتها بالكامل عبر خفض أنواع أخرى من الضرائب.
- لم تمض الأمور على النحو المرغوب، حيث ارتفعت بشكل كبير الإيرادات والإنفاق الحكوميين كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. ففي فرنسا خلال عام 1967، أي قبل عام واحد من اعتماد باريس لضريبة القيمة المضافة، كانت الإيرادات الحكومية تمثل 33.4% من الناتج المحلي الإجمالي.
- في عام 1968، طبقت فرنسا ضريبة القيمة المضافة بمعدل 13.6%. وبحلول عام 2014، وصل معدل ضريبة القيمة المضافة إلى 20%، وبلغت الإيرادات الحكومية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي 45.2%.
الشفافية شيء جيد، ولكن..
- أخيراً، ثمة فرق رئيسي آخر بين ضريبة القيمة المضافة وضريبة المبيعات، وهو شفافية كل منهما بالنسبة للمستهلكين. فضريبة المبيعات التي يعرفها الجميع، تستطيع كمستهلك رؤيتها على إيصالات المتاجر، وعلى الرغم من أنك نادراً ما تكون سعيداً برؤيتها، إلا أنها في النهاية واضحة وقابلة للتنبؤ.
- هذا لا ينطبق على ضريبة القيمة المضافة التي تكون عادة مخفية وغير مرئية تقريباً، فعندما تدفع ثمن أي سلعة لن تجد تفصيلا للضريبة على إيصالك، وبذلك لا تكون كمستهلك على بينة من قيمة ما تدفعه من ضرائب.
- في عام 1991، فرض رئيس الوزراء الكندي ورئيس المحافظين التقدميين "براين مولروني" ضريبة شفافة 7%. في الانتخابات التالية، خسر حزبه جميع مقاعده البرلمانية الـ151 تقريباً، وكانت أكبر هزيمة في تاريخ البرلمان الكندي، وبلا شك كانت الضريبة التي لم تحظ بشعبية واسعة مساهماً رئيسياً في تلك النتيجة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}