نبض أرقام
11:11 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/10/02
2024/10/01

حال لا يحسدون عليه .. مليارديرات ولكن فقراء!

2018/01/13 أرقام - خاص

في مواجهة تضخم هائل اقتربت نسبته من 90 سكستليون (9 أمامها 22 صفرًا) في المائة ضرب البلاد في عام 2008، تخلت حكومة زيمبابوي عن عملتها المحلية، واختارت بدلًا من ذلك الاعتماد على الدولار الأمريكي في العام 2009 في محاولة لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد.
 

ولكن الوضع لم يتحسن، وظل الاقتصاد مستقرًا ولكن في القاع، وازداد الوضع سوءًا مع تراجع الصادرات، التي تعتبر المصدر الرئيسي للعملة الأجنبية التي أصبحت وسيلة التبادل الأساسية، وبدأ احتياطي البلاد من الدولار الأمريكي يتضاءل. وقد أجبر ذلك الحكومة على اعتماد عملة محلية جديدة في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2016.
 

 

ورغم أن البنك المركزي ضمن للمواطنين أحقيتهم في مبادلة حيازاتهم من العملة الجديدة بما يعادلها من الدولار الأمريكي، أصبحت طوابير المواطنين المصطفة أمام البنوك في انتظار سحب رصيدها مشهدًا مألوفًا في الأشهر الأخيرة. فهم لا يرغبون في أن يتم خداعهم مرة أخرى.
 

لكن ما هذه الدراما؟ زيمبابوي التي كانت حتى عقود قريبة تتمتع بوفرة في مواردها الطبيعية، وبقطاع زراعي مزدهر وثروة معتبرة من رأس المال البشري، كيف تمكن رئيسها السابق "روبرت موجابي" من تدمير وتبديد كل ذلك في غضون 37 عامًا هي مدة بقائه في السلطة؟
 

رُبع سكان هذا البلد أصبح في حاجة إلى المساعدة الغذائية، هذا إلى جانب 72% منهم يعيشون في فقر. كيف تمكن "موجابي" من قلب حال هذا البلد رأسًا على عقب؟ كيف آلت الأوضاع إلى ما هي عليه الآن؟ ما الذي حدث لكي تظهر في دائرة التداول النقدي ورقة بـ100 تريليون دولار زيمبابوي؟
 

خطوة إلى الخلف
 

- فقدت العملة الزيمبابوية قيمتها. بالنسبة للمواطنين ورق التواليت أكثر قيمة منها. ولكن ما الذي يعنيه ذلك؟ لنرجع إلى الأساسيات لكي نفهم الصورة بشكل أفضل.

- ما هذه؟

 

 

- لا تفكر كثيرًا.. هذه مجرد قطعة من الورق العادي!
 

وهذه؟
 

 

- إنها ورقة من فئة الواحد ريال، أليس كذلك؟

 

- السؤال الآن، ما الذي يجعل الورقة الأخيرة مختلفة عن نظيرتها الموجودة بالأعلى؟ هل يمكنك طباعة نفس التصميم الفاخر على أي قطعة ورق واستخدامها كعملة؟ كيف تساوي الورقة الثانية ريالا واحدا بينما تلك التي فوقها لا تساوي شيئا تقريبًا؟

 

- الجواب يكمن في حقيقة أن الورقة الثانية تدعمها الحكومة السعودية. إذا دققت النظر، ستلاحظ وجود توقيعي وزير المالية ومحافظ مؤسسة النقد العربي. ببساطة، تخبرك الحكومة أن هذه الورقة تساوي ريالا واحدا، وبالتالي هي تعادل ريالا واحدا لا شيئا آخر. والحكومة هي الضامن الوحيد لهذه الورقة. (هذا هو حال جميع العملات في العالم الحديث).

 

- هل يعني ذلك أن كل شيء في يد الحكومة، وأنه بإمكانها طباعة أي كمية وطرح أي فئة نقدية وإعلانها كمال؟ بكل تأكيد نعم. لكن ما الذي يعطي قيمة للمال؟ على أي أساس تقرر الحكومة حجم الأموال الذي تقوم بطباعتها؟

 

- كمية النقود الموجودة في دائرة التداول النقدي يجب أن تتناسب مع حجم ما ينتجه الاقتصاد من سلع وخدمات. لنبسط الأمر من خلال المثال التالي: لنفترض أنه لديك تفاحة و6 تمرات. إذا رغبت في تسعير التفاحة ستقول إنها تساوي 6 تمرات.

 

- لكن ماذا لو حصلت على تفاحة أخرى من مكان ما؟ ماذا لديك الآن؟ أصبح لديك تفاحتان و6 تمرات، وبالتالي أصبحت التفاحة الواحدة الآن تساوي 3 تمرات. الشاهد من هذا المثال هو أنه كلما زاد عدد التفاح دون زيادة عدد التمرات، فإن قيمة التفاح ستتهاوى تدريجيًا.

 

- الآن، تصور أن التفاح هو العملة والتمر هو السلع والخدمات بالاقتصاد. إذا زاد حجم المتداول من العملة في الاقتصاد دون أن تنتج البلد سلعًا وخدمات كافية، فتنخفض قيمة العملة. وهذا ما يسمى بالتضخم، وزيمبابوي تعاني من أسوأ شكل من أشكاله.
 

 

- التضخم كفكرة مقبول، أو بالأحرى هو مرغوب فيه من قبل أي اقتصاد لأنه يعزز النمو. وتحاول معظم البلدان الحفاظ على معدل التضخم لديها عند مستوى قريب من 2%. لكن زيمبابوي تواجه تضخما غاية في الإفراط. التضخم لديها اقترب من 90 سكستليون !!!
 

كيف وصلوا إلى هناك؟
 

- لنعود مرة أخرى إلى السؤال الذي طرحناه في صدر التقرير، هو كيف آلت الأوضاع إلى هذا الحال؟

 

- هذه التراجيديا لم تحدث في يوم وليلة. فالأمر بدأ في عام 2000، حين قام رئيس البلاد  "روبرت موجابي" بإصلاحات غير مدروسة تهدف إلى إعادة توزيع الأراضي، والتي قام بانتزاعها بالقوة والعنف من أصحابها البيض وتوزيعها على المزارعين السود، قبل أن يتضح له لاحقًا كارثية هذه الخطوة، ليبدأ مسلسل السقوط.

 

- المشكلة كانت أن أغلبية المزارعين السود لم يكن لديهم أي خبرة أو تدريب في مجال الزراعة. ليبدأ الإنتاج الغذائي بالبلاد في الانخفاض بشكل حاد، وترتفع أسعار الغذاء. على الجانب الآخر، وفي محاولة بائسة لدعم الفقراء لكي يحصلوا على الغذاء قامت الحكومة بطباعة المزيد من الأموال.
 

 

- ازداد الوضع سوءًا بعد أن فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي عقوبات على زيمبابوي لقيامها بانتزاع الأراضي من البيض. وعلى إثر ذلك، فقد العمال الزيمبابويون العاملون بالخارج وظائفهم.

- كما تضررت الاستثمارات الخارجية لرجال الأعمال المحليين، الذين اضطروا إلى تصفية جزء كبير من أعمالهم. لترتفع نسبة البطالة في البلاد. والحكومة من ناحيتها لم تقصر واستمرت في طباعة الأموال لدعم السكان العاطلين على العمل. والتضخم على الجهة الأخرى يرتفع بسرعة الضوء.

 

- فشل المزراعون عديمو الخبرة في إدارة الأراضي التي حصلوا عليها، وفقدوا محاصيلهم، ولم يتمكنوا من تسديد الأموال التي اقترضوها من البنوك، لترتفع نسبة الديون المعدومة، وينهار معها القطاع المصرفي للبلاد.

 

- هذه المرة لم تقف الحكومة الزيمبابوية مكتوفة الأيدي، فقد تدخلت محاولةً إنقاذ هذه البنوك، من خلال إجراء غير متوقع، بدا للجميع وكأنه تفكير خارج الصندوق، وهو طباعة المزيد من الأموال!

 

- لا حاجة للقول بأن معدل التضخم وصل إلى مستويات لا يمكن السيطرة عليها. الإجراء الوحيد الذي كانت تعرفه الحكومة هو طباعة الأموال، وكلما طبعت المزيد فقد المال قيمته. دخل الاقتصاد ودخلت معه البلاد إلى دوامة لا يستطيعان الخروج منها.

 

- تجدر الإشارة أيضًا إلى أن زيمبابوي كانت قد شاركت في أواخر التسعينيات في حرب الكونغو الثانية، والتي أثقلت كاهلها وزادت من الأعباء الواقعة على مواردها المالية.

 

- بحلول عام 2008، تجاوز معدل التضخم 230 مليون في المائة. ودخلت دائرة التداول فئات نقدية غريبة، مثل الـ100 تريليون دولار، والتي لم تكن تساوي أكثر من 40 سنتًا أمريكيًا قبل أن يتم إلغاؤها. كانت أسعار السلع تتضاعف بشكل يومي. فالبيضة التي يبلغ سعرها ألفي دولار زيمبابوي الأربعاء، يصل سعرها إلى 4 آلاف دولار الخميس.

 

- فقد المواطنون ثقتهم في العملة، وأصبحوا لا يثقون في ثبات قيمتها ولو لساعة واحدة، فالورقة النقدية التي يمكنهم بها شراء بيضة اليوم من الممكن جدًا ألا تساوي شيئًا بحلول صباح الغد. ولذلك متى حضر المال في يد أحدهم يذهب به فورًا لشراء أي شيء يمكن أن يشتريه. أي شيء ولكن لا يبقي المال في جيبه.
 

 

- الجميع لجأ إلى اكتناز المواد الأساسية حماية لنفسه من الارتفاع الصاروخي للأسعار. المضحك المبكي هو أن هذا الأسلوب يؤدي إلى ارتفاع الطلب على السلع، وكما نعلم، كلما ارتفع الطلب زاد السعر!! كارثة بكل ما تحمل الكلمة من معنى. إذا أردت شراء رغيف خبز فعليك حمل كيس مليء بالنقود، أما فنجان القهوة فإنه يساوي تريليونات الدولارات.

 

- المواطن الذي يمتلك حسابا مصرفيا يقترب رصيده من 175 كوادريليون دولار زيمبابوي، لن يحصل مقابلها على أكثر من 5 دولارات أمريكية. أما هؤلاء المترفون الذين تتجاوز أرصدتهم حاجز الـ175 كوادريليون دولار، بإمكانهم تحويلها إلى دولارات أمريكية بسعر صرف قدره: 35 كوادريليون دولار زيمبابوي مقابل كل دولار واحد أمريكي.
 

السندات كعملة موازية
 

- بعد انهيار الدولار الزيمبابوي والذي تم التخلي عنه في عام 2009، تحولت البلاد إلى نظام متعدد العملات. تسع عملات يتم قبولها قانونيًا في زيمبابوي، وهي: الدولار الأمريكي والراند الجنوب أفريقي واليورو والإسترليني والدولار الأسترالي والبولا البتسوانية والين الياباني والروبية الهندية واليوان الصيني.

 

- لكن على أرض الواقع، لا يتعامل العديد من التجار في زيمبابوي بكل هذه العملات، ويبرز الدولار الأمريكي كالعملة الأكثر استخدامًا على نطاق واسع.

 

- إضافة إلى هذا المزيج المربك من العملات، وبسبب نقص أوراق الدولار الأمريكي على خلفية اتساع العجز التجاري إلى 3.5 مليار دولار في عام 2014، أصدرت زيمبابوي سندات دين كعملة موازية أواخر العام الماضي. العملة الموازية الجديدة أو السند الورقي تعادل دولارا أمريكيا فقط.
 

 

- في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2017، تولى "إيمرسون منانجاجوا" رئاسة زيمبابوي خلفًا لـ"موجابي" الذي استقال في الحادي والعشرين من الشهر نفسه، وتعهد بإعادة إحياء البلاد التي تعاني من أزمة اقتصادية وتواجه تحديات من بينها معدل بطالة يقترب من 90%، ونقص حاد في النقد، وانهيار البنية التحتية.

 

- "منانجاجوا" حث الدول الغربية التي تفرض عقوبات على بلاده على إعادة النظر في إجراءاتها، بعد أن تعهد بأن تقوم حكومته بتعويض المزراعين الذي صودرت أراضيهم من قبل "موجابي" قبل سنوات.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.