نبض أرقام
07:34 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/24
2024/11/23

لماذا انهارت "كاريليون" للإنشاءات؟ .. هل اعتمدت الحكومة على القطاع الخاص أكثر من اللازم؟

2018/01/19 أرقام - خاص

في يوليو/تموز الماضي فقد سهم شركة الإنشاءات البريطانية "كاريليون" ثلاثة أرباع قيمته خلال ثلاثة أيام فقط، على خلفية البيانات المالية الصادمة التي كشفت عنها الشركة ضمن نتائجها النصف سنوية، ليجد رئيسها التنفيذي "ريتشارد هوسون" نفسه مضطرًا للتقدم باستقالته.

 

الرئيس التنفيذي الجديد، أعلن عن نجاح الشركة في تحقيق وفورات بقيمة 80 مليون إسترليني بعد أن تم تعليق برنامج توزيعات الأرباح البالغة قيمته 80 مليون إسترليني، وانسحابهم من مشروعات في قطر والسعودية ومصر.

 

ولكن هذه الوفورات كانت ضئيلة جدًا بالمقارنة إلى جبل الديون الذي يقف في طريق الشركة التي ارتفعت من 42 مليون إسترليني في عام 2010 إلى 695 مليون إسترليني بنهاية النصف الأول من 2017، قبل أن تصل إلى حوالي 900 مليون إسترليني يوم الجمعة الماضي.

 

 

رغم الانهيار شبه الكامل الذي عانت منه الشركة في يوليو/تموز 2017، وترقب الأسواق المالية للحظة الانهيار الكامل التي اعتبرها الكثيرون مسألة وقت، قامت الحكومة البريطانية في نفس الشهر بمنح "كاريليون" عقدًا بقيمة 450 مليون إسترليني لبناء جزء من خط السكك الحديدية عالية السرعة "إتش إس 2"، مما أدى إلى ارتفاع قصير الأجل لسعر السهم.

 

في ذلك الوقت، قال وزير النقل البريطاني "كريس جرايلينج" في معرض رده على الانتقادات التي وجهت للحكومة بسبب منحها عقدًا بهذه الضخامة لشركة يعلم الجميع أنها في ورطة كبيرة: "أتمنى أن تتمكن كاريليون من حل مشاكلها الداخلية، ولكننا تأكدنا من أن هذه المشاكل لن تؤثر على المشروع محل التعاقد".

 

هذه كانت واحدة من بين محاولات كثيرة بذلت لإنقاذ الشركة التي تعمل على تنفييذ وإدارة الكثير من مشاريع البنية التحتية في مختلف أنحاء العالم، والتي تعتبر أيضًا أكبر مدير للقواعد العسكرية التابعة لوزارة الدفاع البريطانية، ولكن باءت كافة المحاولات بالفشل، لتضطر الشركة إلى إعلان إفلاسها الاثنين الماضي، والبدء مباشرة في تصفية أصولها.

 

"كاريليون" .. ما هي؟

 

- "كاريليون" هي ثاني أكبر شركة إنشاءات وخدمات في المملكة المتحدة، ويعمل لديها حوالي 43 ألف شخص في جميع أنحاء العالم – 20 ألفًا منهم في بريطانيا وحدها – تم تأسيسها في 1999، وتوسعت أعمالها بسرعة، واستحوذت على شركات معروفة تعمل بذات المجال مثل "مولم" (2006) و" ألفريد ماك ألبين" (2008).

 

- لدى الشركة التي تتخذ من ولفرهامبتون مقرا لها عقود شراكة مع الحكومة البريطانية بقيمة 1.7 مليار إسترليني، تشمل بناء وصيانة الطرق السريعة وتنظيف المرافق الحكومية وتوفير الطعام لمئات المدارس والمستشفيات والسجون. بشكل إجمالي تعتمد عليها الحكومة البريطانية في حوالي 450 مشروعًا.

 


- أعمال الشركة تنتشر في أماكن مختلفة حول العالم، كما تتمتع بحضور كبير في الشرق الأوسط. شاركت "كاريليون" في تشييد الكثير من المباني المهمة في بريطانيا، كما تولت إنشاء المسجد الكبير في عُمان، وهي المسؤولة أيضًا عن عملية تجديد محطة القطار الرئيسية في تورونتو.

 

- من يملكها؟ وفقًا لبيانات "بلومبرج" التي تم تحديثها آخر مرة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تمتلك شركة "هارجريفيس لانسداون" حصة قدرها 13%، بينما يمتلك بنك "باركليز" 6.4%، في حين يمتلك كل من "بنك تورونتو دومينيون" وشركة "هاليفاكس شير ديل" حصصا قدرها 6% و5.5% على الترتيب.

 

طريقها إلى المجهول

 

- هناك أسباب كثيرة تقف وراء وصول الشركة إلى هذا الحال، ولكن ربما أهمها هو تأخر حصولها على دفعات من عقود لها في منطقة الشرق الأوسط، وتوسعها في مشاريع ثبت أنها غير مربحة. في العام الماضي فقط قامت بخفض قيمة الأرباح المتوقعة من مشاريعها بنحو 845 مليون إسترليني، لتدخل الشركة في أزمة مالية خانقة.

 

- "كاريليون" في ورطة منذ يوليو/تموز الماضي، بعد أن كشفت عن تسجيلها خسارة نصف سنوية قدرها 1.15 مليار إسترليني، وارتفاع ديونها إلى 695 مليون إسترليني، وخلال الأشهر الخمسة اللاحقة استمرت في نشر تحذيرات حول أرباحها، أشارت في آخرها إلى أن العجز في معاشات موظفيها التقاعدية ارتفعت قيمته إلى 587 مليون إسترليني.

 

- رغم كل ذلك، منحت الحكومة البريطانية الشركة المضطربة عقودًا بقيمة 158 مليون إسترليني خلال الأشهر الستة الماضية لتقديم خدمات إدارة المرافق في أكثر من 230 موقعًا عسكريًا في شمال إنجلترا وأسكتلندا وآيرلندا الشمالية، وعقدين للمشاركة في تشييد خطوط سكك حديدية.

 


- يوم الجمعة الماضي الموافق الثاني عشر من يناير/كانون الثاني، بلغت القيمة السوقية للشركة التي تنتشر أعمالها في القارات الست 61 مليون إسترليني، انخفاضًا من 250 مليون إسترليني في يوليو/تموز الماضي، وملياري إسترليني في عام 2016.

 

- بعد أن تجاوزت ديونها والتزاماتها قيمتها السوقية، لجأت "كاريليون" إلى الحكومة وطرقت أبواب مقرضيها من أجل التدخل لإنقاذها من الانهيار، ولكن فشلت الأطراف الثلاثة في التوصل إلى اتفاق بعد أن رفضت البنوك إقراضها 300 مليون إسترليني من أجل تيسير أعمالها، وهو ذات الاقتراح الذي رفضته الحكومة.

 

- في سوق الأسهم، كان المضاربون أكثر عقلانية من إدارة الشركة والحكومة البريطانية. ببساطة "كاريليون" لديها سمعة في السوق بأنها تتأخر دائمًا في سداد مورديها، وقبل بضع سنوات قررت تمديد فترة السماح قبل الدفع إلى 120 يومًا، أي ما يقرب من ضعف الإطار الزمني السابق.

 

- بسبب إداركهم لحقيقة أن قيام "كاريليون" بتمديد فترة السماح يعتبر ناقوس خطر، قام كل من المضاربين الأفراد وصناديق التحوط بوضع رهانات كبيرة ضد السهم من خلال بيعه على المكشوف على أمل أن تنخفض قيمته، ويجنوا الأرباح. وفي الحقيقة لم يضطروا إلى الانتظار كثيرًا قبل حدوث ذلك.

 

ألم يكن بوسع الحكومة إدارتها؟ .. لماذا التصفية؟

 

- تدخل الحكومة من أجل إدارة أي شركة يهدف في الأساس إلى مساعدتها على سداد ديونها لكي تتجنب الإعسار إن أمكن، في حين أن التصفية تعني بيع جميع أصول الشركة قبل إغلاقها بالكامل.

 

- "كاريليون" تم إلزامها بالتصفية لسببين. الأول هو أنه حتى لو قررت الحكومة إدارتها فإن الشركة لا تمتلك ما يكفي من النقد للحفاظ على سير أعمالها خلال فترة الإدارة. أما الثاني فهو أن الشركة تحتاج إلى تمويل حكومي من أجل المواصلة، والحكومة من جانبها غير مستعدة لذلك بسبب الحساسية التي تكتنف هذه الجزئية بالتحديد.

 


- إنقاذ الشركات الخاصة أصبح مسألة شائكة لا تحظى بدعم الشعب البريطاني بسبب ما حدث في أعقاب الأزمة المالية العالمية الأخيرة، حين قامت الحكومة بالتدخل لإنقاذ بنوك كبرى، مثل "رويال بنك أوف أسكوتلاند" و"لويدز بنك".

 

- موقف الحكومة البريطانية من انهيار "كاريليون" عبر عنه نائب رئيس الوزراء "ديفيد ليدينجتون" كالتالي: "نأسف لانهيار كاريليون، ولكن دافعي الضرائب لا يتوقعون منا أن نتدخل لإنقاذ شركة خاصة، ومسؤوليتنا الرئيسية هي الحفاظ على سير الخدمات العامة التي تديرها الشركة".

 

الشراكة بين القطاعين العام والخاص.. هل تحتاج لإعادة نظر؟

 

- في بريطانيا، تزايدت وتيرة الخصخصة بشكل مطرد على مدار العقود القليلة الماضية. ففي أوائل العقد الأول من القرن العشرين قدمت حكومة حزب العمال بما يسمى بالشراكات بين القطاعين العام والخاص، قبل أن يتعرض هذا النموذج لانتقادات حادة في عام 2007، بعد خروج تكاليف مشروع رفع مستوى مترو لندن عن نطاق السيطرة.

 

- في تصريحات لـ"بي بي سي" قال "برنارد جنكين" رئيس لجنة الادارة العامة بحزب العمال البريطاني "إن حالة كاريليون تزعزع ثقة المواطنين في قدرة القطاع الخاص على تقديم الخدمات العامة والإشراف على تنفييذ وإدارة مشاريع البنية التحتية".

 

- أضاف "جنكين" قائلًا: "الشركات الخاصة التي تدخل مع الحكومة في شراكات يجب أن تنظر إلى نفسها كفرع خدمي للحكومة وليس كشركة خاصة لا يهمها سوى ملء جيوب مساهميها ومديريها".

 

- "كاريليون" قامت بدفع 82.7 مليون إسترليني إلى المساهمين كتوزيعات أرباح في عام 2016، و80 مليون في عام 2015، وهذا ما دفع وزير المعاشات التقاعدية السابق "ستيف ويب" إلى التساؤل قائلًا "هل هذه التصرفات مقبولة من شركة لديها عجز في معاشاتها التقاعدية تربو قيمته على النصف مليار إسترليني؟"

 

 

- "ريتشارد هوسون" الرئيس التنفيذي للشركة منذ عام 2012 وحتى استقالته في منتصف عام 2017 بعد  كشف الشركة عن بياناتها الكارثية، حصل على 1.5 مليون إسترليني في عام 2016، شمل هذا المبلغ مكافأة نقدية قدرها 122 ألف إسترليني، و231 ألف إسترليني كمساهمة في معاشه التقاعدي.

 

- رغم أنه غادر الشركة في يوليو/تموز، استمرت الشركة في دفع راتبه البالغ 660 ألف إسترليني بالإضافة إلى حوافز قدرها 28 ألف إسترليني حتى أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي. أما خلفه الرئيس التنفيذي المؤقت للشركة "كيث كوكرين" الذي سيغادر منصبه الشهر القادم سيظل يحصل على راتبه البالغ 750 ألف إسترليني حتى يوليو/تموز القادم. هكذا تعمل سياسة الأجور بالشركة.

 

- بعد انهيار الشركة صرح زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي السير "فينس كابل" قائلًا: "إن الرئيس التنفيذي المؤقت للشركة لا يزال يحصل على راتبه ومكافآته." وتابع "هذا على الأغلب مكافأة على فشله".

 

- انهيار "كاريليون" وتبعاته المتلاحقة دفع الكثير من المراقبين إلى التساؤل حول ما إذا كانت الحكومة البريطانية بالغت في اعتمادها على القطاع الخاص، وعدم الاكتفاء بنقل الكرة فقط إلى ملعبه بل  ومعها "معظم اللاعبين" وربما الجمهور أيضا.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.