نبض أرقام
08:37 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/03
2024/11/02

شجاعة اتخاذ القرار .. كواليس إدارة "بن برنانكي" لأزمة 2008

2017/11/24 أرقام - خاص

الكثير ممن عايشوا الأزمة المالية العالمية الأخيرة لطالما رغبوا في معرفة كواليس ما دار في اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي في الخامس من أغسطس/آب 2008، وعدد من اجتماعات اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في الفترة من عام 2006 إلى 2014، وهي السنوات التي ترأس الفيدرالي خلالها "بن برنانكي".



 

في مذكراته التي أطلق عليها "شجاعة اتخاذ القرار: ذكريات أزمة وما بعدها" يعترف "برنانكي" بأن الفيدرالي أخطأ في عدم فرض الضوابط التنظيمية على البنوك الكبيرة قبل الأزمة المالية، غير أنه نفى أن تكون السياسة النقدية للمركزي الأمريكي كانت من بين الأسباب التي أسهمت في تكوين الفقاعات المالية التي سبقت انفجار الأزمة.
 

ولحسن الحظ، يؤكد الرجل الذي تولى رئاسة الفيدرالي قبيل الأزمة أن شجاعة البنك المركزي على التصرف بجرأة منعت الاقتصاد الأمريكي ومن خلفه الاقتصاد العالمي من الانزلاق إلى أسوأ فترة كساد في تاريخ البشرية.
 

احتاج "بن برنانكي" إلى 600 صفحة لتغطية فترة رئاسته للفيدرالي، في حين أن سلفه "آلان جرينسبان" قام بتغطية 20 عاماً قضاها في نفس المنصب في بضع صفحات، وهذا ربما يعطي لمحة بسيطة حول الطبيعة الاستثنائية للثماني سنوات التي قضاها "برنانكي" على رأس الفيدرالي.
 

الرجل المناسب في المكان والوقت المناسبين
 

- معظم الشخصيات التي اضطرت للتعامل مع الأحداث التاريخية المهمة لم يكن لديها ترف الاستعداد للتحديات التي تواجهها. "فرانكلين روزفلت" على سبيل المثال، لم يكن يخطر ببال أي من أعضاء إدارته أن بلاده قد تخوض غمار الحرب العالمية الثانية.

 

- لكن "بن برناكي" هو أحد استثناءات لهذه القاعدة، وذلك لأنه أكثر من أي خبير اقتصادي آخر في وقته، أمضى حياته المهنية في دراسة الكساد العظيم، الحدث الذي تتشابه ظروفه مع الكارثة التي كان يقف على أبوابها الاقتصاد الأمريكي.

 

- عندما بدأ برنانكي مسيرته الأكاديمية في عام 1979 كأستاذ في كلية إدارة الأعمال بجامعة ستانفورد، كانت فرضية الكساد لا تتمتع بشعبية كبيرة. وعلى عكس خبراء الاقتصاد الكلي الذين لم يفكروا في فترات الكساد في ذلك الوقت، جعلها "برنانكي" هاجسه، وانكفأ على دراسة تاريخها وتفاصيلها وأسباب وقوعها.



- لذا كان من حسن الحظ، أنه عندما وقعت أزمة 2008، كان أقوى صناع السياسة الاقتصادية في أمريكا، هو "بن برنانكي"، الاقتصادي الذي قضى وقتًا أطول من أي شخص آخر في دراسة سابقة تاريخية لهذا النوع من الأزمات.

 

- على سبيل المثال، كل من "مارتن فلدشتاين" و"جلين هوبارد"، الاسمين اللذين تم طرحهما في عام 2006 كمرشحين محتملين لرئاسة الفيدرالي، ربما كانا سيكونان متساهلين مع فكرة السماح بانهيار البنوك الكبيرة تحت وطأة قراراتها السيئة. أما "برنانكي"، فحاول جاهدًا إنقاذ اللاعبين الكبار بالنظام المصرفي بسرعة وحسم.

 

- باختصار، عندما ظهر شبح انهيار النظام المالي الأمريكي، كان "برنانكي" هو الأكثر استعدادًا من بين زملائه لإدارة الأزمة وتوجيه الدفة باستخدام السياسة النقدية.
 

السياسيون في مواجهة التكنوقراط
 

- مجلس الاحتياطي الفيدرالي، هو مؤسسة تكنوقراطية تتمتع باستقلال شبه كامل، غير أن الدول الديمقرطية عادة ما يكون لديها علاقات غير مستقرة مع المسؤولين الأقوياء غير المنتخبين، خاصة عندما تكون قراراتهم لها عواقب كبيرة على كيفية توزيع الثروة، وهو ما يؤدي إلى وجود ما يشبه الخصومة بين مسؤولي البنك المركزي والسياسيين.

 

- في مذكراته، يروي "برنانكي" بالتفصيل الممل، المقاومة الغاضبة ضد برنامج إغاثة الأصول المضطربة (TARP) وعمليات الإنقاذ الأخرى، والتي جاءت بشكل رئيسي من جانب الجناح الجمهوري للكونجرس، وربما كان هذا الخلاف طبيعياً، حيث الخشية من "إغضاب" ناخبيهم إذا صوتوا لصالح برامج الإنقاذ.

- في هذه اللحظة، لا الكونجرس ولا الناخبين كانوا يدركون مدى خطورة ترك البنوك الكبيرة لمصيرها، حيث كان كلاهما يزن الأمور بطريقة قد تكون صحيحة إذا كان الوضع عاديًا، فالبنسبة لهما هذه هي النهاية المنطقية للمؤسسات الجشعة ومديريها الأغنياء. لكن على الجانب الآخر، كان مسؤولو الفيدرالي، وبالأخص "برنانكي" يدركون أن الوضع ليس طبيعيًا، ولكنهم كانوا يواجهون صعوبة في جعل الطرف الآخر يدرك هذه الحقيقة.

 

- في إحدى الفقرات الملفتة بالكتاب، يشير "برنانكي" إلى الجهل الاقتصادي للجمهوريين الذين هاجموا سياساته، قائلاً: " لقد أشاروا إلى تضخم غير موجود، وحين تخرج البيانات الرسمية مخالفة لتوقعاتهم، يستدعون على الفور نظرية المؤامرة... لقد دافعوا عن أنظمة نقدية سيئة السمعة، مثل معيار الذهب" كما يراها الرجل نفسه.

 


 

الكارثة الحقيقية.. فقدان الثقة
 

- يشير "برنانكي" في أكثر من موضع بمذكراته إلى أن المشكلة الحقيقية في أزمة 2008 كانت حالة الذعر، موضحًا أن خسائر الرهون العقارية لم تكن بهذه الضخامة، ويمكن مقارنتها بالخسائر الكبيرة التي يتكبدها سوق الأسهم من آن إلى آخر من حيث حجم الثروات المفقودة.

 

- لذا كان السؤال، كيف يمكن أن تؤدي تلك الخسائر إلى أزمة كبرى كهذه؟ وكان الجواب هو أنه وقع سيناريو شبيه بما حدث قبل ما يقرب من 125 عاماً خلال الكساد العظيم، حين تسببت طلقة واحدة في إثارة ذعر كبير بين الجميع.

- أحد الأسباب التي جعلت الفيدرالي يخطئ في تقدير الأثر الذي قد تحدثه الرهون العقارية، هو أنها كانت تمثل فئة صغيرة جدًا من حجم الأصول المستثمرة في السوق. وما حدث هو أن المستثمرين بمجرد أن بدأوا يدركون أن سندات الرهن العقاري المضمنة بسندات ثانوية تفقد قيمتها اندفعت أعداد كبيرة منهم إلى الانسحاب من السوق وتصفية مراكزها بسرعة.

 

- في التاسع من أغسطس/آب 2007، منع بنك "بي إن بي باريبا" – أكبر بنك في فرنسا – المستثمرين من سحب أموالهم من ثلاثة من الصناديق الاستثمارية التي تحتوي محافظها المالية على أوراق مالية مدعومة برهون عقارية أمريكية.

 

- كان الذعر وعدم الثقة ينتشران بشكل سريع بين المشترين المحتملين الذين انسحبوا من السوق بشكل كامل، لتبدأ موجة لبيع كافة الأصول المرتبطة بالرهون العقارية الأمريكية في جميع أنحاء العالم. وحتى تلك اللحظة، كان "برنانكي" وغيره من مسؤولي الفيدرالي يعتقدون أن مشاكل الرهون العقارية لن تؤدي إلى أزمة اقتصادية كبيرة.



 

- في سبتمبر/أيلول عام 2008، انتقد "برنانكي" التحذيرات التي أطلقتها صحف كبرى مثل "فاينانشيال تايمز" و"وول ستريت جورنال" حول الآثار الخطيرة لخطة الإنقاذ الجديدة، وحول كونها تشجع على المزيد من المخاطرة المتهورة، قائلاً، إنه مقتنع تمامًا بأن الحديث حول المخاطر المعنوية وسط أزمة مالية كبيرة هو أمر مضلل وخطير.

 

- حول ظروف انهيار "ليمان برازرز"، يوضح "برنانكي" أن إستراتيجية الفيدرالي لإنقاذ البنك كانت معتمدة على إيجاد مشتر. وفي ظل عدم تقدم أي مشتر وفي غياب قدرة الفيدرالي على ضخ الأموال بالبنك، لم يكن هناك أي وسيلة لإنقاذه، ليتم إعلان إفلاس "ليمان" في تمام الساعة 01:45 من صباح الاثنين الموافق 15 سبتمبر/أيلول 2008.

 

- يدافع "برنانكي" عن قرارات الفيدرالي خلال تلك الفترة، ويرفض الفكرة القائلة بأن انهيار "ليمان" كان يمكن تجنبه، وأن إفلاسه كان خيار الفيدرالي، الذي رغب في أن يكون بنك الاستثمار الأمريكي عبرة للجميع.

 

- أخيرًا، يعتبر كتاب "برنانكي" مصدرا فريدا للمعرفة بالنسبة لكل مهتم بكيفية إدارة الأزمة المالية العالمية 2007-2009، كما أنه يقدم وصفًا تفصيليًا للتفاعل بين السياسيين الأقوياء وقادة المؤسسات المالية الكبيرة ومسؤولي البنوك المركزي خلال الأزمة.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.